
نصنع من آلامنا الماضية حكمتنا المقبلة
الشاعر موسى حوامدة في امسية المكتبة الوطنية أول من أمس
عمان - قال الشاعر موسى حوامدة إن الحديث عن الموت في بداية أمسية شعرية، أمر منفر ومزعج، ولكنه بيّن أن ذلك ليس ذنبه، "بل ذنب الذين رحلوا وتركوا سطوتهم على القصائد، حتى وصل الأمر أنهم سكنوا فيها، وقد كانت حياتهم في منازل أرضية أرحم بكثير".
وأشار حوامدة، في الأمسية الشعرية التي أحياها بمرافقة عازف العود علاء شاهين أول من أمس في المكتبة الوطنية ضمن فعاليات برنامج "كتاب الأسبوع"، وأدارها الزميل عمر أبو الهيجاء، إلى ان الحضور قد يجدون "الحب بين ثنايا القصائد، وفي تأويلات الشعر، أو قد تساعدكم القصائد على إعادة النظر في الحياة، والتقرب منها ما دامت ممكنة".
ورأى أن الحزن الذي نحمله، والعمر الذي كسرنا قبل أن نكسره، والزمن الذي تجبر علينا، حتى أدمى قلوبنا، هو في مجموعه "حكمة مخفية"، لافتا إلى انه لا يعد بشيء أكثر من نثر رماد أولئك الراحلين في هذه القاعة.
وأمل حوامدة، في الأمسية التي تناغم فيها الشاعر مع الموسيقى، أن يسعفه العمر حتى يتابع "قصائد الحب الهاجعة في قبور هذه القصائد"، وان لا تغلق الأبواب في وجهه.
حوامدة أهدى قراءاته إلى صديقه الروائي العراقي عبدالستار ناصر، ومن ثم قرأ مجموعة من القصائد التي اتشحت بأنغام الفنان علاء شاهين على آلة العود، وهي قصائد تمحورت حول الرحيل وعذابات الروح.
وكان للموت حضوره وسطوته في القصائد الملقاة، وذلك من خلال صور جدلية عميقة ومقاربات بين الموت والحياة، استطاع خلالها أن يجعل الحضور ينحاز كثيرا إلى نصوصه التي كشفت عن مكنونات روحه وأرواحنا المشبعة بغبار النفي والهزائم.
في "قصائد ليست شعرية" استخدم حوامدة بعض الرموز والدلالات الإيحائية التي أفضت إلى الهم الإنساني المعاش في فلسطين، وكيف خطرت بباله أمه التي ألقى عليها سلامه الموجع، وسلامه على أبيه الذي قادها إلى عتمة القبر.
واشتملت القصيدة على بناء درامي واضح المعالم، انحاز المتن إلى تقصي الألم والأحزان، من خلال نبش ذاكرة متخمة بالتفاصيل؛ صغيرها وكبيرها.
في هذا النص، تنفلت روح الشاعر لتعانق سنوات تمر بلا صهيل وخيول تسابق الضوء:
«خطرت ببالي يا أميقلت السلام عليكالسلام على أبي الذي قادك للقبرالسلام على قريتنا المنسية إلا من دوريات الجند والجواسيس».ويتابع في وصف أوجاعه قائلا:«سنوات تمر بلا صهيلتسابق الضوءتمر بلا جنون أو سكرتمر مثل سكين في عظم القرىتسلب منا وهج الصراع وخزينة الذكريات».
وحلق بنا الشاعر في فضاءات التاريخ والأمكنة والأسماء، حين أخذ الجمهور على أجنحة قصائد تقصت جراحات العراق وعذاباته، إلى الشاعر العراقي عقيل علي من خلال «يا دم العراقي.»
وبين حوامدة أن عقيل علي الذي "مات مهملا ومرميا مهجورا في محطة باصات بأحد شوارع بغداد"، وجدوا في جيبه قصيدة «يشيع فيها العالم ويرثي الحياة».
واستشرفت قصيدة حوامدة ما آل إليه العراق، مستحضرا دم العراقيين المسفوح في الطرقات، ماضيا إلى خطى انكيدو وصولا لرموز الشعر العراقي، سرير السياب ومنافي الحيدري والبياتي وسعدي والصايغ وسركون ونازك وانزواءات مهدي، ومقابر السومريين وسجن أبوغريب.
وفي القصيدة، يقول حوامدة:
"اعتن يا دم العراقي بماء الخليجزده طميا وشعرا وخوراعلقه على سعف جيكوروفي حديقة البريكانفوق سرير السياب في الكويتفي منافي بلند والبياتي وسعديفي موت رعد جانفي تجاعيد الصايغفي نشيج سركونفي صمت نازك وانزواء مهديفي بيارق الحسن والحسينفي دم السلالةفوق بلاط الخيانةعند عتبات النجف".
واستذكر حوامدة بلوعة القاص الراحل محمد طملية، فقرأ قصيدة «للخديعة طعم الأبوة»، و«سلالتي الريح وعنواني المطر». فيقول:
«من يملك بيضة الرخ في يدهمن يدلني عليّقلبي مليء بوجيب العالمخطواتي تأخذني لبيت النار الأوللعلك أنت مني وأنا من ثرى المريخلا أنكر صلتي بزيوسولا أقر بدمه في عروقيلا أطعن في صحة النهرولا أخبئ البحر في خزائنيلالتي الريح وعنواني المطر»
الموسيقي علاء شاهين قدم مجموعة من المقطوعات الموسيقية، منها واحدة تستجمع اللحن للتعبير عن الغارة التي تعرض لها ملجأ العامرية، إضافة إلى معزوفات، أتقن من خلالها مجاراة الشعر، لتكتمل الأمسية بطرفيها؛ الكلام واللحن.
حوامدة يقرأ من سفر الوجع
عمان - الرأي- مهد الشاعر موسى حوامدة باعتذارية لطيفة مخاطباً الجمهور بالقول: اعتذر اني اجيء هذا المساء خالي الوفاض من قصائد الحب، وقال: لقد نصحني عدد من الاصدقاء بقراءة بعض منها، لترطيب هذا المساء النيساني الطالع من عباءة عيد الربيع، وللأسف وأنا اقدم اعتذاراً مكرراً هنا، أني حملت الموت بدل الغزل، في هذه الاوراق التي بين يدي التي ستسمعون قليلاً او كثيرا منها حسب طاقتكم على الصبر والصمود.
واشار الزميل الذي يتسلم ادارة الدستور الثقافي اعرف ان الحديث عن الموت في بداية امسية شعرية، امر منفر، ومزعج، ولكن قد لا يكون الذنب ذنبي، فهو ذنب الذين رحلوا وتركوا سطوتهم على القصائد، حتى وصل الامر انهم سكنوا فيها، وقد كانت حياتهم في منازل ارضية ارحم بكثير مستدركاً، لن احاول تلفيق مبرر للأمر، ولن انظر عليكم لأقول قد تجدون الحب بين ثنايا القصائد، وفي تأويلات الشعر، او قد تساعدكم القصائد على اعادة النظر في الحياة، والتقرب منها ما دامت ممكنة، غير اني لست متفائلاً بهذه النتيجة، ربما يكون للحزن الذي نحمله، وللعمر الذي كسرنا قبل ان نكسره، ولهذا الزمن الذي تجبر علينا، حتى ادمى قلوبنا، حكمة مخيفة، ولكني لا اعد بشيء اكثر من نثر رماد اولئك الراحين في هذه القاعة،.
ودعا في اللقاء الذي ادار وقائعه الشاعر الزميل عمر ابو الهيجاء وشاركه بالموسيقى الفنان علاء شاهين دعا ان يسعفه العمر لمتابعة قصائد حب هاجعة في قبور هذه القصائد، معرباً عن شكره لموسيقى الفنان علاء شاهين.
وكان الزميل ابو الهيجاء قال: الشاعر موسى حوامدة بقامته العالية مثل شجرة الاعلى، سيأخذنا على اجنحة قصائده ليحلق بنا في فضاءات التاريخ والامكنة والاسماء التي يستحضرها في سياقات نصوصه الشعرية ذات الابعاد الدلالية والرمزية التي تخدم نصه بحيث تجعلنا منحازين جدا الى تلك النصوص التي لا تخلو ايضا من الحكمة واللغة المنسوجة بحرفية وتقنية حداثة النص الشعري وكثافة المعنى المفضي الى ايقاعات الحياة والموت.
واضاف ان حوامدة نتجول معه الليلة في ردهات التاريخ مع اسلافه القدامى وسلالاته الكثيرة، فهذه المخيلة الخصبة والثقافة والمخزون الفكري لديه انعكس على مجمل قصائده، أي ان قصديته مثقفة، فلم تخلو من حبكة البناء الشعري والتراكيب اللغوية الجديدة والعلاقات الجدلية بين المفردات، هذا الشاعر يقرأ دواخلنا جميعاً حافزاً في ارضية صلبة دمعته التي تسبق قصيدته وللخديعة عنده طعم الابوة ومعنى الجمال مستعرضاً سيرة الشاعر الابداعية معرفاً شاهين بانه مؤسس لفرقة اوتار الاردن ومدير بيت العود العربي – فرع عمان وقد اصدر البومين «رجوع» و»الفلامنكو والاندلس».
منذ صغره كان مهتماً بسماع الموسيقى، كان يتجول في اسواق عمان القديمة لشراء بعض الكاسيتات لتيعرف على مختلف انواع الموسيقى، وبدأت رحلته مع العود حيث تعرف على الموسيقار المعروف نصير شمال ليصنع منه صوليست لآلة العود، للعزف في دار الاوبرا المصرية وفي المسرح الكبير للجامعة الامريكية بقاهرة المعز، وطاف بموسيقاه البلاد العربية وبعض البلدان الاجنبية، قال الاعجاب بعزفه لمؤلفاته.
قصائد ليست شعرية
تلك أشيائي القديمة؛كلماتٌ وجدتُها على شاشة الكمبيوتر،في Recycle Bin))،كنت قد محوتها من أمامي؛فليس شعراً هذا الذي يتناثرُ بلا موسيقىيسيل بلا قافيةٍ أو فراغٍ مقصود،كنتُ أدخلُ القصيدةَ كما ضبابٌ تجتاحُه غيمةلم يكن يربطني بالإيقاعنايٌّ أو أنينْ،قلتُ: أقولُ ما يجول بخاطريأبدأ بما..أو كأنَّما..أو كما بدأتُ ذاتَ مرة بالكاف،لكنَّها لم تصمدْ أولَ السطروفرتْ باتجاه المصطافين في أروقةِ الكتب.تعلمتُ من حبِّ الكلماتِ كرهَ العالمهنا يجلسُ شاعرٌ محاطٌ بعشائر المنافقينيَحملونَ مجدَه واسمَه،ويكتبون إهداءاته،دونَ أن يَمدَّ رجليه في وجه حكمتهم الفائقة،هنا سوفَ أكتبُ بعيداً عنهمبعيداً عنكم،وبعيداً عني،ليسَ لي مسعى يُعذِّبنيكلُّ ما أطلبُه يسبقني للمستحيل.خطرتِ ببالي يا أُمّي؛قلتُ السلامُ عليكِالسلامُ على أبي الذي قادَك للقبرالسلامُ على قريتنا المنسية إلا من دوريات الجند والجواسيس،قلتُ السلامُ عليكِ يا بلدْ،ولدتُ فيها كما تلدُ الوشاياتْتحت زيتونةٍ روميةرأتني أمي هارباً منهاأبحثُ عن غُصنٍ أخضرلا لأرفَعَه في يد الرئيس الموهومولكن لأفقأ عينَ الحضارةتلك التي شاءت أن أولدَ بلا سريرٍ أو وطن.على مهلِكِ أنتِرويداً رويداًفما زلتُ قادراً على نحيب الأمومةوضياع الذاكرة،هدْهِدينيوغني ليولا توقظيني في كرنفال الجَدَل.خَطئي يَستحقُّ القتلَفعلى رسلِكَ أنتَ يا أبيجريمَتي تنوحُ في صدري،اصفعني بما شئتَ من لوازم الكروم،لن أحمي نفسي منكَفأنتَ أبيوبيدك الحياة كانت والشفاعة.الثاكلاتُ يَمضينَ وَحدَهنُّالبائساتُ الباحثاتُ عن شبابٍ تائهينيلتقطنَ الوردَ من شُرفات العَناءيُخبئنَ شَهوتَهنَّ المُمطرةَ في صمت القريةِ الثقيلْتلك التي فَتحتْ ساقيها للدباباتوأغلقت بابها في وجه المساء.لم يأخُذْنا إلى حَتفِنا العدملم تُعلِّمنا العصافيرُ حكمةََ إطفاء النارلم تدربنا جداتُنا على الخسارة.سنواتٌ تمرُّ بلا صهيلْبلا خيول تسابقُ الضوءتمر بلا جنون أو سكر،تمر مثل سكينٍ في عظم القرىتسلبُ منَّا وهجَ الصراعوخزينةَ الذكريات.أبجديتي حائرةتاريخي موحشتأمَّلته اللغاتُفترجمتْ حروفَها للصمت.كانوا يشربون الشايليس شعرياً ما كانوا يفعلون،كانوا يسترجعون الماضيليس نثرياً ما كانوا يعملون،كانوا يأكلون خبز الطابونليس مدهشاً كذلك،كانوا يَدهَنونَ الليلَ بذكراهمبدأتَ تأخذُهم للقصيدة،ما كنتُ أنوي أن أكذبَ عنهمكانوا لا يفعلون شيئا.أرفعُ القصيدةَ عن كاهل الأرض،لن أقلِّلَ من شعريتها بذكر رفح وخانيونسوزياد البردويل أو هدى غالية،لن أُمرِّرَ خطاباً سياسياً من باب الشعريةلن أفعل ما يسيء لشعبيوهم يرفعون الليل وحدَهم بلا موسيقىأو نجوم.سأعتقلُ الجنون في جملةٍ شَرطيةوحين تصفقون لمقدرتي البلاغية على اعتقال الكلماتسأحرِّرُ المدينةَ منكموأفرشُ الطرقاتِبساطاً للألم.لدى بورخيس الضريرمقدرةٌ على دسِّ الليل في عين البصيرولدينا قدرةٌ على هتك عشتارفي وضح النهار.انبهرتُ برثاء الخنساء لأخيها صخرأعجبتُ برثاء الجاهليين لموتاهموبكاء الهذليين على من رحلوا،لكني حزنتُ على قتلانا،موتوا أيها الأحبابفلن تخسروا شيئاً لديناكلُّ شيءٍ قَدَّمناه لكم؛كسلٌ جفاءٌ خيبات،موتوافربما تحتاجون لعصورٍ ودهورحتى تنسوا إساءاتنا لكمولسنواتٍ أكثرحتى تفهموا لماذا لم نُقبِّل جباهَكَم عندَ الرحيل.احتموا بنا يا قطاعَ الطرقاتفي ثنايا ما نكتبه؛ملاجئ لرجال الأمن وللمخبرين.أقسمتْ قبيلَتُنا بالثأر،ليسَ ممن قتلَ جسّاساأو قطع رأسَ الزيرولكنْ ممن وَشَى بانطفاءِ السراجقبلَ أن يفضَّ المختارُ بكارةَ العويل.بدأتُ بفلسطين وانتهيت بالسراجلعلّي نسيتُ الممنوعاتوذهبتُ للجاهليةأعرفُ غلطتيلا أريدُأن يندفعَ النهرُ مثلَ قاتلٍ يفتشُ عن مخبأأو جنرالٍ يدَّعي السأم.يا مرحباً بالضلالةلم تنفع الجهالةفاشتريتها بالجملة.بينَ شاطئِ الحكايةِ وضفةِ الحكمةشرطيان؛واحدٌ للرَّويوآخرُ يشطبُ ما تبوح به العتمة.
ليست ميتةً هذه القصيدة
غير منشورة
حينَ يأتي الموتإلى محمد طمليهحينَ يأتي الموتُسأبصقُ في وجهِ الحياةِأقنعُ نفسي؛ أنَّ الدُنيا بائسةٌوالناسَ كلَّ الناس ديدانٌ صفراء.حين يأتي الموتسأزرع الغروب في حديقة الوداعأعلنُ هزيمةَ الإنسانوألقي فلسطينفي دفتر الغياب.حين يأتي الموتسأرمي زهرةَ الخلودفي وجه جلجامشوأهزأُمن نصائح الأطباء.حين يأتي الموتلن أساومهلِيُحرِّضَ المُقرَّبينعلى حفلات النواحكُلَّما كان عددُ المشيعين أقلّكان ضميري أكثرَ بياضاًوكلما كانت الدموع أقلّكانت أخطائي أجمل.لينصرف المُعَزّونقبل تدشين البياضلينصرفواليست بي حاجةٌ لمديح ناقصليستْ حسناتي مشجباً للنفاقلينصرف الأوغادما نفعُ الزَفَرات لأطباق السماوات.لينصرف المحسنونطيبو القلبمخلصو النواياماضيَّ حاضري وغدي ماتو لستُ حريصاً على فرصةٍ للنجاة.حين يأتي الموتلن أعتذر للريح التي تَنفستهاولا للخيطان التي لامَسَتْ جسديلن أعتذر للماء الذي شَربتُولا للوهم الذي تلبسنيأو توهمتولا للبلاد التي ظلت عالقةً في ظهري كالسلحفاة.لن أعتذر لأحدأو بلدربما أُحرِّرُ روحي من فساد الكونأسرد لذاتي طيبَتي الكاملةوأناقةَ الربيع في كتاب الصيفربما ألمسُ وجه أمي بيدين نظيفتينأسمع سعالَ أبيأشمُّ رائحةَ صدره بلا معجزات.حين يأتي الموتسأقطعُ المسافةَ بين الحياة والموتبرجفةٍ شبقيةٍ عابرةتماماً كما حدثت تلك الشهقة المدويةفي المرة الأولىعلى رَدْفَيّ الأرض العذراء.جبالٌ لا تلهيها صلاةٌولا أدعيةٌ عن مُناداتيتموتُ معيتمشي في جنازتيبكامل العنفوان تُحيي حفلَ الختام.حين يأتي الموتسأهربُ إلى حضن أميووجهها الناعمليديها الرقيقتينونظرتها الغريبةسأحملُ لها سريرتي الكاملةأعترفُ لها بهفواتي العديدةبعجزي عن تحرير رقبتي من دنسِ الشهواتبغفلتي السابقة عن مصادفةِ الحكمةبطيبة التين والزيتونباضطراب الذاكرةبموت الناس جميعاًعند انحسار النعمة.لن أصرخَ نادماً على مسقط رأسيلن أموتَ حزيناً لأني لن أدفن في طين بلاديلديّ من الخيالما يجعلني أضمُّ ترابَ العالم بين يديّ.في كلِّ ذرة من الكونجسدي هناكلن أموتَ غريباً في أي مكانلدي في كل مربعٍ جثةٌ كاملة.أسمعُ دبيبَ الخوفيسري في أوصال الكائناتلن أصرخَ مرتعداًلستُ شجاعاً أكثرَ منيولستُ جباناً لأهرول خلف قطار الفرصة الضائعةلا أملكُ طاقةً على الهروب من اللُعبة.أضحكُ بملء شدقيَّأضحك إن أسعفني فكّايعلى الذين يبكون من الموتيحسبونه عدوهم الوحيدبينما تناسوا أن الزواللغةٌ فيزيائية قديمة،تناسوا أن الموت لم يأتهم من الغيبولا من ربَّات الجحيمبل من تعلقهم بالحياةومن أجسادهم المعطوبة.اكتملتْ رحلة الأسىانكسرتُُ بكلِّ بطولتيبكاملِ شجاعتيبملءِ إرادتيوفي كل معاركي الوجودية والحياتية انهزمتُوتلكَ كانت فضيلتي.كلما كان عدد المشيعين أقلًَّكانت حريتي كاملةإيماني بالله حَمَلني بخفةِ الملائكةلست بحاجة الملقن والمقرئلست بحاجة المراثي والنواحفلستُ ذاهباً إلى حفلة خداع هناكإننيعائدٌمنيللأزل.
14\10\2008
للخديعة طعم الأبوةللغيومِ نَهارٌ آخرُللخديعةِ طعمُ الأُبوَّةللمشانقِ حكمةٌ تُخْفيها الرهبة.آنَ يحملُنا النهرُ إلى أخطائنا الأولى،آنَ يجمعنا النهارُ في وجبةٍ سيئةآنَ يحرِقُنا العجزُ في أتون المنفى.كلماتُه ترنُّ في أذن الجبالْسُعالُه يَصدحُ عالياًبَياضُ حَطَّتهتَهدُّل عِقالِهحزامُه الجلديُّ العريضُظهرُه المُنْحَنيجَبهتُه الموشومةُ بتعاريج الصخوربياضُ صَدْرِهسُمْرَةُ وَجهِهِنَقيضانِ للطبيعةشَبيهان بالوَريث.آنَ تَقهرنا الفكرةْتصنَعُنا الحَسرةْآن تَسْحَرُنا الخَطيئة.الآخرونُ لا يقيمونَ في مَآتِمنا،الآخرونُ لا يشاركونَنا الفَضاءَ،الآخرونيتركونَ لنا جفافَ حقولِنا وحلوقِنايأخذون سِيَرَ الآباءويبقونَ لنا صحراءَ الذكرىوالندم.آنَ يستوي المَيِّتُ والزهرةُ الذابِلةآنَ أتَجرَّعُ وحدي كأسَ الخذلانآن لي وطنُ الخسارة.كنّا نقيمُ للسنواتِ قصرَها المَرْمَريبقينا ثلاثةٌ نحكمُ العالمبوظائفنا العموميةبرواتبنا الهزيلةبحُكمنا الصارمِ على قُطعانِ الكلامِأحرارٌ يُقيِّمون الكائناتشياطينُ على ضفة الجنوح،وحين يبقى أحدُنا مستفرداً بالعرشيختفي الأبُ دونَ أرثٍ عائلي.بعيونِه المُشعةِ في الظلامبعيونِه المختفيةِ خلفَ نهرِ الصورِ القديمةتلاشى سَليلُ النارغطَّت سُخونةُ العَبَراتما تبقى من ضياء.حَقُّه أن يموتحقه أن يُودِّعَ الهضابَ التي مشى عليهاالنجومَ التي حاورهاالوجوهَ التي رآها،حقُّه أنْ يفعل ما يشاءينهي حَبكة المسرحيةفي لحظةٍ تَليقُ بجبلٍ لا يَتبدَّد.هنا دمعُه المتدفقهنا ماؤه العذبُهنا جنَّته الضيقةهناكَ خلفَ اللاشيءبنى للكلماتِ قبرَها وللغيابِ وَصاياه.أبي الذي كانَأبي الذي يكونُأبي الذي لم يكنْ.لستُ شاهداً على الفتنةكنتُ حَطبَها المحترق.الذي لَمْ يودعْ النهارَحَمَلَ عَتمَته وطارَ،الذي لم يعرفْ الأبيضَكَسَرَ الليلَ شظاياهيَّأَ مأدبةَ الضياءثم أظلمتْ عيناه!جيشُه مُنتصرقبيلتُه عائدةٌ من الغزواتحربُهُ رابحةٌوحدي أنا فُلولُ المهزومين.جيشُه مُندحرقادتُهُ جَلاوِزةٌمعسكراتُه فارغةٌحُطامي بين يديَّحطامي أمامي،حطامي معي.بيديه المُرتَعشتينضمَّ جَسَدَ المولودمَسَّدَ جَبينَ الغبطةسَرَد للخاسرِ رأسَمالِه.أعودُ لمنزلهلطيبته السريةلفاكهته البعيدةلغصونِ يَديه وأشجار جلساتِهأُقبِّلُ الحبورَ يرافقُ قطعانَ غزلانه الهاربةأُقبِّل الفضاءَ يلفُ المكانَ بألفته النبيلة.أعود لكلماتِه،لرنَّة الأسى في صَوتِهلمنازلَ اختفتْ مع عشائه الأخير.أعودُ إلى باحة الحوش القديمإلى بهجته الدفينةإلى ذكرى صفعاته الأليمة،إلى نداء الاستغاثة الذي لا يوقفُ هديرَ بَحرِه الفائض.أعود إلى نَداهُلحُنوِ روحِه التي لا تَبينلهَشَاشَةِ أنفاسِه المُعْتَذرةلتفادي العاصفةلاحْتِدامِ الوجاهة بالخشية.أعودُ خاسراً مثلَ غيْمَةٍ تلاشتْ في الفراغخاوياً منكَ ومنيمليئاً بغيري.يا صوتَ الجباليا صَدى الريفيا حريرَ الرضا؛أينَ يَدفعُ البحرُ ماءَهأينَ يَكنزُ الغريبُ جُثةَ أبيهِكيف يَرتُقُ المكلومُ شقوقَ كلماتِه؟يا غيومَ العمر العابرةترفقي بالماء،اقطعي زَبَدَ السيولرغوةَ المنابذةأصيخي سمعاً لندائه البعيدنداء الغَرقى الأخير،أَصيخي سمعاً لثُغاء الماعزِ المذبوحلوصايا الجَسد المُسَجَّى.
عمان 20-10-2003
يا دمَ العراقي
"إلى عقيل علي..إلى روحه طبعا؛فقد مات مهملاً ومرمياً في شوارع بغداد،مات مهجوراً في محطة باصات.مات وهو يحمل قصيدةً في جيبه، يشيِّعُ فيها العالم، ويرثي الحياة.بُحْ يا دمَ العراقي بالنَّشيج،بحْ بالعَويلِ على خُطى أنكيدوبحْ بالحرائق للنارتكلم بتلك اللغةِ الآشوريةِ المعلقةِ عندَ قبرِ تَمّوزتَمْتِمْ بهذيان جلجامش لزهرةِ الخُلودبحْ يا جَسدَ الشاعر بالهزيمةبُحْ بالنقمةِ والضياع عند محطةِ الباصاتوفي سيارةِ الإسعافِ الشاخصة لنقل الخردة،اعتَنِ يا دَمَ العراقي بماء الخليج،زدْهُ طمياً وشِعراً وَخَوَرَاًعلِّقْهُ على سَعف جيكوروفي حديقة البريكانفوق سرير السياب في الكويتفي منافي بلند والبياتي وسعديفي موت رعد وجانفي تجاعيد الصايغفي نشيجِ سركونفي صمتِ نازكَ وانزواءِ مهديفي بيارقِ الحسين،في دَمِ السلالةفوق بلاطِ الخيانةعند عتباتِ النجفتحت منابعِ التاريخ المرتعشفي سجنِ أبي غريبفي حريق الوشايات.بُحْ يا نجيعَ الموتِ بالفاحشةقُدْ عشتارَ من يديهاقَدِّمها وَجبةً لهولاكو المخصيعَلّقها زينةً على مقابرِ السُومريينجداراً في زَقُّورةِ بابلقَدِّمها تبغاً للمرتزقةزَوِّدْ دمَ الضحيةِ بعطرِ الجُناةكلُّ الجناة من نبوخذْنَصَّر حتى مَطلع القصيدة.اليومَ يذوبُ حديدُ السماءتذوي جدائلُ التمورتنز جثة الشعر دماً حراماً.مرارةُ النشيدلم تحرسْ نشوةَ القصيدةبياضُ الموتينامُ في أرض الرافدين.طوبى للقتلةطوبى للقبورطوبى للمُومِساتفي كلِّ العصورطوبى لدم الحروف وخيانة الريح.
عمان 16/5/2005