الجمعة ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم عبد الله الحميدي

هل تفلس الدول؟

نحو فهم أفضل للمشكلة المالية العالمية الراهنة.

كما نعلم بدأت المشكلة العالمية المالية الحالية بنكية فى الأساس. بدأت ولازالت بمشكلة إئتمان. مشكلة رهن عقاري (لم يستطع ملاك العقار فى الولايات المتحدة فك الرهون التي بموجبها أخذوا قروض وديون، وما ينطبق على الأشخاص ينطبق على الدول فى هذا المجال فى الغالب). كان ذلك في صيف عام 2007 بعد أن تبين عدم قدرة نسبة غير قليلة من المقترضين على تسديد الديون المترتبة عليهم (الدين زائدا خدمة الدين). ولكل فعل رد فعل، بادرت المؤسسات المالية المقدمة للقروض الأصلية ببيع الرهون العقارية التي في حوزتها لغرض استعادة كل أوجانب من أموالها. وأدت عمليات البيع إلى حدوث انخفاض في قيم العقارات نظرا لإستعداد المؤسسات لبيع العقارات بأقل من الأسعار السائدة في السوق لضمان سرعة إنهاء المعاملات وإنخفاض الأسعار أكثر. وتطلب الأمر طرد الملاك ممن تنطبق عليهم الشروط من منازلهم بقوة القانون مشكلا بذلك أزمة اجتماعية. ومما زاد الطين بلة، تورط بعض المؤسسات المالية العملاقة في الأزمة، في مقدمتها شركة ليمان براذرز, التي تعد بدورها رابع أكبر بنك استثماري عقاري في أمريكا فضلا عن شركتي فاني ماي وفريدي ماك اللتين كانتا قبيل الأزمة وحتى وقت قريب تمتلكان حوالى نصف القروض العقارية في الولايات المتحدة. إضافة إلى شركة آي جي إم أكبر شركة عاملة في مجال التأمين في الولايات المتحدة.

رأينا بنوكا كبيرة تهتز وتعلن إفلاسها. مما جعل البنوك المركزية الكبرى في مختلف القارات تنسق مع بعضها لخفض أسعار الفائدة وبمواصلة الجهود لتوفير السيولة بضخ المزيد من الأموال لتفادي أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وتم التخفيض لاحقا. وهى خطوة جيدة لكنها غير كافية لتخفيف الهلع والتخوف العالمي من الأزمة الاقتصادية التي أشعلتها سوق الإقراض العقارية الأمريكية وأطاحت بكبرى البنوك الاستثمارية وبنوك التمويل العقاري. مع العلم بأن إفلاس بنوك أوشركات يعتبر أمرا عاديا وعلينا التفرقة بين الإفلاس الحقيقي (عندما لا تملك الشركة فعلا شيئا) والإفلاس القانوني (إشهار الإعسار وهوعدم القدرة على الوفاء بإلتزام كان تجاه الدائنين أوما يسمى طلب الفصل الحادى عشر حسب القانون الإمريكي) ففى هذه الحالة الشركة لديها ولكنه لا يكفى لإستمرارها. فإفلاس شركات مثل شركات طيران وبنوك أمر عادي. قرأنا أنه خلال فترة رئاسة بوش الأب، خلال عامين 1988 و1989م أفلس فى الولايات المتحدة بنوكاً كثيرة غير شركات ومؤسسات أخرى، مع العلم بأن البنوك وشركات الطيران فى ذلك البلد كثيرة جدا. لكن لم تكن أزمات عالمية ولا مبالغات إعلامية سوى إشهار الإفلاس فى وسائل الإعلام الإمريكية حسب القانون الإمريكي. منذ بداية الأزمة ولحد كتابة هذه المقالة إنهار 19 بنكا فى الولايات المتحدة البالغ عدد البنوك فيها 8400 بنكا.

لكن فى هذه الأزمة لماذا إختلف الوضع؟ كتب الخنيزي ( هناك بنوك استثمارية وبنوك إقراض عقاري في مختلف دول العالم لم تشارك في عرس العوائد والأرباح في وقت انتفاخ فقاعة العقار الأمريكي وارتفاع عوائد المنتجات المالية المرتبطة بهذا القطاع ولكنها اليوم تشارك في دفع الثمن وملزماً عليها أن تكون حاضرة في الجنازة. عدم المشاركة في العرس، والاضطرار إلى المشاركة في الجنازة هوأمر حتمي لسببين رئيسين هما هيمنة القطاع المالي الأمريكي على القطاع المالي العالمي والثاني أن العالم أصبح ماليا وبنكيا أكثر إرتباطا من قبل.) هناك عربي هاجر إلى إمريكا قال (انا لا أفهم بالاقتصاد شيئا واسكن في امريكا الشمالية ومنذ عشر سنوات وحتي قبل هذه الازمة بقليل كنت ألاحظ ارتفاع اسعار العقارات بشكل غير طبيعي حتى وصل سعر البيت العادي 500,000 دولار امريكي يعني نصف مليون وكان قبل عشر سنوات بسعر 150,000 دولار فقط اي تضاعف ثلاث مرات بسبب جشع البنوك وطمعها الربوي القاتل فكنت أقول في نفسي سوف يأتي اليوم الذي تنهار فيه هذه الاسعار فليس من المعقول حتى تشتري بيتا ان تكون مليونيرا وفعلا كان أول الانهيار في البنوك العقارية وانهار النظام كالعقد المنفرط ولا أظنه يلتئم بسهولة). ويبدوا لى أن أزمة الدين والمديونات الحالية فعلا كبيرة. أشار كبير الاقتصاديين في البنك الدولي أوليفيه بلانشار "إلى أن الوقت قد فات لتحصين الاقتصاد الحقيقي في أي دولة من تداعيات الأزمة الاقتصادية الراهنة التي أصابت الاقتصاد العالمي بضربتين تتمثلان في ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية بجانب أزمة القطاع المالي الأمريكي وأن السياسات الاقتصادية والمالية المنسقة تساعد فقط على تجنب أسوأ الإحتمالات وليس النهوض بالاقتصاد العالمي". يبدوا أنه قد فات على بلانشار ذكر أن الأسعار ارتفعت فى جميع أنواع السلع تقريبا وليس النفط فقط مثل الرز (الإرتفاع غير القليل حدث حتى داخل كبار المصدريين للرز مثل الهند) والحديد والحليب واللحوم وغيرها كثير خلال السنة الماضية خاصة. مع العلم بأن بعض السلع القليلة والنفط أيضا إنخفضت أسعارها مؤخرا. إن إرتفاع الأسعار وإنخفاضها أمر طبيعي لكن الإرتفاع المفاجىء المستمر العام تقريبا فى كل أوأغلب السلع والمنتجات والخدمات هوبالتأكيد أمر غير طبيعي. ماذا يعني هذا فى الحقيقة؟ يعني إنخفاض قيمة الأوراق النقدية والتضخم. وليس معناه إرتفاع تكاليف إنتاج السلع والخدمات. ولكن هذه قصة طويلة مملة فى غير موضوعنا وإن كان لها به علاقة. إختلف الوضع لأن النظام المصرفي يواجه تصدعا لم يشهد مثله منذ الحرب العالمية الأولى. إن فهم واقع أى مشكلة هوالبداية السليمة لحلها.

الآن، هل هناك دول تواجه الإفلاس المالي؟

إن التصدع والتشطب الحاصل فى جدار "وول ستريت" فى نيويورك وصل إلى أماكن بعيدة! مدينة دونيتسك فى شرقي أوكرانيا تبعد 8000 كم عن نيويورك. عدد سكانها مليون تشتهر بصناعة الحديد الصلب بل هى عاصمة الصناعة فى أوكرانيا. العام الماضي حققت صناعة الحديد الصلب فيها أرباحا بلغت (1.65) بليون دولار. الأسبوع الماضي بعد إجتماع مع رجال الأعمال فى تلك المدينة، خرج محافظها بأخبار غير طيبة! لا بد من تسريح بعض العاملين فى قطاع صناعة الحديد. كانت لغة المحافظ دبلوماسية. ماذا حدث بعد ذلك؟ شركة ماريبول سرحت ثلث عمالها. ما هى الأخبار غير الطيبة؟ فى غضون عام إرتفع الدين الأوكراني بحوالي ضعفين من 34 بليون دولار الى 99 بليون منها 29 يحل موعد سدادها فى نهاية 2009.

ماذا عن آيسلاند؟

هذه الجمهورية الوادعة فى شمال الأطلسي والتي حصلت على إستقلالها من الدنمارك عام 1944. ولمن فاتته الأخبار، إليك ما تناقلته وسائل الإعلام. أعربت آيسلندا عن خيبة أملها أمس (اوغسطس 2008) من أن حلفاءها الغربيين أخفقوا في تقديم العون لها للمساعدة على تخفيف أزمتها المالية، الأمر الذي أرغمها الى اللجوء إلى روسيا، وطلب قرض بقيمة أربعة مليارات يورو(المليار هوالبليون واحد إنجليزي والآخر إمريكي). كانت هنالك حالة من الفوضى بخصوص طبيعة القرض الروسي، حيث قال البنك المركزي أول الأمر إنه استطاع الحصول على قرض بمبلغ أربعة مليارات يورو(4.5 مليار دولار أمريكي، أوثلاثة مليارات جنيه استرليني)، مدته أربع سنوات، بفائدة تزيد بما يراوح بين 30 - 50 نقطة أساس على المعدل الذي تقدمه البنوك للتعامل فيما بينها في لندن، وذلك قبل أن يعترف بأن الصفقة ما زالت بانتظار الإتمام. وأكد وزير المالية الروسي، أليكسي كودرين، أن روسيا تلقت طلباً من الحكومة الآيسلندية للحصول على ائتمان، وقال "إننا سوف ندرس ذلك، حيث إن آيسلندا معروفة جيداً بأنها بلد ذوانضباط شديد فيما يتعلق بالميزانية، كما أن معدل تصنيفها من حيث الصدقية عال. وتحتاج آيسلندا إلى تعزيز احتياطياتها من العملات الأجنبية في محاولة لدعم الكرونا التي أدى تخفيضها إلى زيادات حادة في أسعار البضائع المستوردة، مثل الوقود. وقال البنك المركزي أمس إنه بدأ التدخل في أسواق العملات في محاولة لتعزيز الكرونا، ما ساعدها على الارتفاع بنسبة 13 في المائة مقابل اليوروليصل سعرها إلى 150 كروناً مقابل اليورو. وقال رئيس وزرائها هاردي إن هذه الأموال ستستخدم لدعم الكرونا، ولكنها لن تقدم للبنوك التجارية. وقال إنه على الرغم من تخفيض التصنيف، ووجود سعر شبه قياسي لضمان عدم تعرض الديون الحكومية لحالة من العجز عن السداد، فإنه لن يكون هنالك أي تحرك من هذا القبيل من جانب بلاده. وقال رئيس الوزراء إنه لم يسبق أبداً لآيسلندا أن عجزت عن سداد ديونها السيادية، كما أنها لن تفعل ذلك.( أربعة بلايين يوروتعتبر مديونية قليلة لكنها ربما كانت القشة التى قصمت ظهر البعير. وأصل المشكلة يرجع إلى عظم حجم الديون التي تتكبدها البنوك الآيسلندية الرئيسية، حيث بلغت ديون البنوك الكبرى الثلاثة (كاوبتهينج ولاندزبانكي وجليتنير) ما مجموعه 62 مليار دولار. فاضطرت إلى تجميد نشاطاتها، ولم تعد تتمكن من الوفاء بالتزاماتها القصيرة الأمد تجاه عملائها.

أما قصة الأرجنتين بإختصار فيمكننا تقسيمها إلى ثلاثة مراحل. بدأت عام 2001 عندما أخذ كبار أصحاب الأموال ورجال الأعمال شنطهم الدبلوماسية طائريين إلى الأورغواى (سويسرا إمريكا الجنوبية) واقفين صفوفا أمام البنوك الأورغواية لإيداع دولاراتهم الإمريكية فى البنوك أوفى خزائن تلك البنوك. بدأ الجزء الثاني من القصة عندما أتم كثير من رجال الأعمال نقل أموالهم للخارج ومن ثم قررت الحكومة الأرجنتينية تجميد الحسابات البنكية والسماح بسحب ما يعادل 250 دولار إمريكي فقط كل أسبوع. وأصبح منظر مواطنين أرجنتينيين نائمين أمام آلات السحب النقدي مألوفا. فى العاصمة بوينس آريس حدث الجزء الأخير من القصة عندما إنخفض الإستهلاك بنسبة عالية جدا (60%) مما أدى إلى أعمال شغب وتخريب من قبل عشرات الآلاف من الشباب خاصة إنتهت بفرار الرئيس فرناندوفى طائرة هيلكوبتر. بعدها إرتفع التضخم 25% معلنا عن أسوأ أزمة مالية تمر بالبلاد خلال مائة عام. خمسة رؤساء خلال عام واحد! حتى أتى كيرشنر عام 2003 معلنا للمقرضين الدوليين للبلاد أن الأرجنتين غير قادرة على دفع دينها الخارجي الواصل 145 بليون دولار إمريكي.

فى الآونة الأخيرة هنغاريا تنزلق نحوالإفلاس القومي. قال بعض الخبراء فى الإقتصاد أنه لولا البلايين من الدولارات التى قدمها كل من صندوق النقد الدولي 15.9 بليون والإتحاد الأوربي 8.26 والبنك الدولي 1.27 لكانت البلد مفلسة. هنغاريا أول بلد عضوفى الإتحاد الأوربي يضطر للإستدانة من صندوق النقد الدولي. ما الأسباب؟ قالها محافظ البنك المركزي الهنغاري. البلد عاشت ترفا خلال العشر السنوات الماضية من تمويل خارجي، عدم ضبط الإنفاق الحكومي، إرتفاع الدين القومي ليبلغ ثلثين إجمالي الناتج المحلي.

صندوق النقد الدولي وعد بتقديم قروض لمساعدة كل من آيسلاندا وأوكرانيا وهنغاريا قدرها 34.3 بليون دولار. هذا المبلغ يمثل خمس ما لدى الصندوق للإقراض المتاح. الآن زاد فهمنا للمشكلة ذلك أنه لوزاد عدد الدول المتعرضة للإفلاس المالي، ستجد الدول الصناعية والغنية نفسها مضطرة لضخ أموال لصندوق الدولي حتي لا ينتشر فيروس الإفلاس والكساد فى عالم إقتصادياته مترابطة.

هناك كلام كثير يقال عن دول أخرى مثل باكستان لا أعلم مدى صحته. ما يهمنا ذكره هنا الدول العربية. كل الدول العربية (ماعدا فلسطين والعراق والصومال، لعدم توفر بيانات) معدل النموالمتوقع خلال عام 2009 للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي فيها يتراوح بين 4-6 %. وهى نسبة تعتبر جيدة، مع العلم أن هناك خمسة دول عربية نسبة الدين العام الخارجي الى الناتج المحلي فيها أكبر من متوسط هذه النسبة المعروف فى الدول النامية البالغ 27%. بينما نجد أن معدل النموللناتج المحلي الإجمالي الحقيقي فى آيسلاندا 0.3 عام 2008 وبالسالب - 3.09 لعام 2009. بينما النسبة للولايات المتحدة الإمريكية 1.75 و0.05 على التوالي. مع العلم أن المعدل العالمي لنموالناتج الإجمالي الحقيقي لعام 2007 بلغ 3.8، بينما زاد الإنتاج العالمي الكلي لنفس العام بنسبة 5.2% ( كما قد زاد حوالي 4.8 عام 2006 بما قيمته 95 تريليون دولار إمريكي) كان النصيب الأكبر للصين حوالي 11% يليها الهند حوالي 9% من تلك الزيادة فى الإنتاج العالمي عام 2007 حسب الإحصاءات المتوفرة. وعلى الرغم من أن معدلات النموفى كل الدول الصناعية الكبرى ماعدا بريطانيا إنخفضت خلال عامي 2006 و2007. إلا أن معدلات التضخم والبطالة لا زالت أعلى بكثير فى الدول النامية عنها فى الدول الصناعية.

الإقتصادي الإمريكي المختص فى العملات والتدفقات المالية جين ستيفن يؤكد أن the flow of capital (لا أعرف ترجمتها غير الحرفية لأنها عدة أشكال وأنواع فى المدى القصير والطويل وغيرهما) سينخفض إلى النصف عن مستواه الحالي (730 بليون دولار) فى حال إنخفاض معدل النموالإقتصادي العالمي الى 1% فقط فى عام 2009. بناءا على حسابات ستيفن أرى أنه فى حال إنخفاض المعدل الى 1% فإن دول العالم (المحتاجة للقروض والغير مضطرة لها) ستفقد جميعا حوالي عشرة أضعاف ما إحتاجت إليه الدول الثلاث سابقة الذكر للخروج من الإفلاس المالي. بتعبير آخر سيحرم العالم نفسه من 315 بليون دولار متاحة لمساعدة دول تواجهة أوربما ستواجه مشاكل مالية كبيرة.

بإختصار، نعم تفلس الدول كما يُفلسُ الأشخاص. فالإفلاس يعني أن يصدر القضاء حكما يفيد عدم قدرة جهة ما على التمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه دائنيها. وبالنسبة للدول يعني ذلك عجز الدولة عن الوفاء بديونها أوتسديد الأموال لدفع أثمان ما تستورده من بضائع وسلع وخدمات.

ألمانيا مثلا وبسبب الحرب أفلست مرتين فى تاريخها الحديث (1923 و1945) وأثنائهما أصبح المواطن الألماني يملأ سلة الخبز من جميع أنواع فئات النقد الورقي ولا يقبل الخباز إعطاءه خبزا. بتعبير آخر ما قيمته مارك واحد قبل الإفلاس أصبحت قيمته ملايين الماركات بدون مبالغة، تضخم عظيم. تفلس البلدان بسببين هما الحروب سواء كانت شرعية أم لا وفساد الإدارة العليا للبلد. وإن أحببت أن ترجع هذين السببين الى سبب أساس واحد فهوفساد الحكام. لأن البلد التى تشن الحرب على الآخرين حكامها فاسدين مفسدين. الحرب سرطان الإقتصاد. ولنضرب مثلا بدولتين تعتبران مضرب المثل للنجاح الإقتصادي اليابان والإمارات لرفضهما التام شن الحروب. ونجاح الإدارة العليا فى كليهما فى تطوير وتنمية الإقتصاد.

والناس لا تتعلم إلا بالتجربة فبعد أن يعانوا من عذابات الحروب يتصالحوا. هذه ما حدث للأوربيين. لنأخذ مثالا من واقع عشنا أحداثه باليوم والساعة، فى حرب الثمان سنوات بين العراق وإيران والتى كان سببها نزاع على الأرض وما تحويه من ثروات. ففى أيام حكم الشاه إتفق الطرفان ووقعا معاهدة الجزائر. لكن بعد ثورة الخميني مزق صدام المعاهدة وأخطأ بذلك وأخطأ ثانية بظنه أن يمكنه أخذ الأرض بالقوة فى فترة قصيرة. لكن إستمرت الفترة 8 سنوات. كان العراق يضخ يوميا ما لا يقل عن 16 مليون دولار لتمويل الحرب. وبعد الحرب إرتفعت مديونية العراق وكانت السبب فى غزوالعراق الكويت. ثم غزت إمريكا العراق ليس من أجل أسلحة الدمار الشامل كما زعم رامسفيلد (النازي، وصاحب صدام حسين عندما كان يحارب إيران) وديك شيني (تاجر الحروب) وولفز (الصهيوني المتطرف) وأمثال هؤلاء الثلاثة ممن كل ما فى القاموس من كلمات السفالة هم جديرين به. بل كانت من أجل النفط والدولار. ذهب الثلاثة وأمثالهم فى مزبلة التاريخ يتبعهم سوء الثناء ولعنة الشعوب بما فيها الشعب الإمريكي. كان الدينار العراقي ولفترة طويلة يساوى عشرة ريالات سعودية أوعشرة دراهم إماراتية وحوالي مثلها من الجنيهات المصرية. وبعد الحرب مباشرة أصبح يساوى ما يقارب الصفر. ولا أعلم قيمته الآن. وسبب الأزمة الحالية قدم من إمريكا بسبب أخطاء بشر من مثل الثلاثة. هذا ما قاله الإمريكيون الأحرار.

هناك حكام أخذوا قروضا دولية بالبلايين بأسماء بلدانهم وآخرهم رئيس الأرجنتين الذى ورط الشعب الأرجنتيني فى الدين. لطشوا معظمها لحساباتهم الخاصة ثم حدث ما حدث بعضهم ثار عليه شعبه وفر وإختفى وبعضهم قتل. ثم على هذه الشعوب دفع الدين زائدا خدمة الدين وفوائده الربوية. الحقيقة المرة القديمة من يوم خلق الله الإنسان والى يوم القيامة، هى أن المال معبود أغلب الناس وبالتالي كان وراء أغلب المشاكل الإجتماعية: الزوجية والعائلية والوطنية والقومية الدولية فى الداخل والخارج. لكن تبرير الحرب والنزاع الذى هوفى الحقيقة من أجل نهب المال يكون هذا التبرير من قبل السفلة طلاءاً وبرقعاً (وهذا معنى نفسي دقيق، حتى النفس السافلة مع كونها منحطة تجدها منافقة تغطى وجهها ببرقع من المُثُل) من مثل حماية الشعوب من الأسلحة الكيماوية، وإحقاق حق الضعاف والأيتام والمحافظة على ثروة العائلة والقبيلة، والوطنية والعدل والديمقراطية الى آخره مما تعرفون. الشيخ العلامة محمد متولى الشعراوي عندما سُئل: هل صحيح يا شيخ من يمسح رأس اليتيم له بكل شعرة حسنة؟ أجاب رحمه الله نعم إذا كان المسح للعطف عليه والإحسان إليه، وليس لأن أمه حلوه! وأكثر ما يُسرق هوالمال العام خاصة فى الدول غير المتقدمة لقلة فعالية محاسبة المسؤولين عن الأموال العامة من قبل مسؤولي المحاسبة ومن قبل الشعوب والتى بدورها تعانى تدني الوازع الثقافي والأخلاقي لدى غالبية شعوبها.

وحب المال أمر غريزي لكن أن يكون معبودا! هذا هوالعجب أوعدم العجب لمعرفة الناس ذلك. المال هوالذى تُسفك الدماء ويُسجن الأبرياء ويُحجر على العقلاء من أجله، وتنتهك الأعراض وتستلب الأغراض وتنتشر الأمراض. ولوأردنا أن نشرح فقط من ناحية إحصائية إقتصادية مدى الدجل والتدليس فى الأدوية فقط لنزل الدمع ولكن كما كتب الطبيب الفيلسوف العربي خالص جلبي (دجاجلة الطب أكثر من فقراء حوران وإيران.. فإذا كان وزير الداخلية.... قد حجروا عليه لتزوير شهادته!؟ فماذا تتوقع لجحا في حلب؟) أنا الذى حذف إسم الدولة الشرق أوسطية الكبيرة وليس الإخوة الكرام فى ديوان العرب.

والمال ليس هدف الإقتصاد بل هدفه الرفاه. إن الوضع المالي العالمي الآن مبهم وعام 2009 سيكون المحك لإقتصاديات كثير من الدول فى تحملها للأزمة الحالية. لقد كبدت الأزمة المالية التي تعصف بالعالم البنوك العالمية إلى الآن، حسب تقرير صندوق النقد الدولي، نحو945 مليار دولار، هذه الخسائر تركزت بهبوط أسعار العقارات، وانخفاض قيمة الأصول المالية المرتبطة بالرهون، وهزات البورصات التي أدت إلى انهيار الأسعار، فضلا عن خسائر الأصول المالية. ولقد شعرت بسعادة مؤقتة رغم الحزن العام الذى أشعر به بعدما إطلعت على ما كتبه عالم الإقتصاد جوزيف (ستقرأ ما كتب لاحقا) لموافقة ما كتبت بدون قصد من رأيه الذى إطلعت عليه بعد كتابة أغلب هذه المقالة والتى ترددت فى نشرها لولا حبي لأن يعرف القارئ العربي ما يجب أن يعرفه عن هذه الأزمة.

أعلنت شركة داماك القابضة وهي شركة تطوير عقاري خاصة مقرها دبي أنها بصدد إلغاء 200 وظيفة أونحو2.5 في المائة من قوة العمل لديها، في حين بدأت أزمة الائتمان العالمية تؤثر في القطاع العقاري في المنطقة. وأضافت الشركة التي تطور مشاريع تبلغ قيمتها نحو30 مليار دولار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بيان أن خفض الوظائف سيكون في إدارات المبيعات والتسويق والتوظيف.‏12‏/11‏/2008

سجلت معظم أسواق المال تراجعا حادا أمس قبيل عقد قمة واشنطن المالية مع انحسار التفاؤل الذي أثارته خطة إنعاش الاقتصاد في الصين أمام المخاوف على الشركات خصوصا المجموعة الأمريكية العملاقة لصناعة السيارات جنرال موتورز التي تبدوعلى وشك إعلان إفلاسها. ‏12‏/11‏/2008

إليك أيها القارئ الكريم ما كتبه عالم الإقتصاد جوزيف ستيغليتز، أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة كولومبيا، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، والذى اشترك مع السيدة ليندا بيلمز في تأليف كتابهما "حرب الثلاثة تريليونات دولار: التكاليف الحقيقية للصراع في العراق".

إن العالم يتجه بسرعة بالغة نحوتباطؤ عالمي شديد، الذي من المرجح أن يكون الأسوأ طيلة ربع قرن من الزمان، بل وربما منذ الأزمة الاقتصادية العظمى. الواقع أن هذه الأزمة "صنعت في أمريكا" على أكثر من نحو، فقد صدَّرت أمريكا رهنها العقاري السام إلى مختلف أنحاء العالم، في هيئة أوراق مالية مدعومة بالأصول. كما صدَّرت أمريكا فلسفة السوق الحرة التي ألغت التنظيمات، التي يعترف كاهنها الأكبر ألان جرينسبان الآن أنها كانت فلسفة غير سليمة. كما صدَّرت ثقافة عدم المسؤولية الشركاتية ـ خيارات الأسهم غير الواضحة، التي شجعت على انتشار الحيل المحاسبية التي لعبت دوراً مهماً في هذا الانهيار، تماماً كما حدث في فضيحتي إنرون وورلدكوم منذ بضعة أعوام، وأخيراً صدَّرت أمريكا انكماشها الاقتصادي.

أخيراً بدأت إدارة بوش في القيام بما حثها على القيام به كل خبراء الاقتصاد: ألا وهوأن تضخ المزيد من الأموال إلى السوق، ولكن كما هي الحال دوماً، تكمن كل المشكلات في التفاصيل، وربما نجح وزير خزانة الولايات المتحدة هنري بولسون في تقويض حتى هذه الفكرة الطيبة؛ يبدوأنه قد توصل إلى وسيلة لإعادة تمويل البنوك على نحوقد لا يسفر عن استئناف الإقراض، وهوما من شأنه أن يشكل نذير سوء بالنسبة للاقتصاد.

والأهم من كل ذلك أن الشروط التي حصل عليها بولسون لرؤوس الأموال المقدمة إلى البنوك الأمريكية كانت أسوأ كثيراً من تلك الشروط التي حصل عليها رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، بل أسوأ من الشروط التي حصل عليها وارين بوفيت لتزويد بنك جولدمان ساكس، وهوالبنك الاستثماري الأمريكي الأشد صحة، بمبالغ أقل كثيراً. وتبين أسعار الأسهم أن المستثمرين يعتقدون أنهم فازوا بصفقة جيدة حقاً.

من بين الأسباب التي تدعوإلى الانزعاج بشأن هذه الصفقة السيئة التي حصل عليها دافعوالضرائب الأمريكيون هوذلك الدين الوطني الضخم، فحتى قبل هذه الأزمة المالية كان من المنتظر أن يرتفع الدين الوطني الأمريكي من 5.7 تريليون دولار في 2001 إلى ما يزيد على تسعة تريليونات دولار هذا العام. ومن المتوقع أن يبلغ العجز هذا العام وحده نصف تريليون دولار؛ وسيكون العجز أضخم في العام المقبل، مع تفاقم حالة الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة. إن أمريكا تحتاج إلى حزمة ضخمة لتحفيز اقتصادها، ولكن المحافظين الماليين في وال ستريت (أجل، إنهم نفس الأشخاص الذين جلبوا علينا هذه الأزمة) سينادون الآن بجعل العجز أكثر اعتدالاً (وهوما يذكرنا بأندروميلون أثناء الأزمة الاقتصادية العظمى).

الآن انتشرت الأزمة كما كان متوقعاً إلى الأسواق الناشئة والبلدان الأقل نمواً. ورغم أن هذا قد يبدوعجيباً إلا أن أمريكا رغم كل مشكلاتها ما زالت تُـعَد المكان الأكثر أماناً لكل من يبحث عن مكان يستودعه أمواله. وهذا ليس بالأمر المدهش في اعتقادي، وذلك لأن ضمانة حكومة الولايات المتحدة تتمتع بقدر من المصداقية لا تتمتع به أي ضمانة في أي من بلدان العالم الثالث.

بينما تمتص أمريكا مدخرات العالم لمعالجة مشكلاتها، ومع ارتفاع علاوة التأمين ضد المخاطر، ومع هبوط الدخل العالمي، والتجارة العالمية، وأسعار السلع الأساسية، فستعيش البلدان النامية وقتاً عصيباً. بعض هذه البلدان ـ التي كانت تعاني عجزا تجاريا ضخما قبل أن تبدأ الأزمة، التي لديها ديون وطنية ضخمة لا بد من ترحيلها، وتلك التي تحتفظ بروابط وثيقة بالولايات المتحدة ـ من المرجح أن تعاني أكثر من غيرها. أما البلدان التي لم تحرر رؤوس أموالها وأسواقها المالية بالكامل، مثل الصين، فستكون شاكرة، لأنها لم تستجب لحث بولسون ووزارة الخزانة الأمريكية لها لكي تفعل ذلك.

العديد من البلدان لجأت بالفعل إلى صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة، ولكن المشكلة هنا أن صندوق النقد الدولي ـ في بعض الحالات على الأقل ـ سيعود إلى وصفاته الفاشلة القديمة: التي تتلخص في تبني سياسة مالية ونقدية انكماشية، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى تفاقم التفاوت العالمي. بينما تتبنى البلدان المتقدمة سياسات تسعى إلى تحقيق الاستقرار ومعادلة آثار الدورات الصاعدة والهابطة، فإن البلدان النامية ستضطر إلى تبني سياسات مزعزعة للاستقرار، فتصد رؤوس الأموال رغم حاجتها الشديدة إليها.

قبل عشر سنوات، أثناء الأزمة المالية التي ضربت آسيا، شهدنا قدراً كبيراً من المناقشات التي دارت حول الحاجة إلى إصلاح الهيكل المالي العالمي، ولكن لم يُـبذل من الجهد في هذا السياق سوى القليل ـ بل أقل القليل كما تبين لنا من الأزمة الحالية. في ذلك الوقت تصور الكثيرون أن مثل هذه النداءات النبيلة كانت مجرد محاولة متعمدة لإحباط الإصلاح الحقيقي، إذ إن أولئك الذين كان أداؤهم طيباً في ظل النظام القديم أدركوا أن الأزمة ستمر، وتمر معها أيضاً المطالبات بالإصلاح، والآن لا يسعنا أن نسمح بحدوث ذلك مرة أخرى.

ربما نمر الآن بلحظة تستدعي عقد مؤتمر ثانٍ على غرار مؤتمر بريتون وودز (الذي انعقد في أعقاب الحرب العالمية الثانية). وقد أقرت المؤسسات القديمة بالحاجة إلى الإصلاح، إلا أنها تتحرك بسرعة السلحفاة، فهي لم تحرك ساكناً لمنع الأزمة الحالية؛ هذا فضلاً عن المخاوف بشأن قدرتها على الاستجابة للأزمة الآن بعد أن ضربت ضربتها.

لقد تطلب الأمر مرور 15 عاماً واندلاع حرب عالمية قبل أن يقرر العالم أن يجتمع لمعالجة نقاط الضعف في النظام المالي العالمي التي أسهمت في إحداث الأزمة الاقتصادية العظمى. إننا نتمنى ألا يستغرق العالم المدة الطويلة نفسها هذه المرة، إذ إن تكاليف التقاعس عن العمل ستكون باهظة، نظراً لمستوى الارتباط العالمي المتبادل، ولكن في حين هيمنت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى على مؤتمر بريتون وودز القديم، فإن الساحة العالمية اليوم مختلفة إلى حد كبير. وعلى نحومماثل، فإن مؤسسات بريتون وودز القديمة كانت قائمة على مجموعة من المبادئ الاقتصادية التي ثبت فشلها اليوم، ليس فقط في البلدان النامية، بل حتى في قلب العالم الرأسمالي.

إن القمة العالمية المقبلة لا بد أن تواجه هذه الحقائق الجديدة، إذا كانت راغبة في التحرك على نحوفاعل، نحوتأسيس نظام مالي عالمي أكثر استقراراً وأقرب إلى العدالة.

أما داني رودريك - أستاذ الاقتصاد السياسي في كلية جون ف. كنيدي للعلوم الحكومية فكتب فى الفاننشال تايمز بتاريخ 14/11/1429هـ لوكان العالم عادلاً لكانت غالبية الأسواق الناشئة الآن تشاهد الأزمة المالية التي اجتاحت اقتصاد العالم المتقدم من الكواليس ـ بل ما كانت لتحضر العرض على الإطلاق أوتبالي به. ففي هذه المرة على الأقل لم تكن الشرارة التي أشعلت النار في الأسواق المالية راجعة إلى تجاوزاتها، بل إلى تجاوزات "وول ستريت".

كانت أوضاع الأسواق الناشئة على الصعيدين الخارجي والمالي أقوى من أي وقت مضى، وذلك بفضل الدروس الصعبة التي تعلمتها من تاريخها العامر بالأزمات. بل ربما كنا لنسمح لهذه البلدان بقدر من الشماتة بالمتاعب التي تواجهها الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغنية، تماماً كما قد نتوقع من الأطفال أن يشعروا بابتهاج خبيث حين يقع آباؤهم في ذلك النوع من المتاعب التي يحذرون أطفالهم منها أشد التحذير.

ولكن ما حدث في الواقع أن الأسواق الناشئة تعاني الآن هزات مالية ربما تكون ذات أبعاد تاريخية. ولم يعد أخشى ما تخشاه أن تعجز عن عزل نفسها، بل أن تنجر إلى أزمات أعمق كثيراً من تلك التي سوف يشهدها مركز انهيار سوق الرهن العقاري الثانوي.

كان من المفترض في بعض هذه البلدان أن تتحلى بقدر أعظم من الوعي، بل ربما كان بوسعها أن تحمي نفسها في وقت قصير. على سبيل المثال، لا عذر لأيسلندا التي حولت نفسها إلى صندوق وقاء يعتمد كل الاعتماد على الروافع المالية. وكانت بلدان أخرى في وسط وشرق أوروبا، مثل المجر، وأوكرانيا، ودول البلطيق، تعيش على حافة الهاوية، بسبب العجز الضخم في حساباتها الجارية والديون الضخمة التي تحملتها الشركات والأسر بالعملات الأجنبية. أما الأرجنتين، التي لعبت دور الصبي الشقي في النظام المالي الدولي، فلم تعجز قط عن الإتيان بحيلة جديدة لترويع المستثمرين ـ على سبيل المثال تأميم صناديق معاشات التقاعد الخاصة.بيد أن الأسواق المالية لم تميز إلا قليلاً بين هذه البلدان وغيرها من البلدان، مثل المكسيك، البرازيل، كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، التي كانت حتى أسابيع قليلة تبدونموذجاً للصحة المالية.

ولنتأمل هنا ما حدث لكوريا الجنوبية والبرازيل. لقد شهد كل من البلدين أزمة نقدية قبل وقت ليس بالبعيد ـ كوريا الجنوبية أثناء الفترة بين العامين 1997 و1998، ثم البرازيل في عام 1999 ـ وفي أعقاب هاتين الأزمتين اتخذ كل من البلدين الخطوات اللازمة لزيادة مرونته المالية. فخفضا من معدلات التضخم، وعوّما عملتيهما، وحققا فوائض خارجية، وقلصا العجز، وعملا في المقام الأول من الأهمية على تكديس تلال من الاحتياطيات الأجنبية (التي تتجاوز الآن ديونهما الخارجية قصيرة الأمد). ولقد كوفئت البرازيل منذ وقت قريب، في نيسان (أبريل) من هذا العام، على سلوكها المالي الطيب حين رفع مؤشر ستاندرد آند بورز تصنيفها الائتماني إلى درجة الاستثمار. (كان هذا نفس تصنيف كوريا الجنوبية لأعوام).

ومع ذلك فقد تعرض هذان البَلدان أخيرا لضربات قوية في الأسواق المالية. ففي غضون الشهرين الماضيين خسرت عملة كل منهما ما يقرب من ربع قيمتها في مقابل الدولار الأمريكي. وكان انحدار السوق المالية في كل منهما أعظم (40 في المائة في البرازيل و33 في المائة في كوريا الجنوبية). والمشكلة هنا أن العوامل الاقتصادية الأساسية تعجز كل العجز عن تفسير أي من هذا. فقد شهد البَلدان نمواً قوياً في الآونة الأخيرة. والبرازيل من البلدان المصدرة للسلع الأساسية، ولكن هذه ليست حال كوريا الجنوبية. وكوريا الجنوبية تعتمد إلى حد كبير على التصدير إلى البلدان المتقدمة، لكن البرازيل أقل منها كثيراً في الاعتماد على التصدير إلى البلدان المتقدمة.

إن هذين البلدين وغيرهما من البلدان ذات الأسواق الناشئة كانت ضحية اللجوء العقلاني إلى السلامة، ثم تفاقمت المشكلة بفعل ذعر غير عقلاني. إن الضمانات العامة التي كفلتها حكومات الدول الغنية لقطاعاتها المالية كانت سبباً في الكشف بقدر أعظم من الوضوح عن الخط الرفيع بين الأصول "الآمنة" والأصول "المحفوفة بالمخاطر"، وبالطبع كانت أصول الأسواق الناشئة من الفئة الأخيرة. وهنا نرى العوامل الاقتصادية الأساسية وقد خرجت من المعادلة مرة أخرى.

ولكي يزداد الطين بلة فقد حُـرِمَت الأسواق الناشئة من الأداة الوحيدة التي نجحت البلدان المتقدمة في توظيفها من أجل وقف الذعر المالي لديها: والتي تتلخص في الموارد المالية المحلية أوالسيولة المحلية. إن الأسواق الناشئة تحتاج إلى العملة الأجنبية، وبالتالي الدعم الخارجي.

إن التحركات اللازمة الآن واضحة كل الوضوح. فيتعين على صندوق النقد الدولي والبنوك المركزية في بلدان مجموعة الدول السبع القيام بدور الملاذ العالمي الأخير للإقراض وتوفير القدر الكافي من السيولة ـ على وجه السرعة وبأقل قدر من القيود ـ من أجل دعم عملات الأسواق الناشئة. إن حجم القروض اللازمة قد يصل إلى مئات المليارات من الدولارات، وقد يتجاوز كل ما قام به صندوق النقد الدولي حتى الآن. بيد أن الموارد متوافرة. وإذا لزم الأمر فيستطيع صندوق النقد الدولي أن يصدر حقوق سحب لتوليد السيولة العالمية المطلوبة. فضلاً عن ذلك فإن الصين، التي تملك ما يقرب من تريليوني دولار من الاحتياطيات الأجنبية، لابد أن تكون جزءاً من مهمة الإنقاذ هذه. إن ديناميكية الاقتصاد الصيني تعتمد إلى حد كبير على الصادرات، وهوالقطاع الذي سوف يعاني أشد المعاناة إذا ما انهارت الأسواق الناشئة. بل إن الصين في الواقع قد تكون الدولة الأكثر عُـرضة للمخاطر المترتبة على الانكماش الاقتصادي العالمي، وذلك بفضل احتياجها إلى معدلات نمومرتفعة لتغطية تكاليف السلام الاجتماعي.

إن المصلحة الذاتية المجردة لا بد أن تكون كافية لإقناع البلدان المتقدمة أيضاً بالمنطق نفسه. والحقيقة أن انهيار عملات الأسواق الناشئة، والضغوط التجارية الناتجة عن ذلك، سوف تزيد من شدة المصاعب التي ستواجهها في محاولاتها الرامية إلى منع مستويات البطالة من الارتفاع إلى حد هائل. وفي غياب ما يمنع الوضع المالي في البلدان الناشئة من المزيد من الانهيار، فقد لا يكون بوسعنا أن نستبعد السيناريوالمهول الذي يتلخص في انزلاقنا إلى حلقة مفرغة أشبه بتلك التي شهدها العالم في ثلاثينيات القرن العشرين.

لقد بادر صندوق النقد الدولي وبنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة إلى اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية، فأنشأ بنك الاحتياطي الفيدرالي تسهيلات مقايضة لصالح أربعة بلدان (كوريا الجنوبية، والبرازيل، والمكسيك، وسنغافورة) بقيمة 30 مليار دولار لكل منها، كما أعلن صندوق النقد الدولي عن تسهيلات جديدة سريعة التوزيع في الأمد القريب لعدد محدود من البلدان التي تتبنى سياسات طيبة. والسؤال الآن هوما إذا كانت هذه الخطوات كافية، وماذا سيحدث للبلدان التي لن تتمكن من الاستفادة من هذه البرامج.

إذن، فحين تلتقي بلدان مجموعة العشرين في واشنطن في الخامس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) في إطار قمتها الطارئة، لا بد أن يكون هذا هوجدول الأعمال الذي سيهيمن على مناقشات القمة. وسوف يكون الوقت متاحاً لمناقشة إمكانية عقد مؤتمر ثانٍ على غرار مؤتمر بريتون وودز (الذي انعقد في أعقاب الحرب العالمية الثانية) وإنشاء جهاز تنظيمي عالمي. إن الأولوية الأولى في الوقت الراهن تتلخص في إنقاذ الأسواق الناشئة من العواقب المترتبة على الحماقات التي ارتُـكِبَت في "وول ستريت". وأذكر المثقف العربي بجزء من مسرحية ما قال إنها الحرب ياسيدى فأجابه إنه الإقتصاد يا غبى. لا أحب التشاؤم ولكن التفاؤل هونوع من الكذب فى هذه الظروف والحق أحب من التفاؤل.

نحو فهم أفضل للمشكلة المالية العالمية الراهنة.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى