الثلاثاء ١١ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣

وثائق تاريخية ودلالة على الذائقة الفنية

زينب علي البحراني

ليسَ غريبًا على حضارةٍ ازدهرَت قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام أن تمتاز بنهضةٍ معرفية وثقافية تعكس الاستقرار المُجتمعي والرخاء الاقتصادي والثراء الفكري الذي كانت تعيشه، لذا لا عجَبَ أن تكون التركات الأثرية لحضارة أرض "دِلمون" التي قامت في جزيرة البحرين وشرق الجزيرة العربية وعرفها السومريون بـ "أرض الخلود" مُعبِّرةً عن أوجه نشاطات الفكر الإنساني الدلموني، ووسيلة للإفصاح عن مشاعره وعاداته، ولعل من أبرز تلك التركات التاريخية الثمينة "الأختام الدِلمونية" التي تحدث عنها الباحث البحريني/ محمود عبدالصاحب البقلاوة في كتابه: (الأختام.. رائعة الثقافة الدِلمونية)، ليكون هذا الكِتاب مُرشِدًا للقارئ المُهتم بتلك الحضارة، يُعرَّفه بأسباب ووقت ظهور تلك الأختام، ويشرح أهميتها ويصف بعض أنواعها.

*متى ولماذا ظهرَت الأختام؟

يذكر الكتاب أن ظهور الأختام الدلمونية الدائرية بدأ في حُقبة دِلمون المُبكرة 2550ق.م، "لتُميِّز حضارة إقليم أرض دِلمون عن غيرها من الحضارات القريبة في بلاد وادي الرافدين وفارس وأرض بلاد السند.. صـ 41"، وتكون إحدى علامات الازدهار الاقتصادي وتقدم الأنظمة المُجتمعيَّة في في تلك البقعة من الأرض، وأثرًا يقود الباحثين إلى معرفة كيف يُفكر هذا الشعب عن طريق تحليل رموز الأختام التي نقش عليها مُعتقداته التعبُّدية والمُجتمعيَّة، فهناك رموز يُعتبر ابناء تلك الثقافة أول من وضعها وصوَّرها لتتحول إلى مدلولات خاصة بهم، ثم تعيش بنفس الرسم والصورة لمدلولات أخرى وأفكار غيَّرتها السنين المُتلاحقة، لكن تبقى براعة الاختراع دِلموني لهذا العمل الفني.. صـ25".

لقد دلَّت الأختام المُكتَشَفة على الذائقة الفنية والجمالية للمُجتمع الدِلموني، وحِرفيَّة الفنان الذي مزج بفنِّه مُعتقدات المعبد مع فكر المُجتمع بأسلوب يؤكد خبرة ومهارة هذا الفنان الذي اتبع تقنيات نحت وحفر دقيقة لإنجاز "مشاهِد تفصيلية وتجريدية في مساحة مُحددة دون استخدام عدسة مُكبرة وباستخدام أدوات غاية في البدائيَّة من عظام الحيوانات والمعادن كالنحاس والبرونز.. صـ47".

*أهمية الأختام الدلمونية

يُشير الباحث في كتابه إلى أن أهمية الأختام تتجلى في كونها وثائق تُعلن عن حُقب دِلمون الثلاث، وتُعرِّف بشخوص من تلك المرحلة الزمنية، وآلهتها المعبودة، ومعابدها، ومراكزها المُجتمعيَّة، وتُمثل دلالة اللغة المكتوبة عليها قراءة إعلامية للمشاهِد، لقد كانت "من المُقتنيات الشخصية المُلازمة لمُعظم أفراد المُجتمع؛ حيث تُثقب هذه الأختام طوليًا ثُقبًا يسمح بتمرير خيط لإمكانية تعليقه حول الرقبة أو المعصم لاستخدامه بمثابة التوقيع الشخصي وفي تأكيد الحقوق الشخصية عند اجراء المُعاملات.. صـ45"، كما تُستخدم في "الحفاظ على جودة المُنتج ومعرفة مصدره وتصديره..صـ45".

*أبرز الأختام الدلمونية:

(أختام شعار الشمس) باعتبار الشمس إلهة يستمد منها الطاقة والضوء، (أختام النخلة) التي تحظى بمكانة مُقدسة لكونها مصدر الثروة ومركز الارتباط بالأرض والتجذر فيها، (أختام الغزال) التي دلت على انتشار الغزلان في تلك المنطقة خلال تلك المرحلة الزمنية، (أختام المعبد) تم اكتشافها في مجمع معابد "باربار" الأثرية، وتبرز عليها صورة باب المعبد وبداخله شخص في حالة تعبُّد، (أختام القيثارة الدِلمونية) التي تُبرز آلة وترية موسيقية كان يتم العزف عليها خلال التراتيل الدينية في معابد "بار بار" الأثرية.. صـ32-33.

امتاز هذا الكتاب بمحاولته الجادة لأن يكون قبسًا مُضيئًا يُنير إحدى زوايا المعرفة في ذهن القارئ لا سيما غير المُتخصص بعلم الآثار، فاللغة سهلةٌ تتجنب التعقيد، والحرص على تقديم المعلومة الوافية بأبسط الطرق واضح، مع حرصٍ على استقاء المعلومة من مصادرها الموثوقة التي منها ستة مصادر عربية، وستة مصادر أخرى أجنبية، مع دعم الصفحات بالصور التوضيحية التي تُقرَّب بعض المعلومات المكتوبة لذهن القارئ.

زينب علي البحراني

مشاركة منتدى

  • اتقدم بالشكر والتقدير الجزيل للكاتبه

    محمود

  • رغم صغر الجزر المتناثرة المسماة بالبحرين و التي تقطعت وتناثرت في البحر جراء الزلازل التي قطعت البحرين الواحدة و التي كانت تسمى حينا اوال و تايلوس و ديلمون و ارادوس و غير ذلك من الاسماء التي اندثرت و نسي التأريخ بعض من اسمائها التي كانت محط اهتمام الانسان القديم الذي كان يبحث عن الخلود فقيل له ان مياه الخلود او مياه الحياة لا توجد الا بأرض واحدة على هذا الكوكب انها بلد يقع بين بحرين اسمها جنة الفردوس وهذا الاسم من الاسماء التي اندثرت وقليل ما تذكر في الكتب علما انها من اقدم و اقدس الاماكن التي حاولت حضارات ما بين النهرين سواء في الحقبة الاشورية او البابلية و الفينقية و غيرهن ما قبل و ما بعد هذه الحضارات سعت الى اكتشاف ماء الحياة ولعل رحلة ذو القرنين لذلك النهر بدأ من جزر البحرين لذا كانت هذه الارض مقصدا لتلك الحضارات وكانت مدينة جدحفص التي كانت تحتوي مياه عذبة غريبة تنبع حتى داخل اعماق البحر وفي السواحل وفوق رمال الشطآن وكان يطلق عليها بالكواكب البساتين وحتى الهضاب و التلال كانت تلك المنابع الجوفية تسقي الناس بأكسير الحياة الذي كا يعتقده الانسان أنذاك بمياه البقاء الأبدي لذا قلدت جدحفص دون غيرها بمفتاح الحضارة الدلمونية مازال باقيا الى يومنا في متحف البحرين و الذي اكتشفه ضابط الانجليز في حقبة الاستعمار البريطاني للبحرين في مدرسة الشيخ داوود وسط مدينة جدحفص كل ذلك ينم عن مدى اهمية البحرين في العقل البشري في جميع الحضارات التي سادت الكوكب . ابو شرف فيصل شرف.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى