الاثنين ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٤

مناقشة قصائد لممدوح عدوان في ملتقى بلاطة الثقافي

نابلس: تم في ملتقى بلاطة الثقافي مناقشة ثلاث قصائد جديدة للشاعر السوري ممدوح عدوان.

في بداية اللقاء، تحدث الناقد" محمد الأسعد" مقدما الشاعرـ الحاضر الغائب ـ

باحتفالية وجدانية على أمل أن تصل هذه الكلمات للشاعر الدمشقي المتوحد في همه وأحزان أمته, فهو احد الشعراء الكبار الذاهبين إلى أوراقهم، بعد أن فقدوها أمام حركة العالم المتغيرة. من حالة الفقد هذه، ينبغي على الشاعر أن يجد معادلة الحصين أمام كل المتغيرات. وقد حاول ممدوح عدوان ـ ولعلة في هذه القصائد ـ أن ينفذ من الخطاب الذاتي إلى الأخر، وربما أوغل في التفاصيل لكن النشوة لم تخدعه حين رأى ظله في هذه الرومانسية العائدة. نقطة مهمة أن نرى ذات الشاعر المغلقة على أمل أن يكون هذا الغلق بالغ الشفافية، كي ترى وتقرأ العالم من خلال هذا المغلق الشفاف.
وقد قدمت في هذا اللقاء خمس أوراق نقدية. حيث كان أول المتحدثين
الشاعر" سعيد سعادة"

"إن نظرة فاحصة لهذه النصوص الثلاثة وعناوينها (تقاسيم العتابا، والانحناء وعزف منفرد) تظهر وبوضوح جلي قاسم مشتركا يربط فيما بينها ، سواء من حيث المعنى المشترك في كلمات عناوين بعضها ،أو من حيث الاشتراك المرتبط بالمعنى الدلالي التكاملي المتصل بمضامينها ففي الحالة الأولى، يبدو الاتصال في غاية الوضوح والمباشرة ، فكلمة تقاسيم تأخذنا إلى كلمة عزف أو العكس , أما في ما يخص الحالة الثانية ـ الاشتراك المرتبط بالمعنى الدلالي ـ فهو متعلق بالنص المعنون بـ(الانحناء) , الذي يرتبط دلاليا من حيث مضمونة مع مضامين النصين الاخرين ارتباط عضويا , مشكلا وجهين لهذا الارتباط:الأول وقد جاء ردا على النص الأول (تقاسيم العتابا). والثاني يعتبر بمثابة تهيئة للنص الأخير (عزف منفرد )
وقد رأينا أن تقاسيم العتابا إعتمدة في بنيتها الشكلية على كاف
المخاطب مثل:

(لك, ظلك, ظل لك, قللك, لك, هللك أهل لك, املك, اهلك, ......... الخ )

حيث يلقي جرس هذه الكلمات في روع المستمع / المتلقي, حس التقريع واللوم, من مخاطِب إلى مخاطَب, وكذلك تشكلت بنيتها أيضا من أفعال المضارع مثل:(تعوض, تعرف,يعطي,يعمي,تتوهم, تمضي , تتساءل, تحلم ,تفتقد ,تصبح, تذوي, تدرك, تغادر, تتلفع, تبقى, تحس ...... الخ) حتى تفيد الاستمرارية والتجددية في حصول الفعل حاضراً ومستقبلاً.

أما الشاعر" جميل دويكات"
تقاسيم العتابا. ترنيمة عاشق محزون يعتب ويعاتب

ـ ضياع في زحام الشعر والهم.

ـ فقد الشهية للعيش

ـ ضياع الحبيب والرفيق

ـ ضياع الحلم القديم

ـ العواطف التي تغاويك ذوت وزالت

ـ فقد الأهل والصحب .. تصبح لا أهل لك

ـ الشاعر غصن مقطوع من شجرة بتروي حزننا

مجموعة هزائم وان كسارات صغيرة .. تشكل مجموعة الانكسار الأكبر
فالحياة زانية كامرأة العزيز تناديك لتناطح شهوتها في الشباب ومن يرفض تقد قميصه من دبر

ـ مفردة الحزن لدى الشاعر مفردة متواترة أنه يبحث عن ظل عابرة
أو ظل بيت يساكنه أنة الامتلاك للمفردة التي تنبض بأحاسيسه تحمل نفس حزنه وتطير بها إلى حيث يريد أنة يبحث في الظلام والظل له اصل ولكن الظل خيالي والأصل واقعي انه كلية مع خيالة على امرأة كانت ورحلت ولم يبقى سوى خيالها يغزوا خيالة إنه المتخيل الجميل إلى متخيل الإنسان إلى ماضية دون أن يغرق فيه (أو ظل بيت يساكنه) انظر إلى كلمة يساكنه إن استخدام المضارع المزيد بالألف يساكن يدل على الاشتراك فكأنة يسكن البيت والبيت يسكنه .. انه يسكن الوطن (المثال ) والوطن يسكنه.. انه غربة أقوى من أن يعيش الإنسان غريبا في وطنه يبحث عن وطنه فلا يرى سوى ارض لا حرية فيها .. ولا حياة .. فبتخيل الوطن الجميل الذي يساكنه فيسكن كل في الآخر إن حزنه (بإنهدام المثال الذي يريد ) جعله ينكر نفسه بقولة " لاظل لك" فكان الخطاب في "لك " هي أنا الشاعر آتى بها على سبيل الالتفاف للابتعاد عن المباشرة والحديث المباشر عن النفس.

انه انكسار الإنسان عندما (يشيخ) فيشعر بالوحدة ــ والغربة فينزوي ــ ولا يرى أحدا قريبا منه معنويا في واقعة فالحبيبة التي أطلت عليه قمراً تضئ لياليه قد غابت .. والحياة التي أهلته الصدارة في يوم قد قذفته على قارعة الرصيف ــ مجموعة من الصور التي تجعل الدمعة تفر من عينك وجاء في كلمة الكاتب والقاص رائد الحواري :

إن استخدام الشاعر لكلمة (ظل) بمعنى استمر/يقيه /ظل/ وكلمة (هل) وما تحمل من معاني الإطلالة البهية والظهور والأمل جاءت لتعكس الحالة المرهقة التي يمر بها الشاعر، ولتعزيز مفهوم الغربة التي يعاني منها، فممدوح عدوان لا يتعامل مع الأجسام المحسوسة وإنما مع النور والظل ، وهذا الأمر أضاف إلى القصيدة بعدا جديدا يتمثل في الاشمئزاز من الماديات ، وبعد أن أضاف الشاعر إلى مفهوم ومضمون القصيدة الكلمات ذات الدلالة التي توحي بالعزلة فكانت هناك الأدوات تتناغم مع مفهوم القصيدة ، فجاء الشكل (الكلمة) والمضمون المعنى يرفع احدهم الآخر بحيث جعلا القصيدة تتألق أكثر ، إن لفظ (هل لك ) و(ظل لك) يوحي بالاضطراب والقلق لدى المتكلم فكانت الألفاظ منسجمة تماما مع المضمون والشكل وهذا يعطي القصيدة الكمال والتقنية العالية ، إن اختفاء الجغرافيا من القصيدة جاء أيضاً ليعزل الشاعر عن محيطة ، وليضيف توغلا آخر في الغربة، فعدم وجود المكان سيحرم الإنسان من الاستقرار وسيبقى طريدا لا يعرف الهدوء والسكينة ، وهذا العدم الجغرافي أضافه بعدا آخر إلى غربة الشاعر.

إذا رجعنا إلى ديوان (مي تطارد قاتليها)الصادر عام 1982 نجد أن الشاعر استخدم ذات المضمون في هذه القصائد /تقاسيم العتابا /وعزف منفرد /الانحناء، فكانت الأم حاضرة في الديوان:

" كان خدي يبدأ من جرحها عاتيا

في فمي دم أمي ضوء" "ص63"

وكذلك حالة الاضطراب والقلق:

" ويزحمني من الأضواء من لهو النساء "ص56"

ومن كآبتي القديمة

متراجعا ومطاردا

من حضن أمي

نحو منفى ضيق كالقبر

منفى خانق كالفقر " " ص57"

نجد هنا بأن الشاعر استخدم عين الحالة التي مربها قبل أكثر من عشرين عاماً ، ولكن هنا كانت أدوات النص والألفاظ جديدة تماما ، وهذا يعكس حالة الخضوع التي وصلها الشاعر .

إن التغني بالفردية المطلقة والابتعاد عن وصف الحالة (العامة ) كانت بمثابة رسالة واضحة من الشاعر بالكفر بكل الأطر القائمة في الوطن الكبير وأيضا عن الوحدة الكاملة عن الاخرين فكانت قصيدة عزف منفرد بمثابة تجسيد للوضع الشخصي الذي يعشيه الشاعر وكأنها المرجع الأخلاقى والعقائدي له وجاء في مداخلة الشاعر" مازن دويكات"

في البدء سأنطلق في مداخلتي من خلال مقارنة، بين القصيدتين "تقاسيم العتابا"و"عزف منفرد " معتمدا في هذه المقارنة على المقاربة والموازاة لان التضاد سمة غالبة على القصيدتين. هناك ماهو مشترك مقاربة ومباعدة ، في العنوانين "تقاسيم العتابا " و" عزف منفرد " يلاحظ إن هناك مقارنة بين تقاسيم في العنوان الأول وعزف في العنوان الثاني إن التماهي في الدلالتين شديد الوضوح من خلال توحدية وفردية الأداء الموسيقي ، وهذا الاعتماد على الذات يتلائم مع حالة الشاعر الانعزالية ببعدها الصومعي.
" وأنت الذي صوت وحدك /طيفا يهيم ولاجبل لك ولاسهل لك /هي ذي الخاتمة أنت لاظل لك ،أنت لا أهل لك " من قصيدة تقاسيم . وهناك أيضا من قصيدة " عزف " "مرة أخرى وحيدا مرة أخرى سعيدا " أما النصف الثاني من العنوانين "العتابا " و" منفرد " نلاحظ بعد التعمق والغوص، إن العتاب تمثل شكلا من أشكال الغناء في معناها الدلالي، أما في معناها اللغوي فهو يأخذ من شكله الطباقي ، ودلالته اللغوية بعدا معطرا بالعتاب والمكاشفة بما إن التوحيد والانعزال مع الذات هي السمة ، وهذا يعني أن العتاب ذاتي محض، من حوار مع أنا " الشاعر" وهذا واضح من خلال النص. أما في النصف الثاني من عنوان القصيدة الثانية " منفرد " فالدالة هنا توصل المعنى شديد الوضوح . إن الحالة الانفرادية التي يصيبها الشاعر هي بمثابة حجر الأساس الذي تهندس علية معمار القصيدتين من ناحية المعاني والمضامين ، وهذا الحالة يعيشها المتلقي رؤيوياً كذلك من ناحية الأبعاد ،والمجاز الدلالي وهذه الحالة يحسها المتلقي إحساسا وإدراكا وهذه الثنائية في تداخلها تكسب المتلقي لذة الوصول والكشف في تعامله مع النص الإبداعي ، كان بالإمكان أن أخوض أكثر في نسيج القصيدتين من المفتتح حتى المنتهى ولكنني اعتقد إن في العنوانين ما يكفي لرصد البعد النفسي الذي وصل إليه من خلال قصيدتين يبدو بالأولى "تقاسيم العتابا " إن الشاعر على حافة الهاوية من خلال ما آل إليه من ذهول وإحباط ويبدوا في الثانية أكثر تماسكا باعتماده على ما يوصل سريعا للهاوية ، إن التوحيد مع الكأس يزيد من حالة الخدر التي يتعاطاها الجسد خدر على ، خدر ، خدر العقاقير وخدر القوارير وفي النهاية تمثل القصيدتين جناحي طائر غريد، كل جناح يرفرف في جهة مغايرة مما يوحي بأن الجسد هو الضحية في نهاية الأمر.

وقد ختم هذا اللقاء بمداخلة الكاتب والقاص " عباس دويكات"
لعلي أتلمس في "تقاسيم العتابا " صورة يحاول الشاعر أن يرسمها فتخرج بألوان داكنة تشي بمأساة أرضيتها وفرشاتها وألوانها ويد عاشت لحظات في رسمها فكانت النتيجة .

أسى وحزن وانكسار وفقد . فالظل يلاحقنا منذ البداية ليشي بالمستحيل والعجز عن تلمس الحقيقة التي كانت مبتغاة .. إنها خسارة وفقد بكل ما تحمله الألفاظ من معنى ودلالة .

إنه الهروب ودفن النفس داخل ذاتها بعيدا عن الآخر الذي ساهم في رسم جزء من لوحة كانت من المتوقع أن تكون زاهية جميلة ذات قيمة لكنها كانت كما وصفت أسى وحزن وضياع وانكسار وهروب

هروب إلى النهاية التي تغوي الشاعر بقوتها وتجذبه نحوها انه الشعر الذي طبع من العما قهرا حيث كان يسيطر في خلقه على صاحبة جاء ليتخلى عن صاحبة ويدعي انه كان لغوا كان لا شئ كان ظلا بلا حقيقة.

وفي قصيدة انحناء
يحاول أن يكشف عن سبب ما آل إليه في"تقاسيم العتابا " فالشاعر يبقى شامخا إن قال شعره رافع الرأس شامخا غير متخاذل أو منزلق أو منافق ، فالشعر لايحقق غرض الابهذه الصورة . وان انحنى صاحبة كانت النهاية ولكن (الشاعر)وكما يبدوا كان شامخا في شعرة قال لما آل إليه من انكسار وضياع.

وفي قصيدته "عزف منفرد "
يؤكد الشاعر على انه هارب إلى الوحدة إلى ذاته مع كأسه وأحلامه في ظلمة اختارها بعد انكساره. هروب من حياة شوهها الآخرة الذي أغواه كثيرا وفي لحظة تخلى عنة كما الشعر . خرج إلى وحدته يرسم حياة هو يريدها هو يخلقها ويلفظ حياة كان أو من الممكن أن يكون لآخر فيها دور أو اثر من قلق
إنها قصائد ثلاث تشي مقاطعها بانكسار داخلي في الشاعر وكأن الشعر وحياته كشاعر سببا فيما آل إليه وكـأنه يحرض الشاعر على رسم حياتهم بأنفسهم مسبقا ليعيشونها لأنفسهم بأنفسهم بعيدين عن كل ما يمكن أن يكون للآخر فيه دور.

ملتقى بلاطة الثقافي

فلسطين – نابلس

Balata_c_f@hotmail.com


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى