

ملاحظة لغوية: على الرَّغم
هناك كلمات في العربية تصح في حرفها الأول الحركاتُ الثلاث، على الرَّغْم، على الرُّغم، على الرِّغم، ولا أعرف السبب في اعتماد المتحدثين والخطباء حركة الضم، فيقولون وهو يجمّعون الشفتين ويطلقونها ممتدة: على الرُّغْم، ظانين أنها الأفصح، مع أننا في لهجتنا الدارجة نفتح الراء فيها، فتكون طبيعية غير متكلّفة، وهي لا أقل فصاحة!
كم أحب أن نلفِظ الكلمة الفصيحة باللفظ القريب كل واستخدامه اليومي.
أما معنى الرغم فهو الذل والكَـره والهوان.
قال الأصمعي:
(الرغم) كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه ويذله، و(الرغم) أيضًا المساءة والغضب:
فعلت كذا على رغمه- أي على مساءته وغضبه. (انظر مادة "رغم" في لسان العرب)
نستخدم اللفظة في صور مختلفة:
فعل ذلك على رَغْمه، رغمًا عنه، وعلى الرَّغم منه، وعلى رغم أنفه، بالرغم منه.
بالطبع نرجو من الله ألا نفعل أي شيء على الرَّغم منا، بل نفعل كل شيء بطيب خاطر.
إليكم بعض ما قيل شعرًا في استخدام (رغم) في صور مختلفة:
الطُّغْـرائي:
فما هو حتى قادني نحوك الهوى *** على الرَّغم ما أحسنت هجرًا ولا وصلا
عبد اللطيف الصَّيرفي:
على أنه يلقى على رَغم أنفه
عدوًا له ما من صداقته بُدُّ
ابن الوَرْدي:
لو تقنّعت أتى رزقي على
رَغمه، لكن خُلقنا من عجل
صَفِيّ الدين الحِلّي:
إذا لم يكن ما يريد الفتى
على رَغمه فليردْ ما يكون
ديك الجِنّ:
أكحل عيني من بعيد بنظرة
إلى نارها بالرَّغم من أنف راقب
المَعَرّي:
قد صحبنا الزمان بالرَّغم منا
وهو يُردي كما علمت الصحابا
من الكلمات التي حرفها الأول يصحّ بالحركات الثلاث:
الربوة، الجثوة، حضرة، سرعان، فم، الود، السم، الجرو، الغلْظة، الملْـك، المصْحف، الرشْوة، الذرْوة... وثمة كلمات أخرى أوردها البَـطَـلْـيوسي في كتابه (المثلّث).
تخيل أحدهم يلفظ (فُـمّ)، أو (رُشْوة)، (رُبْوة)!
هي صحيحة، ولكن ما ضرورتها في استخداماتنا اليوم؟
لنلفظ الأيسر- أي ما هو أقرب للهجتنا ولخطابنا المألوف!
مشاركة منتدى
26 كانون الثاني (يناير), 07:36, بقلم احمد القرعان
منقول من كتاب تقويم اللسانين ل[محمد تقي الدين الهلالي]:
ومن الأخطاء الشائعة استعمالهم كلمة بالرغم أو على الرغم في غير موضعها فيقولون مثلا: حضر فلان الاحتفال بالرغم من كونه مريضا، أو بالرغم من كثرة أشغاله. والآن ندرس ما قاله الأئمة في استعمال الكلمة: قال صاحب اللسان: الرغم مثلثة الراء: الكره والمرغمة مثله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ مَرْغَمَةً للمشركين) المرغمة: الرغم أي: بعثت هوانا وذلا للمشركين. ثم قال ابن الأعرابي: الرغم: التراب، والرغم: الذل، والرغم: القسر. وفي الحديث: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُه أي، ذل. وفي حديث معقل بن يسار: رغم أنفي لأمر الله، أي: ذل وانقاد، وتقول فعلت ذلك على الرغم من أنفه انتهى، وهذا الاستعمال الصحيح لهذا اللفظ إذا فعلت شيئا وهناك من يكرهه تقول فعلت ذلك على رغم أنفه فإما أن يراد بذلك بقصد أن أذله، وعبر بالأنف لأن المستكبر يشمخ بأنفه، أي يرفعه عزا وتكبرا، انتهى.
فخفض الأنف وإلصاقه بالتراب، وإذلاله ضد شموخه وهو رفعه، فلذلك يعبر برغم الأنف عن الذلة والإهانة والقسر والإكراه وبشموخ الأنف عن الرفعة والتكبر. أما قوله: حضر الاحتفال برغم كثرة أشغاله. مثلا، فهو استعمال فاسد، مأخوذ من الترجمة الفاسدة لكلمة Onsefite وفي كل من الفرنسية والألمانية كلمة تشبه هذه الكلمة في المعنى، والاستعمال العربي الصحيح أن يقال فلان حضر الاحتفال مع كثرة أشغاله، أو مع كونه مريضا، وتستعمل على، في موضع مع، قال تعالى في سورة البقرة الآية (١٧٧) وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ. الآية، أي أعطى المال مع حبه له، ولا يقال بالرغم من حبه له، كما يقوله من يأخذ إنشاءه من الصحف والإذاعات، وقال تعالى في سورة الرعد الآية (٦) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ. وقد استشهد ابن هشام في المغنى بآية البقرة وآية الرعد على أن (عَلَى) فيهما للمصاحبة بمعنى مع، ولا يقال ولو في خارج القرآن وإن ربك لذو مغفرة للناس بالرغم من ظلمهم، وقد تبين معنى على، وبقي علينا أن نذكر تفسير قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ.
فقد يتوهم متوهم أن المعنى: أن الله يغفر للناس مع استمرارهم على الظلم، ظلم بعضهم لبعض، وذلك باطل، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره، وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم، أي أنه تعالى ذو صفح وستر للناس مع أنهم يظلمون، ويخطئون بالليل والنهار. ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب، ليعتدل الرجاء والخوف كما قال تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ انتهى.
ومثل آية البقرة، قوله تعالى في سورة الإنسان، رقم (٨) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا أي مع حبهم له ولا يقال في خارج القرآن فلان يطعم الطعام المساكين بالرغم من حبه له أو بالرغم من قلة ما عنده منه.