الاثنين ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم حسن المير أحمد

أسئلة معلقة في الهواء

تتدافع الأفكار مرة واحدة إلى الرأس أحياناً.. تتصارع بعنف للخروج إلى العلن فتصطدم بحواجز صلبة وروادع مبهمة أفرزتها تربية صارمة وحصار اجتماعي جائر وقاس، ما يجعلها تتقهقر وتتبعثر في فضاء الروح، قد يتسرب منها نذر يسير باهت لا يعبر عن معانيها؛ بل يفقدها صدقها وحيويتها وغايتها.

والروادع التي ينشأ عليها المرء في مجتمعاتنا لا تعد ولا تحصى، ما يدفعه في أغلب الأحيان إلى المواربة والالتفاف والتذبذب والنفاق وصولاً إلى الكذب والخداع، في محاولة يائسة للتعبير عن جزء من فكرة ما يؤمن بها، وكثيراً ما يفشل شأنه شأن فيلم سينمائي يخضع لرقابة صارمة من رقيب متزمت فيقتطع منه نصف اللقطات ليخرج مشوهاً لامعنى له فكرياً أو بصرياً!!
هذا الواقع الذي عاشته وتعيشه مجتمعاتنا ينعكس بشكل واضح على العطاء والإبداع في مختلف المجالات بدءاً من العلاقة بين الآباء والأبناء أو الأزواج والزوجات مروراً بالعلاقة بين أرباب العمل والعاملين لديهم وبين الطلاب ومدرسيهم وصولاً إلى الكتابة والفن والرسم والتصوير وما إلى ذلك من ضروب الإبداع المتنوعة.

ولو أخذنا مثلاً العلاقة الإشكالية الدائمة بين الطلاب ومدرسيهم، للمسنا درجة القمع الفكري الذي يمارسه المدرسون على طلابهم، فلا يسمحون لهم بطرح الأسئلة المحرجة أو التساؤلات المشروعة حول أمور تؤرقهم ولا يجدون إجابات عنها، إذ يتهرب المدرس من الإجابة تارة لكونه لا يعرفها وتارة أخرى لكونه هو نفسه يرزح تحت وطأة تلك الروادع والممنوعات التي تلقاها في تربيته أو فرضتها "النواميس" الاجتماعية غير الموضوعية، ما يعني بقاء تلك الأسئلة سائبة في الفضاء حول رؤوس التلاميذ لا يجدون من يشرحها لهم ويقلل بالتالي من قلقهم الدائم الذي يتبدى في كثير من الأحيان عبر سلوكيات قد تظهر للآخرين وكأنها سلوكيات عنيفة أو غير مقبولة!

وتنسحب هذه الصورة على معظم مجالات الحياة، ما يجعلنا نشعر في أي موقع من مواقعنا أننا داخل دائرة مفرغة نجوب مساحتها تائهين من دون أن ندرك أي الجهات تناسبنا وتحقق لنا طموحاتنا وتضعنا على طريق بناء المستقبل المشرق.
لكن معاناة قسم وافر من الذين يعملون في مجال الكلمة (من كتاب وصحافيين) هي الأشد وجعاً باعتبارهم يدركون الحقائق ولا يستطيعون التعبير عنها بحرية ووضوح فعيون الرقباء ترصدهم في كل مكان وتعدّ كلماتهم وحروفهم، ويفسرون جملهم كما يروق لهم.. أولئك الرقباء الذين باتت أعدادهم أكبر من أن تحصى، جلهم من الذين لا يفكرون أبعد من أنوفهم معتمدين على مقولة واحدة: إذا لم تكن معي فأنت ضدي!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى