الجمعة ٢٩ أيار (مايو) ٢٠٠٩

ابتهالات فاطمة الزهراء بنيس

بقلم: عبداللطيف الحسيني

استشهادٌ تفضلّهُ (فاطمةُ الزهراء بنيس) ليكونَ مقدمةَ (بينَ ذراعيْ قمر): مجموعتها الشعريّة الثانية التي شذّبتْ ما كانَ مختبئا وصريحا في (لوعة الهروب). أقصدُ أنّ الصوتَ الشعريّ الثاني يقولُ كلمتَه واثقاً من جماليّة الشعر فيه، الشعرُ هنا يرفضُ الإبقاء في داخله العقليِّ، بل ينطلقُ لمعانقة العالم ِمن خلال ثقافة (بنيس)، هذه الثقافة التي تمتصُّ الشعرَ العربيَّ، والفرنسيّ ليكونَ (بينَ ذراعيْ قمر) طلقاً يحدُّه عُمْقٌ صوَريٌّ منهالٌ على حالات فاطمة التي تحتفي بالطفولة والذكريات والجمال.

الشعرُ هنا يتشكّلُ من خاماتِ حياة بنيس الصوفيّة هادفةً إلى ما لا يقولُه العالمُ الخارجيُّ، إنه الصوتُ الغوريُّ، لا يشبهُ الصوتَ الصوفيَّ, بل هو نفسُه، هل دَرَسَ أحدٌ المجموعة من هذه الناحية الصوفية ؟ للدارس خياراتٌ في تناولِ النصّ(نص بنيس) من حيثُ يشاء، وقد يكونُ تناوله من حيث (الشكلُ والخطابُ) أجدى الخيارات، وذلك ما تقوله المجموعة التي تبتهجُ بشكل الكلام على الصفحة، حيث تكونُ حرية الكلماتِ والشاعرة والقارئ أكثرَ استمتاعاً ولذة، ما أقصدُه بالشكل والخطاب، هذه العلاقة الملتحمة بينهما. والقليلة الحضور في النصوص العربية، إذ كيف تكتبُ (بنيس) كلمة (تطايرتْ) التي تدلُّ على هذا الفعل دون أنْ تهجّيَها بطريقة توحي، بل تُشَاهدُ وتُرَى كفعل الطيران العمليّ. الكلمة مهجّاة ومتقطعة:(تَ... طا... يَ... ر... تْ). بنيس تحسُّ أنّ الكلمة لنْ توحيَ إلا بتهجئتها بطريق الشكل الذي كتبته به. أتيتُ بمثال لأُعلمَ أنّ ثمة الكثيرَ مِنَ الكلمات لها نفسُ التوتر والتقطيع. من هنا يأتي (الشكلُ والخطابُ) فعالاً في هذه المجموعة.

لا يأتي الشكلُ والخطابُ في أيِّ نصٍّ ما لم يمتهنْ كاتبُه سبلَ ومعاناة الكتابة، فيصلَ الأمرُ بالنص إلى أقصى حالات التجريب الذي لم يعدْ شعراً، بل يتجاوزه ليصلَ إلى (الابتهالات).

فاطمة تبتهل: وفي الابتهال تزدحمُ الصورُ حتى يُخيّلَ لمتابع (بين ذراعي قمر) بأنه هو المقصودُ، أو بأنه هو المبتهلُ لا الكاتبة التي تجتهدُ لجلب القارئ.

عند (فاطمة)، كما عند المتصوفة، تتوالدُ الصورُ والاستعاراتُ، حتى أنّ القارئ يضيعُ في (غابة الصور والرموز).

بقلم: عبداللطيف الحسيني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى