الجمعة ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
إنًها تعتلي قمُة الذاكرة
بقلم: طلال حمّاد
إنًها تعتلي قمُة الذاكرة..بل إنًها العمود الفقريّ لحياة كاملةوهل تكتمل الحياة بدون ما ينقصها؟إنّها نحن... وهل نحن أحياء في سياسة النفي.. والإلغاء.. والتسويف.. والمخادعة.. التي تسرق منّا..ومنها.. روحنا الحيّة؟ما الذي يقوله الحمام في هديله.. في شبابيك الأقصى.. وعلى أسطح المنازل القديمة؟أو.. تُرى من أين سيبدأ.. من انتهى به المطاف الطويل.. والصعب.. إلى حواشي القصيدة.. وخبر كان.. وآخر ممنوع من الصرف في اللغات الجديدة؟..هنا ولدت..هنا عشتوهنا كنت.. قبل أن تعرفني الحياة.. وتسرق منّي الريح الهجينة.. ورد الطفولة.. وتسلّمني قبل الأوان إلى شوك الكهولةهل سأبدأ الحكاية (والقدس هي كلّ الحكاية)، أم هل سأنتهي (والقدس هي البداية).. قبلأن يُرفَعَ الستارُ.. ويَخْتالَ ممثّلٌ بديلٌ.. على خشبة مسرحي.. ويُسدلَ الظلامَ على نجوم المدينة؟باب الحديد هنا مُعذّبٌ في أضلعي.. وباب المجلس مجلسي.. وحبس الرباط الذي فرّ حرّاً من لغتي القديمة إلى ساحة المقاومة.. بيت خبز أصدقائي السمر.. وشارع الواد الذي كان يستحمّ معي في عين الشفاء.. قبل أن يُسمّم الماء بالكوكايين.. ويختنق الهواء بغاز القنابل المعادية.. وباب السلسلة المصادر من قلوب رفاقي في صفوف حروف الأبجديّة الأولى.. ومن خزائن التاريخ والمكتبات القديمة.. دير العدس الذي يجمع الهلال إلى الصليب مثلما يُجمع الأرز إلى العدس في طبق الفقراء.. دون شكوى لأحد.. ودرب الصليب طريق آلامي المزروع بالأشواك من أوّل الخيانة في العشاء الأخير إلى جلجثة القيامة.. وباب دمشق.. عمود ذاكرتي.. وخان الزيت.. مظلّتي من عداءات اللغات الهجينة.. والباشورة.. قبل أن يسلبها الغزاة الزاحفون على طفولتي.. من شرايين دمي.. ومن أمتعة اللاجئين إلى حائط السماء الأخيرة.. والقبر المقدّس في كنيسة الروح المعذّب في جسد المدينة.. والمسجد الأقصى.. قبلتنا الأولى.. وكعبة أسرانا.. وهو يرنو في الضحى والعشايا.. إلى من أسرى إليه بعبده ليلا !؟وقبر أبي.. هل يضمّني بين ذراعيه؟..متّ في الغياب يا أبتي..وقد شرّدتني المنافي..وأثقلتني الهزائم: بكى... عندما جاءه الموتهل تبكي من الموت يا أبي؟أبكي.. أنّني لن أراك.. قال أبي..وراح مسافراً في تراب الوطن..دوني..وصدر أمّي.. كرمة الدّار الكبيرةلكم أحنّ إليه كبيرا!مثلما كنت صغيرا..لكنّنيتحرمني منه التصاريحوالمعابروالحواجزوالمستوطنات الغريبةوالطرق التي تلتفّ ـ كأنّها أفاع تلتفّ ـ من حول قلبي المعلّق على صليب المذبحةوقلبي في قدسي معلّقفتخنقنيوها أنذا ما زلت حيّاً.. ولم أمتمنذ ستين عاماً.. أو تزيد..في دفاتر وكالة غوث اللاجئين..وأكياس الطحين..والبقج الغريبة..من شعب الولايات الهجينةوفي سجلات الحدود المسيّجة.. تترصّد العابرين..تُرى هل يعرفون إلى أينغير مذبح الرّوح التي تقاوم المقصلة؟فكيف وإلى متى سيغلقون أبوابها من أمامي؟(!!!)أنا الآن، وغداً، وفي كلّ زمن، في القدسIIالقدس دائماً.. القدس إلى الأبدالقدس ليالقدس للقدسالقدس ليست لغيرهاوهي فيّوأنا؟هل أنا غير نطفة في أحشائها؟فكيف أموت؟
بقلم: طلال حمّاد