الأربعاء ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم كوكب دياب

ناموسة

.
.
.

نــامـوسـةٌ قــامــت بـجـلـديَ تــرتـعُ
ولــهـا عــلـى قـلـبـي عــيـونٌ أربــعُ

طـنّـتْ وطـارتْ فـي الـفضاءِ وحـلّقتْ
نــحـوَ الـنـجـومِ، وبـيـتُها الـمـستنقعُ

تـبغي الـوصولَ إلـى فـؤادي خُـلسةً
واللهُ يُـخـفـي الــسـرَّ فــيـه ويـمـنـعُ

خَـسِئتْ! فلا الجلدُ استطاعتْ خرقَهُ
يــومًـا، ولا غَـــدَرَتْ بـقـلبيْ الأضـلـعُ

عـفـوًا إلـهـيْ، شِـئْـتَها بـشرًا ولـكنْ
أَشــبَـهَ الـنـامـوسَ مـنـهـا الـمَـلسعُ

ولــهـا مـــن الـحـربـاءِ أفـضـلُ صــورةٍ
ومـــن الأســامـي كـــلَّ يــومٍ بُـرْقُـعُ

ومـــن الـثـعـالبِ مـكـرُهـا وخِـداعُـها
ومــن الـمـساوئ كــلَّ حـينٍ مـقطعُ

أفّـــــاكـــــةٌ فـــتّـــانـــةٌ كـــــذّابــــةٌ
تـبـنـي قـصـورًا فــي الـهـوا وتُـزَعْـزِعُ

أدْنَـــاْ مـــن الـدنـيا الـدنـيئةِ، فـعـلُها
فـــعْــلُ الــيـرابـيـعِ الــتــي تـتـقـنّـعُ

وقــــدِ ادّعـــتْ أنّ الـنـفـاقَ لـغَـيـرِها
بـل مَـصدرٌ هـيَ فـي الـنفاقِ ومَرْجِعُ

بـاعـتْ بِـسـوقِ الـمـفترينَ ضـميرَها
وَشَـــرَتْ بـــهِ مـــا لا يــضـرُّ ويـنـفـعُ

مـعـبـودُهـا الــــدّولارُ وهْــــو إلـهُـهـا
وإلــيـهِ فـــي كـــلِّ ابْـتِـهـالٍ تَــضْـرَعُ

لـفّـت ودارت فــي الـمَـدار ومــا درَت
أنّــــــا لــغــيـرِ اللهِ لــسْــنـا نـــركــعُ
***
ظـنّت بـخيرِ الـناس سـوءًا وهْي مِن
شـــرِّ الأنـــامِ عـلـى الأنــامِ وأوضَــعُ

فـخُـطى الأنــامِ خـطـيئةٌ فـي ديـنِها
ظـنّـتْ خـطـاهمْ مِــن خُـطاها تُـصْنعُ

والـنـفـسُ إن بــاتَـتْ أسـيـرةَ ظـنِّـها
خـضـعَتْ لِـمـا قـالَ الـوشاةُ وشـنّعوا

قــالـتْ كــمـا قــالـوا وزادتْ وافـتـرَتْ
وتـــوَدُّ لـــو تُـطْـفي الـحـقائقَ أدْمُــعُ

وتــظـنّ طِـحْـنًـا مــا تـقـولُ وتـفـتري
مـثـلَ الـرَّحـى فـوقَ الـثِّفالِ تُـجعجعُ

كَــم حـاولـتْ فـي أن يُـصَدَّقَ قـولُها!
والــحـقُّ مـــا نـلـقـاه لا مــا نـسـمعُ

شــهـدتْ لــهـا زُمَــرُ الـنّـفاقِ كـأنّـها
تــحــكـي بـــأفــواهٍ لَـــهــا وتُــرَجِّــعُ

قَـسَمُ الـيمينِ سـلاحُها، إنْ كُـذِّبَتْ،
وســهـامُ غـــدْرٍ فــي الـخـفاءِ تُــوَزَّعُ

لــيْـسـتْ لــهــا إلا الــظُّـنـونَ أدلّـــةٌ
أشــبــاهُ بــيـت الـعـنـكبوتِ وأضْــيَـعُ

كـــمْ مـــرّةٍ ظَــنّـتْ وأخْــفَـقَ ظَـنُّـها
وبــغــيـرِ أوهـــــامٍ لــهــا لا تَــقْـنَـعُ!

وَكـمِ ادّعـتْ فـي كأسِها لي مطمعًا
خَسِئتْ، فما ليْ في القذارةِ مطمعُ!

فَالأسْدُ تَأبَى الشربَ مِن كأسٍ متى
وَلَــغَــتْ بــهـا يــومًـا كـــلابٌ رُضّـــعُ

ولْـتَـخـرَسَنْ، فـالـكوكبُ الــدّرّيُّ لــنْ
يَـخـفَى، ونــورُ الـحـقّ دومًـا يـسطعُ

فـمـتى اسـتطاعتْ أن تُـطاوِلَ كَـعْبَنا
حـتّى يغطّيْ الشمسَ منها الأصبعُ؟

فـالـشمسُ، إن نـبحَ الـكلابُ بـظلّها،
سـتـظـلُّ فــي عَـلـيائها تـتـشعشعُ

والــروضُ، إن فـاحـت طـيوبُ عـبيرِه،
مـــا ضـــرَّه لــوْ طــنَّ فـيـه الـخَـوْتَعُ؟

وإذا رَمَـتْـنـي فـــي الـمـقـالِ دنـيـئةٌ
فــهـي الـشـهادةُ لــي بـأنّـي أرفــعُ

لا يَــأبَـهُ الأعــلـى لأدْنــى مـنْـهُ مــا
دامـــتْ لــهُ الـجـوزاءُ نِـعْـمَ الـمـوْقِعُ!

واللهِ لـــــو كـــــان الأنــــامُ مَــلائـكًـا
لـم يـسلموا مـن قـولِ مَن لا يَخشعُ
***
ويـجيءُ مَـنْ يـعفو لـها.. ويـقولُ لي:
«مَـهْلاً، لـعَلَّ لـها اعـتذارًا يَشْفَعُ...»

فـلـتـعـتـذرْ لِــلّــهِ إنْ تــابــتْ إلــيــه
فــلـيـس عــنـديَ لاعــتـذارٍ مَــوضِـعُ

هــل يَــرْأبُ الـصَّـدْعَ اعـتذارُ لـسانِها
ولـسـانُـهـا عـــنْ ذَنْــبِـهِ لا يُـقـلِـعُ؟!

لــيـسـتْ بــأهـلٍ لاعــتـذارٍ صـــادقٍ
كـــــلُّ امــــرئٍ بـطـبـاعِـه مـتـطـبِّـعُ

مــن كــان دَيـدَنُـها الـنـميمةَ والأذى
لا شـــيءَ يَـرْدعُـهـا ولا هــيَ تُــرْدَعُ

حـسـبي بِـبُـعْديَ عــن لـقاها راحـةً
مـــن بَـعـدِ ذا فـلْـتَصْنَعَنْ مــا تـصْـنَعُ

واللهِ مــا بــانَ الـضُّـحى لـو لـم تـكنْ
نـضَـحَتْ بـما أضْـحتْ تـقولُ وتَـسمعُ

فـالـحقُّ مــن قـلـبِ الـبـواطلِ ظـاهرٌ
كـالـنجمِ مــن ســودِ الـلـيالي يـطلُعُ
***
مـــا هَـمَّـنـا مـــا تَـفْـتـري نـامـوسةٌ
مـــا دامَ حُـسْـنُ الـخُـلْقِ مِـنّـا يَـنـبَعُ

ولــنـا الـطـهـارةُ والـكـرامـةُ والـعُـلى
ولــهــا الــقــذارةُ والــحـقـارةُ تَــتْـبَـعُ

ولــنـا الـمـحـبّةُ والـتـسـامحُ مـنـهـجٌ
سـبحانَ مـن يُـعطي الـخِلالَ ويمنعُ!

والــــرأيُ حـــرٌّ عـنـدنـا بـــل ثــاقـبٌ
والــــرأيُ مــنـهـا إمّــــرٌ بــــل إمّـــعُ

والـعـقل رَغــم الـسِّـنِّ مـنـها قـاصـرٌ
والـقـلـبُ رَغـــم الــمَـنِّ قَـفْـرٌ بَـلْـقَعُ

وَالــحُـبُّ والإخـــلاصُ مــنّـا شـيـمـةٌ
والـبـغـضُ مـنـهـا طـبـعُـها الـمـتـطبَّعُ

ضـاقـتْ لـهـا عـيـنٌ وعـيـنٌ حـمْلقَتْ
وعـيـونُـنا مـــن كــلِّ شَــيءٍ أوســعُ

كـــمْ مـــرّةٍ شَــقَّ الـشّـقاءُ فـؤادَهـا
حـسدًا إلـى أنْ قُـضَّ منها المضجَعُ!

وَرَمَــــتْ جــهـابـذةَ الـبـيـانِ بـدائـهـا
لــــمّـــا رأتْ أنّ الـــيَـــراعَ يُــــــرَوِّعُ!

يـا لـيتَ شـعري، كـيفَ يـنهَجُ نهجَها
مَــنْ نَـهْـجُهُ نَـهْـجُ الـبـلاغةِ أجـمَعُ!؟

لا شِـعْـرَ قــدْ فـهـمتْ ولا نـثْرًا وعَـتْ
حــتّـى تـحـيَّـرَ فَـهْـمُـها والـمَـسْـمَعُ

مِــنْ جـهـلِها.. كـادتْ تَـموتُ بـغيظها
ويَـكـادُ فــي فـمِـها الـلّسانُ يُـقَطَّعُ!!

مــا ذنْـبُـنا فــي جـهـلِها؟ فـسـلاحُنا
شِــعــرٌ بــأصـنـافِ الـعـلـومِ مُــرَصّـعُ

وحُـروفُـنا تــاجٌ عـلـى عَـرْش الـبيانِ،
قـــديـــمِــهِ وحـــديــثــهِ، يَـــتــربّــعُ

إن أعـجِـبَتْ أو لـمْ تَـجِدْ مـن مُـعْجِبٍ
فَـلِـبـيـتِـها سَـــقْــفٌ وجُــــدْرٌ أرْبــــعُ
***
ولَـطـالَـمـا أبــديـتُ نُـصـحـي عَـلَّـهـا
بــعـدَ الـنّـصـيحةِ تــرعـوي أوْ تُــزْمِـعُ

أسـفـي عـلى زَرعِ الـجميلِ بـموضعٍ
مُــتــصـحّـرٍ نــجــمـاتُـه لا تــطــلُــعُ!

مَــــنْ قَـــدْ حــبـاهُ اللهُ قَـلْـبًـا طَـيّـبًـا
أفَـيَـعْـتَـريهِ فـــي الـطِّـبـاعِ تَـصَـنُّـعُ؟!

شـــرَعَ الإلــهُ لـنـا الـمَـحبَّةَ شِـرعـةً
تَـعْـسًا لِـمـنْ لــمْ يَـلتزِمْ مـا يَـشرَعُ!

تـعْـسًـا لــهـا، نـامـوسةً، لا تـرعـوي
عـــــن غَــيِّــهـا أبـــــدًا، ولا تَــتَــوَرّعُ

رجَــعَ الـحـمارِ عــن الـجـدارِ بـرأسِـهِ
وأظــنّـهـا عــــنْ فـعـلِـهـا لا تــرجِــعُ

فَـتَـرَكـتُـها وكــلابَـهـا فــــي مَــأمـنٍ
تــعـوي لـهـم حـيـنًا وحـيـنًا تـسْـمَعُ

مـا الْـهمُّ إن نَـبَحَتْ كـلابُ حواسدي
تـمـشي الـقـوافلُ والـكـلابُ تُـوَعْـوِعُ

لــن تـرتـقيْ بِـنـباحِها نـجمَ الـسّماءِ
ولــــن يــهــزَّ الــطَّـودَ أنـــفٌ أجـــدعُ

سـأظلُّ أعْـكسُ في البحارِ ملامِحي
وتـخـالُني فــي الـمـاءِ صَـيْـدًا يَـلْمَعُ!

فـإذا رَأتْ فـي الـبَحْرِ بـعضَ تَـوَهُّجي
هُـرِعـتْ إلــى مــا لــم تَـكـنْ تَـتَوقَّعُ

ومَــضَـتْ إلـــيَّ بـقـضِّـها وقـضـيـضِها
ومـــنَ الـمَـطـامِعِ مـــا يَـغُـرُّ ويَـخْـدَعُ

وقـضَـتْ عـلـى أنـفـاسِها فـي قـفْزةٍ
أوشــكــتُ مِــــنْ آلامِــهــا أتــوَجَّــعُ

مــا الـذنـبُ ذنـبـي، إنّـه ذنْـبُ الـذي
حَــسـدًا إلـــى مـــا فــوقَـهُ يـتـطـلّعُ

وَتـراه يـنْهشُ حَـضْرتي فـي غَـيبتي
وإذا حــضـرْتُ، فـتَـحْتَ نَـعْـليَ يَـقْـبَعُ

مـــا كـــانَ ذاكَ تـعـالـيًا لــكـنَّ مَـــنْ
طَـلَبوا الـتّعاليَ فـي الـنّقائِصِ أُوقِعُوا

فـحَـجـبْتُ نَـجْـمِـيَ بـعـدَمـا ألْـفَـيْتُها
مِـــنْ مَـــرِّ طـيـفيَ فَـوقَـها، تَـتَـقطّعُ

ومـنَـعْـتُـها مِــــن رُؤيَــتـي فـلـعـلّها،
بَــعْــدَ الـتَّـقَـطُّـعِ، لــحـظـةً تَـتَـجَـمَّعُ

لا ذنـبَ لـي، مِن بعد ذلك، إن رأتْنيَ
فـــي الــرُّؤَى، فــلأيِّ بـحـرٍ تُـهْـرَعُ؟!

فــإذا تَــوارتْ صـورتـي عــن وجْـهِـها
أبــدتْ لـهـا وَجْـهـيْ الـجـهاتُ الأربَـعُ

كــم كــان جــرّبَ مِـثـلُها مــا جـرّبتْ
فـجَـنـتْ يـــداه بـحـسرةٍ مــا يــزرَعُ!

مــــا هـمَّـنـي الآلافُ مـــن أمـثـالِـها
لَـوْ كـنْتُ وحـدي فَـهْيَ مـنّي تَـفزَعُ!

«كَـثُـرَ الـحـواسدُ فـاسْـتَزدْتُ جَـلالَـةً
وعـلـمْـتُ أنّــي مَــنْ يَـضُـرُّ ويَـنْـفعُ»
***

د. كوكب دياب

1. أدناْ: مهموزة مخفّفة، من الدناءة، تقول: هو أدنأُ منه
2. الثِّفال: الجِلْد الذي يُبْسط تحت رَحَى اليد لِيَقي الطَّحِين من التراب، وربما سمّي الحَجَر الأَسفل بذلك.
3. الخَوْتَعُ: ذباب الكلب, أو ذباب أزرق يكون في العشب.
4. نجماتُه: مفردها نجمة وهي ما طلع على وجه الأرض من النبات من غير ساق.
5. البيت الأخير مقتبس من قصيدة طويلة للشاعر عبد الحليم حلمي 1887 – 1922
مطلعها:
سلَّمتَ بعد سُرَى الحياةِ وَوَدَّعُوا = أسفي عليكَ حفظتَ قوماً ضيّعوا
وآخرها:
ما هذه الأيام غير ضيافةٍ = والناس فيها راحلٌ ومودّعُ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى