الجمعة ٢٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦

الجيش ليس سورا للوطن...

بقلم البشير تنجال

هل نحن فعلا مستقلون ؟ هل ذهبت أنهار من الدماء هدرا ؟
ملايين من المناضلين سحقتهم آلات الموت الاستعمارية دون رحمة في سبيل أن نتمتع بالحرية وبالكرامة كبقية شعوب العالم ،ما جدوى أن تزهق الأرواح الزكية وتملأ السجون بخيرة شبابنا ونحن ما زلنا نراوح في العتمة لا نعرف متى تشرق الشمس فينا وعلينا فنتحول إلى آدميين نعيش وفق رغباتنا وأهدافنا كأي أمة أخرى ؟ !

هل عجزت حركات الاستقلال على بناء الدولة الوطنية القادرة على تحقيق جملة الأهداف التي من أجلها استشهد آلاف المناضلين ؟ أم تحولت إلى وكيل للمستعمر تأتمر بأوامره وتستجيب لأغراضه الآنية والاسترتيجية مقابل بقائها في السلطة دون حسيب أورقيب ؟ هل تقوقعت تلك الحركات الشعبية الضخمة حول نفسها فنزعت عنها كل تلك الآمال والأحلام التي سكنت أجيال متعاقبة: الحرية- الوحدة –
القضاء على الفقر والأمية والأمراض والجهل والظلم –استرداد المكانة الحقيقية للأمة العربية ذات الحضارة الرائدة والتاريخ المجيد؟ هل توقف خفقانها في اليوم الأول من استلامها مقاليد السلطة ؟ ثم لماذا استمرت فيها كل هذه العقود دون أن تتزحزح إلا بفعل الموت أوالإنقلابات العسكرية ؟ !

الحقيقة أننا لم ننعم بعد بنسيم الاستقلال ولم تطأ أقدامنا عتبة الحرية ومازلنا نعيش مذلة الاستعباد إلى حين نعي بالفعل أن هؤلاء الذين يتحكمون في رقابنا معظمهم من خريجي الكليات الحربية الغربية،متشبعين بثقافة الاستعلاء ، مبهورين ببريقها، منجذبين إلى سحر سلطانها ،معتبرين الغرب الاستعماري آلهة يجب تقديسها الاستجابة لكل رغباتها، فهي الجنة والجحيم، وهي النار و النعيم، وبالتالي فإن هوة سحيقة تفصلهم عن تطلعات الأمة ومشاغلها .

فإذا كانت آلاف الملايين من الدولارات ترصد لشراء أسلحة وبناء جيوش ضخمة، مقتطعة من قوت المواطن العربي وعلى حساب صحته وتعليمه ورفاهيته لا تصلح للحفاظ على الأرض والذود عن العرض بل لحماية العدو وقمع الشعب وقتل الحريات وتأليه الحاكم الذي أتى إلى السلطة على ظهر دبابة سواء كانت محلية أوأجنبية. فالأجدى أن تحل الجيوش العربية التي هي عاجزة على الذود عن الوطن وتحرير الأرض المغتصبة وتحويل تلك الأموال المرصودة إلى التنمية الحقيقية الهادفة إلى تحرير المواطن من العبودية والذل والبطالة والجهل، فالشعب الحر لقادر على هزم أعتى الجيوش الغازية.. ألا تشاهدون ما تفعله المقاومة العراقية يوميا في أعظم جيش في العالم ، وما تكبده المقاومة اللبنانية للعدو الصهيوني من خسارة مادية وبشرية لأقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط ،فماذا نفعل بجيوش تأكل ربع ثرواتنا ليقع توظيفها لقمعنا ولحماية الحاكم وحرس لحدود للعدو؟ ! فكيف نبني جيشا قبل أن نؤسس دولة تستجيب لتطلعات الشعب في التقدم والرفاه والوحدة والقوة ؟ !فهل تتوفر في النظام العربي شروط ومواصفات وجود «الدولة» التي تتمتع بمؤسسات مستقلة ومنتخبة وممثلة لمختلف شرائح المجتمع ؟ ! أم نحن نعيش في ظل سلطة استنسخت أدوات دولة الاستعمار فأفرغتها من مهامها وحولتها إلى مجرد زينة وأصبح القطر مجرد ملك خاص لسلطة الحزب أوالملك أوالقبيلة أوالعائلة. إن معظم الجيوش العربية تحولت إلى حماية الحاكم الفاقد لأية شرعية شعبية أودستورية وأداة قمع للحريات وبالتالي فقد فقد دوره الحقيقي في الذود عن الوطن، وعدمه خير من وجوده. فالأمة العربية ليست في حاجة إلى جيوش تكبل حريتها بقدر حاجتها إلى بناء مقومات الدولة العصرية التي تضع حدا للفساد المالي والرشوة والمحسوبية وتأليه الحاكم وتزييف الانتخابات وتسلط الأمير والملك وجعل الوطن ملكا للجميع لا لفرد أو عائلة أوحزب أوعصابة.

