الأحد ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
الأمن الإجتمـاعي [4]
بقلم علي دهيني

ماذا نريد من الزواج ...؟

تعرفت الى الحياة قبل أن تعرف الحياة.. مثل أي طفلة كانت الأولى في بيت الأهل.. تلهو ساعة في لعبتها.. وأخرى تركض مع بنات جيلها من زوار الأهل.. وفي المساء تتأبط عروسها الصغيرة وتهنأ في نوم طفولي عميق وبريء.

لم تكن تعلم ماذا تخبىء لها الأقدار من مُرّ الأيام وقسوة الظروف.. ويصبح الانتظار وحشة وخوف من القادم المجهول...

لم تكمل سنوات طفولتها الفرحة ... ولم يتسن لها أن تخاطب لعبتها طويلا.. لقد سكن الألم جسد الأم ، فأقعدها.. والأب لم يكن مستعدا للتنازل قيد أنملة عن حقوقه.. ويتخلى عن التزاماته وواجباته وانضباطه ربما، فأوغر نفس الأم بأفكار القلق وحيرة التساؤلات.. ودون سابق إنذار، صارت الأم عليلة وحيدة والأب غادر بحثا عن حياة جديدة ، فكان لزاما على الإبنة أن تتحمل مسؤولية الآسرة بأخوين صغيران وأم طريحة الفراش عليلة يوما ًومتساحبة تجر أوجاعها لِهَمّ تدبير بيتها وأولادها يوما ً آخر.

ومضت سنوات لم تعرف هذه الفتاة ألوان فرح الطفولة.. ولا حتى تساؤلات المراهقة .. وجاءت سنوات إطلالة الأنوثة، وصارت موضع أنظار العيون في عمر الورود الثمانية عشر..

في هذا الواقع ، وفجأة قيل لها ان احد معارف أهلها من أبناء جيرتها يطلب يدها للزواج .. وانه حدد موعد خطوبتها.. ضحكت في سرها، هي تسمع أن الفتاة عندما تصل إلى مثل هذا السن يمكن أن تتزوج وتصبح زوجة وربة منزل و.و.و. إلى آخر ما هنالك من غمزات وهمسات ..

لم يدر في خلدها ماذا تريد من هذا الزواج وماذا يعني في الأصل الزواج.. هي تسمع.. وتسمع فقط .. والباقي تتولاه الأم في قائمة طويلة من الممنوعات والعيبات المحظور عليها إتيانها والقيام بها.. وقائمة التوصيات هذه مليئة بكلمة "حذاري ان..." .

وتلتقي مع الخطيب..

هذا الخطيب ماذا يريد.. ولماذا ينوي الزواج الجواب البديهي (.....) : " صار رجال قد حاله.. مصلحة بيده ويعتمد على نفسه وقادر يفتح بيت..." .

الزواج حاجة ماسة وضرورية.. نعم.. ولأن حاجته تنفيذ إرادة إلهية كانت من غايات خلق الذكر والأنثى ـ كل ذكر وأنثى ـ جعل الله في نفسيهما غريزة تفاعلية متبادلة وجعل فيها مغريات تميل النفس إليها بل تسعى، إنشادا لها لما تُشعر من نشوة ولذة تؤنس وتتملك في النفس ..

تطورت هذه العلاقة عبر العصور وانتظمت في أعراف ومصطلحات وتأنسنت روابطها مع تطور العقل وتنظيماته وتقولبت حسب طبائع وتقاليد كل مجتمع.. وكانت لغة مشتركة بين البشرية جمعاء الكل يعرف أبجديتها الفيزيولوجية. .

ويبقى أن تترجم هذه العلاقة الزوجية وفق مقتضيات كل مجنمع ووفق تطورات وحاجات كل عصر..

ورغم ذلك بقيت هذه العلاقة مليئة بالأسرار .. بداياتها شبه موحدة تغلب عليها روح الإلفة والعشرة والتسامح.. وفجأة تختفي الوجوه خلف الأقنعة وتحتكم العلاقة إلى فعل ورد فعل مموهين لحقيقة مخبأة لا يجرؤ على البوح بها واحد منهما. ولهذا عوامل عدة وأسباب كثيرة منها أحيانا الأوضاع الاقتصادية لكل مجتمع أو بدافع عوامل نفسية ظهرت بسبب غياب الوازع الثقافي عموما والثقافة الاجتماعية والزوجية بخاصة، ما جعل الرجل يندفع وراء شهواته وإرضاء غرائزه بعدما اطمئن الى تكوين بيت الزوجية ، دونما اعتبار لأي محرمات دينية أو التزامات أخلاقية أو الوفاء بالقسم الذي التزم به أمام زوجته بالحفاظ عليها وعلى مشاعرها.. وبالطبع فإن الرجل يخون مع امرأة هي أيضا انساقت وراء مغريات تأمين حاجياتها ومطالبها، فأسلمت جسدها للمشاركة بالخيانة كوسيلة لنيل ما ترغب وترجو مما لم يمكن الحصول عليه في بيت الزوجية ربما، او في بيت الأهل.. وربما بعدما أصبحت مطلقة أو أرملة.. فهذه الانسياقات حقيقة لا تحتاج إلى سبب عند المرأة، لأنها لو أرادت لخلقت الأسباب .. ودائما يتم هذا في غياب الأهلية الثقافية الضرورية في الحياة..

في هذا القسم سوف نتعرض لمرحلة ما قبل الانتقال إلى الحياة الزوجية ونسجل شهادات لمن فاتهن ـ عرفا ـ سن الزواج، فمن المصطلحات والأعراف أن بعض المجتمعات اتفقت ضمنا على سن معينة للزواج.. مستمد في بعض حيثياته من الرسالات السماوية وذلك لأسباب موضوعية تتعلق بسنوات الإخصاب عند الإناث على خلاف الذكور، إذ تصل الأنثى إلى سن الخامسة والأربعين لتتحول تركيبتها الطبيعية الى التوقف عن الإنجاب بوجه عام إلا ما ندر... من هنا كانت الرغبة في الإبكار بموضوع الزواج رغبة بزيادة النسل (ثبت علميا إن الإبكار بالإنجاب أسلم كذلك للمولود من الناحية الصحية).

وقد أسميت مرحلة التوقف عن الإنجاب بمرحلة اليأس ، من هنا كانت تسمية كل متأخرة عن الزواج وأصبح عمرها اقرب إلى سن الأربعينات، يطلق عليها صفة العانس (هذا يسري على من تخطت سن اليأس ولم تتزوج إطلاقا).. لكن لكل مجتمع مصطلحاته.

وانطلاقا من سؤالنا: ماذا تريدين/ تريد من الزواج.. أخذنا مجموعة شهادات من بنات تجاوزن سن القبول الطبيعي وقربن إلى سن الأربعينات ، مع شهادات لمن هن في العشرينات أو الثلاثينات ، وأيضا لمستويات علمية مختلفة، فكان الجواب المشترك بينهن : " لا ادري؟؟..."

"ر.أ." كانت في الثامنة عشرة من عمرها عندما تمت خطوبتها من ابن جيرتها ومعارف والديها.. لكنها انفصلت عن خطيبها بعد ثلاث سنوات ونصف السنة بسبب انصرافها للتفرغ لمسؤوليات البيت وتمريض الوالدة العليلة التي أقعدها المرض عن القيام بمهامها كربة بيت.. وكذلك كان لزاما عليها العمل لإعالة الأخوة بغياب الوالد الذي هجر البيت بعد عشر سنوات من الزواج ..

تقدم لها شاب آخر خطبت له لأقل من سنة " لعدم وجود الانسجام والتفاهم"..أيضا حصل ذلك معها في المرة الثالثة والتي لم تدم لأكثر من أسابيع معدودة .

هي الآن بسن 31 عاما.. وتحاول ان تقرأ الأسباب التي أفشلت الثلاث خطوبات ولم تصل بواحدة منها إلى بيت الزوجية..

"ر.أ." هي واحدة من كثيرات مثلها ممن مررن في مقتبل العمر بعلاقة خطوبة غير ناجحة وما زلن إلى الآن حائرات، متسائلات حول مصائرهن بعد أن تجاوزن سن القبول الطبيعي والنفسي، من قبل الشريك.. في ظنهن أنهن لا يشكُنّ من شيء جسدياً وخلقياً، لكن الحظ لم يتوفر إلى الآن !؟

تحدثت إلى عدد منهن حول آرائهن، فكانت الأجوبة غالبا سطحية وعمومية وفيها صورة العزاء المغلّف بالكبرياء الأنثوي الذي يرفض الاعتراف بحقيقة "التشاوف" النفسي ( أو النرجسية الشكلية) الذي أوصل إلى هذه الحال ويعيدون السبب "تكابرا" (في الظاهر) إلى عدم الخضوع للرجل كما جاء على لسان "م.ح"/42 سنة/ (....) " أنا أرفض الخضوع للرجل" (!!) وفي الوقت عينه فجأة تعترف بأن "مفاوضات" (!!) تجري مع رجل تحبه وهو الآن في الخمسين من العمر إلاّ أن أهله يرفضونها (!!!!) . لكن بوجه عام نلاحظ على وجوه هاتي الفتيات أنهن مسكونات بالحزن على سنوات العمر الغضـّـة التي مضت دون أن تساكن إحداهن جنسها الآخر آو تحقق أمومتها الموعودة بالفطرة والخلق.

لكن "ر.أ." عندما وجهت إليها السؤال ، أغمضت عينيها برهة لتمسح ومضة حزن غـَشـَت خاطرها.." خطوبتي الأولى على شاب يكبرني بسنتين كنت أظنها ناجحة ودائمة.. أنا بعمر 18 سنة وهو 24 ستة.. لكن فجأة وجدنا نفسينا غير متفاهمين على إكمال مسيرتنا ، برغم أنني اعتبره حبي الأول والأخير.. أما من الناحية الجنسية فكانت علاقتنا على قاعدة " شم ولا تذوق" لأنه كان يعتبر أن "الأيام جاية" نعيش ما نريد ونفعل ما نشاء. أما خطوبتي الثانية لم توفق لعدم الانسجام وكذلك الثالثة.. لكن في كل هذا كنت حريصة أن لا يكون هناك آية علاقة جنسية بسبب أن الخطـّاب كانوا من ملّتي أولاً ولأن والدتي كانت تحذرني دائماً من الوقوع في هذا لأن العريس إن أعطته العروس ما يرغب، فسوف يتركها ويتخلى عنها ويأخذ عنها فكرة سيئة.. في حينه اقتنعت بهذا.. فهي الأعلم والأدرك.. ولكن بعد سنوات أدركت أنني أبحث عن شيء أحتاج إليه بقوة وهو يناديني بقوة.. كنت انظر.. استرق النظر إلى المرآة أجول ببصري على مفاتني وعلامات أنوثتي ، فاطرح ألف سؤال وسؤال لماذا انأ محرومة أن أكون مثل غيري من الفتيات ممن أصبحن أمهات وهن أصغر مني، وأيضا يتمتعن بحياتهن الجنسية كما يحلو لهن.. كنت أجول بيدي حول مفاتني وجسدي وأرسم صوراً خيالية أرجوها في يوم التقي بالرجل الذي يبادلني الحب والمشاعر ونعيش حياتنا الجنسية الطبيعية.. لكن في كل مرة كان وضعي العائلي يمنعني من الاسترسال وراء الأحلام.. وجودي ضروري للمساعدة في إعالة العائلة وكذلك تدبير شؤون البيت..

"توصيات والدتي لي حين كنت مخطوبة.. تحوّل فهمها عندي من الامتناع عن المعاشرة غير الشرعية أو المبكرة مع الخطيب إلى ترجمتها في إقامة علاقة مع غريب عن ملّتي وعن بيئتي.. وبالحقيقة هي ليست ترجمة وتحريف، فغاية الوالدة وهدفها هو الحفاظ على نفسي ولكن بأسلوب غير واضح .. المهم وجدت نفسي انجذب الى رجل لأعيش معه قصة حب تلبي رغباتي وتفي حاجاتي الجنسبة بخاصة.. لأنني صرت أرى كل ما يجول بخاطري هو أن شبابي بدأ يفقد نضارته ووهجه وأنا لم أعش ما أشعر وأرغب من تبادل جسدي مع الجنس الآخر..

" بالفعل تعرفت الى هذا الرحل وكان متزوجاً.. لكنه كان يشعرني بالاطمئنان والراحة حتى انه صار جزءا من تفكيري وأستشيره بكل أموري، خاصة وانه كان أكثر مني حرصاً بالحفاظ على عذريتي حين كنا نلتقي بلحظات حميمية.. قضيت معه أجمل الأيام واستمرت علاقتنا لأكثر من ثلاث سنوات ..كنت عندما التقية أترك فسحة الحديث والكلام إلى ما بعد إفراغ شحنات الحب والمشاعر .. فكنا نضم بعضنا بشهوة لا ينفصل جسدينا من نشوتها إلاّ حين ترتقي بنا أحاسيسنا الى قمة اللذة.. " .

أقاطعها.. لو عدنا الى وضعك في البيت.. إلى من تحملين المسؤولية فيما أنت عليه، الأب أم الأم..؟

"لا احمـّــل المسؤولية الى واحد منهما.. كلاهما مسؤول.. أنا الآن في هذا السن أدركت معنى آن يعرف الإنسان ماذا يريد من الزواج"..

****

ليس الآمر من البساطة بحيث توافق العروس أو أن يجد الشاب نفسه بات مؤهلا للزواج.. هناك أمور أساسية لا بد منها .. وهي أن يعي الطرفان ماذا يريدان: بيتا سعيدا؟ حياة حلوة هنيئة؟ أن يكوّنا أسرة جميلة ؟ أن يكونا على دراية بمتطلبات النهوض بالعائلة، أن يفهم كل واحد حاجات الآخر بصدق وقناعة؟ أن يحافظ كل واحد منهما على مشاعر الآخر وأن يقتنع أن جسده وفكره فيهما نصيب كبير لشريك حياته؟ وفي أسئلة أخرى، هل هما على وعي وثقافة تجعلهما يتصديان لمعترضات حياتهما الزوجية وحل مشاكلهما بحكمة وعلم وموضوعية؟ هل يعي كل واحد منهما حقوق الآخر عليه؟ هل فعلا هما مستعدان للقيام بالواجب الذي تقتضيه شراكة الحياة دون لجوء الآخر إلى الحيلة للحصول على ما يريد ، لأن ذلك هو بيت السر في كل ردات الفعل الجانبية التي قد تولد مشكلات كبيرة إذا ما تفاقمت؟

قبل كل ذلك هل اقتنع الشاب والفتاة أن الزوجة الصالحة والرجل الصالح، هما أهم من أي روابط أخرى حتمتها الحياة دون إرادة منهما.. وهل أدركا أن اختيارهما لبعضهما كان بملىء إرادتهما، لذا.. هم من يحاسبا عند الخطأ. والفلسفة في هذا أن المرء يحاسب على خياراته في صداقاته وليس على أنسابه لأن الأنساب أوجبتهم صلة الرحم. حتى الأبناء يمكن أن ينجبا ما شاءا إذا ما فقدا ولداً مثلا لسبب من الأسباب.. ولكن الأهم.. انه من المستحيل العيش مع زوجة غير صالحة أو جاهلة. ومن المستحيل العيش مع زوج غير صالح ولا يقيم اعتباراً للقيم الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية أو مستهترا وجاهلاً أو صاحب نزوات..

اذن الاختيار صعب بقدر ما هو سهل.. صعب إذا ما وصلنا إلى بيت الزوجية دون أن نعي ما لنا وما علينا.. وسهل إذا أحسـنـّـا الاختيار واقتنعنا بما نحن ذاهبون إليه.

وفي مسيرة الحياة جملة من الأسباب قد تعترض سبيل الوصول بالشاب والفتاة الى بيت الزوجية، على سبيل المثال لا الحصر :

المصطلحات والأعراف الاجتماعية التي تسود مجتمعاتنا الشرقية ، التي غالبا ما تنساق وراء المظاهر والمراكز والإمكانات المادية آو الكيانات الاجتماعية والمراكز المعنوية دون النظر إلى الملاكات الفكرية والطموحات المؤملة في المستقبل المشترك والتي تقوم بدورها على العلم والمعرفة والثقافة .. ناهيك عن أخذ الالتزام الديني بعين الاعتبار الذي هو الوازع الأخلاقي الأول للحصانة العائلية .

في أحيان كثيرة لعب سلوك الأهل دوراً كبيراً في مخزون الذاكرة عند الأولاد، فصار الرفض عندهم حالة لا إرادية، نتيجة مشاهداتهم لعلاقات الأب والأم وما فيها من صور سلبية خلقت حالة من الذعر النفسي والمشابهة، شكلت حالة من الإحجام والخوف من الإقدام. وفي الواقع عناصر الخوف والصور السلبية تنغرس في الذاكرة أكثر من غيرها في نفوس الأولاد، لأنها صور شاذة عن البديهية.

****

أشارت الشاهدة " م.ق" إلى أنها عندما كانت في العشرين من العمر تقدم إلى خطوبتها شابان من متوسطي الحال.. طردهم والدها بكل ما للكلمة من معنى .. لأنه يريد لابنته رجلاً من عائلة مرموقة لها إسمها (نلاحظ.. لها إسمها وليس سمعتها) وأن "يكون قادراً على تأمين رفاهية إبنتي.. ومتطلباتها لتظهر في المجتمع بشخصية مميزة.. " .. هي الآن في الأربعين من عمرها.. وقد توفي الوالد وما زالت تعيش مع أحد أشقائها الذي يكبرها وما زال هو عازباً أيضاً.

الملفت أن تناقضاً كبيراً يندرج على ألسنة من استفتاهم التحقيق. فمن فاتها قطار الزواج في سن مبكرة تشدد وتنصح على الزواج بأقرب عمر ممكن، ومن عانت من زواج مبكر تنادي بالعكس، كل هذا الضياع يعود لعدم إدراك المسؤوليات الأولى للأهل في مرحلة التوجيه من جهة، ولنسبة الوعي في قراءة تطور المجتمعات أو تبدل الظروف المعيشية وهي الأهم في رأينا من خلال ما نشهده من تسارع في وتيرة مطلبات الحياة التي بات الكمالي فيها يضاهي الضروري، وكل يعتبر أن تجربته هي الأقسى وعاناته هي الأشد.

وقد اشارت الشاهدة الأولى "ر.أ." في شهادتها لهذا الموضوع بأنها لا تنصح بالزواج المبكر قبل التأكد من وعي كامل للحياة الزوجية ودور الطرفين فيها.. ويجب أن يكونا على درجة كافية من النضج الفهمي لمسؤولياتهما، وبالتالي يعرفان كيف يواجهان المصاعب الاجتماعية كي لا يقعا في شرك التطلع إلى الخارج من جهة وكي لا يكونا عرضة لمغريات السوء الرابضة لافتراس كل طريدة". .

هذه الملاحظات وغيرها كانت تتحدث حولها "ر.أ." بشيء من المعاناة والحيرة.. " اذكر انني عندما وصلت الى سن 27 من العمر ووجدت نفسي كما ذكرت قبلاً، أنني أريد إن أعيش حياتي الجنسية وأنا في عز نضارتي ، اجتمعت بذاكرتي جملة من الممنوعات آو المحرمات لكنها لم تكن أقوى من إغراءات الجسد ورغبات الغريزة ، والأقوى من كل ذلك كانت معايشتي لما اصاب والدتي وخروج والدي من البيت وتركي مع إخوتي نتدبر أمر حياتنا.. لعلي قد أقع في ما وقعت فيه والدتي .. فكنت أتناسى كل ذلك حين أكون مع صديقي، لذا صار في قناعاتي أن أعيش ما اشتهي دون أن التزم بمسؤوليات بيت الزوجية ـ مع إنني الآن آمل أن أوفق بعريس " لقطة" ( تضحك) بعد هذا العمر، لذا وجدت نفسي مرتاحة إلى أبعد الحدود في علاقة الصداقة التي كانت تلبي كل رغباتي، لأنني وجدت فيها الصدر الحنون والعقل الراشد من صديقي واللسان المعبر والجاذبية المغرية .. فعشت معه أجمل ثلاث سنوات قضيناها معا.. حين نلتقي لم أعي إن كانت شفتاه تسبق شفتاي ليلتحم جسدينا، فنتوه بدوامة من السعادة تشعرنا هل نطير في الهواء أو نحن على الارض .. كانت يداه تلتف محيطة بمفاتني تتحسس جسدي لتزيده حرارة من حرارتها فيغيب وعينا لأننا صرنا جسداً واحداً .. وكنا قبل كل لقاء نشعل أفكارنا بكلمات نرسلها عبر الهاتف وكأننا نوقد نار الشهوة لتتأجج حين يلتقي جسدانا.. لم يكن من محرم آو ممنوع بيننا سوى أن يحافظ على عذريتي.. ودون ذلك كان ليديه أن تنقلني الى عالم آخر.. اعذرني سأتوقف هنا لأنني ( متلعثمة) استعيد بذاكرتي مشهدنا و.. اشعر بالتأثر.."

لنغير الموضوع.. كيف تقيّمين وعيك الآن..؟

"اعتقد أنني صرت أكثر نضجا.. وأعرف ماذا أريد .. حتى أولوياتي تغيرت.. لم تعد صورة الحب والغرام أولوية عندي..بل الإنسان الناضج الواعي لمسؤولياته .. الرجل الذي يتمتع بأخلاق حميدة ويعرف الحلال والحرام لأي طائفة انتمى، لأن الحرام هو حرام في كل الأديان وان اختلفت الشرائع في الحلال ، لكنها متفقة في المحرمات الاجتماعية على الأقل.."

"انصح كمل فتاة ان لا تستعجل الزواج بسن مبكرة لتعرف ماذا تريد .. والسبب انه في الثامنة عشرة أو العشرين قد تنجذب إلى المظاهر الخارجية الخادعة آو الزائلة .. ويمكن أن يكون قبولها مجرد إرضاء لأهلها ورضوخ لإرادتهم.. ومن الناحية النفسية الزواج المبكر مقبرة للفتاة لأنه لا يذهب بأجمل لحظات الجمال الأنثوي بل لأنه يضيّع عليها فرصة التحصيل العلمي والنضوج الذي يؤمن لها مواجهة سليمة لمتطلبات الحياة الزوجية السليمة.. وهو الحلم "..

لكنك قلت من قبل عكس ذلك..؟

"فعلا.. لا أنكر أنني أعيش حالة من التناقضات الفكرية بحيث أتساءل مع نفسي .. لو أنني تزوجت باكرا لوَفّرت على نفسي الكثير من الهموم والمتاعب الحياتية.. وكنت أعيش الآن وسط أولادي في هذا السن.. وأحيانا أخرى أقول لا .. لو فعلت لما قدرت على مساعدة والدتي في مرضها..أو لوقعت في فخ سوء الاختيار.. لكنني اعتقد أنني اليوم صرت أكثر وعيا وإدراكا للشخصية واقدر على تصويب الاختيار"..

في جملهاالأخيرة نلمس غياب صورة الأمل الوجداني الحالم في نفسها.. لكن شبح الخوف موجود كذلك بداخلها.. لذا تعيش حالة من الإرباك آتية من تجربة الماضي مترقبة حذر المجهول.. لقد تنازلت عن أولوية الحب والغرام ، هذا الرباط الوجداني الذي قد يزيح الجبال عندما يتمكن بصدقيته من نفسين ويذلل كل المصاعب... وتعود في لحظة لتقف على أعتاب الرومانسية المتأنقة بعمل العقل ورصانة التفكير .. وبين هذا وذاك يربض شبح الخوف من المجهول الذي وقعنا فيه بخياراتنا آو أوقِعنا فيه بتسليمنا لإرادة عجولة ظن الأهل أنهم يؤمنون لنا فيها مصلحتنا.. ما هي التنازلات التي ستقدم للسنوات القادمة إذا لم يتقدم العريس الآن؟

سألتها ماذا تريدين من الزواج لو عدت إلى زمن الخطوبة الأول؟

"أريد الأسرة، العائلة، الأطفال، الإحساس بوجود الشريك، الاستناد على رجل يشعرني بالأمان من المجهول ويكون عيني التي ترى وعقلي الذي يدبر، لأنني سأنصرف للانتباه إلى أولادنا ورعاية داخل بيتنا .. وأيضا أن اجعل من نفسي دائما أجمل امرأة في عيني زوجي لان هذا حقه علي كما حقي أن يبادلني نفس الشعور.. أما من خلال واقعي الذي أعيشه الآن : أحاول ألا ّ أقع فيما وقعت فيه آمي بعلاقتها مع والدي.. هذه العلاقة التي ترتب عليها فراقهما منذ كنت طفلة .. فجراء سوء العلاقة هذا عانيت ما عانيت" ..

****

شهادة أخرى من خاطبين.. شاب في الثلاثين من العمر وفتاة من الرابعة والعشرين ..

أجابت الآنسة (الخطيبة) "ش.ق" /24 سنة/ masters إدارة فنادق وسياحة من جامعة في فرنسا : أريد من الزواج إتمام دوري في الحياة من النواحي كافة.. الأسرة ، الأمومة، العائلة، الحب. لذلك عندما التقيت بالإنسان الذي شعرت أنني أحقق معه هذه الأحلام وجدت نفسي أحبه بكل جوارحي وانسي معه كل الأمور سوى روعة الحب التي تعتبر السياج الذي يقي بين الزوجية والأسرة ، حر الصيف وبرد الشتاء. وربما هو من أشعرني بهذه الأحلام من الحياة الزوجية لأننا تقريبا نعرف بعضنا منذ الطفولة وعندما سافرت إلى فرنسا مع أهلي عدت فورا لأوثّق رباطي به شرعا وقانونا، مع العلم أن أهلي يعيشون هناك.. تركت أهلي في فرنسا وجئت إلى لبنان لأعيش إلى جانب هذا الإنسان الذي أحب.. فلولا حبي له لما تركت أهلي لأجله.." .

ويجيب (الخطيب) "م.غ" /30 سنة/ تاجر قطع سيارات : " الحقيقة مثلي مثل أي شاب عندما وجدت في شخصي الإمكانية لتحمل المسؤولية وبنيت مركز عملي وبيت سكني صار لزاما علي أن اتمم دوري في الحياة عبر بيت الزوجية .. وبخاصة مع البنت التي تربينا تقريبا معا.. وهكذا توّجنا هذا الحب الذي سكن نفسينا برباط الزواج المقدس، لان هذه سُنّة الله في خلقه .. وبالطبع هذا يشعرني بالاستقرار النفسي .. وهل هناك أجمل من استقرار نفسي وجسدي مع من تجب.. بعيداً من الحياة العبثية والإرباك التي يعيشها الشباب في فترة العزوبية ".

أما ابنة الأربعين فلها مواقف أخرى .. وغالبا ما تأخذ الأمور بصورة شخصية وتعتبر أن الحياة قاسية حينا وغير متفهمة لظروف الإنسان أحيانا أخرى.. وتعيد سبب عدم " توفيقها" بالعريس المناسب لأسباب منها الظروف التي مر بها لبنان في سنوات الحرب (1975 إلى 1990) التي لم تكن تسمح بالاختيار المريح للعريس.. ناهيك عن مسؤولية الأم التي تعتبرها العامل الأساس لتهريب البنت من العريس بداعي اختيار الأفضل والأنسب.. والعامل الثالث في نظرها هو اقتصادي..

ولكن السنوات مضت والعريس لم يأت؟

"بلى .. أتى ولكن لم يكن بالمستوى المطلوب.. وليس هذا رأيي وحسب، إنما والدي رفض " عريسين " تقدما لي لان وضعهم الاقتصادي لا يؤمن المطلوب .. وعلى قول المثل صار "لا يعجبه العجب" وصار ينقب أكثر في تفاصيل المتقدمين.. وتعلم عندما يكثر الكلام من الجيران والناس عموما سيصبح المتقدمون قلة ..".

انت الآن في الأربعين.. هل تأملين بعريس يحمل المواصفات المطلوبة..؟

طبعا.. ( بقوة وثقة بالنفس كبيرة) انأ لا اعتبر نفسي دخلت مرحلة اليأس .. وما زلت آمل أكثر من فتاة في الخامسة والعشرين من الحصول على العريس المطلوب.. انا اعتني بنفسي جيداً واعتبر أنني املك مواصفات تجعلني أعتز بجمالي الخلقي والأخلاقي.

ألا ترين في رفضك السابق للعرسان وتركيزك مع الأهل على مواصفات معينة كلها تقوم على العنصر المادي، غروراً .. وأشعر أنك ما زلت تعيشين هذا الغرور؟

"الحقيقة.. اعترف بذلك.. صراحة انأ مغرورة أمام الجنس الآخر واضع مغرورة بين مزدوجين؟!

هذه خلاصة بعض آراء ومستويات علمية وعمرية متفاوتة.. تقف في مجملها عند ضرورة التوقف عند كل حالة وحدها ودراسة عادات ومعتقدات كل مجتمع وأعراف كل منطقة.. ويبقى القاسم المشترك أن الانضباط الخلقي والأخلاقي المؤديان إلى القناعة الذاتية بالالتزام الموضوعي للحياة الزوجية وضروراتها.. وبالنسبة لحاضرنا المعاش وعصرنا هذا لا بد من اخذ المقاييس الذهنية المكتسبة بعين النظر فيها ، فمثلا يبدو أن أصلح الأعمار للمشاركة الزوجية هي سنوات ما فوق الرابعة والعشرين وما دون الثامنة والعشرين لأسباب فيزيولوجية واجتماعية وإنسانية، فيها يستطيع الزوجان التفاهم بعقلانية أكثر وفهم أكير لمطالب كل واحد منهما والسرية بخاصة.. ونرى أن سن الخامسة والعشرين وما حولها افصل سن للزواج ، ففيه نعرف أكثر ماذا نريد وما يتوجب علينا وبالأخص نعرف كيف نعامل ازواجنا / زوجاتنا كي لا يتطلعون الى الخارج.. بمعنى أن نستجيب لكل الرغبات والحاجات وهذا ضروري لإنجاح العلاقة.. لا يجب أن يكون ممنوعا على الرجل أن يأخذ من زوجته ما يريد وان يعطيها ما ترغب ، فكلاهما سر الآخر وكلاهما سكنه وسكينته .. إليه يفضي بمشاعره وحاجاته واليه تبث مشاعرها وحاجاتها.. الحياء قد يخلق نوعاً من ردة الفعل غير المحببة وقد تتحول إلى حالة نفور لان الحياء قد يمنع الطلب .. لذا المبادرة مطلوبة وعلى واحدهما أن يفهم الآخر ويدرك رغباته.. وبهذا ينتفي الكثير من الإحراج في بعض الأحيان. فكم وكم من الشكاوى تندرج وتبرز بعد وقوع الإشكال، وبان الزوج يخون والزوجة تهمل.. وما إلى ذلك من مشاحنات..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى