الخميس ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩

التقدم نحو الماضي والتقهقر نحو المستقبل

في رواية مستعمرة القمر للكاتب (اسلام فتحي)

بقلم: برهان غنيم

ربما يكون عنوانا غريبا ولكنه يحمل وصفا دقيقا لما جاءت به الرواية أو ما قدمه الكاتب بين أيدينا.

جاءت رواية الكاتب اسلام فتحي في ستة عشر فصلا – أو مقطعا- وهي: امبراطورية القمر- من دماء الضحايا – لعنة السيد شوكت – قفص القرود بالغرفة المظلمة – احتيال الأشباح صورة شرعية – زورق جديد – ضعف مارجوني – رحلة في الجزيرة – بيت الشجرة –اختراق الغلاف الجوي لأشباح الأرض- الهبوط علي الارض- هجوم المخلوقات الفضائية- حظ جيد- عودة سوتاشوين وسيزمارون من الارض- الطعم والمعركة الاخيرة هروب مارجوني وشفاء السيد شوكت من لعنة الموت .

بهذه العناوين جاءت رواية الكاتب اسلام فتحي – مستعمرة القمر التي نحن بصدد الاحتفاء بها.

لنعود الي عنوان الدراسه وهو التقدم نحو الماضي والتقهقر نحو المستقبل فقد افتتح الكاتب مقدمته بانه في عام 3300 كانت الارض قد امتلات بالبشر اول عن آخر، وهنا التفاف حول الزمن وحاولة قراءة ما سوف يحدث في هذا التاريخ وهي بداية موفقه للغاية حتي يجذب عقل القارئ من أول وهلة وبرغم هذه البداية الخرافية إلا أنه وضع سببا منطقيا لبداية هجرة البشر الي القمر والمزج بين المنطق وعدمه أو ارتباطهما معا ليعطي مذاقا للعمل الأدبي أيا كان . وحينما نقول التقدم نحو الماضي والتقهقر نحو المستقبل.

لما يريد أن يقصده بالفعل من العمل الابداعي وكانه جاء بمضمون تاريخي للرواية:

كاستشراق لما يحدث- او قراءة للمستقبل ومضمون آخر هو مقصود ضمني واعني هنا النبش في بحر الصراع العربي الاسرائيلي هذا الجرح الدامي – لعل بحلول عام 3300 ان شاء الله سبحانه وتعالي يجعل من يستطيع تظهير هذا الجرح أو تضميده.

وهذا ما نعنيه تماما من عنوان قراءتنا للعمل الذي بين أيدينا الآن.

فالكاتب استطاع ان يفصل ثلاثة أشياء من روايته هذه:

أولا : كتب الرواية في زمن بعيد تماما – وهو بهذه يخاطب القارئ العادي في رواية للخيال العلمي وهو عالم الأشباح والصراع بينهم وبين البشر بكل ما فيهم من خير وشر . ولم ينبس أيضا أن يجعل من عالم الأشباح هذا- أيضا الخير والشر مثل بوردي الطيب- والأحصنة المجنحة.

ثانيا :وضع رمز الاضباح والصراع بينهم وبين البشر – ومضمون هذا الصراع في الاستيلاء علي الارض – وذهب الي أبعد من ذلك حينما جعل الاشباح تستولي علي أرض البشر دون عناء منهم أي الأشباح لأنهم يشترونها من أصحابها بثرواتهم هم – وكأنه يقصد ثروات العرب لتدمير العرب – وهذا ما أظهرته التصدية الواضحة في احتيال الاشباح علي البشر واجبارهم علي بيع أرضهم بثرواتهم هم .

ثالثا : زاوج الكاتب بين متن الرواية وهامشها أو علنها وسرها قل إن شئت أي التعبيرات أو بين النية والظاهر أو المعالجة الفنية بين سطورها وبين ظاهرها اللغوي – وهو بذلك استطاع أن يمسك العصا من المنتصف حيث انه خاطب القارئ العادي الهاوي لقراءة الأطفال وربما الاطفال الكبار المولعين بالقراءة عن عالم الأشباح وأيضا بعض الكبار وفي مضمون الرواية – وما جاء بين سطورها وإن كان قد عبر عنه الكاتب بأسلوب فيه بعض المباشرة المفهومة من قبل المثقفين إلا أنه خاطب بهذا المضمون شريحة لا بأس بها ،إذن فقد جمع بين الجنسين إن جاز لما هذا التعبير .

والتقدم نحو الماضي هنا ليس بطريقة الفلاش باك – لأنه لو استعمل هذه الطريقة لما كان استطاع أن يضمن مقصوده – أو المعني الذي أورده بين سطوره في صورة خيال علمي – لذلك تقدم هو نحو الماضي – وقد يتساءل البعض كيف يكون التقدم نحو الماضي –البطولة هنا في هذه الرواية لهاتين البنتين حينما تعاونا معا وهما تمثلان جانبان متناقضين من حيث جراة القلب والمغامرة والقدرة علي المحاولة واليأس هذه المحاولة بالعلم الذي تعلموه فالبنت الأولي سارة تمثل القلب الجريء المغامر الذي لا يفلت طريقا للخلاص إلا وسلكه والبنت الثانية هديل فهي نموذج لطيبة القلب وخفته –وخفة القلب هنا من الخوف وكراهية المغامرة حتي ولو محسوبة . لذلك بالاضافة الي معاونة الأحصنة المجنحة التي لا أعلم ان كان الكاتب قصد بها طرفان لشيء ما ربما الدين المسلم والمسيحي وربما شيئا آهر والمفتاح معه هو وعلينا نحن أن نخمن حسب تقديرنا .

إن البطل الحقيق هو الكاتب نفسه – من وجهة نظري بالطبع –حقيقة أنه لم يتعرض لسيرته الذاتية أو لتجربته حياتية خاصه به وكان كل شيء بعد ذلك سيكون له لكنه حينما انطلق بعيدا في هذا المزج بين الواقع والخيال وبين الإبحار في زمن لم يأت ..وربما لن يأتي في ما بعد – والخيال الذي وضع عليه الأشباح والاسماء الذي جاء بها في الرواية – مارجوني – وسوتاشوين وكاثوموتال – هي أشخاص أعتقد انه البسها مسميات الاشباح ليزيد درجه غموض الخيال واقترانه بالواقع اقترانا مباشرا

وبين الواقع الذى جاء فى ما بين السطور من كون هذا الصراع بين الاشباح والبشر هو فى الاساس الصراع بين العرب واليهود – أقول البطل هو الكاتب نفسه لأنة لم يأت بواقعى بحت - أو رواية تقليدية بالمعنى المفهوم .

*التقدم نحو الماضى: معنى ومبنى مناسب تماما لأنه – أى الكاتب صور أشياء حدثت وتحدث على أرض الواقع فى زمن مستقبلى بخيال خرافى وأحداث وصراعات لم تخرج عن كونها رواية من الخيال الذى غالبا ما يكون خيالا مجردا محضا لكنه ألبسها واقعيه تضمين هذا الخيال بأحداث حدثت وستحدث وما زالت .

*التقدم نحو الماضى: قصديه جاءت فى إتحاد وامتزاج وتداخل وتوحد القوى ضد الخطر – وهو الأشباح هنا وهو بذلك يعيدنا الى صلاح الدين الأيوبى حينما وحد الجيوش وحرر القدس فى الماضى ويضعنا أمام إمكانيه حدوث ذللك مرة أخرى فى المستقبل بنموذج اتحاد سارة وهديل ومعاونة الشبح الطيب والأحصنة المجنحة

*ثم نأتى الى التقهقر نحو المستقبل : هذا ما عبر عنه الكاتب حينما جاء بالأحداث فى وقت مستقبلى خرافى – والرجوع أو التقهقر هذا ليس رجوعا بالمعنى المادى للكلمة إنما هو أمل يغرسة الكاتب فى النفوس لعل وعسى تلتقطة أجيال قادمة يفهمون المعنى ويقدمون على عمل لم نجرؤ نحن على القيام به ،

والتقهقر نحو المستقبل أيضا : حينما وضع الاحداث فى تاريخ لاحق فى مقدمة الروايه وجاء بالتفاصيل وطريقة الخلاص فى مقصودها – فى زمن مضى .

ولعبة الماضى والمستقبل هذة – إن جاءت فى رواية عادية تقليدية مثل الرواية التى تبنى على احداث متتالية متوالية تتخللها براعة الكاتب فى إيجاد صراع درامى وحبكة عند كل مقدمة فى أحداثها تزيد المتلقى أو المشاهد تشويقا لكنها ترتبط بفترة زمنية داخل التاريخ أى فى الوقت الماضى – كروايات كثر شاهدناها سينمائيا أو تليفزيونيا -وهنا تكون لعبة الماضى و المستقبل محصورة تاريخيا فى زمن له بداية وله نهاية لا تتجاوز التاريخ الحالى والمستقبل فى هذة الحالة هو مستقبل من حيث الأحداث فقط ويأتى الكاتب فيها ليحدد البداية – ثم النهاية ويملأ بينهما بأحداث الرواية أو العمل الفنى – عمل ممتد من بدايتة الى نهايتة على الورق وينتهى بنهاية الكتابة .

لكن عند اسلام فتحى الماضى والمستقبل هنا دمجهما ببعضهما وخلطهما خلطة يصعب الفصل بينهما فبدايتة على الورق كانت عام 3300 أى بعد 129 الف سنة ميلاديا وبعد 1870سنه هجريا - وبعد 1574 قبطيا وقد جئت بفترة الزمن المتبقية على بداية أحداث الرواية من حيث الأوراق – أى بدايتها فى اللفظ المكتوب وهو المضمون التاريخى الذى تحدثنا عنه – بكل التقاويم الميلادى والهجرى والقبطى لأنه لم يذكر لنا فى البداية طبيعة التقويم الذى افترض على اساس حدوث أحداث روايتة وامتلاء الأرض بالبشر ونيتهم للهجرة الى القمر وإحتلاله.

والمهم هنا أن دمج الماضى والمستقبل بهذة الطريقة جعل بداية الرواية هى نهايتها ونهاية الرواية هى بدايتها

فالبداية هنا عام 3300 حينما بدت الأرض لا وجود فيها لبشر جديد – ثم نهاية الرواية حينما تخلص السيد شوكت من اللعنة التى أصابتة ورحيل الأشباح والحوار الذى دار بين مارجونى الشرير وبوردى الطيب حينما صرح له مارجونى الشرير أنه سيقتلع قلوبهم جميعا بعد أن يحصل على ماله وحقه فى المتحف المصرى .

هذة هى البداية الحقيقه للرواية من وجهه نظرى - البدايه التى لم تحدث حتى الأن لكنها بدايه التفكير فى ما سيحدث من وجهه نظرى بالطبع – ماذا يدعى هذا الشرير فى ما يملكه فى المتحف المصرى – ونحن هنا نقف على علامة استفهام لا بد ان نفكر فى ما ورائها من اجابة –
الصراع بين العرب واليهود – وواضح أننى جمعت العرب جميعا فلماذا ركز مارجونى الشرير على العوده مرة اخرى لأخذ ماله فى المتحف المصرى؟

هل تم اختصار العرب فى مصر – وتم اختصار العرب فى المتحف المصرى - ؟ فهل المقصود هى حضارة مصر – ومن ثم فقد أراد الكاتب بهذا رسالة الى المصريين وحضارتهم – ربما
وهل يقصد أن الصراع فى الأساس مهما يمرعن مصر – فإنها المقصودة بالفعل؟
وإذا كان يقصد ذلك عملا بمقولة إسرائيل الكاذبة أن وطنهم من النيل الى الفرات – فلماذا لم يذكر بغداد مثلا مع القاهرة - هل لأن بغداد أصبحت محتلة بعد أن فرغت من حضارتها بفعل فاعل كما نعلم جميعا .ولم يعد سوى مصر التى جرى لها لعاب الأشرار أمثال مارجونى وغيره .

علامات إستفهام كبرى – ربما وجودها يضفى على العمل إثار أخرى .

ولا ننسي أن الكاتب الرائع اسلام فتحى وضع نهاية مفتوحة للصراع – حينما خطف الصولجان الذى رمز له بالخير – وهنا إشارة واضحة للإتيان – كعرب لا بد وأن نتطهر أنفسنا أولا حتى نأتى بصورة تمكننا من تحرير أرضنا ومقدساتنا.

يمكن أن نقول أن اسلام فتحى أراد بهذا العمل أن يهرب من التقليدية والمباشرة فى بناء الرواية بالمعنى العادى والهروب هذا تم كالاتى:

أولا: لعبة الماضى والمستقبل التى تحدثنا عنها وكونه خرج بالنص وأحداثه على الورق من حيز الزمن المتاح الممكن الى مجال الزمن المقبل والأتى.

ثانيا: ضمن المعنى المقصود فى الرواية أحداث جرت على أرض الواقع ولم يأخذ طريق الى الخيال مثل ما فعل فى أول الرواية حين جاء بزمن غير مضطرالوصول اليه.

ثالثا: أراد أن يقول ما قاله فى الرواية كما يحدث فى الخيال العلمى حتى لا يقع فى فخ المباشرة والجنوح الى الخيال الكامل . فمزج بين الاثنين فى العمل الذى تعرضنا له.

رابعا : تسمية الأشباح بمسميات غريبة لكنها ضعت فى مكانها الحقيقى فى الرواية . فمثلا مصاص الدماء مارجونى ويرمز له هنا شارون وأمثاله.

ثم بوردى الطيب فى منطقة حقول البترونيز وهذا الرمز – من جهه نظرى فى الجزيرة العربية – ومعروف أن الجزيرة العربية مهد الاسلام.

وأتصور انه يقصد به التدين والالتزام.

ثم لم ينسي اسلام فتحى أن يرمز بالخير الى الصولجان الذى خلص السيد شوكت من اللعنة التى أصابته – وحرص مارجونى الشرير أن يأخذ الصولجان معه حتى لا يأخذه بوردى الطيب مرة أخرى أو سارة وهديل وهما رمز الخير والصدق – إلا أننى أعود الى القول أن بوردى الطيب وإن كنت قد مثلته بالدين الموجود فى حقول البترونيز وهو الثروةوأعتقد أنها البترول – لا أعتقد أنه التدين أو الاسلام تحديدا لأن التدين هنا ليس شبحا وليس منفيا بمعرفة مارجونى أو غيرة لكنه محارب ومضطهد من أهله – إذا هو يقصد شيأ اخر – والمعنى فى بطن الراوى كما يقولون.

أخيرا وليس أخرا:

رواية مستعمرة القمر كما أراها وربما ليعارضنى البعض رواية غير تقليدية جاءت كجرس تنبيه تحمل معها وفيها رموزا للخير والصدق والالتزام والطهر التى نحن بحاجه ماسة الى التمسك بها والرجوع اليها حتى نستطيع النهوض من كبوتنا التى طالت كثيرا.

في رواية مستعمرة القمر للكاتب (اسلام فتحي)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى