السبت ٢٥ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم صبري هاشم

هذه بئر قاتلة .. لا تردوا ماءها

مَن يبني وطناً في منفى ؟

دهر مضى على غربتنا انتظرنا خلاله بلَوْعةٍ وطناً يخرج من ظلمته .. ينهض من كبوة طويلة تأبد ألمها في صدور الأبناء . كنّا خلال هذا الزمن نرفع اسماً لوطن وننحت في بهائه بكل أنصال الضياء حتى جليناه فأخرجناه نقياً في عيون أبنائنا الذين انزرعوا على اتساع الشتات . وخلال هذا الزمان لم نركن لراحة ما ولم نؤسس لمنفى معللين النفس بعودة الوطن إلينا أو عدنا إليه.. كنا نعتقد أن المنفى مهما طال فهو لابد منقض . كنا ننتظر السفينة التي ستنقلنا إلى ضفة الحلم .. الضفة الأخرى ، وحين لاحت في الأفق هللنا وابتهجنا لكنها مع كثير من الأسف غرقت قبيل الوصول واستقرت في الأعماق فتبدد الحلم حين صادرت الغيلان وطناً بنيناه في الذاكرة ورغم كل الخراب الذي حلّ به سيظل مقيماً .. رأينا العراق يحترق .. رأيناه ينهار .. الصرح الذي شيده الأجداد تقوض على أبنائه .. حضارتنا صارت في مهب الرياح ..

أي عمق حضاري يمتد إلى سبعة آلاف عام يملك هؤلاء الرعاع الذين حرقوا المكتبات وسرقوا المتاحف ودمروا الأرشيف وعاثوا في الوطن فساداً ؟! من أين جاء هؤلاء الأوباش ؟ من يمتلك هذا العمق الحضاري عليه أن يكون متحضراً . منذ ثلاثة أعوام نتابع الحريق الشامل على أرض الواقع ولم نرَ غير تعدد الولاءات وانشطارها حتى صار الانتماء للوطن خيانة . نسمع عن تقسيمات طائفية وعرقية ودينية ونرى تكتلات ومحاورَ وخنادقَ وخراباً شاملاً ليس مثله خراب ثم نسمع أصواتاً منكرة ونرى من على شاشات التلفزة مثقفين يتحدثون عن أدب الداخل وأدب الخارج ثم تتسع الدائرة لتصبح الفكرة أشمل ويجري الحديث عن ناس الداخل وناس الخارج وناس المقابر وناس البحر والبرِّ وناس المنافي والمهاجر و.. وكان علينا أن نتحمل كل هذه الوجوه الكريهة ونستوعب كل الأصوات المنكرة وكان علينا أن نتواصل معللين النفس باستثنائية ما يحدث في الوطن باعتباره يمر بظروف طارئة من غزو واحتلال وانحلال واختلال . كنا نبكي في قرارة نفوسنا .. نتشظى ونموت ونتحرق وتتوقف قلوبنا وننزل المشافي التي صارت قدراً لكننا نعود من رحلة اليأس ونقول لابد لهذا الوطن من النهوض ولابد لحكماء العراق ( وهل للعراق حكماء؟) من القبض بزمام الأمور حتى يأتي الجواب سريعاً خارجاً من تابوت الشاعر يوسف الصائغ الذي لم يوار الثرى بعد فهاجم جثته كتاب وشعراء كانوا معه إلى الأمس القريب ولم يجرؤ أحد منهم على مهاجمته حتى إبان نشره قصة حبه الفاشل .. هاجم جثته شعراء وكتاب ، انقضوا على مواقفه السياسية وابداعه معاً .. هاجمه يساريون غاظهم انقلابه السياسي في فترة سابقة وكأن يوسف الصائغ أول وآخر من غير موقفه السياسي ولا أدري إن كان الانتماء السياسي ختماً يحمله الإنسان إلى القبر ولا يمكن تغييره .

البعض أقصاه عن المشهد الشعري واعتبر تجربته الشعرية لا قيمة لها والبعض الآخر نعته بالخيانة وثالث لزم الصمت حفاظاً على سويته المفترضة ورابع أنصفه وفعّل دور العقل حين تناوله حتى قرأنا " قميص عثمان ـ يوسف الصائغ " للشاعر الفريد سمعان أمين عام اتحاد أدباء العراق حيث يستهل مقالته بلغة المنتصرين على الأموات في حرب الخاسر الوحيد فيها هي الثقافة العراقية التي شهدت هذا التمزق الكبير بين مثقفيها ومبدعيها ، ( وليعذرني القارئ فسوف أدافع عن يوسف الشاعر وعار عليّ إن لم أدافع عنه) . يقول الشاعر سمعان " مات يوسف الصائغ ـ الشاعر والفنان الرسام وأثير حوله الضجيج .. واختلفت فيه الآراء والكلمات ودارت في المحافل متأرجحة فهناك مَن يدعو ( لغفران) كل ذنوبه صفقة واحدة ويكاد ينادي بوضع إكليل المجد على رفاته وهناك مَن يرى انه ظلم نفسه بانحيازه الطائش إلى الطغيان ... الخ " ونسي الشاعر سمعان أن يقول مات الروائي والكاتب المسرحي يوسف الصائغ . طبعاً نحن أمام كلام شاعر على أعتاب الثمانين وكان عضواً ، وربما مازال ، في الحزب الشيوعي العراقي ويفترض به أن يحمل فكراً إنسانياً ويتسع قلبه إلى كثير من الرحمة إضافة إلى كونه رئيساً لأهم اتحاد في العراق وهو اتحاد الأدباء وربما مرّ بظروف سياسية قاهرة فيما مضى دعته إلى التخلي موقتاً عن الدعوة لأفكاره والتخلي عن التزامه الحزبي .. ظروف ربما أقل من تلك التي ساقت الصائغ إلى سقطته .

أين عقلاء العراق إذن ؟ أين الحكمة التي سادت في وادي الرافدين والتي ينشدها الجميع ؟ هل ننتظر من يحكم العراق كبقية خلق الله بدرة العقل ؟ هذا الانفلات غير المحسوب على جثة لا تقوى على الدفاع عن نفسها والذي فيه الكثير من الخفة سيسوقنا إلى أقصى درجات الحزن ولسوف يتجلى مشهد المأساة الثقافية في سماء العراق في أوضح صورة . لم يفكر أيٌّ منّا بخاتمته وأي ّمصير سيؤول إليه فالخواتيم عادة مجهولة. ويوسف الصائغ ليس نكرة كي لا يثار حوله الضجيج فهو شاعر وروائي إشكالي ومن الطبيعي أن تختلف فيه الآراء والكلمات ولكن من الطبيعي أيضاً أن يكون الإنصاف والعدل أساس الحكم . لقد عاش الصائغ عمراً طويلاً نسبياً وعاصر أحداثاً كبيرة مرت على العراق بل وفي بعضها كان فاعلاً أوشاهداً فلِمَ نستكثر ،على مثله ، الذِّكر والرثاء وهو سيد الرثاء ولِمَ لا نؤبن شاعراً مات مقهوراً ومريضاً وبعيداً عن وطنه ؟ يستغرق الشاعر الفريد سمعان كغيره من الذين انتصروا وامتطوا دواب الأحزاب القادمة مع الغزو المدمر لحضارة بلاد ما بين نهرين ، ليتحدث عن الطغيان والارهاب والمقابر الجماعية وقطع الألسن ووشم الجباه ورش مدينة حلبجة " الوديعة" بالكيمياوي وزرع جثث أطفالها ونسائها وشيوخها في الشوارع .. الخ ، ثم يتحدث عن ذبح أبناء الدجيل وحرق بساتين المدينة . كأنني بالفريد سمعان وقد حمّل كل هذا الدمار والخراب والموت والعذاب على عاتق يوسف الصائغ الذي انقلب عن موقفه السياسي يوماً من الأيام ، وسمعان يعرف قبل غيره أن التاريخ الإنساني زاخر بقصائد المديح للطغاة ولغير الطغاة والصائغ ليس الأول ولا آخر من مدح والشعر العربي تحديداً ينوء بثقل هذه الأغراض الشعرية منذ نطفة الشعر الأولى .. منذ انبلاج شمس الجاهلية (جاهلية مَنْ؟) .. منذ البردة وبانت سعاد لكعب بن زهير في صدر الإسلام .. منذ المتنبي إلى الجواهري إلى أصغر طيف نبوءة لشاعر سيلد في الطريق . لكنني أسأل أيها الشاعر سمعان ماذا كان دورك إزاء هذه الأحداث الجسام ؟

ماذا كان دور اتحادك الموقر وأعضاء هذا الاتحاد ؟ ما هو دور الشعوب العراقية ( العظيمة) إزاء هذا الخراب ؟ مَن صنع الدكتاتور ؟ مَن صفق له ؟ مَن دبجّ له القصائد التي تغنت بحروبه .. بصولاته وجولاته ؟ مَن كتب روايات الحرب وتسابق على تصوير القادسية اللعينة بأبهى صورها وحصد الجائزة تلو الجائزة ؟ مَن سوّد الصحف والمجلات بكل عبارات الثناء والمديح ليس للقائد الفذ ، الضرورة وحده وإنما لأولاده وخدمه وعاهراته وقيادته ولمن لا يستحق حتى النظر إلى وجهه ؟ مَن سخّر كلمات الأغاني لبطل القادسية وأم المعارك وجعل الإعلام المرئي والمسموع بوقاً لبطل الزمان ؟ مَن أدار الحوارات الثقافية والفنية ومن نظم المهرجانات الشعرية التي تغنت بالبطل الأسمر المحبوب ؟ من سكت وصار شيطاناً أخرس أمام هذا الخراب الشامل ؟ مَن الذي انزوى في بيته (وهذا الموقف السلبي العجيب من أجمل المواقف عندنا) وأدار ظهره للأقوام التي طحنها الموت والجوع والذل والعار ؟ مَن وقف مع الاحتلال ورحب به أو جاء على ظهر دباباته واعتبر الغازي محرراً ؟ مَن حول ثقافتنا من ثقافة استبداد إلى ثقافة احتلال ؟ من زرع الأورام السرطانية بوجه الوطن الجميل ؟ مَن أيها الشاعر الشيخ سمعان ؟ أيتحمل يوسف الصائغ كل هذه الأوزار وكل هذه الرزايا وهذه الخطايا ؟ إنها خطاياكم وآثامكم التي تلاحقكم أينما أوليتم وجوهكم . أعطني شاعراً واحداً أو روائياً واحداً أو كاتباً سياسياً واحداً أو صحافياً واحداً ، من الناشطين وقتذاك ، لم يكتب مديحاً لشخص صدام حسين أو لنظام صدام حسين أو لحروب صدام أو لمصلحة صدام . نعم أريد واحداً فقط من الذين يحيطون بك والبعيدين عنك . أعطني تشكيلياً واحداً أو ممثلاً واحداً أو مغنياً واحداً لم يقم بخدمة النظام .

أين كنتَ عن حلبجة والدجيل لكي تأتزر الآن بمئزر التملق من أجلهما ومن أجل الضحايا الذين سقطوا فيهما ؟ لِمَ لم تنتفض حينذاك ؟ لِمَ لم تحتج وتقدم استقالتك من الاتحاد الشبهة وهذا أضعف الإيمان ؟ لم لا تطلب الآن محاسبة المسبب أم أنكم تأخذون بالنتائج فقط وتتركون الأسباب ؟ أنتَ تخوض في موضوعة شائكة ليس مثلك مَن يخوضها . لم لا تطالب بتقديم مَنْ ذبح رفاقك على أساس الهوية في بشت آشان للعدالة . هل تعرفه ؟ أنا سأسرك : إنه الرئيس جلال الطالباني بطل بشت آشان والمسؤول الآخر عمّا حصل في حلبجة . هل لديك الجرأة في اتهامه أم أنك ترفع له البطاقة الخضراء في هذا الزمن الأغبر ؟

في هذا الزمن الأردأ

يفسد ملح الأرض

والذهب الخالص يصدأ

ويكف الشاعر عن أن يتمنى أو يتنبأ

إن كان سيأتي الأحسن أو يأتي الأسوأ

ثم يستطرد سمعان الشاعر ويقول : " أنني اسأل هذه الحفنة التي يشدها الحنين إلى الماضي الأسود هل قرأتم مدحاً وتمجيداً للكتاب والأدباء الذين خدموا هتلر وموسليني وبينوشيت . أذكروا لي كاتباً واحداً تجرأ ودعا للإشادة ( بعطاء) (وقصائد) هؤلاء .

أيها الشاعر لا تطحن دقيق الشام برحى الإغريق ولا تتهم زملاء لك بالحنين إلى الماضي الأسود فهذا لا يليق بمقامك وأنتَ أعلم مني بعذاب الاتهام حين يلصق بالأبرياء ، لا تتهم أحداً لمجرد دفاعه عن شاعر مثل يوسف الصائغ وهؤلاء حسب علمي أعضاء في المجلس المركزي لاتحاد أدباء العراق وهم منتخبون من قبل المؤتمر العام وهم كانوا قد تعرضوا للاعتقال والسجن لسنوات طويلة . أنا معك أيها الشاعر سمعان لا أحد يمجد شعر وعطاء مَن خدموا هتلر وموسليني وبينوشيت لكنني لا أخفي عليك أن أوربا مازالت تحتفي بعطاء أدبائها بغض النظر عن مواقفهم السياسية.. ومازالت البشرية تحتفي بعطاء مَنْ مجّد ستالين وتغنّى بشاربيه القذرين وأظن أنك من خلال التزامك بحزب مجّد ستالين وبلد ستالين ، مجدته حتى انهيار الإتحاد السوفيتي والأسماء التي ذكرتها مثل نيرودا وناظم حكمت كانوا قد سبقوك إلى مديح هذه الأنظمة التي تراها اليوم دكتاتورية بقرار من السيد بريمر . أما عن الجواهري فلم "يسلم" دكتاتور وقاتل من مَدْحِه فهو وزع مديحه الوفير على الظالمين بالتساوي من البكر وابنه محمد إلى حافظ والحسين . فمَن مِن أعضاء الاتحاد الذي تقوده مَن لم يمدح النظام . هل ترى أنّ الرثاء والمجد لا يستحقه مَن خدم النظام ؟ فماذا تقول إذن عمن خدم مؤسسات النظام ؟ عمن خدم في مؤسسات النظام الدبلوماسية ؟ ماذا تقول عن التكرلي وعن عبدالرحمن مجيد الربيعي . هل تخونهم ؟ هل تطلق عليهم نار العفّة الثورية ؟ ماذا عن الذين خدموا المؤسسة البعثية ؟ إنهم نصف العراق .

لا سبب أيها الشاعر سمعان يدفعك إلى الخوف من جثة . إنني أتهمك بالرعب من صاحب الجثة حين تقول : "متى اهتم المناضلون الأوفياء من الأدباء ومن هم في قيادة الاتحاد بالصائغ حياً لكي يتحسروا عليه ميتاً وتقطعت أوتار صوته التي غردت للدناءة والعفونة والطغيان" .

هذا هو الإرهاب في أوضح تجلياته لقد مارس اتحادك الارهابي هذا عزلاً بحق الرجل في حياته وأقصيتموه عن المشهد الثقافي والارهاب الثقافي يعني أن تقصي الآخر وتفرض عليه العزلة باعترافك : " متى اهتم المناضلون الأوفياء.." مَن هم هؤلاء المناضلون الأوفياء ؟ هل هم الموقعون على قرار 200 سيء الصيت أم الذين جابوا شوارع العراق ببدلات الكاكي وبدلات الجيش الشعبي ؟ مّن هم المناضلون الأوفياء ؟ أتقصد الذين استلموا رواتب الاتحاد وهبات صدام حسين وعطاياه أم الذين اجتمعوا معه وصادر حتى أصواتهم وجعلهم مسوخاً تتحرك بأمره ثم نقلهم أذلاء على شاشات التلفزة ؟ مّن هم ؟ أهم الذين غيروا جلودهم الثورية ، الأممية والقومانية ، وارتموا بأحضان الجندي الأمريكي عراة ؟ مَن هم المناضلون الأوفياء ؟ ربما عنيت الذين اجتمعوا في الصف الوطني أو الذين جابوا المدن الأوربية فمدحوا الدكتاتور واستهانت بهم جماهير المنافي ثم ما لبثوا أن " ردحوا" للاحتلال . مَن هم المناضلون الأوفياء ؟ أهم الطائفيون الجالسون إلى جوارك يدبجون القصائد الحسينية ويساهمون بتمزيق العراق بنَفَسهم المذهبي الكريه ؟ مَن هم المناضلون الأوفياء ؟ أهم الذين يعتلون منابر المربد ويصرخون : مَن لا يحب الحسين ليس عراقياً ؟ مَن أيها الشاعر السمعان ؟ .

لقد رأيتُ أحدهم يطعن بزملائه في المنافى من على شاشة التلفاز اعتماداً على نميمةِ شاعرة بماضٍ أسود فيقول ما معناه أنه لم يكن يعرف موقف مثقفي الخارج السئ من مثقفي الداخل بهذا الوضوح الذي نقلته هذه الشاعرة ( الفلته ) التي تعيش هي الأخرى في الخارج . من كان وفياً يجب أن يكون وفياً للعراق بكل مكوناته ولكل ناسه ولكل مائه ولكل نخيله لا ينحاز لطائفة ولا يميز بين دجلة والفرات لصالح الفرات ولا يطعن ببقعة أرض لصالح أخرى . المناضل الوفي من يدافع عن الإنسان أينما وجد وفي أشد حالات ضعفه .. المناضل الوفي من تسامح مع الآخر ومن صفح ومن أنكر ذاتاً من أجل العراق . المناضل الوفي مَن ترفع عن الصغائر من أجل وطن مدمى . المناضل الوفي من يرفض تسيد الثقافة الحزبية من أية جهة كانت . هل تريد أن أريك النفس الحزبي في تقريرك .

تقول : " لا أحد يأسف على تبدل موقف الصائغ السياسي لأنه بالأساس كان مهزوزاً ومخاتلاً فأن معظم ما كتبه بشتى الأشكال والأساليب لم يكن له أهمية لأنه يفتقر للصدق والكياسة " هل تشم رائحة الخطاب الحزبي في الاتهام السهل للآخر المختلف لقد شبعنا حتى تقيأنا من هذه اللغة العاهرة فكل من اختلف معنا صار مهزوزاً ومخاتلا وهزيلاً منذ البداية ومن بقي ذيلاً في ركابنا هو الرفيق المناضل والصلب ؟ لغة لم نتخل عنها حتى لو تخلينا عن مبادئنا لصالح مستر دبليو بوش . هل تتحدث عن الصدقية في كتابات يوسف وتشكك بها ؟ كذب الورق والله فيوسف صادق في كل ما كتب وهو أشعر من نصف شعراء اتحادك المسخ. إنني أتعجب والله لماذا يهاجم يوسف الصائغ بعد موته أ لأنه غيّر مواقفه السياسية ؟ غيّر أفكاره ؟ وهل صار تغيير المواقف والأفكار حكراً على الأحزاب دون الأفراد ؟ ألم يغير الرفيق غورباتشوف أفكاره ويهدم أكبر امبراطورية في التاريخ ؟ ألم يغير الرفيق التسين مواقفه ويحل أكبر حزب في العالم ؟ ألم يتغير المعسكر الشيوعي بكامله ؟ ألم تقلب بعض الأحزاب الشيوعية سترتها القديمة وتتخلى عن لحية ماركس لصالح كاوبوي رعاة البقر ؟ ألم تتخل عن فكرة الامبريالية ؟ أسألك أما زلتم تتحدثون عن الامبريالية والرأسمالية . لقد تغير الصائغ ولم يؤذ أحداً بهذا التغيير . هل أنتم مؤسسة ماسونية تمنع خروج أعضائها منها ؟ إنني أرثيك لا بل أرثي ثقافة الاحتلال فيك .. أرثي اتحاداً أنتَ مسؤوله . لقد تحدثت عن الخيانة كثيراً في مقالتك وأنتَ تعلم في العرف العام أن الخائن ليس هو من تخلى عن أفكاره وإنما الخائن مَن خان فكره والخائن مَن أعطى معلومة ضد وطنه ومن أدخل أجنبياً إلى أرضه ومن ساعد الغازي على احتلال أرضه ومن جاء على ظهور الدبابات ومن قفز على الدبابات ومن هلل وصفق للغزاة ومن كتب في ظل الاحتلال وكأن لا وطن يرسف تحت أحذية الغزاة ولا هم يحزنون .

الخائن من يؤسس لثقافة هزيلة دون أن يطلق صوته بوجه جندي المارينز . والخائن من يقتل الشيوعيين بدم بارد وينثر أجسادهم الطاهرة فوق قمم الجبال ويجعلها عرضة لنهش الوحوش الضارية والخائن مَن يسكت على قتل رفاقه والخائن من يتسبب في مذبحة حلبجة فيُدخل الحرس الثوري الايراني إليها والخائن من يُدخل هذا الحرس إلى حاج عمران لكي يصبح الجندي العراقي في مرمى المدفعية والخائن يا سمعان الشاعر ليس يوسف الصائغ الذي ساقته ظروف لا نعلمها إنما هم قادتك في بغداد وإن أردت اتهام الآخر بالخيانة فالخونة أقرب إلى مجلسك من سواهم. إنهم في نظامك بنسبة عالية . ستبقى شتيمة يوسف الصائغ بعد موته وصمة عار في جبين كل مثقف عراقي لم يدافع عنه . إني في أشد حالات حزني أيها الشاعر سمعان أتدري لماذا ؟ لأنني لن أعود إلى وطن أنتَ من كباره .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى