الجمعة ١٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧

مركز أوغاريت يعقد مؤتمر الترجمة في رام الله

سلمان ناطور: اسرائيل اعتمدت الترجمة المخابراتية من الأدب العربي

رام الله- "تفانين"

شعر الذين حضروا مؤتمر الترجمة الذي عقده مركز أوغاريت الثقافي في مدينة رام الله، بين الثالث والعشرين والرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني، أن سير المؤتمر التزم بأن يكون حضور الجلسات لمن يستفيد ويفيد، وألا يتحول إلى تظاهرة من أي نوع، يغلب عليها صخب إعلامي أو ترويجيّ يخرجه عن أهدافه.

* الكاتب سلمان ناطور يلقي كلمته في المؤتمر

كان في الذهن، عند وضع الأسس الأولى للجلسات أمران: أن يتحدّث كل باحث فيما يعرف، ومن هنا جاء اختيار الباحثين لتقديم الأوراق التي تشكل قاعدة للحوار، كما جاء اختيار الذين أداروا الجلسات، من بين أعضاء الجمعية العمومية للمركز. ويمكن الإشارة إلى إن المركز لم يكن يعرف معظم الباحثين شخصيا، إلا من خلال شهرتهم فيما يتقنونه مما يتعلق بموضوع المؤتمر، وهو الترجمة الأدبية، مع التركيز على ما يتعلق منها بالترجمة إلى العربية، ثم من خلال التشاور مع من يعرفون.

شارك في تقديم الأبحاث ثمانية من الباحثين، وتوزّعت هذه الأبحاث على محاور متكاملة غير متداخلة، تنضوي تحت الموضوع نفسه. وكانت أستاذة الأدب العربي في جامعة أوسلو، الدكتورة غونفور مجدل، فاتحة ناجحة للجلسة الأولى، وقدّمتها وأدارت جلسة الحوار معها الدكتورة فيحاء عبد الهادي، رئيسة مجلس إدارة المركز، بعد أن ألقت كلمة افتتاحية رحّبت فيها بالضيوف والمشاركين والحضور. وكانت ورقة الباحثة الضيفة عن الترجمة المقارنة، قدمت فيها دراسة ثرية في هذا الشأن، تتسم بكثير من الجدية من ناحية، والطرافة من ناحية أخرى، وهي تعرض وجهة نظرها في الترجمة من العربية، كأستاذة لها، والترجمة إلى العربية، من خلال مقارنات بين ترجمات متعددة بلغات مختلفة لنصوص بعينها، قامت بتوضيح الفروق الثقافية بينها، والانحرافات عن هذه النصوص، التي اضطرت إليها الترجمات، والأخطاء التي وقعت فيها بسبب الفروق الثقافية بين اللغات التي صدرت بها. وقدمت الباحثة ورقتها باللغة الإنجليزية، مع توضيحات بالعربية، ,وإجابات على التساؤلات وتعليقات على الآراء، ما منح جوّ الحوار نكهة عميقة ومرحة في الوقت نفسه. وقد حظيت د. مجدل بإعجاب كبير من الحضور، ساعد على الإحساس بجدّية المؤتمر، وصدق أهدافه، فامتدّ ذلك الانطباع على مساحة الجلسات التالية.

وكان د. تيتز روك، أستاذ الأدب العربي، في جامعة غوتيبورغ السويدية، الذي ترجم شعر محمود درويش، فاتحة جلسات اليوم الثاني، وأدار جلسة الحوار معه د. عبد الرحيم الشيخ، من جامعة بيرزيت، وعضو الجمعية العمومية للمركز. وتحدث الباحث الضيف عن ترجمة العربية إلى السويدية، مشيرا إلى ضعف هذه الحركة، وعدم وضوح معايير اختيارها، وأسباب ذلك، لكنه، مثل زميلته النرويجية، كان عميقا بشكل يلفت النظر، وهو يشير إلى شروط الترجمة الصحيحة في ثنايا مداخلته التي قدّمها بالعربية، وأثارت الإعجاب.

وتوزعت أبحاث المؤتمر على ثماني جلسات، ومنح كل محاضر جلسة كاملة، حتى يشبع بحثه عرضا، ويتاح للجمهور أن يناقشوا آراءه، وأن يستزيدوا منها، دون إحساس بضغط الوقت. وبالرغم من الخوف المسبق من أن يخلق طول العرض صعوبة في التلقي، إلا أن المفاجأة كانت بامتلاء هذا الوقت بشكل جدي، أضيفت إلى ذلك مداخلات خالية من الاستعراض إلى حد كبير، وبحيوية لم يهبط مستواها على امتداد كل مداخلة والنقاش الذي دار حولها، لأن ما عرض كان يتسم بالجدّة التي تثير الانتباه، رغم جديته.

تحدثت سلافة حجاوي، التي قدمها الكاتب المعروف محمود شقير، عضو الجمعية العمومية للمركز، في الجلسة الثانية من اليوم الأول عن "الترجمة من خلال التجربة"، وتركز موضوعها على ترجمة الشعر أساسا، وما يعتور ذلك من عقبات، بسبب خصوصيته، وقارنت بين عديد من الترجمات لأشعار إنجليزية معروفة، وأوضحت سمات هذه الترجمات، وكثيرا من الخلل الذي أصابها، لأسباب متعددة، أبرزها ما يصيب الإيقاع، وما يمكن أن يخلق أخطاء في فهم الإحالات أو الصور الشعرية.

أما سلمان ناطور، الأديب المعروف، فقد عرض ورقة حول الترجمة من العبرية الى العربية، وقدمه مهند عبد الحميد، عضو الجمعية العامة للمركز، وجاءت دراسته تقييمية، حملت وجهة نظر واضحة في هذا الموضوع، من خلال معرفة جيدة باللغتين، واطلاع واسع على كل ما ترجم بينهما. وكان تصنيفه لأنواع الترجمة، انطلاقا من ذلك، جديدا تماما، خاصة في شقّي الترجمة الثقافية والترجمة المخابراتية التي اعتمدتها إسرائيل لأهداف خاصة. وأثار هذا التصنيف كثيرا من الحوار.

ثم تحدث وليد أبو بكر مدير المركز حول العقبات التي يواجهها المترجم، وقدّمته مها شحادة، أمينة الصندوق في المركز، وتركزت ورقته على استنتاجات نظرية حول ترجمة السرد، من خلال ما تقدمه التجربة، مقارنة وتطبيقا إلى ما تشير إليه نظريات الترجمة والدراسات اللغوية المساوقة، وبذلك تكاملت هذه الورقة مع ورقة سابقة تطرّقت إلى ترجمة الشعر.

أما الدكتور قسطندي شوملي، من جامعة بيت لحم، وهو خبير ترجمة معروف، ومؤسس لجمعية ترجمة فلسطينية، فقدمته سمر القطب، عضو الجمعية العمومية للمركز، ليتحدث عن تاريخ الترجمة في فلسطين. وجاء حديثه وافيا، في مادته وشكله، ما يشير إلى استيعابه لهذا الموضوع الذي تابعه منذ البدايات القديمة للترجمة في فلسطين، حتى مرحلة عمالقة المترجمين الفلسطينيين عن لغات عدة، الذين كانوا يترجمون في الاتجاهين من ناحية، وبدقة لم يصل إليها كثير من مترجمي العالم العربي في تلك الفترة، وربما حتى الآن.

وقدمت أماني الجنيدي، عضو الجمعية العمومية للمركز، د. محمود كيال، الأستاذ بجامعة حيفا، في ورقة حول الترجمة من العبرية، شكلت إضافة أخرى إلى هذا الموضوع الإشكالي المهم. وجاءت ورقته غنية بالمعلومات، مستندة إلى أبحاث ميدانية، وإلى مقارنات واستخلاصات لنتائج مهمة، حظيت بكثير من الحوار المعمق، الذي يطرح الرأي ويبحث عن المعرفة.

أما جلسة الختام، التي أدارها سعيد مضية، أمين السر في المركز، فقد تحدث فيها د. محمود عبد الفتاح، من جامعة بيرزيت، عن موضوع يثير الكثير من الجدل بين المترجمين وأصحاب النظريات والمتابعين أيضا، وهو موضوع "الترجمة الوسيطة"، الذي يعني الترجمة عن لغة أخرى، ترجم إليها النص الأصلي. وبالرغم مما يوجه إلى هذا النوع من الترجمة من انتقاد، إلا أن الباحث تطرّق إلى هذه الترجمة، بما لها، وما عليها، وقدم نماذج واضحة تعزز الآراء التي طرحها، كانت مجال حوار ختم به المؤتمر الذي استمر على حيويته حتى اللحظة الأخيرة، وتميز بأن جميع من حضروه، وكانوا فوق ما هو متوقع عددا، ساهموا في الحوار بشكل جدي، يهدف إلى توسيع آفاق الأفكار التي طرحت في الأوراق.

ولعل أبرز ما خرج به المؤتمر، بجميع من حضروه، هو ما تأكّد من مفاهيم حول الترجمة، كضرورة ثقافية وحضارية من ناحية، وكنوع من الإشكالية التي تنشأ بسبب تعذر كمالها من ناحية أخرى، بسبب الفروق التي تقع بين اللغات المختلفة القادمة من ثقافات مختلفة.

لكن ما اتفق عليه الجميع هو أن الترجمة موضوع جاد، له شروطه التي تتلخّص في صدق التوجه والتعلق به، وفي المعرفة الجيدة -على الأقل- باللغة الأصل التي كتب بها النص الأدبي، وبنوع هذا النص، والمعرفة العالية باللغة الهدف، التي يترجم إليها، لأنه وسيلة النقل التي تتوجه إلى القارئ في هذه اللغة، وتقنعه بقيمة النص، وتقدم له ما قاله في الأصل، تضاف إلى ذلك معرفة بثقافة المجتمع الذي خرج منه الأثر الأدبي، وثقافة عامّة يتميز بها المترجم، تؤهله لأن يكون أمينا في النقل، ومحافظا على السياق الأدبيّ، لغة وأفكاراً.

خلال الحوار، طرح المشاركون كثيرا من الأفكار التي تدعو إلى تعزيز نشاط الترجمة، وإلى ضرورة وجود جسدٍ من نوعٍ ما، يجمع المترجمة، ويخلق روحا من التعاون بينهم، وإلى ضرورة عقد مزيد من المؤتمرات العلمية حول الموضوع.

ومن المعروف أن مركز أوغاريت الثقافي مؤسسة ثقافية غير ربحية، تعنى بنشر الأدب الفلسطيني والأدب المترجم، للكبار والأطفال، كما يحرص على إقامة النشاطات الثقافية التي تتعلق بأهدافه، مثل المؤتمرات وورشات العمل والندوات، كما أنه يحرص على مشاركة الخبرة الأجنبية في نشاطاته، وهو في نهاية الأمر ينشر مجموع الأوراق التي يقدمها الباحثون في كتاب، وهو ما سيفعله قريبا مع أبحاث هذا المؤتمر، الذي يستطيع المركز أن يؤكد أنه كان واحدا من أبرز نشاطاته، في حجم الحضور ونوعيته، وفي قيمة المادة التي عرضت فيه.

سلمان ناطور: اسرائيل اعتمدت الترجمة المخابراتية من الأدب العربي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى