الخميس ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم محمد أبو عبيد

ومِن المثقفين مَنْ قَتَل

كثيراً ما يصطدم الساعون إلى الولوج في عالم الثقافة بوصْد الأبواب الشرعية عوضاً عن تشريعها في وجوههم من قِبل ثلة من المثقفين أو أنصافهم أو أشباههم، والقلة هي التي ترفع لواء التشجيع والتحفيز وتندى ولو بقطرات شحيحة على براعم الطامحين كي تتفتح وتزهر ويضيع مِسْكها الثقافي في فضاءاتنا التي هي ليست حكراً على مثقف من دون ساع ٍ إلى يكون نظيره.

المفارقة أنّ يد المثقف التي تنتج إبداعاً هي اليد التي تنكّل بمن ما زال، وفق القياس الثقافي، يحبو، والحريّ أن تمتد اليد إلى الحابي وتأخذ بيده لينتقل من الحبو إلى المشي بالخطى الواثقة، وبهذا يكون عالَمنا العربي قد كسب مثقفاً جديداً بشهادة أهل الاختصاص لا بشهادة الأهل والخلان والمحسوبين عليه فقط.

التنكيل الحاصل له أشكال ٌمتعددة، فكثير من المثقفين اتخذوا من الأبراج العاجية منزلة ً ومنزلا ً،بل وجعلوها عروشا ً لا يتربع عليها غيرهم، متناسين أنهم لم يولدوا من أرحام أمهاتهم متعرشين ولا عاجيين. والظاهر أن في جبلّتنا نعتقد، إنْ لم نكن نؤمن، أنّ مَن يصل منا إلى منزلة ما، تصبح محرمة على غيره، بل ولا يستطيع ذاك الغير إليها سبيلا ً، مناقضين بهذا الأيمان الرث أنه مثلما كان بمقدور أحدنا بلوغ المكانة، فإن الآخر قد يبلغ مكانة أسمى.

لو بقيت هذا الشاكلة من المثقفين في تلك الأبراج العاجية، لكانت الطامة غير كبرى، لكنهم يسلطون سيوف أحكامهم على "البراعم"، ويحكمون على ما أنتجه المثقف المبتدىء قياسا ً بمن تخطى الباع والذراع في أشكال الثقافة بعد أن كان مبتدئاً بدوره، ويمسي جائراً حينئذ ٍ أن يقارَن البرعم بالشجرة التي تأصلت في ثراها، فليست بداية المشوار كمنتصفه أو مثل شفا نهايته.

عندما يقدِّم،مثالاً لا حصراً، شاعر في بداية طريقه، قصيدته،التي سيحكم عليها هو نفسه بعد أن يمضي عليها حين من الدهر، بأنها تعاني ضعفاً ما، تأتيه الأحكام من بعض الشعراء "النوابغ" إما بالتتفيه والتسفيه، ومناشدته أن يهجر الشِعر ويبحث عن غيره، أو أن يحللوها، إذا تواضعوا، وفقا لمدارسهم الشعرية الملتحقين بها، فإن كانت لا توافق أهواءهم،صارت أهواؤهم هي القاضي العدل حتى لو كانت قصيدة تستوفي شروطها، فإنْ خلتْ من الرمزية ألقى بها " الرمزيّون " في سلة المهملات. وما يزيد البلية هو حين يقارن محبو الشعر بدايات شاعر بنهايات غيره كمحمود درويش أو نزار قباني أو نازك الملائكة أوالجواهري. الأمر ذاته ينطبق على باقي فروع الشجرة الثقافية والأدبية.

ليس المقصد من كل ما ذُكر أن تصفق أيادي المثقفين لكل نتاج أدبي أو ثقافي للمبتدئين سواء كان يستحق ذلك أو لا يستحقه، لكن أن تتشابك مع الأيادي الندية وتأخذ بها حتى يشتد عودها الثقافي،فليس هناك ما هو أسوأ من منظر مثقف حقيقي يُسخّر يداً للقلم، والأخرى لامتشاق سيف ليقطع به برعماً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى