من حكم الإمام
ولد الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه قبل الهجرة بثلاثة وعشرين عاماً وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتربى في بيت رسول الله فشرب الشجاعة ومكارم الأخلاق.
يعد الإمام علي بن أبى طالب أول من اسلم من الصبيان ولما أتى أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة كلفه رسول الله بالبقاء فى مكة حتى يؤدى عنه الودائع لأصحابها.
فى العام الثانى الهجرى تزوج على بن أبى طالب كرم الله وجهه من فاطمة بنت رسول الله ورزقهما الله من الأولاد بالحسن والحسين ومحسن وزينب وأم كلثوم.
الإمام على بن أبى طالب لم يسجد لصنم لهذا نقول (على كرّم الله وجهه) وشهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا غزوة تبوك.
بعد مقتل عثمان بن عفّان رضى الله عنه فى عام 656م استلم الإمام على بن أبى طالب الخلافة وفى الحادى والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين هجرية (661 م ) قام اللعين ابن ملجم بقتل الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه أثناء صلاة الصبح.
ترك الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه لبنى الإنسان فى كل مكان وزمان مجموعة من الأشعار والحكم التى تفوق كنوز الدنيا فذات يوم طلب منه أحد الرجال كتابة عقد المنزل الجديد الذى اشتراه بيده الشريفة فامسك الإمام على العقد ليكتبه بنفسه تلبية لرغبة الرجل.. وبعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أما بعد.. فقد اشترى ميت من ميت داراً تقع فى بلد الغافلين وسكة المذنبين.. لها حدود أربعة الحد الأول ينتهى إلى الموت والحد الثانى ينتهى إلى القبر والحد الثالث ينتهى إلى الحساب والحد الرابع ينتهى إما إلى جنة وإما إلى نار.
بعد أن انتهى الإمام من صيغة العقد أخذوا الرجل ونظر فيه ثم قال: أيها الإمام.. جئت إليك لتكتب لى عقد شراء منزل فتكتب لى عقد شراء مقبرة ؟! فنظر الإمام على كرم الله وجهه إليه وقال: يا هذا:
النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمتأن السعادة فيها ترك ما فيهالا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنهـاإلا التي كانَ قبل الموتِ بانيهافإن بناها بخير طاب مسكنُـهوإن بناها بشر خاب بانيهاأموالنا لذوي الميراث نجمعُهاودورنا لخراب الدهر نبنيهاأين الملوك التي كانت مسلطــنةًحتى سقاها بكأس الموت ساقيهافكم مدائنٍ في الآفاق قـــد بنيتأمست خرابا وأفنى الموتُ أهليهالا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيهـافالموت لا شك يُفنينا ويُفنيهالكل نفس وان كانت على وجــلٍمن المَنِيَّةِ آمـــالٌ تقويهـــاالمرء يبسطها والدهر يقبضُهــاوالنفس تنشرها والموت يطويهاإنما المكارم أخلاقٌ مطهـرةٌالـدين أولها والعقل ثانيهاوالعلم ثالثها والحلم رابعهــــاوالجود خامسها والفضل سادسهاوالبر سابعها والشكر ثامنهاوالصبر تاسعها واللين باقيهاوالنفس تعلم أنى لا أصادقهاولست ارشدُ إلا حين اعصيهاواعمل لدار ٍغداً رضوانُ خازنهاوالجــار احمد والرحمن ناشيهاقصورها ذهب والمسك طينتهاوالزعفـران حشيشٌ نابتٌ فيهاأنهارها لبنٌ محضٌ ومن عسـلوالخمر يجري رحيقاً في مجاريهاوالطير تجري على الأغصان عاكفةًتسبــحُ الله جهراً في مغانيهـــامن يشتري الدار في الفردوس يعمرهابركعةٍ في ظــلام الليــــل يحييها.
عن العمل والكسب الحلال يقول الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه:
لحمل الصخر من قمم الجبالأحب إلىَّ من منن الرجالويقول الناس لى فى الكسب عارفقلت العار فى ذل السؤال.
يوصينا الإمام على بعدم مصاحبة الجاهل ويؤكد على الاهتمام بحسن اختيار الصاحب الصالح العارف والعالم والعامل بتعاليم ديننا الحنيف.. فالصحبة الصالحة خير من العزلة وفى نفس الوقت فإن العزلة خير من صحبة السوء.. كما يدعونا إلى القلوب الطيبة النقية وعدم الانخداع برتوش الوشوش الصفراء:
لا تصحب أخا الجهلوإياك وإياهفكم من جاهل أردىحليما حين أخاهيقاس المرء بالمرءإذا ما المرء ماشاهوللشىء من الشىءمقاييس وأشباهوللقلب على القلبدليل حين يلقاه
العلم بمثابة النور والحياة لصاحبه كما تقوم نهضة الأمم والشعوب بفكر العلماء أما الجهل فهو الظلام والتأخر.. وتاكيداً لقيمة العلم والعلماء قال الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه:
النــــاس من جهة التمثال أكفــــاءأبـــــوهم آدم والأم حــــــواءوإنما أمهــــــــات الناس أوعيةمستودعات وللأحســاب آبـــاءفإن يكن لهم من أصلهــــــم شرفيفاخـــــرون به فالطين والمــــــاءمــالفضل إلا لأهل العلـــــم إنهـــمعلى الهــــــدى لمن استهــــدى أدلاءوقيمة المرء مـــاقد كــــان يحسنهوالجاهلون لأهــــــل العــــلم أعــــداءفقم بعـــــلم ولا تطلب بــــــه بدلافالناس موتى وأهل العــــلم أحيـــــاء
ويتعجب الإمام على من قلة الصدق والوفاء بين الأصدقاء بصفة خاصة والناس بصفة عامة ويؤكد على أن ما كان لله وفى الله دام وأتصل وما كان لغير الله أنقطع وأنفصل كما يحذرنا من سوء الخُلق:
تغيرت المودة والأخاءوقل الصدق وانقطع الرجاءوأسلمنى الزمان إلى صديقكثير الغدر ليس له رعاءورب خل وفيت له بحقولكن لايدوم له وفاءأخلاء إذا استغنيت عنهموأعداء إذا حل البلاءيديمون المودة مارأونىويبقى الود مابقى اللقاءوكل مودة لله تصفوولايصفو مع الفسق الأخاءوكل جراحة لها دواءوسوء الخلق ليس له دواءوليس بدائم أبدا نعيمكذلك اليأس ليس له بقاءإذا أنكرت عهدا من حميمففى نفسى التكرم والحياءإذا مارأس أهل البيت ولىبدا لهم من الناس الجفاء.
من جوامع كلم الإمام على كرم الله وجهه نذكر قوله: من سل سيف البغى قتل به ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيه ومن هتك حجاب أخيه انكشفت عورات بيته ومن نسى خطيئته استعظم خطيئة غيره ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله ذل ومن تكبر على الناس زل ومن خالط الأنذال احتقر ومن جالس العلماء وقر ومن يصحب السوء لا يسلم ومن يصحب صاحباً صالحاً يغنم ومن دخل مداخل السوء أتهم ومن لا يملك نفسه ندم ومن مزح استخف به ومن أكثر من شىء عرف به ومن كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطأه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار.
وعن حق الوالد على ولده وأيضا حق الولد على والده قال: أن للوالد على الولد حقاً وأن للولد على الوالد حقاً فحق الوالد على الولد أن يطيعه فى كل شىء إلا فى معصية الله تعالى.. وحق الولد على الوالد أن يحسن أدبه ويعلمه القرآن
وعن ثمار اللجاجة والعجلة والعجب والتوانى قال: من استطاع أن يمنع نفسه أربع خصال فهو خليق بأن لا ينزل به من المكروه ما ينزل بغيره: اللجاجة والعجلة والعجب والتوانى.. فثمرة اللجاجة الحيرة وثمرة العجلة الندامة وثمرة العجب البغضة وثمرة التوانى الذلة.
أيضاً من وصاياه البليغة نذكر قوله: أوصيكم بخمسة لو طربتم إليها أباط الأبل لكن لها أهلاً:
لا يرجون أحدكم إلا ربه.ولا يخافن إلا ذنبه.ولا يستحى أحدا إذا سئل عما لايعلم أن يقول لا أعلم.وإذا لم يعلم الشىء يتعلمه.
وأعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس ذهب الجسد وكذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
وعن الخير قال الإمام على رضى الله عنه: ليس الخير بكثرة مالك ولكن بكثرة علمك وبعظم حلمك وتباهى الناس بعبادة ربك فإن أحسنت حمدت الله وإن أسأت استغفرت الله ولاخير فى الدنيا إلا لرجلين رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة ورجل يسارع فى الخيرات.
وعن عزة النفس المؤمنة قال: لا تسع بقدمك إلى من يراك دونه فتصغر فى عينه واجعل انقطاعك عنه فى مقابلة كبريائه فإن عزة النفس تضاهى حياة الملوك فإن قبلت نصحى رشدت وإن خالفتنى كنت كمن صير الماء العذب إلى أصول الحنظل كلما ازدادت رياً ازدادت مرارة.
وفى الختام نذكر هذه التذكرة التى يقدمها الإمام على رضى الله للناس.. كل الناس: زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا وتنفسوا قبل ضيق الخناق وانقادوا قبل عنف السياق وأعلموا انه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له غيرها زاجر ولا واعظ.