وثيقة ووَثاق
أُريدُ التَّحَرُّرَ مِنيِّ ..
ومِنكِ
ومِن كُلِّ شَيءٍ سِوَانا
أرِيدُ التَّحَرُّرَ مِن ذِكرَيَاتِي
ومِن هَذَيَانِي
فَأَصنَعُ لِي عَالَمًا مُستَقِلًّا
يُخَالِفُ كُلَّ تَقَالِيدِ عَالَمِنَا الهَمَجِيّْ.
أُرِيدُ انْتِصارًا
أُحَقِّقُهُ بِالجَمَالِ عَلَى القُبحِ،
بِالنُّورِ أَرسمُهُ فَوقَ صَفحَةِ هذا الظَّلامِ العَتِيّْ.
أُرِيدُ الرُّجُوعَ لِيَومِ وُلِدتُ
ويَومِ رَضَعتُ البَرَاءَةَ مِن ثَديِ أُمِّي
وأَدَّبَنِي _ إِذ كَبُرتُ قَلِيلًا _ أَبِي
قَالَ لِي:
صَوبَ كُتّابِ شَيْخِكَ هَيَّا،
ولا تَتَبَرَّمْ .
وأَنصِتْ لِمَا سَيَقُولُ المُعَلِّم
فَإِنِّي أُرِيدُكَ مُختَلِفًا عَن بَرَاعِمِ جِيلِكَ،
نَابِغَةً يَا صَبِيّْ
رَأَيتُ خَيَاليَ مُنشَطِرًا
بَينَ أَمسِي ويَومِي
سَأَلتُ الَّذِي سَار خَلفِي فَأَنْكَرَنِي ثُمَّ وَلَّى
وقَالَ الَّذِي فِي الأَمَامِ بِغَيظٍ:
إِلَيكَ أَيَا ابْنَ الأَسَاطِيرِ عَنِّي
فَإِنِّي بَنَيْتُ المَدِينَةَ،
سَوَّرتُهَا بِالخَيَالِ الخَصِيبْ .
جَعَلتُ عَلَى كُلِّ أَبوَابِهَا حَرَسًا مِنْ لَهِيبْ.
فَلَن تَستَطِيعَ الدُّخُولَ،
ولَن تَستَطِيعَ الهُرُوبْ.
إِلَى البَحرِ حَيثُ صَدِيقِي القَدِيمْ
وحَيثُ حَسِبتُ عَلَى شَطِّهِ اللؤلؤيِّ النَّعِيمَ المُقِيم.
وفِي عُمقِهِ سَوفَ أُلقِي الَّذِي قَد حَمَلْتُ ..
مِنَ الحُزنِ طِيلَةَ سِتِّينَ بَحرًا وفَاصِلَتَيْنِ ..
فَكشَّرَ لِي ،
كَيفَ لَم أتَوَقَّعْ ؟
وكَيفَ تَبَرَّأَ مِنِّي
وأَسلَمَ أَموَاجَهُ لِلرِّيَاح .
إِلَى النَّهرِ يَمَّمتُ وَجهِيَ حَتَّى أَبُوح .
وَجَدتُ المَلَايِينَ مِثلِي يَلُوكُونَ قَاتَ الكَلَامْ.
فَمِن قَانِطٍ خَاصَمَتْهُ الحَيَاهْ ،
إِلَى جَائِعٍ كَادَ يُفنِيه _ فِي لَحظَتَيْنِ _ طِواهْ.
ومِن عَاشِقٍ فِي دُرُوبِ الصَّبَابَةِ ضَلَّت خُطَاهْ
إِلَى مُعجَبٍ جَاءَ يُبصِرُ " نَرسِيسَ "
فِي المَاءِ قَبلَ الغُرُوبْ.
وَقَفتُ لِأَسألَ ذَاكَ الخِضَمَّ المَهِيبْ
و أَكتُبَ مَا سَوفَ يُملِي عَلَيّْ ..
فَأَعرَضَ عَنِّي .
وأَسلَم أَقدَامَهُ لِلفِرارْ ..
لِيَترُكُنِي مِثلَهُم تَائِهًا فِي المَدَارْ؟
أُرِيدُ الكَثِيرَ الكَثِيرْ.
أُرِيدُ لِعَالَمِنَا أَنْ يَعِيشَ بِغَيرِ دَمَارْ .
بِغَيرِ حُرُوبٍ رَحَاهَا تَدُورْ.
لِتَقتُلَ فِي الأَرضِ بَسمَةَ طِفلٍ صَغِيرْ،
وفِي الأُفْقِ شَدوَ الطُّيُورْ.
وتَطحَنَ فِي حَقلِنَا سُنبُلاتٍ تَمُدُّ الجُذُورْ
فَتَرفَعُ هَامَاتِهَا للسَّماءِ
كَأَنِّي بِهَا تَستَجِيرُ بِخَالِقِ هَذَا الوُجُودِ
لكَيمَا يَعُمُّ السَّلامْ .
ويَسقُطُ هَذَا الظَّلامُ الرَّهِيبُ
بِجُبٍّ عَمِيقِ القَرَارْ .
أَرَدتُ وَثِيقَةَ حُرِّيَتِي مِنكِ ..
لَكِنَّنِي لَم أَجِدْ لِي مَلاذًا
سِوَى بَيْتِكِ المَرمَريِّ الَّذِي قَد بَنَيْنَاهُ ..
يَفتَحُ كُلَّ نَوافِذَهُ لِلهَواءِ ، لِنُورِ الشُّمُوسِ،
وأَبوَابَهُ لِلمَسَاكِينَ، لِلفُقَراءِ،
ولِلشُّعَراءْ .
فَعُدتُ إِلَيْكِ،
و أَلقَيْتُ رَأسِي عَلَى سَاعِدَيْكِ،
فَضُمِّي إِليْكِ شَتَاتِي
وشُدِّي الوَثَاقْ.