الاثنين ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم بسام الهلسة

مـديـحُ التفـاهــة

تستحق التفاهة المديح..

ولم لا؟
لم تعد سلوكاً مستنكراً خاصاً بأناس معينين في حالات معينة كما كان شأنها دائماً..
بل غدت أسلوب حياة ونظاماً شاملاً مكرساً باحترام ومهابة..

نظامٌ له مُنتجوه ومُروِّجوه ومُستهلكوه وحُماته ومريدوه..
تغلغل كالهواء في كل مسامات وجودنا وحياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتعليمية والاجتماعية والأخلاقية.. حتى صار الخلاص منه أمراً دونه البلاء!!

* * *

يكفي أن نلقي نظرة عابرة لنجد تجلياته المحيطة المطبقة، ولنجد شعوباً بأكملها منهمكة فيه كطقس معتاد مستحب..

وبدل التفكُّر في وجودها البائس، تراها ممعنة في التفاهة.. التي أصبحت مطلباً منشوداً –ليس للنُخب التي تنتجها فحسب- بل للغالبية الغالبة من الأمة التي صارت تسعى وتطمح للظفر بها..!!

واستقرت الأوضاع على سوقها: فكل "ما" و"من" ليس تافهاً، "شاذ" يستدعى المعالجة وإعادة التأهيل..
* * *
والأمر طبيعي لا يستوجب أدنى استغراب...
فحين يُلقى بكل إنشغال جاد ومصيري في سلة المهملات تكون النتائج محسومة..

وحين تتوارى الأسئلة الكبرى عن الوجود ومعناه ومتطلباته ومكاننا ودورنا فيه، تحل محلها ذهنية وثقافة: "آدي احنا عايشين يا بيه"، كما يقول أهل مصر...

وحين تنتج الأمم الأخرى وتطور الصناعة والعلم والمعرفة والمؤسسات -ومعها وقبلها- "الإنسان"، فيما نحن نمضغ الوقت –أويمضغنا.. لا فرق- فما الذي ننتظره يا ترى...؟؟

-هل ننتظر شيئاً آخر غير الاستخفاف الذي نعامل به؟
ومن ذا الذي سَيُعزِنا إن نحن هُنَّا على أنفسنا؟
أم لعلنا ننتظر الشفقة من جمعيات حقوق الإنسان، والعناية بالبيئة، والرفق بالحيوان؟؟

لنسأل أنفسنا أولاً: أفراداً وجماعات وشعوباً وأمة، إن كان ما يزال فينا رمقٌ من "كرامة" تأبى علينا ما نحن فيه..

وبقية من "غيرة" سوية تحث البشر على ما هوإيجابي...
لنسأل أنفسنا عن هذه التفاهة الطاغية التي أفقدتنا الحس بالمسؤولية الإنسانية.. وحولت وجودنا إلى محض وجود بيولوجي لا تتعدى اهتماماته حدود تلبية الحاجات الغريزية الأولية.

قد تحتج "النُخَب" على هذا الكلام...
ولها الحق في هذا.. (وفي هذا فقط)
فحاجاتها الغريزية لا تُشكل شاغلاً لها...
لأنها ملباةٌ أصلاً..
ولكن هذا لا يخرجها من حُكم "التفاهة"..

فهي التي كرَّستها على كل المستويات وبكل الوسائل.. لأنها "المثال" الذي تتطلع إليه الأغلبية..

كرستها بصمتِ بعضها.. وبصوت بعضها الآخر.. صمت البعض الأول عما يجري مداراة لمصالحه، أوخوفاً من المواجهة، أوعن لا مبالاة تحولت إلى عادة راسخة..

ونطق البعض الآخر.. لكن ليس بصوت حر.. واعٍ.. ناقد.. بل بصوت "الببغاء" التي هي من أكثر الكائنات بعداً عن الخصوصية والتفرُّد.. بل يكمن "تميزها" في أنها "مقلدة" لغيرها..
ومثلها فعلت أكثرية النخب، فغيبت أصواتها الخاصة مرددة أصوات المهيمنين، أومسايرة لشعوب فقدت القدرة على التمييز..
وإن كان أحد لا يلوم الببغاء على "خَلْقِها" الذي لا حيلة لها فيه، فإن اللوم والنقد يطالان النخب على "خُلُقِها" الذي صنعته بأيديها وبوسعها تغييره إن أرادت..

أما الشعب "المستانس" (كما تسمي لهجة العراق والخليج: المسرور)، فليحرص على هذه "الوناسة" السابغة..
وليمعن في حفظها من شر الحاسدين...

* * *

المجـدُ للتّفــاهــة!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى