الثلاثاء ٢٧ حزيران (يونيو) ٢٠٢٣
بقلم محمد الحوراني

هكذا يتجدد شباب الشعر

لم أخفِ يوماً قلقي على مستقبل الشعر، ليس في وطني سورية وحدها، بل في الوطن الكبير، ذلك بأن حالة غير مسبوقة وعلى غير صعيد من العزوف عن المنتج الشعري على نحو عام والشعر التقليدي ذي الشطرين على وجه الخصوص مازالت سائدة. لكنّ هاتفاً، لا أدري من أين، يهتف لي ليؤكد أن الرحم الذي أنجب الشعراء الخالدين في ذاكرة أمتهم ما زال قادراً أن ينجب رواداً ورائدات، ممن اختار جلجلة الحرف طريقاً ومنارة. وأن شاعراً، من العراق الحبيب، يتابع مسيرة شعر عامرة وطافحة بالعطاء، تستحق وقفة مع جديده "من ذاكرة الصمت"... هذا الجديد يبدّد ظلمة القلق على الشعر وبما يحضّ النفس على التفاؤل بأن أبناء العربية قادرون أن يثبتوا للعالم أجمع أنهم أهل إبداع وفن، وأن شعرهم ديوان يستحق القراءة لما يبعثه في الروح من طلاوة ويبعث في العقل من تفكر وتفكير، ويرتقي بالنفس إلى سلم المعارج نحو الفضاء الأوسع والأرحب فأضاء الدهشة بالكلمة، والانعتاق من الجهل إلى رحاب المعرفة. من "ذاكرة الصمت" يصرخ وليد حسين بقصيدة من عيون الشعر: ومَحشوَّةُ المعنى كثيرٌ رحابُهَا تتوقُ إلى ماضِ فبئسَ إيابُهَا مآذنُها تفشي حديثَ خُرافةٍ غشاها من الشيطان ما شدَّ نابُها بغير استباقِ تعتليك متاهةٌ نفى ختلَها لما تعرّت ثيابُها فأي صرخة هذه تعيدنا إلى معلقات الشعر العربي في جاهلية سلبت جلّ ما لديها من فكر وثقافة في قصائد من ذهب وعلائق من لجين، مع ما بثت القلوب من لواعج الوقوف على طلل، أو أبدعت الأقلام من وصف راحلة أو عبور واد، أو تفاصيل مشهد صغير.

لقد تمكن الشاعر وليد حسين من نقلنا إلى تلك الأجواء وهو يخوض في تمنياته ص 6 ألا ليت الحياة، وهو يعطي التمرد وصفاً لم يسبقه إليه أحد في حدود معرفتي: وأشجبُ كلَّ صوتٍ ما عَداها على أنّ التمرّدَ بعضُ خمرِ وكذلك حين ذهب في القول: فما ليلُ الصبابةِ رقّ نفساً إذا لم يرتشف من ريقِ ثغر أرى الأيّامَ تمخرُ في غيابٍ كزلزالٍ يروّع بيتَ فقرِ وتبلغ المنى أقصاها حين ينشد: ألا ليت الحياةَ تقودُ أمّاً إلى جرفٍ تهزُّ بحبلِ سري ومثلما امتلك جزالة اللقط، وفخامة التركيب، أخذ الصور البيانية سبيلاً لتجسيد المعنى وتقريبه إلى منهاج القصيدة في عصورنا الزاهية مع الحفاظ على الحداثة والإحاطة بها: وأعجبُ ما في الروع أنّهُ منتمٍ لهاجسهِ المسكون بالويل والوزرِ... ومثل: يمطُّ هزيعَ الليلِ بالصحو رافعاً عقيرةَ صوتٍ باحتدامٍ مع النقرِ بهِ الوجعُ الممتدُّ كالنار في الحشا فما أُطفِئت إلاّ لتوقدَ كالجمرِ وقبل أن أقدم تهاني القلبية للشاعر وليد حسين، أشد على يده ليتابع عطاءً جديداً مع "لهفي على زمن تباعد عام 2005، إلى ذاكرة الصمت وعبر تلك العناوين لمنجزه الإبداعي، حيث تلمس التنوع والعمق والذهاب إلى أبعد من الحروف والكلمات في أداء يبشر بأنّ الشعر ديوان القلوب كان وسيظل...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى