الاثنين ٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
الشاعرة الفلسطينية سميرة الشرباتي:
بقلم هيثم الشريف

لوعاد الزمن وخيرت بين الزواج والشعر لاخترت الشعر

سنطرد يا ابني العسكر
سلاما سيد المشهد...
سلاما واللظى يمتد..
يشعل ليلنا الاسود..
سلاما سيد المشهد..
سلاما يا ضيى عيني..
محمد..يا ابني المبثوث في جرح الضحى النازف..
محمد.. أيها المزروع في عمري جوى عاصف..
محمد.. انت يا قلبي على قلبي يرف جناحك الاخضر..
على نبض الرؤى تكبر..

هذه الكلمات هي مطلع قصيدة نشرت في ديوان الشهيد محمد الدرة والذي أصدرته "مؤسسة البابطين"في الكويت حيث شمل الديوان ثلاث مجلدات بها 815 قصيدة لعدد من الشعراء العرب بعد أن تم استبعاد 2200 قصيدة ل1682 شاعر عربي وكان للشاعرة الفلسطينية سميرة الشرباتي شرف المشاركة في ديوان محمد الدرة المكون من ثلاث مجلدات والذي ورد مطلعها.

اسمها الحقيقي بديعة عثمان عبد الغني الشرباتي .. ولكنها معروفة في الوسط الادبي بسميرة الشرباتي شاعرة من مدينة الخليل ومن مواليد عام 1943 درست دراستها الابتدائية والثانوية في مدينة الخليل وحصلت بعد ذلك على بكالوريوس في الادب العربي من جامعة بيروت العربية وهي عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين وعضو جمعية العنقاء الثقافية"في الخليل"..صدر لها عدت دواوين شعرية منها
 قصائد بحث عن رفيق مسافر 1976
 كلمات للزمن الآتي عام 1977
 أدونيس الرافض للغربة عام 1991
 اضافة الى المسرحية الشعرية "قصائد تبحث عن رفيق مسافر.

التقيناها فبدأت تحكي حكايتها مع الادب "كثر هم من يقولون أنهم بدأوا الكتابة منذ الطفولة وأنا منهم فمنذ طفولتي وأنا أحس ان لدي هذه الموهبة,وقد كنت أحب هذا الاحساس ,خاصة لأنني أحب الشعر.. منذ ايام المرحلة الابتدائية والاعدادية في ذلك الوقت..ثم أنه قد كان لي عم يهتم بالادب والكتب أسس نواة مكتبة منزلية يرجع الفضل له في تشجيعي على حب الشعر ..حيث كنت ورغم صغري أعود للمنزل من مدرستي لأجده يقرأ بعض الكتب التي لم تكن تتعدى عشرات الكتب فوق أحد الرفوف ,وبحكم أنه لم يكن له أولاد فقد فكان يعتبرنا أبناؤه ويعطيني الدافع لقراءة القصائد حتى منذ كنت بالصف الاول والثاني الابتدائي.

وأذكر قول الشرباتي : (إنه شقيققي الذي استشهد في بيروت كان عمي يوقفني الى جانبه للتباري في قراءة القصائد .. وكنت اشعر بأني اتفوق على أخي).

أما شقيقي الآخر "الشهيد حسني"فقد كان يجتمع مع أصدقاؤه في منزلنا و يقرأ لهم " ملحمة الزير سالم ..أبو زيد الهلالي .. عنتره .. حمزة البهلوان ومن هنا ضمن هذا المناخ كنت أشعر ان في الشعر ما يجذبني.

حتى أنني في الصف الثاني الاعدادي " الثامن الأساسي حاليا" حين كنت بمدرسة بنات الخليل الثانوية "والتي سميت الآن بمدرسة" وداد ناصرالدين الثانوية " قرأت ديوان ابراهيم طوقان ..وكنت كلما دخلت الى مكتبة المدرسة أو المكتبة العامة لا أطلب قصه أو رواية.. بل أطلب دواوين الشعر.. لدرجة أن المعلمة كانت تسألني" لمن تريديه؟؟ لك أم لأحد معين؟؟كما كنت أحصل دائما علىعلامة 9 من 10 كحد أدنى في مواضيع التعبير والانشاء ,ومع ذلك للأسف لم يكن في المدرسة أحد يشجعنا على أن تكون الطالبة .. أديبة في يوم ما !!كمالم تكتشف أي معلمة انه من المكن أن أكون شاعرة .. حتى أنه لم يكن هناك حتى لوحة اعلانات أو مسابقات أو مبارزات شعرية في المدرسة.

ومع هذا وبفضل البيئة الادبية بالمنزل الى جانب اصراري وتصميمي وطموحي في أن أكون شاعرة أو كاتبة تمكنت من ذلك.

و في المرحلة الثانوية حين كان عمري 17 الى 18 سنة تقول سميرة الشرباتي" كان منهاج المدرسة يحوي قصائد وطنية ووجدانية رائعة أثرت بي,فبدأت أكتب الشعر.. الا أن كتاباتي في بداياتي كانت قصائد وجدانية ففي هذه السن يفرض علىالانسان أن يكتب في نوع معين من الشعر نتيجة المراهقة والعواطف المتأججة.. حيث كنت أكتب لنفسي .. أو أقرأ قصائدي لصديقاتي فقط لأنها قصائد شخصية من جهة ولان قصائدي لم تكن صالحة للنشر في مجتمع ان كتبت فيه البنت شعرا وجدانيا تحارب ..اضافة الى أنه كان هناك أخطاء نحوية..لذا كان ذلك يعلمني ويساعدني على أن أحسن من ملكتي الكتابية , حتى انني كنت أكتب معارضات لقصائد شعرية في المنهاج حيث حين كان الاستاذ يشرح القصيدة وأنا أكتب شعر معارض تحت كل بيت شعري. وقد كانت بداياتي بالشعر العمودي ولوكنت بدأت بالشعرالحر لما أتقنت قصائدي ..المهم أنني تمرست عليه وأصبحت لي أذن موسيقية فعرفت الموسيقى والاوزان والقافية من خلال الشعر العمودي بالاضافة للاطلاع على كتب العروض التي اهتممت بها ..كذلك دوواين الشعر العربي ,و بعد المرحلة الثانوية العامة أصبحت معلمة اذ درّست اللغة العربية والانجليزية والتربية الفنية منذ العام 1963

الخطوة الحقيقية الاولى كشاعرة بحسب لسميرة الشرباتي كانت بعد الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 اذ أن الاحداث السياسية قلبت كل كتاباتها رأسا على عقب كما تقول"في تلك المرحلة تحولت من كتابات وجدانية الى الانتماء للارض والوطنية والدفاع عن حق الشعب فجأة...خاصة بعدما استشهد أخي في العام 1968 بمعركة الكرامة ..لذا فان من سخرية الاقدار أن يكون للاحتلال البغيض فضل عليّ بأن حول كتاباتي الى كتابات ملتزمة وبطريقة الشعر الحرّ..وبعد ذلك..وتحديدا بعد وفاة جمال عبد الناصر عام 1971 كتبت قصيدة وطنية أرثيه فيها .. وحاولت نشرها حيث ذهبت الى شخص يوزع صحيفة القدس .. وقدمت له القصيدة لعدم درايتي بأساليب النشر.. فطلب خمسة دنانير مقابل نشرها فدفعت له المبلغ "والذي يقارب 500 شيقل في هذه الايام "على الرغم من أن راتبي الشهري كمعلمة لم يكن يتعدى في ذلك الوقت 18 دينارا...وبعد أن مرور اسبوعين دون أن يتم نشرها..عدت اليه لأسال عن سبب التأخير فكانت اجابته لي بأن هنالك قصائد كثيرة تنتظر النشر ...فورد لي ثلاثة دنانير فقط.

بعد محاولة النشر الأولى شعرت بالاحباط تقول الشاعرة الفلسطينية" مع ذلك بقيت أكتب ..وأكتب مخطوطاتي اليدوية والتي كان يجب أن تكون بمثابة ديواني الاول والذي اسميته " سنوات الاغتراب" وذهبت للقدس عام 1976في محاولة مني للبحث عن دار نشر تقبل نشره,فوجدت بشارع صلاح الدين مكتبا للدعاية والنشر ..وبعد مفاوضات معهم طلب مني دفع 300 دينار ان تم نشره.. فاتفقنا على ذلك ودفعت 150 دينار على أن أراجعه بعد شهر .. فحين عدت اليه فأجابني قائلا" القصائد الوارده في الديوان رومانسية ولا مجال لنشرها ومع ذلك فقد نشرنا لك قصيدة واحدة في جريدة الجديد الادبية التي كان مسؤولا عنها الشاعر الكبير سميح القاسم والتي تصدر في حيفا "وكانت القصيدة المنشور هي قصيدة رثاء جمال عبد الناصر والتي كانت بعنوان"العملاق" تلك التي لم تنشر في صحيفة القدس منذ سنوات .

بنفس العام 1976 تقول الشرباتي" حذفت من الديوان بعض القصائد الرومانسية وأضفت الوطنية لأوازن بين النصوص الرومانسية والوطنية في الديوان كي لا تحذفها الرقابة. وتوجهت لاحدى دور النشر والتوزيع وقدمت لهم ديواني المعدل الذي اسميته "قصائد بحث عن رفيق مسافر"واتفقنا على نشر1000 نسخة وهذا ما تم بعد شهر ليكون ديواني الاول. وحين استلمت النسخة الاولى منه أحسست بشعور رائع حيث أهديتها الى عمي رحمه الله الذي كان له الفضل بأن أرباني على حب الشعر وتذوقه..

وفي العام الذي يليه كنت متسرعة وأريد أن انشر ديواني الثاني "كلمات للزمن الآتي" والمصبوغ بالصبغة الوطنية بالاغلب وفعلا تم نشر1000 نسخة ...وبصراحة لم اعد طباعة هذين الديوانين لأنه لم يكن لدي قرّاء حتى أنني كنت أوزعهم بمعرفتي على معارفي ..اذ لم يكن هناك قراء الا ما ندر
ولأنني لم أكن معروفه في الاوساط الثقافية كشاعرة في المرحلة التي نشر فيها ديواني الاول فلم يجد أي نقد من أي من المثقفين فيما انتقدت ناقده من نابلس ديواني الثاني حيث حلّلت الديوان..ونشرت نقدها لديواني في صحيفة القدس..وكان هداما وكأنها تقول لي من أنت لتكتبي؟؟ فأحسست حينها باحباط فظيع تمخض عنه انقطاعي عن النشر خاصة بعد نقد آخر نشر عام 1978 في مجلة الحدث الادبية في بيروت والذي نقلته احدى الصحف المحلية وبذا توقفت عن الكتابة لمدة عامين.

في العام 1980 عدت لأكتب بنفس الطريقة واضافت الشاعرة الفلسطيني" بعد ذلك بدأت أشارك في حفلات عيد الام والمولد النبوي من خلال الجمعيات الخيرية ,وفي العام 1982 شاركت لأول مرة في "مهرجان الادب الفلسطيني الثاني" بالقدس..وكانت المرة الأولى التي أخرج فيها على الناس ..حيث ألقيت قصيدة لها علاقة بمذبحة صبرا وشاتيلا فكان النص يتحدث عن وجوب توحد كل الفصائل لا أن يقضي كل فصيل كبير على الفصيل الاصغر ..حيث كان مطلع القصيدة يقول:

ينضم الساعد للساعد....
تنقشع عن العين غشاوة...
تتلاشى كل الاحقاد..

وفي العام 1984أصبحت عضوا في اتحاد الكتاب الفلسطينيين ..وشاركت في العام 1987 بمهرجان أدبي أقامه الاتحاد حيث كانت هنالك مسابقة للشعر وللرواية وللمسرح ,فكان أن شاركت بالمسرحية الشعرية "شمس أدونيس الرافض للغربة"والتي استوحيتها من وحي الانتفاضة..الا أنها لم تدخل للمسابقة لأنهم لا يريدون مسرح شعري فبقيت في أدراج الاتحاد ثلاث سنوات ..الى أن فوجئت بعد ثلاث سنوات بأن الاتحاد قام بنشرها كما نشرت أيضا بالصحف كصحيفة الفجر والقدس
سميرة الشرباتي التي تقاعدت تقاعدا قصريا على خلفية دواوينها الشعرية ..الممزوجة بحب الارض والوطن شاركت في العام 1998بمسابقة اقامتها وزارة الثقافة حيث بعا أن أرسلت شعر.. وقصة قصصية.. ومسرح.. وفازت بالمرتبة الأولى في المسرح لا لأنها تجيد المسرح أكثر من اجادتها للشعر ولكن لأنه لم يكن هنالك من فاز بجائزة المسرح فطلبوا منها أن تحصل على جائزة المسرح عوضا عن جائزة الشعر ,وفعلا تسلمت جائزة رمزية الى جانب وعدهم لها بنشر مسرحية "أحلام خلف الشمس"وذلك ما كان.

كما نشرت عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين بعد ذلك ديوان شعر"عرس زيد عرس زينب" ومسرحيات شعرية للأطفال منها "جبينة" اضافة الى حكايات من التراث الفلسطيني ومسرحية الاطفال "مسرحية بدور فوق جبين عروس الدولة" المستوحاه من اعلان الاستقلال بالجزائر.

ولجأت الى منطق عصري
فتولى بحنان أمري
اتسلق..اذ ان زماني الآني يحيي المتسلق
وأنافق..والكل يصفق
وادافع عن شرف الساقط
لأبرر أسباب سقوطي
وأراوغ..وأداهن .. أهدي للسادة مفتاح حروفي
كي أصل
وان طال وقوفي
أتكون براءة أطماعي
في أن اتحدى أوجاعي
في شرعك كفرا وجريمة

الشعر أخذ من سميرة الشرباتي الاطفال....والزوج.. العائلة ... فالشعر في حياتها كان على حساب كل ذلك ولم يبقي لها الا قصائد ومسرحيات وحكايا لهم!!! ومع ذلك لا زالت تؤكد أن الزمن لو عاد فانها ستختار حتما الادب لأنه في دمها ولأن الزواج بحسبها سيقتل الموهبةالشعرية بسبب العلاقات الاجتماعية ...والبيت ..حقوق تحاصرني كشاعرة ..وبصراحة حين اصبت بالاحباط بسبب النقد الذي واجهه ديواني الثاني في نهاية عقد السبعينات كنت قد حننت الى الزواج الا أن القطار قد غادرني!!!

عم الشاعرة سميرة الشرباتي والذي توفى قبل عقود وكان أول من يدفعها لتذوق الشعر وساهم في نشأتها على حب الكتاب كانت هداياه لها عبارة عن كتب لينمي فيها هذا الحب حتى أصبحت هي تطلب ممن يعرضون عليها الهدايا من صديقاتها وزميلاتها أن لا يحضروا سوى الكتب كهدايا في أي مناسبة لها ...لدرجة أن اصبحت هنالك منافسة بينها وبين شقيقتها التي تعيش معها في اقتناء الكتب من المعارض ومن المكتبات مما حول بعض الرفوف من الكتب في عهد عمها منذ عقود الى مكتبة ضخمة بها العديد من الكتب القيمة بل والنادرة لدرجة أن مكتبة بلدية الخليل طلبت منها ضم المكتبة اليها على أن يتم وضع اسمه في زاوية هذه الكتب الا أنها رفضت ذلك لشدة حرصها وحبها لهذه الكتب ,و في المقابل فقد قامت وشقيقتها بفتح المكتبة لمدة يومين في الاسبوع أمام الطلاب والطالبات و حتى طلبة الجامعات مؤكدة أن في المكتبة مراجع هامة مثل موسوعة البابطين ..والاغاني لأبو فرج الاصفهاني ..والكشكول ..ومجلات الرسالة التي كانت تصدر في أواخر العشرينات حتى بداية الاربعينيات والتي تحوي قصصا وأبحاثا ومسرح..وكذلك مجلة العربي منذ بداية صدورها
وفالمكتبة اليوم تحوي أكثر من 4500 كتاب أقدمها يعود لعقد العشرينات اضافة الى
مخطوطات دينية تسبق حتى تلك الفترة اذ أن بعض المخطوطات التي لديها كما تقول عمرها قرابة ال200 سنة ومكتوبة بخط اليد.

أما مشاريعها الثقافية القادمة تقول سميرة الشرباتي"مطولة من 115 صفحة اسمها "بجدلية أمام نافذه العصر" والتي تأمل أن تجد من يدعمها بهدف نشرها .
كما لديها مجموعة من قصائد الاطفال في محاولة منها للابتعاد كما يبدوا عن مشاهد القتل والموت ..وهي تجد في هذه النصوص انها تعيدها الى طفولتها ..اذ تتحدث فيها عن الاطفال.. والفراش..مع الطيور..والطائرة الورقية..
ومن الجدلية التي لم تنشر بعد اخترنا لكم

سيدتي
تقني شعري
خصخصت حروفي كي انقى..
انقى من لبن العصفور الهدف
فهل سيدتي أبقى..
عبد التدليس لأشعاري
كي توصف فيها أفكاري
ببراءة ذمة صاحبها من قول الباطل في الحق؟
سيدتي
ما زلت انقي قمحي من متطفل حب
والذمة عندي ان أرفع بقصيدي
لا ان أرفعه واوقعه باسم لا يوصم بقذارة
أنظف من صحن صيني كان قصيدي في عينيك
أبرأ من طفل في المهد
اشهى من عنقود العنب المغسول بدمعة تشرين
ولكنك كنت طواحين الزمن المتربص بحروفي
ووجدت حروفي تتورط بتبني فكر هدّام
اتكون الرجعه عن خط فكري تلصم اشعاري
في زمن التغيير جريمة؟

وختمت الشاعرة الفلسطينية سميرة الشرباتي حديثها بمرارة عن الاقبال على قراءة وتذوق الشعر اذ قالت " للأسف حين يكون لدينا أمسية شعرية بمحافظة الخليل بالذات لا يتعدى عدد الحضور أكثر من 20 شخص .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى