الأربعاء ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

وفاء مراس والتمثيل المسرحي الأمازيغي بمنطقة الريف

تمهيـــــد:

تعد وفاء مراس من أهم الممثلات القديرات في مجال المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف بالمغرب الأقصى إلى جانب لويزا بوستاش وسميرة المصلوحي وماجدة بناني وفاطمة معوش وجيهان أقوضاض...

وتتميز وفاء مراس عن باقي الممثلات الأخريات بتعاطيها للتمثيل المسرحي والغناء والموسيقا والرقص الكوليغرافي والتجسيد التعبيري، بله عن تعدد مواهبها التي تتعدى المجال المسرحي إلى مجال السينما وإنتاج الأشرطة الموسيقية. وتتميز وفاء مراس كذلك بالحيوية الكبيرة والنشاط في العمل والفعالية الفنية، ولا تعرف الكسل أو التهاون أو التراخي في عملها، لذا فهي حاضرة في الساحة الثقافية في مدينة الناظور، وتنتقي الأعمال المسرحية الجادة التي توصلها إلى المجد والسمو الفني وتضعها في مكانة محترمة لدى جمهورها الكريم. إذا۫، من هي وفاء مراس؟ وماهي الأعمال المسرحية التي أنجزتها داخل الوطن وخارجه؟ هذا ما سنوضحه في هذه الدراسة الأدبية والنقدية المتواضعة.

1- من هي وفاء مراس؟

ولدت وفاء مراس الملقبة بـــ "ثاميري/العاشقة" في أسرة ريفية أمازيغية محافظة بمدينة الناظور، حيث درست فيها الابتدائي والإعدادي والثانوي وبالضبط في ثانوية عبد الكريم الخطابي التي تخرجت منها بشهادة البكالوريا. وبعد ذلك، اختارت ميدان التدريس لتكون قريبة من المسرح والأنشطة الفنية والثقافية.

هذا، وقد تأثرت وفاء مراس بالفنانة المصرية سعاد حسني، إذ هي التي دفعتها إلى حب المسرح والرقص والتمثيل الدرامي والسينمائي.

وإذا كانت أسرتها قد سمحت لها بممارسة المسرح، بيد أنها منعتها من تعاطي الغناء، لما لهذا الأخير من مكانة قدحية في الوسط الريفي، حيث كان المغني يلقب بأمذياز أو ثامذيازت، لذا منعت الأسرة بشكل قطعي وفاء من المشاركة في برنامج نجوم الغد احتراما لعادات وتقاليد المجتمع الأمازيغي بمنطقة الريف المحافظة.

وقد كان للمخرجين: فخر الدين العمراني وفاروق أزنابط تأثير كبير على الممثلة وفاء مراس عن طريق التكوين والتأطير والتوجيه والإرشاد إلى أن أصبحت ممثلة محترمة، لها وجودها المتميز في ساحة التمثيل والتشخيص الركحي والسينمائي.

وعندما كانت وفاء مراس طالبة بثانوية عبد الكريم الخطابي، توجهت بثقلها الفني إلى ورشة المسرح المدرسي التي كان يؤطرها الأستاذ فخر الدين العمراني داخل الثانوية. وقامت وفاء في هذه المرحلة الثانوية بأداء أدوار مسرحية لفتت إليها الأنظار ومهدت لهذه الفنانة المبدعة لتكون ممثلة المستقبل في منطقة الريف بكل جدارة واستحقاق.

وبعد ذلك، انخرطت وفاء مراس في فرقة "أپوليوس" بمدينة الناظور لتستفيد من ورشات التكوين والتأطير وتتعلم حرفة التمثيل عن عمق ودراية، لتنتقل بعد ذلك إلى فرقة " أسام " للمسرح التي كان يشرف عليها فاروق أزنابط.

وعندما تم تعيينها مدرسة في مجموعة من المدارس الابتدائية بالجهة الشرقية من المغرب، كرست معظم أوقاتها للفن الدرامي والمسرح المدرسي، وأدخلت إلى فضاء المؤسسة التربوية أنشطة الفن الركحي ومسرح الطفل، وشاركت في المهرجان الإقليمي للمسرح المدرسي بتاوريرت.

ومع انتقالها من مدينة وجدة إلى الناظور، كونت وفاء مراس فرقة مسرحية بمدرسة ابن باجة الابتدائية ودربتها أحسن تدريب، مما أهلها لتشارك بمسرحية ضمن مهرجان حركة الطفولة الشعبية بالمدينة، وأحرزت على جائزة المبادرة التربوية، وعلى الرتبة الثانية على المستوى الجهوي بوجدة.

كما كونت في نفس المدرسة لوحة فلكلورية شاركت في حفلة نهاية السنة الدراسية ولقيت استحسانا كبيرا، أهلها للمشاركة في حفلة أكاديمية وجدة التي لقيت بدورها تنويها من قبل الجمهور الحاضر. وهذا النجاح الكبير هو الذي سيدفع وفاء مراس لتستدعى في الكثير من المناسبات الفنية والثقافية، وآخرها المعرض الدولي للتربية والمهن الذي احتضنته الدار البيضاء، دون أن ننسى أن وفاء مراس قامت بتأليف مجموعة من المسرحيات للأطفال كمسرحية" ارحم ترحم"، والتي حصلت على جائزة أحسن نص مسرحي من قبل جمعية في منطقة العيون الشرقية.

وعلى أي حال، فقد قامت وفاء مراس بمجهودات كبيرة في مجال المسرح بصفة عامة، والمسرح المدرسي بصفة خاصة، علاوة على ماتقدمه إلى حد الآن من أنشطة تكوينية في مجال تأهيل الأطفال فنيا وتنشيطيا، وتدريبهم على تقنيات التمثيل وآليات التشخيص والكوليغرافيا الدرامية.

2- وفاء مراس والتمثيل المسرحي:

أ‌- مسرحية " أرياز ن- وارغ (النسخة الأولى):

عرضت مسرحية" أرياز ن- وارغ/ رجل من ذهب" داخل الوطن وخارجه (هولندة)، وهي من تأليف أحمد زاهد وإخراج الأستاذ فخر الدين العمراني. وقد قدمت المسرحية في إطار جمعية أبوليوس التي تأسست سنة 1998م من قبل الحسن العباس وفخر الدين العمراني والطيب المعاش ووفاء مراس وجيهان أقوضاض وعبد السلام بوكلاطة وسعيد المرسي ونسيم الماحي...

ومن أهم الممثلين الذين شاركوا في المسرحية مع المخرج فخر الدين العمراني نذكر: الحسن العباس ولويزة بوسطاش ونسيم الماحي وجيهان أقوضاض والطيب المعاش ووفاء مراس وسعيد المرسي.

وتشخص هذه المسرحية المقاومة الأمازيغية بمنطقة الريف إبان ثورة عبد الكريم الخطابي في صراعه الملحمي ضد التواجد الإسپاني على أراضي المغرب في الشمال الشرقي والغربي. لكن المسرحية تصور نموذجين متقابلين: نموذج المجاهد المقاوم في شخصية " عمرو" الذي كان يقدم مساعدات لوجيستيكية للمجاهدين ويساعدهم بالأسلحة، وقد حول منزله إلى مخبإ للمجاهدين الأوفياء. بينما النموذج المقابل، يتمثل في خونة المقاومة الريفية التي يمثلها كل من بويوزان وأقرقاش.

هذا، وقد شخصت وفاء مراس في هذه المسرحية دور "خدوج" زوجة المناضل الشجاع، وكان دورها يجمع بين الشجن والفرح، وبين الانقباض والانشراح، وبين الحزن والأمل، وبين الوفاء ورفض الظلم، وكانت تبدو شجاعة قوية في مواقفها.

ولقد استطاعت بقدراتها التمثيلية الفائقة أن تقنعنا بعاطفتها الحساسة وبرومانسيتها الرقيقة المرهفة، واستطاعت أيضا بمواهبها المتعددة أن تؤثر في قلوبنا ووجداننا، وتستميلنا داخليا بعواطفها المترنحة تارة وانفعالاتها الشجاعة تارة أخرى. كما اندمجت هذه الفنانة المبدعة أتم اندماج في أدوارها التي كانت تلونها فوق خشبة المسرح بوجدانها وأغانيها الرائعة التي هزت مشاعر الجمهور وأثارت قلوبهم، وذكرتهم بالأغاني الأمازيغية التراثية المتدفقة بأنبل المشاعر والأحاسيس الصادقة. كما نجحت في إقناعنا بدور العاشقة المتيمة على غرار الممثلة المصرية سعاد حسني التي تقلدها وفاء مراس في كل انفعالاتها، بل حتى في مشيتها وملامح وجهها وأزيائها وابتسامتها وعنفوان مشاعرها.

ولابد أن نشير إلى أن المخرج فخر الدين العمراني ماكان ليختار وفاء مراس ممثلة رئيسية تؤدي دور "خدوج" في مسرحيته التاريخية الناجحة، لو لم يلاحظ قدراتها الهائلة في مجال التمثيل والغناء والرقص والتعبير الكوليغرافي.

ب‌- مسرحية " أرياز ن- وارغ (النسخة الثانية):

قدم فاروق أزنابط مرة أخرى مسرحية "ءارياز ن وارغ/ رجل من ذهب" ذات الأبعاد التاريخية والرومانسية في ثوب جديد ونسخة إخراجية مغايرة. وقد ألف هذه المسرحية التاريخية كما قلنا سالفا الكاتب الأمازيغي المعروف أحمد زاهد، وقد عرضت هذه المسرحية من قبل "جمعية أپوليوس" في مهرجان المسرح الأمازيغي الاحترافي الأول بالدار البيضاء سنة 2006م.

ومن أهم الممثلين في هذه المسرحية التي يبلغ عدد أفرادها 23 شخصا منهم: لويزة بوستاش ووفاء مراس وسميرة المصلوحي وفاروق أزنابط ومصطفى بنعلال وحسن العباس وبنعيسى المستيري والطيب المعاش والطفلة سارة الدريوشي والطفلان: إسماعيل أزنابط وأنس العباس....

وقد توّجت هذه المسرحية بأحسن جائزة على الصعيد الوطني في المهرجان الأمازيغي الاحترافي في مجال الإخراج (فاروق أزنابط)، وأحسن نص (أحمد زاهد)، وحصلت لويزة بوستاش على جائزة أحسن ممثلة في هذا المهرجان.

ومن المعروف أن هذه المسرحية عرضت في شهر رمضان بمسرح محمد الخامس بالرباط، وهي المسرحية الأمازيغية الوحيدة إلى حد الآن التي قدمتها الإذاعة والتلفزة الوطنية المغربية (القناة الأولى) من منطقة الريف وذلك في 17 نوفمير سنة 2006 م.

وتعتمد المسرحية في عرضها السينوغرافي على ممثلين أكفاء موهوبين يمتلكون قدرات متميزة في التمثيل والتشخيص المسرحي ونفتخر بهم أيما افتخار. وأحسن دور نسائي في الحقيقة أدته وفاء مراس بحركات معبرة، وبوجهها الموحي سيميائيا، وصوتها الجميل المتدفق بالأغاني الرائعة التي تجذب الجمهور المتعطش إلى الفرجة الأمازيغية الريفية، والدليل على ذلك تصفيقات المتفرجين وسعادتهم الكبرى بما قدمته وفاء من أغان رائعة ومواويل أمازيغية شجية وإيقاعات مؤثرة تجذب الانتباه وتدغدغ العواطف وتسمو بها فنيا وروحيا، ولاسيما أن وفاء مراس تقوم بدور "فاظمة" في هذه المسرحية. كما أنها شخصت أحسن تشخيص تلك المرأة الريفية الأمازيغية المعروفة بحيلها وأحابيلها الحاقدة ودلالها المتصنع وخبثها المسموم وشرها المضمر وميلها إلى الكيد الدفين والمكر بصديقتها الطيبة "سميرة المصلوحي" زوجة "عمرو" المناضل الشجاع.

وعلى الرغم من حصول لويزا بوستاش الممثلة القديرة على جائزة أحسن ممثلة في هذه المسرحية في المهرجان الاحترافي الأول الأمازيغي بالدار البيضاء، فقد أحسنت وفاء مراس التمثيل والانتقال فوق خشبة الركح، واستطاعت أن تقنعنا بدور الشر والكيد والحيلة في مقابل دور الخير والسذاجة والوفاء والإخلاص الذي تقمصته الفنانة المحبوبة سميرة المصلوحي.

ويلاحظ أن أهم مشهد في مسرحية فاروق أزنابط التاريخية الرومانسية هو ذلك المشهد المؤثر الذي رددت فيه وفاء مراس أغنيات الإيزري بصوتها الصداح ووجهها الصبوح الجميل. وقد أتقنت دورها بشكل رائع وهذا ينبئ لها بلا ريب بمستقبل مشرق وغد أفضل في مجال المسرح.

ج‌- مسرحية "ثازيري ثاميري"/ القمر العاشق":

قدم فاروق أزنابط آخر عمل مسرحي في يوليوز من سنة 2007م في مدينة الحسيمة تحت عنوان "ثازيري ثاميري/ القمر العاشق"، وهي من تأليف بنعيسى المستيري. وقد شارك في تمثيل هذه المسرحية مجموعة من الممثلين والممثلات ونذكر على سيبل التمثيل: الممثلة القديرة وفاء مراس والطيب المعاش ومريم السالمي ومصطفى إزران...

وترصد هذه المسرحية قصة شاب يحب فتاة ريفية أمازيغية إبان الحرب الأهلية الإسبانية حبا عذريا جنونيا. بيد أنه سيرسل إلى غمار الحرب الضروس ليحارب في صفوف فرانكو ضد الجيش الجمهوري. وبعد فترة، سيخبر أحد المحاربين المرسلين إلى الجبهة الإسبانية عشيقته بموت حبيبها، فتحزن الفتاة كثيرا على فقدانها لعشيقها المخلص إلى أن تموت كمدا ويأسا. ولكن حبيبها سيعود إلى البلدة، فيجد حبيبته قد ماتت، فيقرر في الأخير أن يعود إلى ساحة الحرب بعد فقدانه لمعشوقته المثالية. ومن ثم، فالمسرحية عبارة عن قصة واقعية ذات أجواء حربية ورومانسية.

وتشخص وفاء مراس في هذه المسرحية التاريخية الرومانسية الفتاة الريفية العاشقة التي أغرمت بعشيقها الوسيم الذي وعدها بالزواج، بيد أن الظروف الاقتصادية التي عرفتها منطقة الريف في الثلاثينيات إبان الاحتلال الإسپاني، ستدفع عشيقها للهجرة نحو الضفة الأخرى وبالضبط إلى جبهة القتال للمقاتلة إلى جانب صفوف فرانكو أثناء الحرب الأهلية للتخلص من الجمهوريين اليسار. إلا أن أحلام العاشقة التي تمثلها وفاء مراس سرعان ما ستخبو شعلتها المضيئة، بسبب اعتقادها أن محبوبها قد مات في ساحة الحرب. لذلك، ستحزن عليه كثيرا حتى تفارق الحياة وفاء وإخلاصا لعشيقها.

خاتمـــــة:

وعلى العموم، فوفاء مراس ممثلة متعددة المواهب، وإنسانة مثقفة مرهفة الإحساس والوجدان، تتقن التمثيل والغناء وكتابة النصوص المسرحية. استطاعت بموهبتها وقدراتها الهائلة أن تفرض نفسها في الساحة الثقافية والفنية بمنطقة الريف بصفة خاصة والمغرب بصفة عامة.

ونشير بكل صراحة وصدق أن وفاء مراس نجحت في أداء الأدوار الرومانسية العاطفية في كل العروض المسرحية التي أدتها داخل الوطن وخارجه سواء في العروض التي أخرجها الأستاذ فخر الدين العمراني أم الأعمال المسرحية التي أخرجها الأستاذ فاروق أزنابط. والدليل على موهبة وفاء مراس الفائقة وكفائتها المتميزة قدرتها على أداء أدوار الخير وأدوار الشر على حد سواء بكل تميز وروعة أداء.

وما يؤهل وفاء مراس في اعتقادنا لتحتل الأدوار الطليعية في الأعمال المسرحية في الحاضر والمستقبل قدرتها على الغناء الموحي والتشخيص الكوليغرافي المعبر وأناقتها الجذابة وقوامها الجميل. وأنا على يقين تام أنها ستنجح بلا شك في ما سيقدم لها من أعمال في المستقبل في مجال المسرح والسينما والموسيقا والتنشيط الفني والمسرحي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى