الثلاثاء ٣ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

من حكم الإمام

ولد الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه قبل الهجرة بثلاثة وعشرين عاماً وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتربى في بيت رسول الله فشرب الشجاعة ومكارم الأخلاق.

 يعد الإمام علي بن أبى طالب أول من اسلم من الصبيان ولما أتى أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة كلفه رسول الله بالبقاء فى مكة حتى يؤدى عنه الودائع لأصحابها.

 فى العام الثانى الهجرى تزوج على بن أبى طالب كرم الله وجهه من فاطمة بنت رسول الله ورزقهما الله من الأولاد بالحسن والحسين ومحسن وزينب وأم كلثوم.

 الإمام على بن أبى طالب لم يسجد لصنم لهذا نقول (على كرّم الله وجهه) وشهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا غزوة تبوك.

 بعد مقتل عثمان بن عفّان رضى الله عنه فى عام 656م استلم الإمام على بن أبى طالب الخلافة وفى الحادى والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين هجرية (661 م ) قام اللعين ابن ملجم بقتل الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه أثناء صلاة الصبح.

 ترك الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه لبنى الإنسان فى كل مكان وزمان مجموعة من الأشعار والحكم التى تفوق كنوز الدنيا فذات يوم طلب منه أحد الرجال كتابة عقد المنزل الجديد الذى اشتراه بيده الشريفة فامسك الإمام على العقد ليكتبه بنفسه تلبية لرغبة الرجل.. وبعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 أما بعد.. فقد اشترى ميت من ميت داراً تقع فى بلد الغافلين وسكة المذنبين.. لها حدود أربعة الحد الأول ينتهى إلى الموت والحد الثانى ينتهى إلى القبر والحد الثالث ينتهى إلى الحساب والحد الرابع ينتهى إما إلى جنة وإما إلى نار.

 بعد أن انتهى الإمام من صيغة العقد أخذوا الرجل ونظر فيه ثم قال: أيها الإمام.. جئت إليك لتكتب لى عقد شراء منزل فتكتب لى عقد شراء مقبرة ؟! فنظر الإمام على كرم الله وجهه إليه وقال: يا هذا:

النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت
 أن السعادة فيها ترك ما فيها
لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنهـا
إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنُـه
وإن بناها بشر خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعُها
ودورنا لخراب الدهر نبنيها
أين الملوك التي كانت مسلطــنةً
حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
فكم مدائنٍ في الآفاق قـــد بنيت
أمست خرابا وأفنى الموتُ أهليها
لا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيهـا
فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها
لكل نفس وان كانت على وجــلٍ
من المَنِيَّةِ آمـــالٌ تقويهـــا
المرء يبسطها والدهر يقبضُهــا
والنفس تنشرها والموت يطويها
إنما المكارم أخلاقٌ مطهـرةٌ
الـدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعهــــا 
والجود خامسها والفضل سادسها
والبر سابعها والشكر ثامنها
والصبر تاسعها واللين باقيها
والنفس تعلم أنى لا أصادقها
ولست ارشدُ إلا حين اعصيها
واعمل لدار ٍغداً رضوانُ خازنها
والجــار احمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها
والزعفـران حشيشٌ نابتٌ فيها
أنهارها لبنٌ محضٌ ومن عسـل
والخمر يجري رحيقاً في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفةً
تسبــحُ الله جهراً في مغانيهـــا
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها
بركعةٍ في ظــلام الليــــل يحييها.

 عن العمل والكسب الحلال يقول الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه:

لحمل الصخر من قمم الجبال
أحب إلىَّ من منن الرجال
ويقول الناس لى فى الكسب عار
فقلت العار فى ذل السؤال.

 يوصينا الإمام على بعدم مصاحبة الجاهل ويؤكد على الاهتمام بحسن اختيار الصاحب الصالح العارف والعالم والعامل بتعاليم ديننا الحنيف.. فالصحبة الصالحة خير من العزلة وفى نفس الوقت فإن العزلة خير من صحبة السوء.. كما يدعونا إلى القلوب الطيبة النقية وعدم الانخداع برتوش الوشوش الصفراء:

لا تصحب أخا الجهل
وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى
حليما حين أخاه
يقاس المرء بالمرء
إذا ما المرء ماشاه
وللشىء من الشىء
مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب
دليل حين يلقاه

 العلم بمثابة النور والحياة لصاحبه كما تقوم نهضة الأمم والشعوب بفكر العلماء أما الجهل فهو الظلام والتأخر.. وتاكيداً لقيمة العلم والعلماء قال الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه:

النــــاس من جهة التمثال أكفــــاء
أبـــــوهم آدم والأم حــــــواء
وإنما أمهــــــــات الناس أوعية
مستودعات وللأحســاب آبـــاء
فإن يكن لهم من أصلهــــــم شرف
يفاخـــــرون به فالطين والمــــــاء
مــالفضل إلا لأهل العلـــــم إنهـــم
على الهــــــدى لمن استهــــدى أدلاء
وقيمة المرء مـــاقد كــــان يحسنه
والجاهلون لأهــــــل العــــلم أعــــداء
فقم بعـــــلم ولا تطلب بــــــه بدلا
فالناس موتى وأهل العــــلم أحيـــــاء

 ويتعجب الإمام على من قلة الصدق والوفاء بين الأصدقاء بصفة خاصة والناس بصفة عامة ويؤكد على أن ما كان لله وفى الله دام وأتصل وما كان لغير الله أنقطع وأنفصل كما يحذرنا من سوء الخُلق:

تغيرت المودة والأخاء
وقل الصدق وانقطع الرجاء
وأسلمنى الزمان إلى صديق
كثير الغدر ليس له رعاء
ورب خل وفيت له بحق
ولكن لايدوم له وفاء
أخلاء إذا استغنيت عنهم
وأعداء إذا حل البلاء
يديمون المودة مارأونى
ويبقى الود مابقى اللقاء
وكل مودة لله تصفو
ولايصفو مع الفسق الأخاء
وكل جراحة لها دواء
وسوء الخلق ليس له دواء
وليس بدائم أبدا نعيم
كذلك اليأس ليس له بقاء
إذا أنكرت عهدا من حميم
ففى نفسى التكرم والحياء
إذا مارأس أهل البيت ولى
بدا لهم من الناس الجفاء.

 من جوامع كلم الإمام على كرم الله وجهه نذكر قوله: من سل سيف البغى قتل به ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيه ومن هتك حجاب أخيه انكشفت عورات بيته ومن نسى خطيئته استعظم خطيئة غيره ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله ذل ومن تكبر على الناس زل ومن خالط الأنذال احتقر ومن جالس العلماء وقر ومن يصحب السوء لا يسلم ومن يصحب صاحباً صالحاً يغنم ومن دخل مداخل السوء أتهم ومن لا يملك نفسه ندم ومن مزح استخف به ومن أكثر من شىء عرف به ومن كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطأه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار.

 وعن حق الوالد على ولده وأيضا حق الولد على والده قال: أن للوالد على الولد حقاً وأن للولد على الوالد حقاً فحق الوالد على الولد أن يطيعه فى كل شىء إلا فى معصية الله تعالى.. وحق الولد على الوالد أن يحسن أدبه ويعلمه القرآن

 وعن ثمار اللجاجة والعجلة والعجب والتوانى قال: من استطاع أن يمنع نفسه أربع خصال فهو خليق بأن لا ينزل به من المكروه ما ينزل بغيره: اللجاجة والعجلة والعجب والتوانى.. فثمرة اللجاجة الحيرة وثمرة العجلة الندامة وثمرة العجب البغضة وثمرة التوانى الذلة.

 أيضاً من وصاياه البليغة نذكر قوله: أوصيكم بخمسة لو طربتم إليها أباط الأبل لكن لها أهلاً:

لا يرجون أحدكم إلا ربه.
ولا يخافن إلا ذنبه.
ولا يستحى أحدا إذا سئل عما لايعلم أن يقول لا أعلم.
وإذا لم يعلم الشىء يتعلمه.

وأعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس ذهب الجسد وكذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

 وعن الخير قال الإمام على رضى الله عنه: ليس الخير بكثرة مالك ولكن بكثرة علمك وبعظم حلمك وتباهى الناس بعبادة ربك فإن أحسنت حمدت الله وإن أسأت استغفرت الله ولاخير فى الدنيا إلا لرجلين رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة ورجل يسارع فى الخيرات.

 وعن عزة النفس المؤمنة قال: لا تسع بقدمك إلى من يراك دونه فتصغر فى عينه واجعل انقطاعك عنه فى مقابلة كبريائه فإن عزة النفس تضاهى حياة الملوك فإن قبلت نصحى رشدت وإن خالفتنى كنت كمن صير الماء العذب إلى أصول الحنظل كلما ازدادت رياً ازدادت مرارة.

 وفى الختام نذكر هذه التذكرة التى يقدمها الإمام على رضى الله للناس.. كل الناس: زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا وتنفسوا قبل ضيق الخناق وانقادوا قبل عنف السياق وأعلموا انه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له غيرها زاجر ولا واعظ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى