السبت ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم أحمد الخميسي

معاذ شهاب قاص جديد

من المفرح أن تجد بين الشباب كاتبا جديدا موهوبا، ولا أظن أن الموهوبين قلة، لكن هناك دائما أكثر من عائق وحاجز يقطع الطريق على الموهبة. هناك أولا مشكلة النشر، فالكاتب الشاب قد يتحتم عليه الانتظار بكتابه في طوابير النشر بهيئة الكتاب حتى يشيخ وتتساقط أسنانه وينسى الموضوع الذي جاء من أجله للهيئة. هذا أو أن يدبر الكاتب مبلغا ( يصل لنصف تكلفة الكتاب عادة ) يدفعه لأي ناشر خاص ممن يدعون جميعا – وهم يحصون أرباحهم - أنهم أقاموا دور نشر لتشجيع الثقافة الجادة! فإذا أفلت الكاتب من شيخوخة هيئة الكتاب ومن صعوبة تدبير المال ونجح في إصدار عمله فإن الصمت الضخم يبتلع إنجازه الأدبي بهدوء. هناك مشكلة أخرى سببها الكتاب الشباب أنفسهم، فعدد غير قليل منهم تنحصر علاقته بالكتابة في حدود الرغبة في أن يصبح كاتبا ، مرئيا ، على أساس أن الكتابة علامة من علامات الوجاهة مثل اقتناء البيانو فيما مضى. ولا يستطيع أحد أن يلوم حركة النقد في ظل الأجور التي تدفع، إذ يكون الناقد ملزما بشراء ومتابعة عشرات الكتب ليجد من بينها ما يستحق الكتابة، ثم يجلس ليحلل جماليات السرد وما إلي ذلك، وفي النهاية لا يزيد أجره في مجلاتنا المحترمة عن خمسين جنيها، يدفعونها له عن المقال وهم يشيعونه بنظرات التألم والتقدير والتعاطف العميق!

ومازالت بعض المجلات تعتبر أن الكتابة نوع من الصدقة الثقافية الواجبة على كل كاتب بالغ ولا يعول! ومن ثم يستلمون المقال ولا يدفعون له شيئا مكتفين بالشد على يدي الناقد بحرارة والنظر مباشرة في عينيه ليستحثوه على المزيد من العطاء النبيل لأن الإنسان في نهاية الأمر ذكرى!. هناك مشكلة أخرى تعترض النقد والكتاب وهي المعايير التجارية التي صارت الصحف الثقافية تعممها مثل بورصة الكتاب وأكثر الكتب مبيعا وغير ذلك. وطالما تمنيت أن تنشر الصحف جوار أخبار البورصة التجارية أخبار بورصة أخرى خاصة بأكثر الكتب أهمية أو جدية أو تأثيرا، ليكون هناك على الأقل معياران تحت نظر القارئ. على خلفية من هذه اللوحة التي لا تبهج كثيرا، صرت أعتمد على المصادفة في العثور على عمل جديد، جيد. من هذه الأعمال المجموعة القصصية الأولى للكاتب الشاب معاذ شهاب المسماة معلش مخدتش بالي الصادرة عن دار اكتب، وتشتمل على إحدى وثلاثين قصة قصيرة طازجة، ومشبعة بروح شاب ما من عائق بين قلبه والعالم. فالقصص تتسم في معظمها ليس بالبحث عما يحبون تسميته ألاعيب الكتابة، لكن بالتفتيش عن حركة القلب في تعاطفه مع البشر وفي سعيه لاكتشاف دور سوء الفهم القدري الذي يدمر المحبة كما في قصته أهي تستحق؟ . واكتشاف علاقة الحب بالموت كما في قصته البديعة تحت الماء حيث يلتقي تغمر مياه البحر شابين يغرقان، هو وهي، لم تكن تربطهما سابق معرفة، فيتبادلان النظرات المشبعة بنداء الاستغاثة والعجز، وحين يدرك الاثنان أن النهاية قادمة لا محالة فإنها والماء يغمرها تبتسم للفتى تواسيه وتواسى نفسها، فيلوح لها بيده من خلال الموج، ناظرا إليها بشوق، ويضع يده على قلبه ليعبر لها عما يدور بداخله، معتذرا محبا. و الجديد في قصص معاذ شهاب هو اكتشافها الواقع من جانب مختلف لم يكن منظورا، عبر لحظات دقيقة وهشة، مشبعة بروح إنسانية عميقة وصافية. ويكاد معاذ شهاب أن يعتمد في معظم قصصه بناء فنيا واحدا تقريبا، يعود بنا إلي لحظة الإضاءة في القصة القصيرة، إذ يتفجر معنى القصص كله في النهاية، في مفاجأة , ولعل أبرز نموذج لتلك الحالة هي قصة الضحية التي يذهب فيها شاب مدمن مخدرات مع صديقه سائق التاكسي لتصيد فتاة من الشارع واغتصابها في مكان بعيد مهجور. وبالفعل يعثرا على فتاة تستوقف تاكسي، فيتجهان بها لمكان ناء ويغتصبانها، ثم يتضح أنها أخت الشاب الذي لم يميز ملامحها. هناك قصص أخرى جميلة بالفعل وتستحق القراءة، وتتسم بعذوبة شديدة، ورهافة، وذكاء، ويشير معظمها إلي موهبة كبيرة يجدر بصاحبها أن يرعاها وأن يعتنى بها، لأن المواهب الحقيقية قليلة. مبروك يا معاذ!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى