الاثنين ٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم جميلة طلباوي

لحظة من صقيع..

الصباح كان أحد الأغطية التي التحفت بها روحك وأنت تشدّين الرحال إلى ثنايا صوته في الهاتف محاولة فكّ شفرة الألم الذي بدا حريقا سيأتي على كلّ الذكريات والأحلام.
وصلت أخيرا كما طلب منك إلى ذلك المكان المسكون بفجائع الماضي تحيطه شجرة الياسمين ببعض حنانها. جلست إلى تلك المائدة التي طالما اجتمعتما حولها وضحكتما بعفوية وبتلقائية قلتما كلّ الأشياء وبصوت عال.

اليوم لا يمكنكما فعل ذلك على الأقل الضحك مؤجّل، لا مجال سوى لتأمّل هذه اللحظة الهاربة من اعترافكما بأنّ الجليد اكتسح عواطفكما وأنهى انتماءكما لعاطفة اسمها الحبّ. كان صدره يعجّ ٌ بكلمات لم يفصح عنها لسانه لكنّها تطايرت من عينيه دمعة ونظرات ثقبت الجدار المقابل.

حاولت الاحتماء بيديك متراجعة إلى الخلف حتى كاد كرسيّك أن يقع، متخيّلة موجة من بحره هاجت وامتدّت لتصفعك، لتغمرك، لتحتويك ربّما لآخر مرّة، لكن لا بدّ من مقاومتها فالغرق كان الحالة المؤكّدة في تلك اللّحظة.

كانت نظراته تثقب الجدار ونظراتك تثقب روحه حتى أنّك وجدت لصفير الريح صدى داخلها، كانت تنهيدات صمّت أذنيك. تمنّيت لحظتها لوأفرغ كلّ ما في جعبته فتباعدكما كلّ هذه المدّة كان كفيلا بإعطائكما فرصة لاتّخاذ القرار.

اتّصاله الهاتفي بك ودعوته لك للحضور مؤشران على وصوله لقرار أنت نفسك لا تعرفين لماذا أردته أن يتّخذه نيابة عنك.
لأوّلّ مرّة في حياتك تفقدين القدرة على اتّخاذ القرار وأنت من تدير مؤسّسة كبيرة بدقّة، حاسمة في قراراتك، حازمة في رأيك، اليوم يتهاوى كلّ هذا أمام الأنثى الذبيحة فيك وتحتاجين أن يأخذ هوالقرار نيابة عنك.

نظراتك هذه المرّة مسحت شجرة الياسمين التي طالما ظلّلت أحلامكما واحتوت لحظات الجنون فيكما..كنت ترينها تستمتع بمنظركما ترتشفان شاي المساء تحت ظلّها، اليوم ما بالها تشيح بوجهها عنكما. انتابك إحساس بأنّ البحر ملأ المكان وهي الآن وحيدة في جزيرة معزولة عنكما، أوأنّكما انعزلتما في جزيرة خبّأها لكما القدر وقادتكما إليها سفينة هذه اللّحظة من صقيع. كان ما يزال يحاول الاستنجاد بفنجان القهوة ليفسح له المجال لحديث أرهقه.

الفنجان كان ملّ من انتظاره، انفلت من يده التي مدّها اليك، واندلقت القهوة، فزعت أنت وارتبك هو..بدأ يبحث عن عبارات يعتذر بها وكأنّه الاعتذار الوحيد الملزم بتقديمه لك لتلتقي نظراتكما وتخترقان الصّمت.
أراد أن يسمعك لكنّك بادرته بقولك:
 أنا هنا لأسمع قرارك. نجوى، أنت تعرفين مقدار حبّي لك، لا يمكنني تصوّر حياتي بدونك، لكنّني أريد أطفالا.
 والحل في رأيك؟
 نجوى..أنا قرّرت الزواج مرّة ثانية والاختيار الآن لك إمّا أن تقبلي بالوضع أو..
كان البحر حينها يزداد اتّساعا، لم تعد ترى الجزيرة، لم يعد لشجرة الياسمين أثر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى