الثلاثاء ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم نضير الخزرجي

والبعض يؤصّل لشريعة الإرهاب!

هناك ملازمة حقيقية فعلية بين الأمن والرفاه، فلا رفاه اقتصادي بوجود الفوضى، ولا رفاه اجتماعي بغياب الأمن، ولا نشأة طبيعية مع حضور أدواة الرعب، فالحياة لا تسمى حياة إن لم يصاحبها الأمن كالظل من الإنسان، فهي أسم على مسمى، فإن غاب الأمن أصبحت الحياة جحيما لا يطاق، وإن عاث الفاسد في بلد قال الفقر أنا عضيدك، وقال الكفر خذني معك، وقال القهر أنا حليفك، وقال الظلم أنا خليلك، وقالت الفوضى أنا شعارك، وقال الخراب أنا دثارك، وقالت الحياة أنا طليقتك بالثلاث، ولا أمن ولا رفاه ولا سلام بعد طلاق الحياة، فالأمن من الحياة كالروح من الإنسان، وإن عاش المرء تحت وطأة القهر والإرعاب عاش ميت الروح، إلا أن ينتشل نفسه من مقبرة الحياة بالوقوف أمام جحفل الرعب بعزم ثابت أو الهجرة إلى بلد يجد فيه حياته وأمنه.

وناشر الرعب فردا كان أو جماعة، حاكما كان أو محكوما هو ناشر الموت، فالإرهاب يعادل من حيث المؤدى الموت الزؤام، ولا يقتصر الموت على ذهاب الروح، فالكلمة المرعبة موت، والفعل المرعب موت، والأداء المرعب موت، والنظرة المرعبة موت، وأفضع الإرهاب قتل النفس المحترمة، فهو موت الأمة وموت البشرية، من هنا كان ولازال: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا) المائدة: 32، ومن هناك كان القصاص من الجاني والمفسد والإرهابي حياة الأمة وحياة البشرية جمعاء: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 179،
ولما كان الظلم قائما وهو إرهاب وإرعاب كان النضال السياسي حاضرا، ولما كان الإحتلال يدوس بجزمته أرض الوطن وهو إرهاب وإرعاب كانت المقاومة المشروعة قائمة في ضمير الأمة، فليس النضال إرهابا ولا المقاومة إرعابا، ولكن أدواتها تحددها المصلحة العامة وتقودها قيادة شرعية، وإلا عمت الفوضى وصار القتل نضالاً والانتحار استشهاداً، وتفجير المفخخات في الأسواق جهاداً، وساد الرعب وغاب الأمن وتاهت الأمة بين ظالم حاكم وثوري يبحث عن نجاة من بين أنقاض الخراب وهو يحسب أنه يحسن صنعا، وخاب ما أتى به من الفساد تحت دعوى الجهاد، وتقلّت الأمة وانسلخ جلدها على صفيح مقاومة ساخنة لا يُعرف لها صدر رحيم ولا رأس حكيم!

فالرعب يقف بالضد من الأمن، والإرهاب عدو السلام، والإسلام هو السلام والسلام هو الإسلام وغيره عيال عليه، ومن يجنح إلى الإرهاب بالكلمة أو الرصاصة فهو عدو السلام والإسلام وإن انتسب إليه إسما ومارس طقوسه فعلا، وحلّق شاربا أو قصر ذيلا، أو لبس عمّة أو تمنطق سروالاً، ومعظم هؤلاء تدفعهم سياسات خارجية لا تريد للإسلام خيراً تتعب الأبدان وتخرّب البلدان.

فالإسلام شرعة ومنهاج، وحتى ندرك قيمة نور السلام ووخامة ظلام الإرهاب، يضع الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي في كتابه الجديد "شريعة الترهيب" النقاط على الحروف ويطلع القراء أناساً وحركات وحكومات على الخيط الأبيض من الخيط الأسود من ثنائية السلام والإرهاب، حتى لا تختلط الأمور ولا يؤخذ السلام بجريرة الإرهاب، ولا تتحول المقاومة المشروعة إلى إرهاب غاشم، ولا تصيّر الجريمة المنظمة إلى نضال مقنن، ولا يلبس الإنتحار لبوس الإستشهاد، فيخطأ الثوريُّ(!) بابَ الجنَّة.

والكتاب الذي صدر حديثا عن بيت العلم للنابهين ببيروت في 90 صفحة من القطع المتوسط قدَّم له وعلق عليه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري، هو واحد من سلسلة (الشريعة) يضع الفقيه الكرباسي في 146 مسألة شرعية معاصرة مائزا بين مفهومي الترهيب المفترض والإرهاب المفروض، ويحدد معالم السلام الذي يتبناه الإسلام لإعمار الأرض وإحياء النفوس وإدامة نمو الزرع والضرع، وكل ذي روح من إنسان وحيوان.
فهم خاطئ

وبأسلوب جامع مانع يرى الفقيه الكرباسي أن الناس وقعوا ضحية الخلط الفاحش بين معاني مفردة وأخرى، من حيث أن اللغة العربية لغة المشتقات والبلاغة والمجاز، فليست هناك مرادفات متطابقة المعنى مائة بالمائة، ولذلك فمن الخطأ الفاحش تطبيق مفردة على مصداق غير مصداقها، ولذا يقع التحذير من جانب المؤلف: "من الخلط بين استخدام الإرهاب وبين استخدام الترهيب والرهبة التي وردت في القرآن الكريم، كما نرفض تفسير مفرداتنا العربية ومصطلحاتنا الإسلامية من قبل أناس أجانب عن لغتنا وعقيدتنا".
وبعد أن يستعرض الآيات التي ورد فيها جذر "رهب" ومشتقاته، يرى أنها تدخل في عائلة المفردات التالية:

الخوف: هو مجرد الإحساس بالخطر واحتمال وقوعه وربما لا يتحقق، ويتعلق بالأفعال دون الأشخاص، ويقابله الرجاء.

الفزع: هو أشد من الخوف، إذ ربما يرافقه إمارات قريبة على وقوعه شيء مهول، ويقابله الأمان.

الخشية: هو الخوف من نتائج عمل مع الخشوع لعظمة من بيده القدرة، ويقابله الطمأنينة.

الوجل: هو الخوف من القلق، وهو حالة نفسية ولا تكون له ظاهرة إلا عدم الإستقرار، وهو الآخر تقابله الطمأنينة.

الهول: هو شدة الفزع، بمعنى أنه يعظم عليه الأمر فيزداد غمّه.

الروع: هو الاضطراب مع الخوف بل مع الفزع، ويقابله الاستقرار بالاطمئنان.

الرعب: حالة تتولد من شدة الخوف.

الذعر: هو خوف ترافقه الدهشة، وتظهر على الإنسان علامات الدهشة والخوف معا.

الحذر: هو التوقّي عما يخفيه.

الرهبة: وتبطن الرهبة أمورا عدة، منها العلم بوقوع ما يرهبه الإنسان، وتلمس ما سيقع، واندهاش بخوف مميّز، ولذلك دعا القرآن المسلمين إلى أخذ الحيطة وأن يكونوا على استعداد دائم لأي خطر داهم: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ..) الأنفال: 60.

فإعداد العدة لا يراد منه بث الرعب في الآخرين، لأن الإسلام دين السلام، وهو يريد حياة الإنسان لا موته، وبتقدير الدكتور الكرباسي إنما: "جاءت كلمة الترهيب لحفظ التوازن، ولخلق مسألة معادلة الرعب، فالعدو إذا علم بقوتك لا يهاجمك ولا يباغتك للقضاء عليك بل دائما ينظر إليك بالعظمة والقدرة والقوة فيضع نصب عينيه نتائج ذلك"، من هنا فإن الرفض قائم على عدم قبول ما يصدره لنا الآخر من مفهوم خاطئ لمعنى الترهيب في الآية الشريفة، فالتسلح من أجل موازنة قوة الآخر الظاهر منه والخفي حق، فالإسلام مسالم بطبعه ويرفض ظلم الآخر تحت دعوى الجهاد والنضال وفي الوقت نفسه لا يرضى وقوع الظلم عليه.
خوارج جدد!

من الخطأ الفاحش معادلة الإنتحار بالإستشهاد بزعم النضال والمقاومة، وكما يؤكد الفقيه الكرباسي إن: "وصف المقتول بالعمليات الإنتحارية بالشهيد لا يجوز، إلا إذا كان بإذن حاكم الشرع في حالات خاصة"، ويعلق الفقيه الغديري على المسألة متسائلا باستغراب: "لا أدري كيف يأذن الشرع بالإنتحار، أو كيف تُسمى العملية الإنتحارية بالإستشهادية؟ حاشاه من ذلك، فالإنتحار حرام من دون اسثناء فيه، فالعامل به عاص ومجرم، ومتجرّئ على مولاه".

أما ما يقع من تفجيرات هنا وهناك، فلا شك أنه إرهاب، ولكن نسبته إلى الإسلام فيه مغالطة كبيرة ذلك أن الإرهاب مادة مستوردة إلى الدائرة الإسلامية الحقّة، ثم إن: "فكرة ما يسمى بالإرهاب بهذا الشكل جاءت من حضارات غير إسلامية ولم نجد في تاريخ الإسلام مثيلا لها، فالتفجيرات وضرب المصالح العامة بدأت من حركات غير إسلامية" وعليه يضيف الفقيه الكرباسي: "إن أي مسلم يقوم بمثل هذه الأعمال إن كانت عن جهل وإغراء فحاله معلوم ويجب تعديله وإقامته، وإن كان عن سابق إصرار فهو خارج عن الدين، وإذا ما حمل فكراً إرهابيا فإن كتلته تعد مارقة عن الدين أيضا، وهم خوارج العصر الحديث".

أما تفسير آيات القرآن التي ورد فيها القتال والجهاد فأمرها موكول إلى الفقهاء العدول وولاة الأمر من الراسخين في العلم، لا إلى العيال على الفقه الإسلامي والفقراء لمائدته الثرّة التي يراد لها أن تكون نهبا لقطاع الدين من الشباب المتلفع بخرق بيضاء وسوداء أو ممن شاب على فهم خاطئ للدين فيفتي بغير ما أنزل الله ومخالف للفطرة الإنسانية فيفسّق هذا ويكفّر ذاك، فالآخر يقف من الإسلام موقفا معاديا استعمر من قبل بلدان المسلمين واليوم يضرب الإسلام بأيد مسلمة.

كما من كبير الخطأ الوقوع تحت تأثير إعلام الذي ينسب الإرهاب إلى الإسلام لفهم خاطئ لآيات القرآن الكريم جهلاً أو تعمداً، لأن لدى الآخر من الآيات في كتبهم المقدسة ما يدل غلظة وبشاعة وفضاعة، على أن كتب الآخر بنظر القرآن وقع فيها التحريف، ولاشك أن العنف من قتل الأطفال والنساء وقتل الأسير وتعقب الجريح وقلع الأشجار وحرق المنازل الوارد في كتب الآخر هو من هذا التحريف لأن رسالة أديان السماء واحدة وهي السماحة والسلام والعفو عند المقدرة، ولذلك يرى الفقيه الكرباسي أنه: "لا يجوز نسبة عمل قامت به جماعة كلهم أو جلّهم من المسلمين إلى الإسلام، كما لا يجوز نسبة ذلك إلى الأديان الأخرى".
كلهم آمنون

عندما يصار تقنين البنود الفقهية التي تحمي الإنسان وتحجره عن الوقوع تحت عجلة الإرهاب، فلا يراد منها الإنسان المسلم السوي فحسب، فكل دابة تمشي على وجه البسيطة داخلة في نطاق الأمن والأمان، إذ: "لا يجوز إخافة الناس بأي شكل من الأشكال"، كما أنه: "لا يجوز الترهيب من قبل الدولة ولا من قبل الأفراد لأي كان، مسلما كان أو ذميّا أو غير ذلك"، بل في المجالات الإنسانية: "يجوز مساعدة غير المسلمين، بل يستحب ذلك، ويجب إنقاذ الروح الإنسانية وإن لم تكن مسلمة"، وحسب فهم المعلق الشيخ الغديري: "تأليفا لقلوبهم وتقريبا لأنفسهم إلى الدين الحنيف، وكذلك لعموم الأدلة في المسألة وإطلاقها مضافا إلى حكم العقل السليم والفطرة الإنسانية".

وفي هذا الإطار كما يؤكد الفقيه الكرباسي: "لا يجوز الخطف، مسلما كان المخطوف أو غير مسلم"، وبتقدير المعلق: "لما فيه من هتك الحرمة وسلب الحقوق والحريات، مضافا إلى الإيذاء المحرّم"، ولهذا يرى الفقيه الكرباسي أنه: "يتحمل الخاطف تبعات خطفه من الترويع والخسائر المالية جرّاء توقف المخطوف عن العمل وأقل ضمانة ثمن المثل"، وتكثر حالات الخطف في البلدان التي يغيب عنها أو يضعف فيها القانون، فالخطف محرم للمسلم وغير المسلم، ولا يمكن تسويغه لغير المسلم كما يفعل البعض ممن استقل قطار الجهاد في الإتجاه المعاكس.

ولا تقتصر حرمة الترهيب على الإنسان المسلم وغير المسلم، بل تتعداه إلى دائرة الحيوان، إذ لا يصح إيذاء عموم الحيوان، بل كما يقرر الكرباسي: "يحرّم ذبح الحيوان دون دليل، كما يحرّم إيذاء الحيوان بأي شكل من الأشكال:، بل إن الحيوان الذي حلل الله للإنسان أكله، طلب منه الرأفة به عند الذبح، ولذلك يضيف الفقيه الكرباسي: "يكره ذبح الحيوان قبل أن يُسقى ماءاً. ولا يجوز ذبح الحيوان بالسكين غير الحاد تجنباً لإيذاء الحيوان. ويُكره إراءة السكين للحيوان قبل ذبحه. ويُكره سلخ جلد الحيوان قبل أن يخرج تمام روحه من بدنه. ويُكره ذبح حيوان مقابل حيوان آخر. ويُكره للإنسان ذبح الحيوان الذي ربّاه بيديه. ويحرّم استخدام الحيوانات في الألعاب التي توجب إيذاء الحيوان إيذاءاً بالغاً؟

إذا كانت مثل هذه المحظورات والمحاذير حاضرة في التعامل مع الحيوان غير العاقل الذي أحل الله لعباده تناول لحمه هنيئا مريئا، فكيف أجاز البعض لنفسه ذبح الإنسان بدماء باردة وبث حفلة الذبح الشيطانية بالصورة والصوت للملأ عبر الشبكة العنكبوتية تحت يافطة الجهاد المقدس ومقاومة الإحتلال وعملائه(!)

تساؤل عريض بعرض السماوات والأرض التي تهتز لقطرة دم تراق ظلما!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى