الأحد ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
مُـدنُ العُـزْلـة.. ديوان جديد للشهرانى
صدر مؤخرا ديوان "مُدنُ العُزلَة" للشاعر الدكتور شريف بُقته الشهراني. الديوان من إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، واخترنا لكم من بين قصائده القصيدة التالية:
مُـدنُ العُـزْلـة
د. شريف بُقنه الشّهراني
د. شريف بُقنه الشّهراني
1مُوسيقى تغسلُني في الّليل..كائناً كونياً..كلّ يَوْم عنده.. عالمٌ بأكمَلِه،أولُدُ في أوّلِـهوأموتُ عند ساعة الصّفر.أرمي برباطِعربَتي الى النُجوم،لو أكتَفي بهذِه الأرضِواترك ذلك الكوْنمخذولاًفي صَدْري.2رأسُ هذا العالم حَرْبوقدَميّه حَرْبو بينهم الصابئينمدمني البّارود.رأيتُ مُدُناً تفرّ خِلْسةفي ظلمة الليل،تستَحِمّ في ماءِ القُرى.رأيتُني،تراشقني الأسهُمُو أنا أذودُ بدِرْعيعَن صديق .. أعرفه،قُمْتُ و رَشَقْتُ صديقيبسَهْم..نِمْت،لم أُُرْشَق من حينها.3أبديٌّ مابين نَجْمَتينكَـوْن ينَام.ظلامُ الفَضاء و ليْله الأبَيد!Credo quia absurdum [1]من يوقظ الفلك مَِن إهليجهالنّعسان!"لاشيءَ يُمكِنُ عَملَه..ولاشيء يستحقّ العَمَل" [2]أكَمةُ الأرض يحاصرها خوارُ بَقَرةيشبهُ غرغرة حنجرةٌ في نزعها الأخير.. تتضاءلُ غرقاًفي لُجّة المُحيط.عند دَفتيّ الفَتْرةنطفحُ سُأماً..ثم ماذا بعدَ الخَيْر و الشّر!قتلتنا لعنةُ الفترة.4صباحٌ خَوان عليهم..أرفعُ سِتارَ نافذتي؛تربّصتني سَماءٌ سَوْداءلم تَصحو فيها نجمَةٌ واحِدَة!ماتَت الشّمس..ولم أمُت أنا!يَنْفجرُ الفَرَاغ..فَحْوىً من غَيْر ضَوْضاء،أنحَلّ من ذاتيّقشورَ لاذاتيأعَوّض تذمّري..أمُـوتُ بِكُل طريقةٍ أعرفُها..هكذا.. أفتَتِحُ قوانينَ البِدْءلعِلْم الفُجاءة،أزهدُ بجهلي ذُخْري المَديد،لاشيءْ في نفسي الضّعيفةولا شيءَ في العالمِ الكَبير..،غير مُرابطة الصّمتو حَذَرٌ أبديٌّ كريه..تفاقم الوقتُ وضلّ الطريق؛إنـّها روعةُ الخرابوتهشّم الرّوح في تنّور الّروح..هكَذا،حتّمت عليّ الفَوْضى..أن أحترفَ عُزْلة القُوطي.5عُدْتُ من السّفر الطّويل..على الرّغم من أننيلم أبرحَ المَكان:يأتي صباحٌيستيقظ فيه شَيْءٌفلا تَغْرب الشّمس مِن بَعْده.يأتي زَمَان،لا يستعبدُ الوَصْف من بعدِهبالكَلِمات..ويسودُ الصّمت الرّهيبالعَظيمُ حينَها مَنْ يواري بَابَهويعتزل النّاس للأبَد..ما أجمل العُزلة في السّجن.يَأتي قَضَاءٌ،يَقتلُ السَُأمُ فيه عبادَ اللهو تموتُ المَعْرفة..نُوارى أطلالَ عِلْمقَدْ فَسَد.يأتي صِراطٌ،لتِسْع وتِسْعين امرأةكل واحدةٍ عقدَت ضفيرتَهابعُنُقِ الأُخْرى،على نَحْر التّل يتسلقن..ثم يتساقطن بسَكَينة.؛حزناً على مَوْت الصّبي الوَحيدفي القَبيلة.6حُلمي يَقَظةٌ و حَدْسي زُور،و تهلكةٌ مرهونة تساومُ بجَسَدي.. ملاذاً للنّكبة.موجَتي،لم تجد شاطئاً لَهافارتَطَمت بأسفلتِ المُدُننَجْمَتي،لم تجد سَماءً تضيءُ فيها..فتخبّأت.وذات وضُوءٍ،مسَحْتُ عن قَدَمٍونسيتُ الأخرى"أفكلّما نحُل الغريب، وخفّ سريرهتمزقت الغرفة" [3]7كلّما حملقتَ في عقاربِ السّاعة،يقفزُ عقربٌ.. ويلدغ جفْنيك..عندَما تَرْهنك ساعةُ معْصمكوتستنفدُك معنىً وحيداً لها:لابد أنك تأخّرت..أو بكّرت في كل شَيْءٍ تفعله!لسْت سوى مَسْألة وقْتًو اتفاقٌ بُرجوازي لا يتطلّبُ حضورَك!أي ابْتذالٍ تواطأت عليه عقولُنالنُلدَغَ.. مابين عَقْربين."السعداء.. لا تدقّ ساعاتهم"8المدينَة، أفضلُ حالاتِالهَوَس البشريّ..حيث قتلَتْنا الأصنام!الشّعْرُ،مالَم يتّفق عليهولايصلُح الا طالحاً!العُزْلة،نجْمةٌ وحيدةٌ جداًفي علياء مَجْدها،كبرياءُ البقاء وحيداً..الأرْض،لَها جَسَدي..أما روحيفلا سَمَاء تحبِسُها.9مُـدُنٌ تَخطّفتها مُدُنٌ،والأقدارُ تحملُنا أياماًً مؤجّلةفي أدنـَى الأرضِنَنبتُ.. قـَشَّ الرّعاعأقْفرَ حَمْأة الشّمس..و ظلالُنا..ظلالُنا تحتالُ لقاءاتٍلعَنت وداعاتهاالمتكرّرة..ضوءٌ خَبيبٌ ضَعيفٌ..عُزْلتي،قُمْتُ لأكبس مفتاحَ الإنارة.. فانطفأت الغرفة.10عُتْمةُ المَكان.. نهارٌ لظُلْمة الَقلْب.أقاتلُ حياةً داخليّةأخرى.. عنيفهتختلفُ عن تلك القُشورالتي تتخبؤون وراءَها،أعيشُ.. ألتصقُ بروحيمع طمأنينةِ المَوْت،مافوقي مِحْـنةٌَوما تحتي فتنةٌأنا مُفْشيها.لايستحقُّ العَيْش سوىالأطفال،وأنا مَهْدورٌ.. لأجلهأستَجْدي أدنَى ثِقةأبحثُ عن أضعفِ تأوويل،لكنني لا أقرأسوى أبجدية جحيمولا أشارةٍ لأيّ هدَف..أسقطُفي المكَارثية العُظْمى؛انحلالٌ وجوديٌّيعزلني من كلّ شيْء.. عُزْلةٌ،لم يَعْرفها الجحيمُ يوماً"نفسي حزينة حتى الموت.." [4]الى ربيعِ حَمَامٌيهدّج زُرْقةَ السّماء؛ستَروني كل فَصْلتذعُرني الأرضُو وجعُ الأسْنان.11"مولدٌ واتصالٌ ثم مَْوت،تلكَ هي كُلّ الحّقَائقحين تُدَقُّ المَساميُرفي النّعوش" [5]عن المَارقين..عيونُهم الحَزينَةتقهرهُم السّنونوتمزّقهُم أجالٌ قَصِيرةو الحياةُ..على كُلّ حالٍ تَسير،و تظلُّ كذلكتُغرّر بكلّ جيلوتواجُه كلّ فَرْد،.. على كُلّ حالٍ تَسَير.تلك القَوّةُ العِمْلاقة،تسيرُ في صَمْت.12ينوسُ فيه الشّقاءليظفر بحُبور الأرض قاطِبةً.. ينغمرُ العالَمُ في روحِهأحاسيسَ فيـّاضة.لم يَعْرف أنّه بُركانإلاّ عندما فارَت حمَمُه!ميّت من قام النّهارونام الليل كلّه،كُتِبَ المَعْنى على الانسَان.. محكومٌ عليكأن تهبَ بَدَنك عيدَ الأرْض..أن ترتَجِل العُمْر كلّهإرادَة خَيّرة..تَشكُرُ رُغْمَ كلّ شيْء.طوبَى للانهائيّ..المَكْنون في صدرك.13كلما تخاذَلَ المنطقُوأفلسَت حِنْكته..يمسُكُ الشّعرُ بزمام النوائبِويسجّرُ تنّورَ القصيدةِوَهَجاً كونيّاً..أهشّ بمِنْسأة الغواية!تفرّج كُربتي،آنسُ في فراديس جنتي الآنوجحيمي بعدَ غَدٍ،ومابَيْن ذَلكعلى حافّة الرّؤياأتضاعف تقديرات مُتجاوزة.الشّعر،أثملُ من نِسْيانٍ أثقلَه التّركيزمزاجٌ كُلّـي لَهُ الأحياء والأمواتلهُ الكَوْن وحدة يسخّرهافلا يشتهي شيئاًسوى العُزلة.مجازُ الّلحظة تستَهِلُّ ختامَها؛على أن تَسْكبَ كلّ شَيْءٍفوقَ رؤوسِنا..الصّيامُ عن الشعر،أقذر وسائل التسلّط على الذات.14اليَــوْمُعروسُ الأرْض والسّماء.عندَما أخرجُ هُناكَ مُهَرولاًعلى العُشْب القَزَحيفي بَنَفْسَجِ الغَسَقِ،وأشعُرُ بسَديم هذا الفَضاءينداحُ من بين كَتِفيّوتحت قميصي؛أسلّمُ روحي للمُرسَلاتِتَذْروني أسفارَ إبْتهالات،أتركُ لروحي أن تَتَنازلَعن كلِّ أحزانِها..وتغْفِر كـلّ الآلام