الثلاثاء ٢٥ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم رانيا مرجية

نوارس من البحر البعيد القريب

صدر مؤخرًا عَن "بيت الشعر الفلسطيني" في رام الله، كتاب جديد بعنوان "نوارس من البحر البعيد القريب؛ المشهد الشعري الجديد في فلسطين المحتلة 1948"، من تحرير وتقديم الشاعر محمد حلمي الريشة والشاعرة آمال عواد رضوان، وقد وقع الكتاب في (288) صفحة من القطع المتوسط الخاص، ونُشر بدعم من "اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم". هذا الكتاب هو العمل الثاني المشترك للشاعرين بعد كتاب "الإشراقة المجنحة؛ لحظة البيت الأول من القصيدة".

يحتوي الكتاب على سيرٍ ذاتية – أدبية ومختارات شعرية لـ (44) شاعرًا/ةً، وقد ركَّز الكتاب على الشعراء من مواليد العام (1950) فصاعدًا، نظرًا لعدم وضوح مشهد الشعري في خريطة الحياة الثقافية الفلسطينية، ولعدم وصوله إلى المرافئ المحلية والعربية وغيرها. هؤلاء الشعراء أبدعوا في الحلم والتجريب والتجديد، لكن نتاجاتهم الشعرية في إطار محليّ ضيق وشبه مجهول، إلا لعدد قليل جدًا ممن استطاع كسر هذا الإطار، والذي هو ضد التحليق الشعري في فضاء الثقافة العام كحق مشروع ومباح لكل ذي شعرية خلاقة ومبدعة ومجددة دائمًا.

والشعراء المشاركون هم: أحمد فوزي أبو بكر، آمال عواد- رضوان، أيمن كامل إغبارية، بشير شلش، تركي عامر، جريس دبيات، رافع يحيى، رانية إرشيد، رجاء غانم- دنف، ريتا عودة، زهير دعيم، سامر خير، سامي شريف مهنا، سلمان مصالحة، سليمان دغش، سهير أبو عقصة- داوود، شوقية عروق- منصور، صالح حبيب، صالح زيادنة، الطيب غنايم، علي هيبي، غادة الشافعي، فهيم أبو ركن، كاظم إبراهيم، ليليان بشارة- منصور، ماجد عليان، ماهر رجا، محمد حمزة غنايم، محمد سليمان خضور، مروان مخول، مسلم محاميد، مصطفى مراد، معين حاطوم، معين شلبية، منى ظاهر، منير توما، نداء خوري، نزيه حسون، نظير شمالي، نمر سعدي، نهاية كنعان- عرموش، هيام قبلان، وهيب نديم وهبة، يوسف الديك.

ونورد هنا "تقديم" الكتاب لما ينطوي على أهمية توضيح المغزى من إصداره:

(1)

لَمْ نَشْعُرْ أَوْ نُؤْمِنْ، نَحْنُ الْكَثِيرُونَ مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَغيْرُنَا مِنَ الْمُبْدِعِينَ عَلَى اخْتِلاَفِ نَتَاجَاتِهِمْ، وَغَيْرُنَا الْكَثِيرُونَ أَيْضًا، أَنَّ فِلَسْطِينَ التَّارِيخِيَّةَ بَاتَتْ أَكْثَرَ مِنْ كَيَانٍ جَغْرَافِيٍّ، بِأَفْعَالِ السِّيَاسِيِّ الْمُزْمِنَةِ مِنْ أَيِّ طَرَفٍ، إذْ إِنَّهَا لاَ تَحْتَمِلُ، بَلْ وَلاَ تُطِيقُ غَيْرَ أَهْلِهَا الأَصْلِ فِي حِضْنِهَا، وَإِنَّ مَا حَدَثَ، وَيَحْدُثُ، أَوْ سَوْفَ يَحْدُثُ لِجَسَدِهَا الْمَشْرُوخِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ جِهَةٍ فِيهِ وَعَلَيْهِ، لَنْ يَمْحُوَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بِأَرْضِهَا وَبَحْرِهَا وَنَهْرِهَا وَسَمَائِهَا... هِيَ فِلَسْطِينُ كَانَتْ مُذْ يَوْمَ وُجِدَتْ، وَسَتَبْقَى بِهذَا ابْتِدَاءً مِنِ اسْمِهَا، وَلَيْسَ انْتِهَاءً بِأَيِّ شَيءٍ يَنْتَمِي لَهَا، إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا.

(2)

ثَمَّةَ تَقْصِيرٌ وَاضِحٌ فَاضِحٌ بِخُصُوصِ تَبَنِّي الْمَشْهَدِ الثَّقَافِيِّ فِي الْجُزْءِ الْفِلَسْطِينِيِّ الْمُحْتَلِّ سَنَةَ 1948، مِنْ قِبَلِ الْمُؤَسَّسَةِ الثَّقَافِيَّةِ الرَّسْمِيَّةِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ وَغيْرِهَا، فِي اجْتِذَابِ الطَّاقَاتِ الإِبْدَاعِيَّةِ، وَتَرْكِهَا عُرْضَةً لِلتَّهْمِيشِ وَالإِهْمَالِ. وَإِذَا كَانَتِ الْحَوَاجِزُ الْمُصْطَنَعَةُ تَحُولُ دَونَ التَّوَاصُلِ الْجَغْرَافِيِّ، فَإِنَّنَا بِهذَا الْعَمَلِ نُضِيءُ وَنَجْمَعُ وَنُعِيدُ الْمَشْهَدَ الْجُزْئِيَّ إِلَى كُلِّيتهِ، وَنُعِيدُ حتَّى الْوَلَدَ الضَّالَّ أَوِ الْمُضَلَّلَ بِالْقَذَى، لِنُرْجِعَهُ إِلَى حَاضِنَتِهِ الأُمِّ.

(3)

فِي هذَا الْعَمَلِ الَّذِي نُقَدِّمُهُ بِفَخْرٍ وَامْتِنَانٍ وَنُقَدِّمُ لَهُ، لَمْ نَكُنْ نَتَنَاقَضُ وَاعْتِقَادُنَا الَّذِي نُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ أَرَدْنَا تَسْلِيطَ حُزَمِ ضَوْءٍ عَلَى الْمَشْهَدِ الشِّعْرِيِّ الْجَدِيدِ فِي الْجُزْءِ الْفِلَسْطِينِيِّ الْمُحْتَلِّ سَنَةَ 1948، كَمَا هُوَ التَّأْرِيخُ رَغْمَ أَسْبَقِيَّتِهِ، وَنَحْنُ بِهذَا نُزِيلُ ضَبَابًا عَنْ مِرْآةِ الْمَشْهَدِ، وَنَمْسَحُ غِيَابًا عَنْهُ وَتَغْيِيبًا لَهُ، بِقَصْدٍ أَوْ بِدُونِهِ، وَبِحُسْنِ نِيَّةٍ أَوْ بِعَكْسِهِ، كَوَاجِبٍ ثَقَافِيٍّ، وَوَطَنِيٍّ قَبْلاً، نَتَشَرَّفُ بِأَدَائِهِ، رَغْمَ مَا قَدْ يَحْتَمِلُ مِنْ نَوَاقِصَ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ بِالتَّأْكِيدِ، أَوْ يُحَمَّلُ مَا لَمْ نَكُنْ نَعْنِيهِ أَبَدًا.
إِنَّ كُلَّ مَا فَعَلْنَاهُ هُنَا، مَعِ احْتِرَامِنَا وَشُكْرِنَا الْمُسْبَقَيْنِ لِلْجَمِيعِ، عَلَى اخْتِلاَفِ آرَائِهِمِ الَّتِي سَمِعْنَا، أَوْ وَصَلَتْنَا كِتَابَةً، مُنْذُ أَنِ انْتَشَرَ خَبَرُهُ، مِنْ خِلاَلِ الدَّعَوَاتِ الَّتي وَجَّهْنَاهَا عُمُومًا، أَنَّنَا غُصْنَا فِي بَحْرِ الْمَشْهَدِ الْمُتَمَوِّجِ بِصَبْرٍ، وَأَنَاةٍ، وَزَمَنٍ كَافٍ، وَأَخْرَجْنَا مَا اسْتَطَعْنَا، وَمَا وَصَلَتْهُ أَيَادِينَا، مِنْ لآلئِ الشُّعَرَاءِ، وَنَبَشْنَا فِي رَمْلِ الْمَشْهَدِ الْمُتَرَاكِمِ، وَمَسَحْنَا الْغُبَارَ عَنْ مَعَادِنِهِمِ الثَّمِينَةِ، وَغَرَزْنَا أَصَابِعَنَا فِي الطِّينِ الْمُتَحَرِّكِ، وَالْتَقَطْنَا مَا اسْتَطَاعَتْ عُيُونُنَا أَنْ تُمَيِّزَهُ. لاَ يَعْنِي هذَا أَنَّنَا كُنَّا قُضَاةَ شِعْرٍ، رَغْمَ مَا لِلشِّعْرِ مِنْ ضَرُورَةِ انْوِجَادِ وَزْنٍ فَنِّيٍّ، أَوَّلاً، لاَ بُدَّ لَنَا مِنِ اعْتِبَارِهِ عَلَى تَنَوُّعِ تَجَارِبِ وَمَشَارِبِ الشُّعَرَاءِ، وَرَغْمَ مَا لِلذَّائِقَةِ الشِّعْرِيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ مِنْ حِصَّتِهَا الأَكِيدَةِ فِي مِثْلِ هذَا الْعَمَلِ (مَا اصْطُلِحَ عَلَى تَسْمِيَتِهِ: أَنْطُولُوجْيَا، وَتَعْنِي عَرَبِيًّا: مُقْتَطَفَاتٌ أَدَبِيَّةٌ مُخْتَارَةٌ. وَيُسَمَّى الَّذِي يَقُومُ بِهذَا العَمَلِ، وَتَعْنِي: الْجَامِعُ الْمُتَخَيِّرُ) إِلاَّ أَنَّنَا أَوْقَفْنَا عَمَلَ الأَخِِيرَةِ قَصْدًا، كَيْ لاَ نُتَّهَمَ بِهَا، وَلَمْ نُرَكِّزْ عَلَى الأُولَى، رَغْمَ مَا قَدْ يَكُونُ عَيْبًا فِي عَمَلِنَا هذَا، وَكُنَّا أَقْرَبَ لِتأْرِيخِ الْمَشْهَدِ مِنْهُ إِلَى تَدَخُّلِ الأَحْكَامِ الضَّرُورِيَّةِ وَالشَّخْصِيَّةِ فِيهِ.

(4)

لاَ بُدَّ لَنَا هُنَا مِنْ تَوْضِيحٍ لِعَمِلَنَا هذَا؛ فَقَدْ كُنَّا، بَعْدَ تَبَلْوُرِ فِكْرَتِهِ، وَبَعْدَ اعتِمَادِ مَنْهَجِيَّتِهِ، (نَظَرًا لِعَدَمِ وُضُوحِ الْمَشْهَدِ الأَدَبِيِّ فِي الْجُزْءِ الْفِلَسْطِينِيِّ 1948، وَعَدَمِ وُصُولِ النِّتَاجَاتِ الأَدَبِيَّةِ إِلَى مَرَافِئِهَا الْمَحَلِّيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ)، فَإِنَّنَا ارْتَأَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ وَنَعْمَلَ عَلَى إِعْدَادِ مُخْتَارَاتٍ شِعْرِيَّةٍ (أَنْطُولُوجْيَا)، وَأَنْ تَكُونَ هذِهِ الْمُخْتَارَاتُ لِلشُّعَرَاءِ/ الشَّاعِرَاتِ مِنْ مَوَالِيدِ الْعَامِ 1950 فَصَاعدًا، وَكانَ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ نُوَجِّهَ الدَّعْوَةَ، مُبَاشَرَةً، لِلشُّعَرَاءِ بَأَكْثَرَ مِنْ وَسِيلَةِ اتِّصَالٍ، وَكَانَتْ هذِهِ الْمُعْتَمَدَةُ فِي مُعْظَمِ مُسَاهَمَاتِ الشُّعَرَاءِ، وَذلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُقَدِّمَ الشَّاعِرُ بِنَفْسِهِ سِيرَتَهُ الشَّخْصِيَّةَ وَالأَدَبِيَّةَ، وَكَذلِكَ كَيْ يَخْتَارَ مِنْ نُصُوصِهِ الشِّعْرِيَّةِ مَا تَمَّ تَحْدِيدُهُ فِي الدَّعْوَةِ.

ثَمَّةَ مَنْ لَمْ نَسْتَطِعِ الاتِّصَالَ بِهِمْ، أَوِ الْوُصُولَ إِلَيْهِمْ لِسَبَبٍ أَوْ لآخَرَ، وَهُمْ قِلَّةٌ، فَبَحَثْنَا فِي الشَّبَكَةِ الْعَالَمِيَّةِ (الإِنْتَرْنِتْ)، كَيْ نَتَوَصَّلَ إِلَى مَوَاقِعَ نَشَرَتْ لَهُمْ نُصُوصًا شِعْرِيَّةً، وَكَذلِكَ بَحَثْنَا عَنْ مَواقِعِ بَعْضِ الشُّعرَاءِ عَلَى الشَّبَكِةِ نَفِسِهَا، وَمَنْ لَمْ نَسْتَطِعْ فِي النِّهَايَةِ الْوُصُولَ إِلَيْهِ، لَجَأْنَا إِلَى مَرَاجِعَ وَرَدَتْ لَهُمْ بِهَا نُصُوصٌ وَسِيَرٌ، آثَرْنَا أَنْ نَعْتَمِدَهَا، كَيْ نَكُونَ أَقْرَبَ أَكْثَرَ إِلَى تَغْطِيَةِ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْمَشْهَدِ. وَثَمَّةَ نُقْطَةٌ تَتَعَلَّقُ بِرَفْضِ شَاعِرَيْنِ الْمُسَاهَمَةَ فِي هذَا العَمَلِ لأَسْبَابٍ لَمْ تُقْنِعْنَا، وَنَعْتَقِدُ أَنَّهَا لاَ تُقْنِعُ أَحَدًا، وَنَظَرًا لِمَا تُحَتِّمُهُ عَلَيْنَا الضَّرُورَتَانِ التَّارِيخِيَّةُ وَالْبَحْثِيَّةُ، فَقَدْ ضَمَّهُمَا الْكِتَابُ بِكُلِّ رَحَابَةٍ.

(5)

نَتَمَنَّى أَنْ نَكُونَ قَدْ أَنْجَزْنَا عَمَلَنَا هذَا عَلَى قَدْرِ حُسْنِ نَوَايَانَا، وَأَنَّنَا حَقَّقْنَا هَدَفَنَا الَّذِي نَشَدْنَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهِ سَبِيلاً. وَلَنَا عَزَاءٌ فِي مَقُولَةِ د. جنسن:

"يَتُوقُ كلُّ مَنْ يُؤَلِّفُ كِتَابًا إِلَى الْمَدِيحِ، أَمَّا مَنْ يُصَنِّفُ قَامُوسًا (وَنَظُنُّ أَنَّ عَمَلَنَا هذَا يُشْبِهُهُ مَعَ التَّوَاضِعِ الْجَمِّ) فَحَسْبُهُ أَنْ يَنْجُوَ مِنَ اللَّوْمِ".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى