الأحد ٧ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

معلقة في عنق

عبد الرحمن مصطفى مقلد

كأنّك آنست نارًا
وسرت إليها
..
وأوشكت
تخلع نعليك..
تدخل
هذا المسار
إذا جددته مواعيدُ مضروبةٌ
من قديمٍ
نداء تردد في أذنيك
فقومت من النوم
منشغلًا بالإجابة
أدركت أنك في موعدٍ
لا يليق التأخرُ عنه
المسار تحفّز بالخيل
حدْواتُها في الرمال
ستتبع
أنت المتيمُ
ترعى قطيع الأمانيَّ
تعرف أن غدًا
ينبغي أن يكون جديدًا
لديك يقين ترسخ أن الغياب
وإن طال
يوشك أن يتداعى..
وأنت السجين على باب زنزانة
تتسمع وقع انزلاق المزاليج
تعرف صوت اصطكاك المفاصل
نَذرَ احتجاج الحديد على أن يظل سليبًا
وفيًا لسجانه
وأنت السجين
الذي يتهيأ
يرسم أولى الخطى خارجًا للبراح
طريحًا على البرش
يضحك
ما في دمي غير هذا
وهذا الذي يتسمى الرجاء
تمر الليالي فيكبر
يكبر
حتى أكون على الباب
أحصي لياليَّ
أحطي الذي فات مني حطامًا
وهذا الذي يُستجدُّ منازلُ
آنست فيها مقاميَ
من قبل
أسكن حين تُضَيَّق زنزانةٌ وتُغَلّق دونيَ
أرحل فيها
وأحلم أن ظلامًا تبدد بالنور
..
المسار القصير الذي بين طفل وحضن أبيه
المسافة قبضات كفٍ
تطيرُ لصدرِ أبيك
إذا عادَ من سفر ربما
أو تداعي
ويوشك بالباب يُفْتح
يدخل ظلٌ
وصوتٌ يناديك أنت
تنطًّ
وتلهث
تعرف أن
ذراعيه مفتوحتان
ويوشك صدرك يسكنُ
هرول
صغيرًا لحضن أبيك
وإن يتعثر خطوك
إن ذكرتك شهادة موتٍ بأنك
يا طفليَ المتقلب في النوم
لست سوى واهمٍ
تبتل لذات التوهم
ثق أن ذاك اللقاء الذي لم يحنْ
سيحينُ
وما تبتغيه
اليقينُ
انتظره وصدقه
..
ما بيننا يا صغيري
الرهان على الوقت
حين الوثوب على بعض يوم
عليك التدربُ
كيف يصدِّقُ قلبٌ
وكيف يَصيدُ العلاماتِ
يفهمُ أن المسافة بين الفريسة والذئب
تكمن في جوعه المستبد وفي خوفها المتيقظ
أن انتصار غريزة أيهما
في مهارة فهم العلامة
ثم انقضاض المهاجم
أو قفزة للفريسة نحو النجاة ..
العلامات يا صاحبي لعبةٌ
مفاتِحها لتنوءُ بها عصبةٌ
أقوياءُ يخورن من وطأة الانتظارِ
ونحن رعايا
نطيّر أحلامنا في الصباح
ونصبرُ حتى تعود على مهلها
وقد تتأخر بعض الأمانيِّ
لكننا نتصرفُ وفق الشهيةِ
نسرفُ في الانبهار
الصراخُ لأقصى الحناجرِ
نمسكُ بالحبلِ
ندرجُ أطرافنا بين عقْلاتِه
وندرب كيف تفكك أسناننا
إذ نُسابق والبحرُ
نعرف أن الوصول لأقصاه
حلمٌ تأخر بضع سنينٍ
لنقوى على العومِ
بحارةً خشنين
يريدون إغراق قرصٍ
تضاءلَ في الماءِ
ثم انتشالُ الذي يتسربُ منه
من الضوءِ
..

هذي الوعود أدحرجها
من قديمٍ
وهذا الطريق يدومُ
وهذا الصبي الذي تاه
من قبلُ
إن تاه ثانيةً
سيعودُ
فلا تتخاذلْ
وأنت تسير سليبًا وراء عجوزٍ يبيع الجيلاتي
تسير غريبًا
وتحرصُ ألا تغيبَ عن العين دراجةُ العم
..
سر واثقًا ومريضًا بحب الجيلاتي
ولا تترك الخوف يسرق منك اشتهاءك
إن يبعدُ البيتُ
حتى تضلَّ
وتهرب منك الأماكنُ
يشتبه الناسُ فيك
وأنت تمصُّ «الحليبة»
تقرض في قمعها
وتسيل على شفتيك
ويُمْزَجُ بالدمع سيلُ المخاطِ
ولونُ الحليبِ
يحن عليك من الناس
من يحملون صبياً: لدينا هنا تائه
له قُصَّةٌ
وقميص من التيل
..
أهلُك لا يرجعون
سوى بالصبي
غويِّ الجيلاتي
يمصُّ
ولا يتذكرُ غيرَ اهتزازٍ عنيفٍ ولومِ
وقلبٍ تُخَطِّفه الأمُّ
ليس تصدقُ سرعة نبضاتِه
والصبيُّ يفكرُ في وجهةٍ واحدةْ
إذا كان طعمُ الجيلاتى هناك جميلاً
لماذا أعودُ
ألن يتشابَه أهلي وأهلُ صبيٍّ سينشأُ
في بيتِ أمٍّ حنونٍ
تذكّرَ كيف استقر على كتفيها
ليأنس للدارِ
طعمُ الجيلاتي الذي في فمي لا يزال
يريدُ من التيه أن يتواصل
أن أترجرجَ بين السراديبِ
كالفأرِ في لعبة التيه
حيث الخطوطُ ستمتد
حتى تكون النهاية
قمعًا يذوب على الفم
..
يمضي عجوزٌ يبيعُ الجيلاتي
على ضوءِ هذا المسارِ
كذلك
ينفذُ من عينِ نارٍ
يريدُ الكثير من الحظّ
كي لا يكون الطريقُ كبيرًا على الزادِ
فيضًا من الدعواتِ
لينهي بضاعته
ويعود
ولا يتخثر منه الحليب
ولا تتبخرُ ألواح ثلجٍ
ولا تَعْطنُ الفاكهةْ
يريد رئاتِ على رئتيه
ليلمس كل هواء
ويسعى ليقبض من قبس النار ما يدعم القلب
إن تتسرسبْ منه الدماء وتهرب مثل خطوط الحليب
لينس الذي سيكون
ويحلمُ بالانتصار على
البحر
والصحراء
على الثلج
والشمس
يحلم ليس له غير حُلْمٍ
يُرى قاب قوسين
أدنى من الموت
يخدع ما يستطيع ملاكًا
يتابعه
ويحفز فيه الإرادة حتى يواصل
هذا المسار الذي نتخيلُ
شيخًا على حلبة ووحيدًا مع الموت
ينجيه خوفُ انسكاب الحليب
تعثر دراجةٍ بالرصيفِ
وخذلان بعض الزبائن
من يلهثون وراء مسارٍ يخط الكاوتشوك
(يدفع جيشُ عفاريتَ
- من خلفه -
بالعصيِّ
الإطاراتِ
يسبقُ من يركبون الجريدَ حميرًا)
ويفديه إيغالُه في البساطة
حين يجزُّ
بأسنانِه
ويعضُّ اللسانَ
ويعنيه حين يشبّهُه بالبغيِّ
ولا يتلفّتُ رأسُ المكلفّ قبضَ الثمالة منه
كما أن هذا الموظفَّ
يبدو ملولاً
ويغلبه الشيخ في جولةٍ
ونأمل أن يتواصل هذا
وتنجع هذي الحلول..
تقيمُ مسارًا تكون القصائد فيه وسائد
يغفي عليها
ويقترَحُ الشعرُ أكثر من مهرب
يتدجج فيه الحماس
يكونُ على الشعر أن يتجمل في الطرقات
وأن يتزيّ بزي أراجوز
يمدحُ فيه انفلاتاته
ويكون عليه افتعال أكاذيب بيضاء
تبعث بين الرماد
تهاويمَ
أو يتفردُ بالموتِ
حتى يكون قريباً فيخدعه بالمكوث على نبع ماء
هناك يكون قريباً من الانزلاق
ويدفعُ..
الشعر يكمل دوراً
يملُّ السجينُ
فيخرج كوتشينة
ويتابع دورًا فدورًا
يفوزُ
فيفرحُ
يشعرُ أن من الحظِّ ما يتبسمُّ للضعفاءِ
يكون على الشعرِ أن يستعيدَ الغلامَ الغريبَ
من التيهِ حتى
يطببُ قلبَ امِّه
تكون القصيدة
للانتظارِ وللانتصار على الوقت
يفردُ فيها الأمانيَّ
يَكْثرُ فيها الرجاءُ
تكون معلقةَ الاشتياقِ
يعلقها قربَ قبرٍ
بخمسين أمنية تترتب مثل قطارِ
يعودُ به لابنه غائبٌ
وإن كان في الحلم يحدث هذا
أكاذيب بيضاء مثل الأرانب تقفز
لا ضيرَ منها
ولا خوفَ حين تكون القصيدة بيت أرانب
ينخدع الموت فيها
وتدخل أجحارها
يُتشتت بين المسارات
والنهايات مفتوحة الفوهات
نغنى لها
في الأعالي
ولا نستقرُ هنا في الهضاب
نخافُ من اللهب السَّقْطِ
نلقى على الفوهاتِ اللظى طازجًا
غرامٌ كهذا نعيش له
مخلصين
اتصالٌ بقلبٍ بعيدٍ عليك الوصول إليه
خلاصٌ يخليك تركض تركض
حتى الوصول لبيت
وليس يتاحُ الدخولُ
سوى أن طرقًا على الباب يُسمع
طرقًا خفيفًا كأن ملاكًا يدق
فتفتح
يسلب منك اللفافةَ
يهرب كالطفل حين تحاصره بالسؤال
يقول سأرجع لكنه لا يحدد
يبقى الزمان طليقًا أمامك تهرب فيه
تعيش الغرامَ المؤجلَ
تعرقُ عند التهام الثمارِ التي تتجدد في شجرٍ سارحٍ بالجمال
ثماراً بتولاً
تبين فتاة لنا ظهرها
يتلألأ خيطٌ من الفقرات
تميل بروزاتها كالضفافِ
وتصنع نهر موسيقى
وتغنجُ فيه انحناءاتُ
نتبعُ مسرى مسيل قطيراتِ ماء
إلى موطئٍ يتخبى
وتخذلنُا المَلَكَاتُ
ولا نستطيع الولوج لكُنْه الذي لا يبين
يكون على الشعر أن يتهيأ
لا يتهيبُ
يقرأ هذا الجمال الخفي
ونحن وراءك عميان نسأل ماذا ترى
: الطريق التي يرسمُ الاشتياقُ
وإعمالُ ندر التوهم
حتى الوثوب لآخر خطٍ
هناك إذنْ تتلاقى الشفاه
ويمكن فهم العيون ..

عبد الرحمن مصطفى مقلد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى