الاثنين ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم عزيز العرباوي

العالم العربي واختلال الفكرالسياسي

أخطر ما في الأمر أن تستمر الحال في الدول العربية على ما هي عليه اليوم من مشاكل سياسية واقتصادية ومن تخلف فكري واقتصادي وعلمي، بل ومن صراعات دموية داخلية قضت على جهود التنمية والبناء وستقضي عليها في المستقبل إن لم تجد حلولا ناجعة لها.

بالطبع، ياله من عالم عربي فقير... معرفيا وثقافيا واقتصاديا وعلميا، ويا لخيبة الشعوب العربية التي كانت تحلم في ومن من الأزمنة العربية التي قادت إلى التفكير في تبني نهضة فكرية وعلمية وصناعية أجهضت في بداية ولادتها وقبل أن تضع رجلها الأولى في السكة نحو هذه النهضة من طرف قوى دولية إقليمية متمثلة في إسرائيل وقوى أخرى تمثلت في أقطاب الإمبريالية العالمية والتي كانت تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الإمبريالي المتصارع مع القطب الشرقي المتمثل في الاتحاد السوفياتي آنذاك، هذا الأخير كان مساندا من بعض الدول العربية، وخاصة منها التي كانت حكوماتها اشتراكية ومتحالفة مع الاشتراكيين في الاتحاد السوفياتي، كمصر جمال عبد الناصر، وسوريا حافظ الأسد...

في هذا الزمن كانت شجاعة بعض العرب وزعمائهم تنبيء بتغيير القدر العربي وانفراج الوضع الشعبي في العديد من البلدان العربية نحو الأفضل، وارتقاء الإنسان العربي على مستوى الفكر والعلم والثقافة إلى ما هو أعظم وأرقى للتحكم في السيطرة على مسبباته ونتائجه دون ترك الحق للآخرين بامتلاكه. فبعد استقلال أغلب الدول العربية وتمكن بعض الكنتونات التي خلفها الاستعمار بسياساته التقسيمية من التوحد والالتئام، كانت الضرورة محتمة إلى تبني فكرة التغيير الجذري لسياسات ولأفكار تنحو نحو الغربة والتغريب وضربها قبل أن تنفذ إلى الجسم العربي، ولكن ما نتج عن بعض السياست التي اتبعت في هذا المسار لتحقيق هدف التعريب وبناء الذات العربية، هو زيادة تقوية الفكر التغريبي والدعوة إلى مساندته داخليا وخارجيا، كل هذا كان سببا واضحا لتغيير القدجر العربي نحو الأسوإ وليس نحو الأحسن.

بالفعل، عرب اليوم هم نتاج هذه السياسات ونتاج بعض الاجتهادات الفكرية والدينية التي كانت تتصارع من أجل البقاء، هذه الاجتهادات المتصارعة أدت إلى اختلال الفكر السياسي عند العرب ودفعتهم إلى تبني مبدإ المهادنة والمشي جنب الحائط لكيلا تصل الأمور إلى الدخول في حروب وصراعات مع قوى عالمية تقضي على وجود هذه السياسات وأنظمتها الضعيفة المتشبثة بالقشور وبالكراسي المغلفة بالإهانات والتحقير.

هذا ما يحدث غالبا عندما يكون تفكير العرب بعقول متجاهلة ومتصابية ومغلبة للعواطف. فكيف سيتم البناء والتقدم في وضع عربي يغلب عليه التخلف الفكري الذي يقود بالنهاية إلى الاختلال السياسي وإضعاف منهجية اتعامل مع القضايا الحساسة للأمة؟ الذي نراه هو أن القوى العالمية تعمل جاهدة على التدخل في الحياة السياسية للعرب وتتحكم في ثرواتهم الاقتصادية والبشرية، بينما حكامهم يمارسون السياسة العمياء والعرجاء التي تقود إلى التخلف والأمية والفقر والتدهور.

يا سلام!، عندما نستمع إلى ما يسمى زعيما سياسيا عربيا وهو يتحدث بإسهاب عن الديمقراطية والإصلاح، فكلامه في ذلك الوقت بالذات نتنسم منه رائحة العطر وحلاوة العسل وكأنه منقذ العرب مما هم فيه، ولكن مباشرة بعد انتهائه ونزوله عن كرسي الخطابة إلى مكتبه وحاشيته وحراسه ونظامه ينقلب ألف درجة إلى الأسوإ فيبدأ في إيداع الناس في السجن وتفقير الشعب وتفريخ الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في كل مكان وزمان، وفرض الجبايات والضرائب باسم الأزمات الاقتصادية وزيادة الأسعار في المواد الاستهلاكية... وغيرها من الأمور التي تضرب كلامه الحلو بعرض الحائط، ليعود معه شعبه إلى نقطة الصفر والبدء من جديد في مطالبته بالعدل والديمقراطية.

في الجانب الآخر من العالم، أي عند الغرب نجد أن كل مشاكلهم وحروبهم يصدرونها إلى العالم العربي والإسلامي فيستقبلها هذا الأخير تحت الكثير من العناوين التي تجد ذاتها في عقول بعض النخب العربية فتعمل على نشرها ووضعها في قوالب فكرية وسياسية سرعان ما تجد نفسها قد أخذت مواقع في العقل العربي الجديد المليء بالكثير من المتناقضات الغربية. هذا الآخر الذي يعمل على نهج هذا السبيل للتخلص من كل المنغصات التي قد تذهب باستقراره وقوته ونفوذه، يدعم كل الأفكار العربية والنخب المثقفة في العالم العربي على استيراد هذه الأفكار والأحداث والابتكارات المدمرة بل والعمل على منحها صفة القداسة والقوة للتغيير والإصلاح الغربيين.

ما موقع العالم العربي في خريطة العالم اليوم غير موقع المستهلك النهم لمنتوجات العالم المتقدم وثقافته المادية الهجينة؟ أليس حريا بالعرب أن ينهضوا من سباتهم الذي عمر كثيرا للبحث عن سبل الرقي والعمل على المشاركة في العلم والبحث والاكتشافات الفضائية الباهرة التي يقودها الغرب؟.

إن الصعوبة في هذا الأمر تكمن في عدم وجود إرادات قوية لدي الكثير من العرب اليوم في طرق أبواب العلم والبحث، ولذلك فإننا نصطدم بعقليات متحجرة سياسيا ودينيا تدفعنا دفعا إلى الوراء، وهذا ما يمكن تسميته بالاختلال السياسي والديني في العالم العربي بامتياز...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى