الاثنين ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو عبيد

آفة العقول غيابها

 
حبى الله المرء بالعقل والعاطفة، فمن الناس من تعقّل، وهم قلة، ومنهم من جرّتهم العواطف في لحظاتها، وهم ثلة، وإذ بها قد خدعتهم فرمتهم في اللامُشتهى. الغضب ينتمي إلى تلك اللحظات، أوله جنون وآخره ندم. لو تعقل المرء لعرف أن تغلبه على غضبه انتصار على ألدّ أعدائه، لكن الكثيرين،للأسف، يشرد عن أذهانهم أن العقل هو الحُجة، لذلك آفة عقول البشر هي بشر بلا عقول، وهم الذين يفتحون أبواباً يعجزون عن إغلاقها ويرمون سهاما فترتد إلى نحورهم كما البمرنغ.

لا يجدر للعقل أن يكون عبداً للذة الانتقام التي لا تدوم سوى هنيهات،بينما تدوم تبعاتها. وما الانتقام إلا وليد التشرذمات الحاصلة في مجتمعاتنا التي علمونا عنها في المدارس أن العروبة توحدها، وإذ بنا لا ننقسم إلى مجتمعات تعادي بعضها بعضاً فحسْب، بل إن المجتمع الواحد "تشلل وتملل"،ففارقت الروح الاوركسترالية الجسد العربي، وصارت كل شلة تحسب نفسها أمّة، يصبح اللامنتمي إلى إحداها غريباً ينطبق عليه قول المتنبي: "أنا في أمّة تداركها الله غريبٌ كصالح في ثمود".

الجميع معرض إلى ما لا تشتهيه الأنفس في ظل تغييب القوانين الرادعة في الكثير من الأصقاع المشرقية، وهي القوانين التي تضع الأمور في نصابها الصحيح ، وانعدام عدالة القوانين الهادفة إلى إصلاح المذنب لا الاقتصاص منه لمجرد القصاص . لذلك، ينبغي أن تكون للقانون سلطة على البشر لا أن تكون للبشر سلطة على القانون ".لا غنى عن الرادع العقابي، لكن ما هو إلا قليل أمام الرادع التربوي العقلاني وكلاهما مختلف أمره. من تردعه عين المراقب فإنه "سيشاغب" بغياب المراقب، وبالتالي لا يُعقل أن يتم تعيين مراقب على كل فرد، ومن يردعه حسن التربية والمنشأ فإنه لن يرتكب ما يستدعي العقاب وإن خلا المكان من المعاقِبين.لعل مثالاً صغيراً،للخصر لا للحصر، فيه عبرة: فقد قيل،على ذمة ما قرأت، أن شرطة السير في اليابان تعاني كساداً في العمل وتحرير المخالفات لأن السائق هناك لا يخشى شرطي السير، لكنه يحترم قوانين السير .

في مقابل ذلك، يخشي المرء أن تصل به الأمور إلى الإيمان بأن ما يميز "العربي" هو مخالفته للقوانين، وردّه الصاع صاعين في حال خلاف بسيط حسب القاعدة الشعبية " ما بجيب الرطل إلا الرطل ووقية". فلم يبثّ أولو الأمر فيه معنى التسامح، ومعنى القول سلاما ً إذا خاطبه الجاهل 

لنا أن نتخيل طفلاً نما وتربى على أساس كهذا، فإن نزعة غير حميدة تنمو معه كما لو أنها توأمه، وسيمارسها ، وتكبر معه أنانيته ليظن إبان فتوّته أن الشارع يصبح مُلكه، وأن العامّ يصبح خاصّه،وأنه الوحيد ومن بعده الطوفان.

كمشرقيين، فإننا في حاجة إلى "بيريسترويكا" مجتمعية تعتمد على استخلاص العبر من التشرذم الحاصل بين العرب نتيجة لتغييب العقلانية.إن التربية السليمة للطفل في صغره،تعينه في كبره، ولو كانت جذورها مرة ،كما وصفها أرسطو، لكن ثمارها حلوة. يجب أن يسود القانون حتى يحتفظ بالعقول داخل البشر، وأن لا يتم السماح باختراقه حتى لو كان لصالح امرىء من الناس. فمَن خرق القانون لمنفعتي، قد يخرقه غداً لمضرتي وخراب بيتي .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى