الثلاثاء ١٨ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم شاكر صبري السيد

مدينة النسيان

قصة للأطفال

يُحْكى أنَّهُ قَديمَاً كان هناك شابٌ طيبٌ يُسمَّي صَادِقُ النِّيَّةِ، كان يعيش مع أمه، وكان متعلقا بها وهي متعلقةٌ به كثيراً، ولا يوجد له غيرها، فليس لهُ أخْوَةٌ أو أقارب يشدون أزرَهُ. ضاقتْ الحياةُ كَثيراً بِهذا الشَّابِّ ولَمْ يَجِدْ فُرْصَةً مُناسِبةً للعَمَلِ.

أشارَ عَلَيْهِ كثيرٌ من أصدقائه بأن يَتَّجِهَ مَعَهُمْ إلَي السَّفَرِ للعَمَلِ بالتِّجارَةِ لَعَلَّ في التِّجارَةِ وَسيلَةٌ لَهُ لِكَسْبِ الرِّزْقِ وإِصْلاحِ حالِهِ.

وأخبرَ الشَّاب صَادِقُ النِّيَّةِ أمَّهُ بأنه يَنْوِي أنْ يُسافِرَ ويَعْمَلَ بالتِّجارَةِ مع أصدقائه، حزنت الأم كثيراً وبكت لأن ولدها يريد أن يفارقها وأنها سوف تعيش وحدها، وأيضاً خوفاً عليه. فأخبرها بأنه سيكون معه أصدقاؤه (سيكون مع أصدقائه)، ووعدها بأنه لن ينساها وسوف يعود بعد أن تتحسن أحواله، فإن وجد مكاناً آخر مناسباً سيعود إليها ويأخذها لتعيش معه فيه. طلب صَادِقُ النِّيَّةِ من أمه أن تدعو له فهو لن يسير ولن يتحرك حتي يتأكد من أنها موافقة ومقتنعة بما يفعل، وغيرُ غاضِبَةٍ عَلَيْهِ.

ووافقت أمه وهي راضيةً عنه ومقتنعةً بما يفعل.

ركب صَادِقُ النِّيَّةِ الناقة واتجه الي المكان الذي سيتقابل فيه مع أصدقائه ليسافروا جميعا منه إلي حيث أرادوا، ولكن صَادِقُ النِّيَّةِ تأخر عنهم فانطلقوا وحدهم.

وصل صَادِقُ النِّيَّةِ إلي المكان فلم يجد أحداً، علم أنهم غادروا لأنه تأخرعنهم فقرر أن يعود وأن يحاول أن يلتحق بالقافلة في أي وقتٍ لاحق.

وبعد يومين من السفر وجد رجلا يجلس وحده في الطريق. فسأله صَادِقُ النِّيَّةِ: إلي أي مكانٍ تتجه؟

فقال الرجل: إلي مدينة النسيان.

فقال صَادِقُ النِّيَّةِ : لم أسمع عنها من قبل.

قال الرجل : إنها علي مسافة ثلاثة أيامٍ من هنا.

قال صَادِقُ النِّيَّةِ: سوف أذهب معك إليها وسوف أَحْمِلًكُ معي علي ناقتي.

ففرح الرجل بذلك وركب خلفه علي ناقته.

سأله الرجل : ما اسمك؟ قال: اسمي صَادِقُ النِّيَّةِ

ثم سأله صَادِقُ النِّيَّةِ: ما اسمك؟

قال الرجل: اسمي صادق النوايا، ثم قال: حقاً إنها صدفةٌ عجيبة أنا صَادِقُ النِّيَّةِ وأنت صادق النوايا.

و لما اقتربا من المدينة، نزلا من علي الناقة لتناول الطعام، وكان الماء الذي مع صَادِقُ النِّيَّةِ قد أوشك علي التفاذ (النفاد)، فبعد أن تناولا الطعام قال صادق النوايا لصَادِقُ النِّيَّةِ: الماء الذي معنا لن يكفي، إن هناك بئر قريب (بئرا قريبة) من هذا المكان أعرفه (أعرفها) جيدا، هيا لنشرب منه (منها) ونملأ القراب التي معنا ونأخذ ما يكفينا طوال رحلة السفر.

ذهب معه صَادِقُ النِّيَّةِ ولم يكن يعلم ما في نيته من مكرٍ ودهاء.

ووصلا إلي البئر، قال صادق النوايا لصَادِقُ النِّيَّةِ : إن البئر عميق (عميقة)، وليس معنا دلو لكي نربطه بحبل طويل فنلقيه في البئر ونملأه بالماء، ولن نستطيع أن نشرب إلا إذا نزلنا بأنفسنا لكي نشرب ونملأ القراب التي معنا. سوف أنزلُ أنا أولأً، ثم تنزلُ أنتَ ثانيةً فتشرب، فوافق صَادِقُ النِّيَّةِ ونزل صادق النوايا ليشرب وملأ القراب بالماء وأخذها ووضعها علي ظهر الناقة، ثم نزل صداق (صادق) النية ليشرب، فأسرع صادق النوايا وقام بإغلاق البئر علي صَادِقُ النِّيَّةِ، وركب ناقته وانطلق بها.

ظل صَادِقُ النِّيَّةِ يصيح وينادي، لكن دون جدوي لم يسمعه أحد، فلا يوجد أحدٌ حوله في المكان. وعرف أن صادق النوايا كذاب ومخادعٌ . وظل في البئر يترقب فرج الله.

وجاء المساء، وأقبلت ثلاث ساحراتٍ إلي البئر لكَيْ يشربن، وقبل أن يشربوا ضحكوا فسمع صَادِقُ النِّيَّةِ صوتهن وهو في البئر، فقال: ما هذا هل تأتي النساء ليلا للبئر؟ لا بد أنَّهُنَّ ساحِراتٍ، فَصَمَتَ، وظل يستمع ما يقولوا (إلى ما يقولونه).

قالت إحداهن: هل تعلمون يا إِخْوتي (يا أخواتي) أن سلطان مدينَةَ النسيان مرض بسببي، قالت لها: كيف ذلك؟ قالت كنت قد تحولت إلي قطة ودخلت قصره فعذبني الملك ومنع عني الطعام والشراب فانتقمت منه وقمت بإصابه (بإصابته) بما هو فيه، والعلاج من مرضه بأمر بسيط، يشرب كوباً من عصير البرسيم وكوبا من عصير الجرجير صباحا لمدة أسبوع وبعدها يشفي تماماً من مرضه، ولم يخطر ببال احدٍ من الأطباء هذا العلاج.

قالت الثانية: وأنا من أصبت ابنة السُّلْطان بالشلل والعمي، قالت: كيف؟

قالت: تحولت إلي عصفور ودخلت في قصرها ولكنها حبستني وحاولت قتلي فقمت بإصابها (بإصابتها) بهذين المرضين، وعلاجها بسيط فعلاج الشلل يكون بالطين الأحمر يدهن به موضع المرض كله صباحا ومساءٍ لمدة أسبوع، وعلاج العمي يكون بورق السدر تطحنه وتدهن به حول عينيها لمدة أسبوع وبعدها تشفي تماماً.

قالت الثالثة: وأنا أعرف سر المغارة الموجودة في أعلي الجبل الموجود في مدخل مدينة النسيان

قالوا لها: كيف؟

قالت: يقوم أحدهم بذبح ثَوْرٍ أَسْوَدٍ أسفل الجبل فينفتحُ باب المغارة، وهي مليئةٌ بالكنوز الكثيرة.

ثم قامت احدي الساحرات بإنزال الدلو في البئر ليشربوا، فلم يتحرك صداق (صادق) النية حتي لا شعر به الساحرات، فشربنَ جميعاً ثم انصرفن.

وظل صَادِقُ النِّيَّةِ في البئر لم يستطع الصعود لأنه يحتاج إلي من يمد له حبلاً ليساعده في الصعود. ومرت قافلة بجوار البئر في الصباح فجاؤا (جائوا) ليشربوا، فصاحَ صَادِقُ النِّيَّةِ فمدوا له حبلاً فامسك به وصعد إلي أعلي، وخرج من البئر وحمد الله علي نجاته، فسألوه عن قصته فحكي له (لهم) ما حدث، فسألوه إلي أي مكانٍ يؤيد (يود) الاتجاه؟ فقال لهم: بأنه متجهٌ إلي مدينة النسيان، فأخذوه معهم وركب خلف أحدهم علي ناقته، وأطعموه من الطعام الذي معهم، وقالوا له: إن هذه المدينة كانت تُسَمَّي مَدينَةَ الأَفْراحِ لكن بعد أن أصيب السُّلْطان بمرض لا شفاء منه وأصيبت أيضاً ابنته بالشلل والعمي تحول اسم المدينة إلي مدينة النسيان.

ولم يمض وقت طويل حتي وصلوا إلي مدينة النسيان، فتركوه وشأنه وانصرفوا إلي أعمالهم. سأل صَادِقُ النِّيَّةِ عن قصر السُّلْطان، فأخبره الجميع بأنه مريض ولم يستطع أحدٌ علاجه. وأن من يحاول أن يداويه ثم يفشل فكان الملك يقطع رقبته ولهذا لم يعد أحدٌ من الأطباء يحاول أن يعالج السُّلْطان. وطلب صَادِقُ النِّيَّةِ أن يقابل السُّلْطان لأنه يعرف علاجاً لمرضه ولمرض ابنته. وحذَرَهُ الجميع من ذلك، ولكنه أصرَّ علي مقابلته، وكان السُّلْطان قد رفض مقابلة الأطباء، لأنه يئس من العلاج.

ودخل صَادِقُ النِّيَّةِ قصر السُّلْطان وطلب مقابلته ولم يحدد أنه جاء لعلاجه، فرضي الشلطان مقابلته (فوافق السلطان على مقابلته).

دخل عليه صَادِقُ النِّيَّةِ وأخبره بأن عنده دواءٌ لمرضه ومَرَضِ ابنته. حذره السُّلْطان وقال له ولكنك إن عجزت ستفقد رقبتك. قال صَادِقُ النِّيَّةِ: أعلم ذلك، ثم طلب منه أن يطلب من أعوانه أن يجهزوا له ما يريد. فقاموا بتجهيز عصير البرسيم وعصير الجرجير والطين الأحمرِ وَوَرَقِ السِّدْرِ، ثم طلب صَادِقُ النِّيَّةِ من السُّلْطان أن يشرب كوباً من عصير البرسيم وكوباً من عصيرِ الجرجير صباحا ومساءً، ففعل السُّلْطان ما طلبه منه، وبعد ثلاثةِ أيام بدأ السُّلْطان يشعر بتحسنٍ في حالته وبعد أسبوع تماثلَ تماماً للشفاء، أما الأميرة فَدَهَنَ لها صَادِقُ النِّيَّةِ علي موضع الشلل بالطين الأحمرِ صباحاً ومساءً، وقام بدهن عينيها بِوَرَقِ السِّدْرِ المَطْحونِ، وبعد ثلاثة أيام شعرت بتحسُنٍ في حالَتِها، وبَعْدَ أُسْبوعٍ تَماثَلَتْ للشِّفاءِ هي الأُخْرَي.

كانتْ فَرْحَةُ السُّلْطانِ لا توصفُ، فقد تم شفاؤه هو وابنته في وقتٍ واحدٍ، وطلب من صَادِقِ النِّيَّةِ أن يكافئه، فلم يطلب شيئاً لنفسه ولكنه قال سوف أرافقك لمدة أسبوع، فوافق السُّلْطان وقال له: لك كل ما تريد.
وأقيمت الأفراح، و تم تحويلث (تحويل9 اسْمِ مَدينَةِ النِّسيانِ إلَي مَدينَةِ الأَفْراحِ .

وجَهَّزوا لِعَمَلِ احْتِفالٍ كَبيرٍ في قَصْرِ السُّلْطان، وطلب صَادِقُ النِّيَّةِ من السُّلْطان أنْ يُقيموا الاحْتِفالِ عند الجبل الذي في مدخل المدينة وسأله السُّلْطان : لماذا اخترت هذا المكان؟ فقال: سوف تعرف كل شيء في وقته، ثم طلب من السُّلْطان أم (أن) يذبح ثوراً أسوداً عند زاوية الجبل في أسفله فقام ( X )عند الاحتفال، فوافق السُّلْطان علي طلبه وهو مَسْرور. أقام السُّلْطان احتفاله عند مدخل المدينة وقام بذبح الثور الأسود عند زاوية الجبل كما طلب صَادِقُ النِّيَّةِ . وبعد أن تم ذبح الثور، استأذن صَادِقُ النِّيَّةِ من السُّلْطان وصعد إلي أعلي الجبل وبحث عن المغارة فوجد أن بابَها قد أصبح مفتوحاً. دخل صَادِقُ النِّيَّةِ المغارة فوجد بها جواهر ثمينة ونفسية من كل صنف ولون.

فحمل صَادِقُ النِّيَّةِ الجواهر إلي السُّلْطان، وأخبر السُّلْطان عن سر ذبحه للثور الأسود عند زاوية الجبل، فقال له السُّلْطان هذه الجواهر هي هديتي لك لأنك داويتني أنا وابنتي. قال له السُّلْطان: إن اسمك صَادِقَ النِّيَّةِ وأنت حقا صَادِقُ النِّيَّةِ ولهذا أرجو منك أن تقيم معنا في قصري لتكون مستشاراً لي. فقال صَادِقُ النِّيَّةِ: ولكن لا بد أن أعود إلي بلدي وأحضر أمي لا بد أنها كانت قلقةً عَلَيَّ طوال هذه الفترة، فأرسل معه السُّلْطان جنديين يحرسانه وفرساً يركبها ليسرع في إحضار أمه. عاد صَادِقُ النِّيَّةِ إلي أمه وأخبرها بقصته وطلب منها أن تذهب معه ليغيش (ليعيش) في قصر السُّلْطان ويعمل مسشاراُ له.

فرحت الأم بابنها كثيرا واتجهت معه لتقيم في قصر السُّلْطان. رأت أمه الأميرة فأعجبتها كثيرا وتَمَنتْ أَنْ تُزَوِّجَها لابْنِها. أخبرت الأُمُّ ابْنَها بِأَنَّها تُريدُ أنْ تُزَوِّجَهُ منْ الأَميرَةِ، فَقَالَ لَها: وهَلْ سَتُوافِقُ الأَميرَةُ علَي الزَّوَاجِ مِنِّي؟

فقالت: اترُكْ الأَمْرَ لِي، وانْتَهَزَتْ الأُمُّ خَلْوتَهَا مع الأَميرَةِ وأخبرتَها بأنَّها تُريدُ أنْ تُزَوِّجَها منْ ابنها صَادِقِ النِّيَّةِ، فوافقت الأميرة ووافق السُّلْطان وتزوج صَادِقُ النِّيَّةِ من الأميرةِ. وأقيمتْ الأَفْراحُ .. ومرَّتْ الأَيَّامُ والسُّنون وأَصْبَحَ لِصَادِقِ النِّيَّةِ أولادٌ بنينَ وبناتٍ منْ الأَميرةِ , وعاشوا في هناءٍ وسرورٍ.

ومرَّتْ السَّنواتُ، وتُوُفِّيَ السُّلْطانُ، وأصبح صَادِقُ النِّيَّةِ هو السُّلْطان.

وذاتَ يوم بينما كان السُّلْطان صَادِقُ النِّيَّةِ يتجوَّلُ في البلاد شاهد رجلا مسكيناً يسأل الناس إحساناً نظر إليه فشعر أنه قد رآه قبل ذلك، و ظل يفكر فيه حتي تذكره فعاد إليه ومعه الحرس، ونظر في وجهه بدقة فعرفه إنه الرجل الذي أغلق عليه البئر وادعيأن (وادعى أن) اسمه صادق النوايا . فطلب من سلطانه (حرسه) أن يحضروه إلي قصره.

وجلس السُّلْطان في القصر وسألَ صادِقَ النَّوايا: هل اسمك بحقٍ صادق النوايا؟ فقال: لا إنَّ اسمي الحقيقي صَخْرٌ، ولكنني قلت لك إن اسمي هكذا حتي تأمن لي لكي أسرق الناقة التي كنت تركبها. قال صَادِقُ النِّيَّةِ: لن أعافبك، فما فعلتته (لن أعاقبك فما فعلته) معي كان السبب في ما أنا فيه الآن. ولكن أتركك لعقابِ الله لك. وقد علمت أنك بلا دارٍ تسكن فيها، فقد أمرت لك بدارٍ لتسكنَها بدلاً من أن تصبحً بلا مأْوَي.

= انتهت =

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى