الأحد ٢ آذار (مارس) ٢٠٠٨
قراءة في تجارب مغربية

القصة الومضة بين اقتصاد الحكي وانزياح المعنى

بقلم: محمد رمصيص

بمراجعة البدايات الأولى لتشكل السرد وتجلياته نجده مقرونا بالامتداد والاتساع والاستطراد. لكن بمجيء القصة الومضة ستقلب هذه المعادلة باستبدال خاصية الإضافة بفن الحذف مؤسسة شعريتها على الاقتصاد في اللغة والتخييل والزمن. وبهذا استطاعت أن تتجاوز التعارض المخادع بين الحكي والحيز الضيق. من ثم بنائها لجاذبيتها على خيانة الأصل والتمرد على الجذور. والقصة الومضة بذلك تنتهك الميثاق السردي التقليدي القائل أن التشويق والحكي مشروط بفسحة زمنية اكبر...وباستبدال الاتساع بالقصر والإضافة بالحذف خلقت حكيا محتفيا بالمضمر والمعنى المندس بين فروج النص، لهذا يمكن اعتبار هذا الجنس الأدبي نوعا مغامرا ومخاطرا بنفسه ودلالته لأنه مليء بالفجوات والبياض اللذان قد يسيئان إليه...لكن بالمقابل هي فجوات منشطة لجهاز التأويل المطالب دوما بمضمرات النص قصد حيازة المعنى، علما أن الكتابة الشذرية كخيار جمالي للنص المومض لم يترك أمامه من خيار سوى اعتماد الإيحاء والرمز الضامن الأساسي لشباب النص والحيلولة دون شيخوخته...وأصبح من المستحيل منطقيا القول بأحادية المعنى وأحادية الحقيقة الأدبية.. مادام قصر القصة الومضة يعني أنها نص مخترق بالبياض والفجوات المستدعية للتأويل كتشابك يتحكم فيه الاحتمال وليس اليقين. نص يختزل العالم في كلمات عوض الفصول وهو افتراض يتأسس على أن الكتابة كما الحياة مسارات متقطعة ومتجزئة وقلما تأتي موصولة يكفي فيها الفسيفساء المعزول للتعرف على الزخرف كاملا...

1. في الحاجة إلى تأويل النص المومض:

تنبع ضرورة التأويل من كون اللغة الأدبية تستعمل للإخفاء بذات القدر التي توظف فيه للإفصاح... وبالتالي إنبناء النص الأدبي على المقول والمسكوت عنه...وفي هذا السياق تطرح قيمة المحذوف والمغيب، الكتابة والبياض وتقابل القيمة الدلالية للقول مع الصمت والامتلاء بالفراغ. خاصة والقصة الومضة تؤسس كينونتها على فن الحذف وبلاغة اللامقول. الأمر الذي يفرض على متلقيها نوعا من النوسان بين المصرح به والمضمر. ولهذه الاعتبارات نرى أن المحذوف والمسكوت عنه يثيران ويحرضان على الاستكشاف أكثر من غيرهما. يقول بير ماشرى في هذا السياق: "لا نشعر بوجود الايديولوجيا في النص الأدبي إلا من خلال جوانبه الصامتة الدالة والتي يجب أن يتوقف عندها الناقد ليجعلها تتكلم، فالنص قد يحرم عليه –إيديولوجيا- قول أشياء معينة. ويجد المؤلف نفسه – في محاولة قص الحقيقة بطريقته الخاصة- مضطرا إلى الكشف عن حدود الايديولوجيا التي يكتب منها، ومضطرا كذلك إلى الكشف عن ثغراتها وصوامتها، أي الكشف عما هوغير قابل لأن يقال. ومادام النص يحتوي هذه الثغرات والصوامت فانه يظل دائما غير متكامل" (1)

إن إستراتيجية الحذف تجعل من القصة الومضة نصا مليئا بالثقوب والغياب... نص غائر في الترميز والمراوغة الأمر الذي يوسع من رغبة القارئ في قول صمته، طالما الحذف مسافة جمالية مغرية بالتأويل وآلية لاتساع النص وتعميقه.. فيغدوالمتلقي شبيها بمسافر غجري وظيفته التأثيث المتجدد واللانهائي للفضاءات المرتادة... لكن لنا أن نتساءل مع ذلك: ترى إلى أي حد تستثمر القصة الومضة البعد الايجابي للحذف والإضمار كآلتين لإنتاج المعنى؟ ألا تحكم القصة الومضة المغربية على نفسها بالانزواء وهي تنتسب لثقافة الامتلاء؟ وما السبيل لإعادة الاعتبار للمكتف والمبرق في عملية التواصل الإبداعي؟ جملة من الأسئلة سنعمل على استثمارها في صلب مقاربة للنماذج التالية:

2. تجارب مغربية:


2. 1. ابراهيم بوعلوومكر الرغبة:

في قصة "حفل في الشارع" (2) يخبرنا السارد بذهاب رجل ثري لاستقدام خادمته من حي شعب... ذهاب تزامن وعرس حال دون حركة سيارته الفاخرة لضيق الأزقة في ذات الوقت الذي كانت لديه مواعد هامة جدا... وفجأة شاهد من بعيد خادمته ترقص مع الجموع مستعملا نفير سيارته بعصبية لمناداتها دون جدوى. فلاحظ حنقه أطفال الحي وتسلقوا سطح السيارة واخذوا يرقصون ويغنون الشيء الذي جعله يغمى عليه...

القصة في معناها الظاهر بسيطة للغاية لكن إحالاتها شديدة الثراء: حيث تؤشر حالة إغماء الرجل الثري على الموت السريري للطبقة البورجوازية وعدم وفائها بالتزاماتها الوطنية: ثانيا رقص الأطفال على سطح سيارته يحيل على أن الفئات الكادحة إن توفر لها الشرط الموضوعي لإسماع صوتها لا محال سيكون على جثه الطبقة البورجوازية ودوسها. ثالثا الخادمة التي نسيت جراح القمع والاستعباد مرحليا بفعل الرقص وجعلت من جسدها لوحة فرجوية لإثارة الانتباه والتماطل في تلبية طلب النداء... وفطنت تلقائيا إلى أن لغة الجسد الراقص يسعف على إسماع صوتها المخنوق ويترجم تضاد المصالح: فراحة السيد الثري لا بد أن تكون على حساب شقاء الخادمة. تضاد يترجم الصراع القائم داخل المجتمع المغربي وفئاته الاجتماعية وتصادم المصالح.. علما أن الجسد لحظة الرقص يسلم نفسه للانفعالات الداخلية غير عابئ بالقيود التي يفرضها الثقافي والاجتماعي والديني"فمع الموسيقى يباح للجسد الخروج عن وقاره،وقول ما لم تقله إيماءاته في حالة السكون أوالأفعال النفعية.إن الموسيقى تدفع إلى الانطلاق والعودة من جديد إلى حالات الجسد الغريزية كما تبدوفي الطبيعة"3." رابعا: بالرجوع للغة النص نجد السارد ومن خلفه الكاتب ينحاز للطبقة الكادحة باستعماله ضمير الغائب حيث يقول: "اعترضت سيارته" علما أن تغييب شخصية ما هوقتل رمزي لها وتقليل من دورها في صنع الحدث

... وبذلك فنص مماثل يضمر مكر الرغبة الرامية لإنصاف المغبون وإحقاق الحق والثأر من المستبد ولورمزيا... عند هذا المستوى يمكننا طرح السؤال التالي: هل حقا قصر النص المومض يترجم قصر النفس أم العكس؟ وهل يمكن الزعم أن الإيجاز مرادف للسهولة أم أن الايماض معنى استعاري يفيد الإشراف في حيز ضيق وبالتالي اشتراطه لحفر وتأمل خاصين...
2-2 محمد تنفوولغة الجسد

في قصة " بالطباشير الأبيض فقط" (4) نطلع على حكاية أستاذ قام برسم امرأة على السبورة بالطبشور الأبيض وأمر تلامذته بملأ الفراغ بما يناسب من الأعضاء... وبعد اكتمال الجسد ذبت فيه الحياة... فترجلت المرأة عارية على المنصة الإسمنتية للقسم. فأمر الأستاذ تلامذته بالانتقال إلى مرحلة متقدمة من تصوره البيداغوجي الخاص جدا... هنا يشتغل القاص على مفصل دقيق وحساس جدا تتماس فيه الرغبة بعنف الواقع. نص يسير عكس التصور القائل أن الفرد لا يبلغ السعادة المطلقة والخلاص الكامل إلا عندما تغادر الروح الجسد... وبذلك فهويقلب المعادلة المختلة أصلا والتي تعلى من قيمة الروح المقدسة مقابل تبخيس الجسد المرهون باللذة بسبب الخطيئة الأولى والخطايا المتوالية فيما بعد. وبالتالي تشديده على أن السعادة الحسية ممكنة كذلك لحضة الحياة... الأمر الذي ترجم بإقبال التلاميذ على فعل الخلق الجماعي من خلال ملء بياضه حيث صار بؤرة العلامات وملتقاها... إذ بملء فراغاته انتقل من الصورة الجامدة إلى الكائن الحي ومن السكون إلى الحركة لتسحب عنه سمة الجسد الغفل من أي تأشير دلالي. علما "أن المرأة ليست فحسب ذلك الجسد الصرف ذا الجغرافيا المميزة والمستثيرة للنظرة الجمالية أوالايروسية، بيد أنها أيضا جملة من السلوكيات والحالات والانفعالات والمواقف المفارقة لكينونتها البيولوجية والفيزيائية والمعانقة لمقولات وتصورات ثقافية تستوطن الدهن والعين والمجتمع"(5) الأمر الذي جعل هذا النص يضمر دعوة دفينة لتحرير الجسد من حالة التبات والسكون إلى الحركة والكلام واستعادة حيويته باقتحام أحواز المعرفة والتعلم... غير أن نهاية النص الملتبسة تحتم علينا التخمين حول مآل الجسد العاري والتساؤل عن غاياته- علما أن العري حالة طبيعية بخلاف اللباس كحالة ثقافية- وإن كنا نقر أن الجسد لا يستعيد قدرا من عافيته التأثيرية إلا لما يطأ لغة التخييل ومجازات الكلام المشحونة بالتساؤلات المركبة من قبيل: هل ثمة تعارض بين المعرفة والمتعة؟ بين التحريم والوعي؟ أم أن تصالح الفرد بالجسد من خلال معرفته وتأمله يوقف نزيف الرغبة وسطوة الكبت.

2-3- مصطفى لعنتري ووجع المفارقة:

تتلبس النهاية المفارقة جل نصوص مجموعة "مظلة في قبر" (6) فإذا كان الرائي في قصة "المرآة" يكتشف في النهاية أن المرآة كانت تتأمل وجهها فيه. فان قصة " الخلاص" تنتهي بتحول الصياد إلى ضحية وانتقاله من فعل القتل إلى فعل الانتحار. وبهذا فقصة "الخلاص" تلامس آلية الإنسان المعاصر الذي فتته الضجر وداسه الفراغ..وبالتالي فقدان التوازن... حيث أضحى يمارس فعل الانتحار لمجرد تأمله دافعا عابرا... خاصة إذا علمنا أن قيامه بهذا الفعل جاء كردة فعل على استخساره طلقة في حق عصفورة ضئيلة... عصفورة أصبته بعدوى الضآلة... ولقتل هذه الصفة لم يكن أمامه من خيار سوى محوالجسد الحامل لها...علما أن فعل انتحاره خلق حالة من الالتباس. ترى هل انتحاره تتويج للألم أم للذة؟ فإذا كان محوالضآلة لذة فان فعل المحولم يتحقق إلا بأعلى درجات الألم وهي قتل الذات! وبهذا يتكشف لنا انه في عمق كل لذة توجد ذرة من الألم... الأمر الذي يعني أن كل فرد تتقاذفه غريزتي الهدم والبناء الموت والحياة. ترى هل تدل فجائية حدث انتحار الصياد على غياب قناعته باستقبال الموت وانه لا يعدوكونه عزاء نفسي كاذب وخلاص فردي مخادع؟ ربما كان الأمر كذلك.. إن رمزية مكان حدوث الحدث/ الغابة يعيد للواجهة تلك العلاقة المفارقة والتي تربط الإنسان بالطبيعة على اعتبار انه امتداد لها... فهل حقا بتدميرها (فعل القتل) يدمر ذاته في سياق نظرته النفعية التي تعني السيطرة عليها؟ أم أن فعل انتحار الصياد يصبغ موته بمغزى خاص ويترجم قلقه على اختلال توازنه واحتجاجه على العنف؟ لاسيما والانتحار في سياق مماثل يتجاوز كونه إيماءة للتحدي واليأس إلى أحواز الموقف الفلسفي القلق. إن الانتحار- والحالة هذه- موت قيد الانجاز... جعلنا السارد نصاحب المنتحر في لحضة مفصلية يخرج فيها من حيز الحياة ويدخل حيز الموت. إذ قلما نمسك بلحظة الموت في رهنيتها حيث يقال عادة في صيغة الماضي: لقد انتحر- أوفي صيغة الاستقبال: سينتحر لا مجال... وبهذا فنص الخلاص أشبه ما يكون بمشهد يمشى فيه المنتحر في جنازته...علما أننا لا نفكر في الانتحار إلا بوصفه فعلا للآخر وما نحن إلا متفرجين لأننا في العمق لا نعترف بأننا سنموت ونستبعد كليا فعل الانتحار عن ذواتنا...ومع ذلك يصر بطل هذه القصة الومضة على تذكيرنا أن اللذة زائلة بينما يضل الموت أزليا وهوفي ذلك يلتقي مع البوذية التي ترى أن العالم ألم...

2-4- عز الدين الماعزي ولعبة الحب:

في النص التاسع من مجموعته "حب على طرقة الكبار"7" يخبر ساردها بلعبة معتادة يتسلى فيها رجل بنزع أوراق وردة قصد التحقق من حضور الحب أوغيابه... منتهيا بإدخال الوردة كطرف أساسي في هذه الحالة العاطفية المركبة... إذ تعيش المرأة والوردة حالة توحد صوفي مشتكية من فعل العري والبرد والألم جراء فعل تدميري مارسه الرجل عليهما. وهذه النهاية البائسة جراء غياب الحب تحيل على ارتهانه للمعاناة والتوتر والانفعال... والقاص بذلك يعيد لأذهاننا النهايات التعيسة لأشهر العشاق في التاريخ...إن تقمص الوردة صوت المرأة والصراخ في وجه الرجل بالقول أنت لا تحبني في نهاية النص ناتج عن فعل التعرية الرمزي.. وبالتالي استشعارها لبرودة تتضاد كليا ونار الصبابة والعشق وحريقهما المتوقد. والبرد في هذا السياق كناية على الفتور والضعف والوهن. فلا شيء يثير الموت فينا اكتر من البرد. صفات تتضاد مع العشق كخلفية درامية بني عليها النص...وهوإحساس مصحوب بالعنف والانفعال والشغف بالأخطار والمغامرة. أما حالة العري التي عاشتها الوردة/المرأة فهي نتاج تأرجح الرجل بين إثبات الحب ونفيه مما جعلهما تعيشان صراعا داخليا مريرا وتعانيان من وطأة التوتر جراء غياب الاستقرار العاطفي مع وجود التشديد هنا أن الوردة لا تعوض المرأة ولا تلغيها ولكنها تستدعيها رمزيا.. لكن هل يعد هذا التأرجح بين حضور الحب وغيابه حب على طريقة الكبار؟! وهل صفة الكبار في الحب مرهونة بالتوتر والانفعال وجوالمخاطرة؟ أم أن بطل القصة المتصف بالتقلب السريع والاستجابة المباشرة للمثيرات العاطفية يطمح من خلف هذا السلوك الدنجواني لإبقاء الحب في مستوى العشق العنيف والانفعال الحاد؟..ولعله من طريق الصدف أن الحب يشكل احد الأجوبة الممكنة لسؤال الموت الذي سبق وطرح القاص مصطفى لعنتري في نص " الخلاص".

2-5- عبد الله المتقى والتخيل القلق:

يتسم متخيل مجموعة"الكرسي الأزرق"8" بالقلق والإحساس الغامر بالتوجس... صحيح أن الحياة الفنية للمجموعة مثيرة بصورة ما، ولكنها تمضي بصورة معينة لتواجه مشكلة فقدان جوهر الإنسان. فطفل قصة "حمام" مثلا يستهل نهاره بتتبع رشاقة طيران صرب من الحمام والذي سرعان ما يختفي تاركا الفضاء لطائرات حربية تجعل الردى على مرمى حجر منه. وحالة الحرب كناية على عجز العقل البشري على احتواء الاختلاف وتدبيره. وخوف الطفل من هذه الأجواء المشحونة بالرعب يعيد طرح سؤال مصير الإنسان الغامض...وذات القلق تعيشه امرأة قصة "بدون ستائر" متجنبة عيون النهاريين وهي عائدة من ليلة حالمة رفقة نديمها موقنة أن اللذة المسروقة التي انتزعتها انتزاعا سرعان ما ستتحول إلى ذكرى عابرة. يقول السارد في ص8: "لكن صفير القطار، وقارورة العطر التي نسيتها في جيب حاكيته، سيضلان تذكارا منسيا على جدران غرفة بدون ستائر باذخة" ترى هل من تفسير لهذا الشعور بالاجتثاث؟ وما سبب إحساس هذه الشخصية بالعداء والكراهية للمجتمع؟ هل لأن رغبات الفرد ما لبثت تتقوى وتتصادم مع عنف الواقع وقوانينه؟ أم أن حالة الوحدة التي عادت لها بطلة النص أفقدتها المبرر المعقول للاستمرار في الوجود؟

إن ما يزيد متخيل هذه المجموعة توترا وقلقا كون صاحبها اشتغل في أكثر من مفصل على سؤال الضجر والموت والرغبة المرجأة إلى حين... فموت الجدة في قصتي "دادة، ورقية لفقية" يسحب معه متعة تلقي حكاياتها ودفئها الاستثنائي وإصابة الطفل/ البطل بضياع عاصف الأمر الذي منح بعض قصص هذه المجموعة نكهة جنائزية...

إن ضياع الشخوص بفعل العزلة والاضطهاد شكل البذرة المخصبة والنواة الأم التي تشقق عنها حكي المجموعة الجريح جراء الرغبات المعطلة والتي قلما تعانق موضوع رغبتها. يقول السارد في قصة "قوارير زرقاء" ص34.
  السيدة الأولى: مزقت ميثاق النكاح، وصاحت بمرارة.

كم نشفت في انتظار لا أحد

3 السيدة الثانية: خرجت من غرفة النوم، ولعابها يسيل زبدا
كم تعفنت

5 السيدة الثالثة: حزمت حقيبتها، وقالت بهدوء.
كم تأخرت

والسيدة الرابعة: عضت سي السيد، وصرخت في جهة
كم أنا جائعة."

3. استنتاجات تركيبية:

نخلص من قراءة هذه النماذج إلى أن القصة الومضة –كجنس أدبي- تتأسس على اللغة الإيمائية المكتفة بالإشارة والإيحاء والرمز مستعيضة عن الكل بالجزء لأنها في الأساس تعتمد كتابة سردية اختزالية محذوفة التقديم في الغالب بخلاف نقطة النهاية التي تتجمع فيها جملة من العناصر البنائية والجمالية... نهاية مقرونة بالدهشة والمفارقة الأمر الذي يجعلها مخيبة لأفق انتظار المتلقي...فضلا عن اعتمادها على الحذف والإضمار مؤسسة لقص يحتفي باللامقول والقصدية المفتوحة دلاليا مادامت تراهن على قص المسكوت عنه...حيث اشتباك الاستهام بالرغبة والحلم بالحنين واللذة بالألم وعودة المكتوب المحتفي بعوالم رمزية مليئة بالسحر والممنوع والغامض والسحري والمبهم.. إذ مع الحذف كوسيط جمالي للكتابة المومضة صارت دائرة الغامض أكثر اتساعا وبات المبعد أكثر إثارة وإغراء لتوليد فائض المعنى...وبهذا يمكننا القول أن القصة الومضة تؤسس شعريتها على قانون الندرة كإستراتيجية تعتمد التشطيب والمحوالإخفاء والغياب الحذف والإضمار وتفجير مكبوت النص واستيعاب فجواته وانقطاعاته وهي بذلك تشتت المعنى على اللامعقول والصمت والبياض حيث يصير الشكل نفسه حاملا للمعنى ويعوض طول النص بسمكه وطبقاته الأمر الذي يجعل من المغيب يرتدي وشاح الفتنه والإغراء بالملاحقة. علما أن الفجوة بين المعنى والتعبير هي التي تثرى الكتابة وتحرر الدلالة من سجن المكتوب وتخلصها من وهم تطابق النص بالواقع...وإذا كان لا وجود لصيغة تعبيرية بدون إستراتيجية صامته فان الكتابة المومضة لهذا الاعتبار توجه الاهتمام لجدل خصب بين المكتوب والمحذوف بين الصمت والكلام وبين التذكر والنسيان وبهذا تنجب لنا شعرية المحووالحذف نصا جريحا لأنها تقوم على البتر وحجب بعض مسالك النص الأمر الذي يجعل معناه ينزف بلا توقف...

احالات:

* نص المداخلة التي تقدم بها الباحث في الملتقى الأول للقصة القصيرة جدا بالفقيه بن صالح/ المغرب. يوم 2 فبراير 2008.

1. تيرى انجلتون: الماركسية والنقد الأدبي. ترجمة وتقديم جابر عصفور. دار قرطبة للطباعة والنشر 1986. ص40

2. خمسون قصة في خمسين دقيقة. ابراهيم بوعلو. دار النشر المغربية، ط1983. ص49-50

3. مجلة علامات ع20. 2003 مقالة "تمثلات البارد والساخن" لسعيد بنكراد ص14

4. كيف تسلل وحيد القرن. محمد تنفو- قصص قصيرة جدا. منشورات الكوليزيوم القصصي2004. ص32

5. في قبضة الثقافة-هشام العلوي. منشورات اتحاد كتاب المغرب2004. ص102.

6. مظلة في قبر مصطفى لغتري. منشورات القلم المغربي. 2006.

7. حب على طريقة الكبار. عز الدين الماعزي مطبعة وليلي 2006. ص22
8. الكرسي الأزرق عبد الله المتقي. مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب 2005

بقلم: محمد رمصيص

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى