الخميس ٢٥ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم شاكر فريد حسن

وردة لعيني أمي

هذا السؤال يبدو غريباً ولا يزال يراودني بعد مرور (4) سنوات على رحيلها المفاجئ، وأنا الذي ودعتها الوداع الأخير وطبعت على جبينها القبلة الأخيرة وسرت وراء نعشها وواريتها الثرى المقدس..

فيا أيتها الشمس الساطعة في ظهيرة قلبي: لماذا رحلت وتركتني وحيداً كحجر الرحى مكسوراً؟! 

أن ما يحز في النفس والروح يا أمي أن تكوني ذكريات عبرت فوق آهات الزمن.. أبكي، فمهما بكيت وسكبت من دموع فوق وجنتي فالدموع لا تنفع. 

أصرخ وأندب، ومهما صرخت وحملت الرياح والعواصف أنيني وصراخي فالصراخ لا يجدي. 

من يصدق بأنني لن أراك بعد ؟ومن يجرؤ على البوح بأنك لن تزورني ولن تطرقي باب داري؟ أيعقل أن لا أراك ولا ألثم يديك ولا أقبّل فاك ووجنتيك ولا أسمع صوتك؟ 

أبحث عنك كل يوم في كل ركن وزاوية، في الجداول والبساتين، في أروقة الحزن والفرح، وفي رحيق الفل والحبق والزعتر..فهل ذبت كقطر الملح في قاع البحر؟! 

بلى يا أماه فقد طواك الموت وأنت الآن في غفوتك الأزلية، لكنك أمام ناظري تجلسين وأحدّثك عن همومي وآلامي وأحلامي وكل ما يدور بخلدي. 

فقد ناح الشعر وانتحب حين رحلت يا امي، وبكاك القلم والنغم، وبكاك القلب المجروح الباكي الذي فاض من حرقة اللوعة والأسى، واكفهرت السماء، وما عادت الحياة بدونك حياة، بل غدت بدون طعم ومعنى. 

أشتاق إليك، أفكر فيك، أصرخ، أصارع الوجع وأتساءل بحرقة: أين أنت يا من كنت سلواي وأنيسي فرحلت إلى مرقدك الأخير؟ 

كم سهرت الليالي في سقمي يا أمي راكعة حول سريري تسألين الكواكب والنجوم وتنادين القمر بأن يكون الطبيب المداوي والبلسم الشافي؟ 

كنت يا أمي فلسطينية الملامح،كنعانية الهوية، في عينيك عمق الجرح، وفي تجاعيد وجهك عذاب شعب مقهور، وعلى جديلتك المخضبة بالحناء تاريخ وطني ناصع. 

كنت أماً فريدة، تقية، طيبة القلب، عزيزة النفس،رهيفة الإحساس، لا تعرفين التملق ولا الرياء. وكنت رمزاً ومثالاً للتواضع والأصالة والاستقامة والصلابة والعزة والكرامة، انحزت إلى الحياة وامتطيت البحر لاجتراح أجمل الشواطئ، وكنت ملهمتي ومدرستي. 

من حليب ثدييك تجرعت القيم والأخلاق العليا والمبادئ الرفيعة، وعلى يديك تربيت على المروءة والشهامة والصدق الإنساني، وعلى حب الأرض، والانتماء لفقراء وجياع الوطن ومعذبي الكون!! 

اماه!!!إنني أكتب إليك بروحي، بدمي، بآهاتي، بأحاسيسي، بأشواقي وبكل خلجة من خلجاتي. فكلماتك وبصماتك مطبوعة في نفسي وروحي، وستظلين حاضرة في الوجدان كأجمل ذكرى مع إطلالة كل فجر، وستبقى هذه الذكرى تتلظى في جلجلان قلبي إلى أن يلفني النعش في أعماق التراب. 

فنامي يا أمي هادئة مطمئنة، وطيب اللـه ثراك وعطرك بالمسك والعنبر، وسلام لك ولكل الذين غادروا الحياة من بين ظهرانينا، وما أكثرهم. وكل عام وأنت أمي، وألف وردة لعينيك، وباقة نرجس على ضريحك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى