الثلاثاء ٢٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم أحمد الخميسي

معارك نقدية

هناك كُتاب أحرص على متابعة أعمالهم، منهم د. مجدي يوسف أستاذ الأدب المقارن والحضارات المقارنة. وكنت قد قرأت له كتابه " من التداخل إلى التفاعل الحضاري " الصادر عن دار الهلال عام 2001، فلفت انتباهي بشدة إلي مفكر يبذل قصارى جهده لرؤية واقعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي من منظور مصري. ولتوضيح المقصود ب " المنظور المصري " أستعين بفقرة واحدة من مقال " منهجية التفاعل مع ثقافة الآخر " يقول فيها د. مجدي: " فحين يهتم باحث من كفر الدوار مثلا بأعمال فيلسوف اجتماعي ألماني ك يورجن هابرماس، فإن السؤال الذي يجب طرحه أولا هو: ماهي الأسئلة التي تطرحها العلاقات الاجتماعية الموضوعية القائمة في مجتمع الباحث ؟ وما الذي يمكن أن يقدمه خطاب هابرماس لتجاوز تناقضات ثقافة المجتمع الذي يمثله الباحث؟ ".

ومؤخرا صدرت الطبعة الثانية من كتاب " معارك نقدية " للدكتور مجدي عن الهيئة العامة وقد أضاف إليها فصولا جديدة ومعارك أخرى لم تتضمنها الطبعة الأولى. وفي تقديمه للكتاب لاحظ د. عاصم دسوقي أن مجدي يوسف: " استخدم في هذا الكتاب أسلوبا غير مسبوق، إذ عمد إلي إعادة نشر النص موضع نقده كاملا لكي يطلع عليه القارئ حتى تتاح الفرصة أمامه للموازنة والمقارنة ". وهكذا يصبح هذا الكتاب في واقع الأمر كتاب مجدي يوسف وكل الذين حاورهم، وكلهم أساتذة كبار منهم جلال أمين، وفؤاد زكريا، ود. المسيري وغيرهم. وبطبيعة الحال فإنني لست بصدد عرض كل فصول الكتاب، أو المعارك، لكنني أود أن أتوقف عند قضية مفهوم الجيل والإبداع، لأنه أحد المفاهيم الملتبسة لدينا، منذ أن انتشرت العبارة الشهيرة " جيل الستينات "، ثم أصبح من السهولة بمكان التوقف عند كل عقد، ووصف مبدعيه بأنهم " جيل " السبعينات، والثمانينات، إلي آخره. وهكذا يطرح د. مجدي يوسف للنقاش قضية العلاقة بين مفهوم الجيل والإبداع. وبداية يرفض الكاتب المفهوم البيولوجي للجيل الذي أشاعه " فلهلم بيندر "، وينحي بذلك جانبا قصة التأريخ الأدبي على أساس من تواريخ ميلاد الأدباء. كيف يمكن إذن أن نحيط بمفهوم " الجيل " ؟. ربما – كما يري كاتب آخر هو د. فتحي أبو العينين – أن مفهوم " الجيل " هو مجرد أداة تساهم في التعرف على طبيعة الصلة بين ما يجري في حقول الفن من جهة، وبين التتابع الزمني التي ينتمي إليها المبدعون من جهة أخرى ؟ أداة يمكن بفضلها أن نفهم ظهور وتطور وزوال تيارات إبداعية في سياق تاريخي معين؟ وأن وحدة الجيل تنشأ نتيجة التماثل في محتوى الوعي، والاشتراك في المصير والطموح، وأن هذا التماثل يعبر عن نفسه في الإبداع الأدبي ؟. مرة أخرى يرفض د. مجدي يوسف مفهوم " التماثل في محتوى الوعي" كتعريف للجيل متسائلا: " كيف تكون تلك الوحدة الجيلية المزعومة بين وعي أبدع في طمس التناقضات وتبريرها، وبين وعي آخر أبدع في كشف تلك التناقضات وتعريتها ؟ وأين هنا مفهوم الجيل بمعنى تماثل الوعي الذي يوحد كاتبين متقاربين عمريا مثل صنع الله إبراهيم وفتحي سلامة في " جيل " واحد ؟! وأين " تماثل الوعي " – على مستوى الموقف الأدبي - لدي كتاب الستينات مثلا من حرب 1967 ؟.

يتبقى تصور أخير لمفهوم الجيل ينطلق من أن الفئات العمرية التي تعيش مرحلة التشرب والتكون هي التي تكون أكثر تأثرا بالتجربة الاجتماعية مما يخلق تمايزا بين الأجيال المبدعة. إلا أن ذلك التصور الأخير الذي يوحد إنتاج الذوات المبدعة على أساس القدرة الأكبر على التأثر بالتجربة، إنما ينفي أو يطمس بدوره البعد الاجتماعي للعمل الأدبي. لا يقول د. مجدي يوسف صراحة إن تاريخ الأدب والإبداع ينبغي تقسيمه حسب المدارس الفكرية والأدبية وليس على أساس الجيل، لكنه يشير إلي ذلك حين يقول: فمع من يقف العمل الإبداعي في نهاية المطاف ؟ هل يقوم بتنبيه المتلقي للقمع الواقع عليه ؟ أم يخمد فيه أي أمل في التغيير ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى