الأحد ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
بقلم عبد الكريم المحمود

ناقة الله

أطغى ثمودَ نعيمُها وغناها
فاستكبرت عن شكر من أغناها
إذ فجّرت في الحِجر عذبَ عيونه
وغدتْ بوفر جنانها تتباهى
وتكاثرتْ بزروعها ونخيلها
وتفاخرت بمقامها وقواها
وبنتْ قصوراً في السهول لصيفها
ومن الجبال تجوبها لشتاها
من كل راغية وثاغية حوتْ
ألبانَها ولحومَها ونَماها
لكنها لم تعبد الله الذي
قد سخّر الدنيا لها وحباها
بل قد أطاعت مفسدين تحكّموا
فيها وصاروا قادةً لحماها
ألقت اليهم بالمودّة رغبةً
بل قدّستْ أصنامَهم برضاها
فاذا ثمودُ بكفرها مزهوّةٌ
ويزيد مَن تبعتْه في طغواها
فجرتْ مقادير الاله ببعثه
منها رسولاً صالحاً لهداها
فغدا يذكّرهم بأنعُم ربهم
فهو الأحقّ ليعبدوه إلها
ويحثّهم أن يتركوا أصنامهم
ويخالفوا مَن يرفعون لواها
ويجانبوا طغيانهم وفسادهم
ويعودَ رشدُهم الذي قد تاها
وليشكروا لله سيبَ عطائه
لتدوم نعمتُه التي أعطاها
لكنهم رفضوا مطالبَ صالحٍ
زعماً بأن الجنّ قد أملاها
وتنكّروا للحق لمّا جاءهم
وتجاهلوا حِكَماً لهم أهداها
ودعوا الى تكذيبه وفراقه
وعداء دعوته ومن لبّاها
وتعطّفوا سفهاً على أوثانهم
تبعاً لآباءَ احتفوا بصُواها
وتمسّكوا حبَ الفساد بطغمةٍ
أغوتهمُ وتوسّلوا لرضاها
طال الزمان وصالحٌ لا ينثني
عن دعوةٍ لله كم قاساها
مذ كان في بدء الشباب أقامها
حتى غدا شيخاً وما جافاها
لم يأتها إلا أقاربُ قلّةٌ
من قومه وكثيرُهم عاداها
وتعاهد الملأ الذين تجبّروا
أن يمحقوا من أرضهم ذكراها
قالوا سلوه من المعاجز آيةً
هيهات منه مرامُها ومَداها
كيما تكون دليلنا في كِذبه
وضلاله فيما به قد فاها
فأتوا به بين الجبال لصخرةٍ
عظمت بأعينهم وزاد سناها
قالوا لئن أخرجتَ منها ناقةً
عشراءَ حمراءَ الاهاب نراها
فلنؤمننّ بصدق دعوتك التي
قد طالما بلّغتنا اياها
فدعا نبيّ الله مالكَ قدرةٍ
ما قام كونٌ هائل لولاها
فتزلزلت تلك الجبال وشقّقتْ
أركانُها مترنّحاً أعلاها
وعلا هزيم الرعد من أعماقها
ودوى صداه بأرضها وسماها
فتهاوت الأحجار من جنباتها
وانهار أعلاها على سفلاها
وتصدّعت منها الصخور فشاهدوا
منها مشاهدَ هالهم مرآها
فتصايحوا ذعراً وخوفَ هلاكهم
لاذوا بصالح متّقين أذاها
واذا بصخرتهم تُشقُ ذليلةً
عن ناقةٍ وبراء ما أحلاها
عشراء حمراء الأديم كبيرة
ما شاهدوا يوماً لها أشباها
إذّاك قال نبيّهم يا قومنا
هل تؤمنون بخالقٍ سوّاها
قالوا نعم إنْ جئتنا بفصيلها
فرمتْ به من فورها فتلاها
فتعجّبوا مما رأوا من آيةٍ
وتنازعوا في فهمهم معناها
فانشقّ من سبعين منهم خمسةٌ
ندموا وتابوا واهتدوا لهداها
والآخرون تجاوزوا في غيّهم
حكمَ العقول مضلّلين رؤاها
وتقبّلوا زيغ الهوى بنفوسهم
في شقوةٍ جعلتهمُ أسراها
قالوا خُدعنا، سحّرتْ أبصارُنا
ليحوز صالحُ عزّنا والجاها
لكننا لا نستجيب لسحره
فينالَ منّا غايةً يهواها
فسعى ونادى صالحٌ في قومه
كم أسلمتكم غفلةٌ لكراها
هلاّ أفقتم من ظلام عنادكم
لتروا حقائق أشرقت بضياها
ها قد أتتكم آيةٌ من ربكم
تبغي هداكم فاحذروا عقباها
يا قوم هذي ناقة الله التي
تقتاد أنفسكم الى تقواها
ليست كسائر نوقكم في خلْقها
إذ حلّ فيها سرّ من أحياها
جاءت جزاء عنادكم وجحودكم
حتى تعيفَ نفوسُكم طغواها
هذي عيون الماء غاضت عنكمُ
لم يبق إلا النزرُ من أدناها
وانهالت الأحجار في آباركم
وتناهت الأنهار في مجراها
أنتم وكلّ زروعِكم وضروعكم
سينالكم ظمأٌ ولا يتناهى
إلّا بعودتكم لواهب رزقكم
مستغفرين مطأطئين جباها
فالآن صار الماءُ قسمةَ بينِكم
ولناقة الله احذروا سُقياها
لا تظلموها شِربها في يومها
أو تمنعوها رعيَها وغذاها
لا تعتدوا في ضربها أو مسّها
بالسوء يوماً قاصدين أذاها
فيصيبَكم غضبُ الاله بنقمةٍ
تجتاحكم بعذابها وأساها
ضاقت ثمود بما أصاب غرورَها
وتطيّرت حين البلاءُ دهاها
بمقام صالح أو مقام صحابه
وبناقةٍ نزلتْ بها بلواها
واستنصرتْ أنذالها وعتاتَها
فاهتاج إثر ندائها أشقاها
ذاك الأحيمرُ كان قد رضع الخنا
من ثدي زانيةٍ غذته سفاها
أصغت اليه من الأسافل عصبةٌ
اذ قال إنا من ثمود ذراها
نحن الحماة نردّ عنها بأسها
وأنا قُدار مقدّرٌ لعلاها
عرفت أكابرُها عظيم شجاعتي
إذ قلّدوني سؤلَها ومناها
فأنا الذي أحمي أصالة دينها
وأنا ضرورة مجدها ونَداها
وبصولتي أجتثّ كلّ معاندٍ
أو كائدٍ أو طامعٍ برُباها
وغداً ترى أتباع صالح أننا
لا نستكين لساحرٍ أغواها
خدع العيونَ بسحره وأزاغها
عمّا ترى وبمكره غشّاها
فتوهّمتْ أن الصخور تمخّضت
عن ناقةٍ تمشي الى مرعاها
بل أنها جاءت بسقبٍ راضعٍ
منها ويعدو تابعاً ممشاها
عجباً متى كانت جبال بلادنا
تلد النياقَ ودارُنا سكْناها
فلقد نحتناها بيوتاً جمّةً
لم نلقَ فيها أينقاً وشياها
بل قال صالحُ ان ناقته أتتْ
من قادرٍ فوق السماء براها
فغدتْ تقاسمنا مواردَ شربنا
حتى غدونا سائلين مياها
وغدتْ مواشينا تفرّ مخافةً
منها وتجفل من غريب رُغاها
وأصابنا قحطٌ وجدبٌ مدقعٌ
من شؤم صالح في نحوسَ رماها
لا ينجلي نحسٌ أصاب بلادًنا
وتعود بهجةُ خيرها وجَناها
إلّا بمقتل صالحٍ وصحابه
وبقتل ناقته ومن يرعاها
رضيتْ ثمود بما نوى أشرارُها
وتغافلت عن فعلهم بعماها
واستهزأت بوعيد صالح أنها
سيكون في سوط العذاب جَزاها
فمضت عصابتها لتغدرَ صالحاً
فاذا القضاءُ بحتفها لاقاها
واشتدّ أشقاها لناقة صالحٍ
وبسيفه المشؤوم قد أرداها
صاحت مضمّخةً وفرّ فصيلها
لمجاهلٍ بين الجبال طواها
وتقاسم القومُ اللئام لحومَها
مستنكرين ببغيهم جدواها
نزل الملائكُ بالقضاء لصالحٍ
أنذر ثمود فذا العذابُ أتاها
ولتَوبها قد أُمهلتْ لثلاثةٍ
بقيت من الأيام ليس سواها
ومن التلوّن في الوجوه علامةٌ
من صفرةٍ أو حمرةٍ ستراها
حتى اذا اسودّتْ أحاط بجمعها
رجزٌ أليمُ وخانها مأواها
فعدا اليهم صالحٌ متلهّفاً
ومنادياً بضراعةٍ جلاّها
يا قومِ هبّوا للمتاب فهذه
نذُرُ العذاب قد ابرقت بسناها
لكنهم صمّوا وزاد عنادهم
وأتوا بسخريةٍ يفيض خناها
قالوا ائتنا إن كنت تصدق بالردى
ما كنتَ إلا كاذباً تيّاها
ومضوا لآخر ليلةٍ ووجوههم
يزداد فيها نحسُها ودُجاها
حتى اذا ما الصبحُ قارب ضوؤه
هبط الأمينُ بصيحةٍ والاها
رجفتْ لها وديانُهم وجبالهم
وتخرّقتْ أسماعُهم بصداها
وتفطّرت أكبادهم وقلوبهم
وتيبستْ أبدانهم بدماها
سقطوا جثوماً للوجوه بدارهم
لم يبق منهم قائمٌ بثراها
وهوت عليهم باللهيب صواعقٌ
صاروا هشيماً فاحماً بلظاها
وقف النبيّ مخاطباً أصحابه
ها قد رأيتم من ثمود بلاها
كرهتْ نصائح طالما أسديتها
وتمسّكتْ بضلالها وهواها
وسعت تغالب ربّها بجحودها
فهوتْ وخاب بكِبرها مسعاها
كفرتْ بأنعُم ربها فأذاقها
مرّ العذاب بويله أخزاها
لم تُغن عنها في الجبال بيوتُها
أو في السهول قصورُها وبُناها
وأذلّها الجبارُ من عليائه
وبصيحةٍ من فوقها أفناها
وبفيض رحمته أحاط نفوسكم
ومن الهلاك بلطفه نجاّها
يا إخوة الايمان فاز موحّدٌ
لله يشكر تائباً أوّاها
بادت ثمود بكفرها فكأنها
لم تحيَ غير عشيةٍ وضحاها


الأعلى