فهل بعد كل هذه السنوات الطويلة من«الاستقلال» وكل الثروات الطائلة التي حبانا بها الله ما زلنا نسيل لعاب القوى الاستعمارية المتحفزة للانقضاض ، ومازلنا معرضين للنهب والاحتلال لأننا ببساطة أغبياء لأننا قبلنا برغبتنا أو رغما عنا بنمط الحكم الذي سلط علينا مدة عقود من الزمن ، قبلنا بلصوص وعصابات مافية تتحكم في رقابنا وتنهب ثرواتنا وتفتح مدننا وموانئنا وأجواءنا وخزائننا للعدو .

هل نحن في غيبوبة عما يدور حولنا ؟ ! أم أننا لا نقدر إلا على البكاء والنواح ؟ ! أم أن القمع المسلط علينا لا قبل لنا به ؟ ! أم أننا لم نؤسس بعد لأدوات النهوض ؟ !

في غياب السلطة حررت المقاومة اللبنانية جنوب لبنان وألحقت هزيمة مذلة بالكيان الصهيوني لأنها خرجت من رحم حرب أهلية أشعلها الاستعمار السماسرة و" أبناء الذوات" الذين توارثوا النفوذ والمال أب عن جد و مازالوا يراهنون على الغرب الاستعماري حتى لا يفقدوا سلطتهم ولا يذهب مالهم .

فالشعوب العريقة ، مهما حلت بها من محن وأزمات لا يمكن أن تهزم ومثالنا على ذلك هو ما حققته المقاومة العربية وما تحققه من انتصارات رائعة على العدو الصهيوني والأمريكي كل يوم سواء في لبنان أوفي فلسطين أو في العراق دون الاعتماد على جيش نظامي لا يقدر على الآلة العسكرية المتطورة جدا للعدو.

إن الحاكم العربي هو الحامي الحقيقي للعدو الصهيوني وللعصابات المتطرفة التي تقود الولايات المتحدة وهو شريكهما في كل الدمار الذي يطال الوطن العربي ، وهو يعتمد في ذلك على قوات الجيش والأمن لترهيب جموع الشعب وتركعيه. إن الدلالات كثيرة وأبرزها ما تسمى بحكومة العراق الفاقدة للشرعية وشرطتها وجيشها «مناقبها» العديدة في مدينة الفلوجة والرمادي والموصل والنجف وغيرها من المدن والقرى العراقية فهي ذراع قوات الاحتلال ووقودها ، وهي الآلة العسكرية لتنفيذ مشاريع الاحتلال التي تختزل في : التقسيم ونهب الثروة وتحطيم البنى القيمية للمجتمع العراقي وسلبه هويته.

إن المقاومة اللبنانية خاصة أدخلت الذعر في قلوب الحلف الثلاثي :العدو الصهيوني والنظام العربي والغرب الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تملك مشروعا تحرريا لبنانيا وإقليميا وذات بعد إنساني عميق . فالجيوش العربية لا تصلح لأن تكون أسوارا منيعة للوطن ما دام هذا الأخير تحكمه نخب أوطانها جيوبها.

بقلم البشير تنجال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى