السبت ٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم نبيل درغوث

ما الفن الواقعي ؟

الفن لغة وجدانية تحاول الإنسانية عن طريقه أن تعبر عما لا سبيل إلى التعبير عنه باللغة العادية. والعمل الفني يمثل مستوى من الوعي أكثر قيمة. لكن غالبية الناس اليوم لم يتمكنوا من فهم الأعمال الفنية المنجزة في الرسم والنحت وهذا الأمر يرجع إلى الفنانين التجريديين الذين يرسمون – في إبهام- دوامة أو تشكيلات هندسية من الخط واللون متصورين أنهم قد خلقوا شيئا جديدا في أشكال خالية من المعنى بدون إفادة الناس بمعرفة مضيئة عن أنفسهم وعن الأرض التي يعيشون عليها. إن الموضوع الحقيقي للفن هو الإنسان. إذ الإنسان هو العلّة التي تفسّر كيف أن الفن يحرك مشاعر مشاهديه تحريكا عميقا وهو يثير فيهم المشاعر العميقة للحياة التي يشترك فيها الجميع.

إن الفن يجسد الحياة الانفعالية المشتركة بالنسبة للبشر أجمعين تلك الحياة الانفعالية التي تبدأ من الشعور بنمو الإنسان وتطوره وهو يتغلب على العقبات. فالفن الواقعي هو وحده الذي يستطيع أن يعطي الناس وعيا بأنفسهم وبعلاقاتهم بعدد لا يحصى من الآخرين وبحياتهم الحقيقية وبالكيفية التي يتحركون بها وبالقوى التي تعرقل تطورهم. ففي رسم الصور البشرية كالوجه مثلا، يستطيع الرسام التعبير عن حالة عاطفية عن طريق اللون والضوء والظل ونحن نجد عندAUCUSTUS LEOPOLD حسا بالزمان والمكان وبلحظة التفكير والإحساس أو حالة من حالات الدرامتكية ففي لوحته " ماضي وحاضر " (Passé et Présent) يرسم أبا جالسا منهارا في اكتشاف خيانة زوجته عبر رسالة مجهولة.

وما يشدنا في هذه الرسوم مهارات يد الرسام تكشف عن أنّ له عينا تلتقط أفراح الحياة وأتراحها وصراعاتها وإحباطاتها.

ليس الفن الواقعي هو الفن الذي يقتصر على رسم الشخصيات والموضوعات المستمدة من الطبيعة بل الفن الواقعي ينبه الناس إلى جمال الطبيعة كما ينبههم إلى جمال البشر فهو يصور العلاقات الاجتماعية التي ينشغل بها الناس ويصور الروابط التي تؤلف بينهم. إن الأعمال الفنية هي من إنتاج فنانين أفراد غير أن الفن نفسه جزء من الحياة الاجتماعية وأن العنصر الإنساني يظهر في العمل الفني باعتباره الخامة الحية الأساسية التي يجري الاشتغال عليها وتبث فيها الحركة ويظهر هذا في أعمال فنية مثل لوحات COURBET وخاصة لوحتهLes casseurs de pierre في إظهاره بؤس حالة الرجال بانهماكهم في العمل فبرغم مظهر الصورة الطبيعي إلا أنها خلاقة ذات روعة كبيرة وذات سحر قوي ناجم عن لمسات الفرشاة لمسة إثر لمسة وناجم عن وجود خلفية هامة تتمثل في عقل مفكر تتبعه الفرشاة. إن فن الرسم قادر على استحضار المنظور عن طريق القدرة شبه السحرية التي يملكها الفنان في هذا الفن وما يثيره فينا الرسم ليس مجرد إدراك حسي لأن هذا الفن يسمح في ذات الوقت بفهم العالم المرئي وشده إلى وجود الإنسان. فإنّ دور الإبداع كامن في محاكاة العالم الواقعي والنفاذ إلى قوانينه وإضفاء الطابع الإنساني عليه والكشف عن جماله.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى