الاثنين ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم عبد الرحمان الصباغ

لاسومريين في قاع الخليج

منذ زمن بعيد وفي نهاية السبعينات من القرن الماضي وبحكم تخصصي في الجغرافيا الطبيعية ,وتحدبدا الجيومورفولوجيا, كنت أحدث زملائي ومن حولي ولم يكن هنالك طبعا أنترنيت ,عن امكانية أن يكون الخليج
بمعناه الجغرافي الواسع وطنا لشعبا قديم أي ليس فقط أن يكون الأنسان قد عاش في جنوب العراق والى الجنوب منه على الضفة الغربية للخليج كما تثبت ذلك اللقى الأثرية ورقم السومريين وانما ايضا داخل الخليج نفسه أي بعبارة أوضح على قاعه الحالي.

ذلك أن دراسات المناخات القديمة للحقبة الجيولوجية الرباعية والتي أستمرت لحدود المليونين سنة كانت قد شهدت انقلابات مناخية كبيرة سميت بالعصور الجليدية في أمريكا الشمالية وأوربا وبالفترات المطيرة في المناطق التي تقع الى الجنوب منها بشكل عام كما في شمال أفريقيا والشرق العربي وكانت تتضمنها أي بين كل فترة وأخرى فترات تسمى معتدلة في أوربا وأمريكا الشمالية وفترات جافة في شمال أفريقيا والمشرق وكانت هذه الفترات تستمر لفترات طويلة جدا تقاس بعشرات الآلاف من السنين.

ولقد انجرعن هذه التغيرات المناخية الكبيرة نتائج كبيرة أيضا منها تفاوت مستويات سطح البحر بين قمة كل فترة وتلك التي تعقبها ذلك أن المحيطات والبحار المتصلة بها سينخفض مستواها أثناء الفترة الجليدية بسبب تحول جزء كبير من الرطوبة الجوية على دائرتي القطبين وحولهما على اليابسة الى جليد بسبب أنخفاض الحرارة مما سيأخذ كميات هائلة من مياه المحيطات فينقص من مستواها في كل العالم وسيصل الأنخفاض أعلى مستوى له عندما نصل القمة للفترة الجليدية.أما أثنا الفترة المعتدلة أي تلك الفترة التي تعقب الجليدية وتوصف بالأعتدال وهي ستشبه نسبيا المرحلة التي تعيشها أوربا اليوم وأمريكا الشمالية فسيذوب فيها الجليد وترتفع مستويات المحيطات لأعلى مستوى عندما نصل الى قمة هذه المرحلة المعتدلة.

وبطبيعة الحال ان البحار والمحيطات ليس كلها بنفس العمق فقد يؤدي انخفاض مستوى البحر أثناء الفترة الجليدية ان يكون البحر ضحلا أوأن ينسحب عن أراضي كان يغطيها من قبل أوحتى ينسحب مخلفا بحرا أوبحيرة داخلية. ولكل من ذلك تبعات على طبيعة الأنهار ومجاريها فعندما ينسحب شاطئ بحر سيتبعه مصب النهروسيعمق مجراه بالنظر لهبوط مستوى البحر.

وما تقدم هووصف عام ونظري لما قد كان يحدث ولكن الواقع هوطبعا أكثر تعقيدا.فلرسم صورة أقرب للواقع لابد من الأخذ بنظر الأعتبار بالمؤثرات الأخرى التي تكتسي بأهمية كبيرة وعلى رأسها العامل التكتونيكي أي حركات القشرة الأرضية والزحف القاري فمنطقة الخليج بالذات وامتداده في العراق كانت وما زالت تتعرض لهذ المؤثرات لأن كتلة أودرع الجزيرة العربية تزحف نحوالشرق فترتطم وتنزلق تحت كتلتي أيران وتركيا وذلك بسبب الأنفتاح المستمر للبحر الأحمر, وهذا هوسبب ظهور واستمرار الزلازل والهزات الأرضية في كل من تركيا وأيران من آونة لأخرى.أن هذا الزحف المستمر منذ ملايين السنين أدى لأرتفاع قاع البحر وظهور جزء كبيرمن العراق وسوريا ثم أدى الى ضحالة مياه الخليج. ظحالة مياهه جعلته أن يتأثر بشكل كبير ومحسوس بالتقلبات المناخية أثناء الرباعي.وهكذا فأن هبوط مستوى المحيطات العالمي أثناء فترة جليدية مهمة سيؤدي الى انسحاب مياه الخليج الى مديات معينة وستعمق الأنهار مجاريها لتصل الى رؤس مصباتها التي تتراجع ومن أهم هذه الأنهار دجلة والفرات التي قد تاخذ شكل نهر موحد يستمر عشرات أومئات الكيلومترات جنوب مصبه الحالي جنوب البصرة وستصب في هذا النهر العظيم أنهار أخرى كانت فاعلة أثناء الفترات المطيرة قادمة من مرتفعات ايران شرق الخليج وأخرى من أرض الجزيرة للغرب كوادي الباطن والدواسر والرماح.

وستصبح مناطق شاسعة على ضفاف هذا النهر موطنا لسكن الأنسان القديم. ولم لا يستمر هذا النهر أيضا بمتابعة انسحاب الخليج ومن ثم يصب في البحر العربي عند مضيق هرمز؟ أوان ذلك الخليج سينسحب قبالة مضيق هرمز ليترك خلفه بحيرة داخلية تتبخر لتترك رواسب ملحية وسبخات أوأن تظهر بحيرات مائية عذبة تدريجيا نتيجة ملئها بمياه الأنهار. نظريات واحتملات عديدة وممكنة تستوجب دراسة معمقة قبل التحدث بأحتمال سكن الأنسان قاع الخليج الحالي مع الأقرار بان الأحتمال قائم. أما ما سيتم أثناء المرحلة المعتدلة في أوربا وأمريكا الشمالية فهوارتفاع منسوب المحيطات ومن ثم تقدم مياه الخليج للداخل وتبعات ذلك على المحيط الجغرافي المباشر أي حوض الخليج وارتفاع مستوى قاع الأنهار والوديان وشحة الأمطار في الفترة الجافة وظهور المستنقعات عند رأس الخليج. أي بعبارة أخرى أن نظام المستنقعات والأهوار هومرتبط بالفترة الجافة وليس الرطيبة. وهذا له دلالات بعيدة اذ أن السومريين وطبيعة معيشتهم مرتبطان بهذه البيئة لأرتباط حيواناتهم وعلى رأسها الجاموس بها أصلا.

فلا يمكن تصور الحضارة السومرية دون الأخذ بنظر الأعتبار نوع بيئتهم وتشابك وترابط مكوناتها وهي بيئة خاصة متميزة جائت نتيجة لضروف طبيعية خاصة ومتميزة في فترة مناخية تعود للمرحلة الجافة بشكل خاص وليس الرطيبة المطيرة. أي في المرحلة التي يكون فيها الخليج متقدما للداواخل وليس منسحبا أوبعبارة أخرى مرحلة أرتفاع منسوبه وليس العكس.وبالمقايل فليس لدينا أدنى شك بأن الأنسان الذي يمثل جد الأنسان السومري والذي عاش في مرحلة أقدم بكثيرمن بداية الفترة السومرية بمعنى خلال الرطيبة كان هنا ولكن ليس بالشكل والصورة التي عاش بها السومري في بيئته التي نعرفها أي كان صيادا جامعا لاقطا يجوب أرجاء الجزيرة وشمالها في العراق وسوريا وشمال أفريقيا.

أن وجود دلائل على حدوث انسحابات خليجية بواقع وجود جروف ومصاطب بحرية تعود للرباعي لاتعني وبغياب الدليل قيام حضارة سومرية في مكان آخر بعيدا جدا عن جنوب العراق , ولوأدركنا بأن الفترة الجافة الأخير ة بدأت منذ 14000 سنة تقريبا وأنها رافقت بدايات ظهور الزراعة في العالم والتي للشرق الأوسط وللعراق بالذات السبق بذلك في مناطقه الشمالية الغربية وعلاقة الزراعة بالجفاف وكذلك ظهور الأهوار والبيئة الخاصة بها وكملاذ طبيعي للحيوان خلال هذه المرحلة وللأنسان الصياد الجامع اللاقط الذي بدأ يعاني من نقص الصيد والغطاء التباتي فهمنا معنى توجهه واستقراره في هذه المناطق دون غيرها فهواضطرار أكثر منه خيار فالتحول للزراعة في الشمال الغربي ثم الوسط له متطلباته والتحول للعيش في وقرب الأهوار له متطلباته ايضا وهي متطلبات لاتأتي بالصدفة.

ولكن قد يقول قائل لماذا لانفترض عدة دورات سومرية أي لماذا لا يكونوا قد كرروا نفس الحياة في كل مرة تكون فيها فترة جافة بعد كل رطيبة على طول الحقبة الرباعية.وهوتسائل ساذج اذ بمجرد فحصه سيتبخر فهويستوجب ثبوت حالة وطول الفترات الرطيبة والجافة على ماهي وثبوت النشاط التكتونيكي وتوقف ارتفاع قاع الخليج وتوقف التطور المعرفي للأنسان بحيث يعود دوما لنقطة الصفر ليبدأ من جديد وكذلك سهولة التغيير للثقافة والحياة كلما تغيرت البيئة حوله أي مرة صياد جامع لاقط وأخرى راعي مستقر تاجر بحري حسب الضروف وبعد ممارسة في كل مرة تستمر عشرات الآلاف من السنين.واذا اغمضنا عيوننا عن كل ذلك فماذا سنقول عن الزراعة التي ماأكتشفت الا في الفترة الجافة الأخيرة.لم لاتكون هي أيضا تدخل بنفس الدورة أي مرة يكتشفها الأنسان يمارسها ثم في الرطيبة التالية ينساها فيعود للصيد ثم يعود للزراعة بعدها وهكذا.ثم يتوجب اثبات كل ذلك وكل هذه الدورات.وحقيقة الأمر هي أن الفترات المناخية التي مرت على الأرض خلال الرباعي متباينة بالفترة الزمنية وبالتأثير وان الفترة الجافة الأخيرة التي نعيشها والتي هي معتدلة في أوربا وأمريكا الشمالية هي من أكثرها جفافا وان الأنسان حقق خلالها قفزات ثقافية هائلة على شكل متوالية هندسية ففيها انتقل من العصر الحجري القديم للحديث وبدأ يصنع الأواني والفخار ومن ثم أكتشف المعادن والأستقرار في دور مبنية وباشر التدجين والزراعة ثم التجارة ومنذ ستة آلاف سنة تقريبا بدأ يكتب في سومر.أليس كل ذلك يعني تسلسلا واضحا في الأحداث والوقائع؟.

ليس من السهل اذن القول بأن الشعب السومري كان موجودا أيضا وبنفس الصيغة التي وجدناها في جنوب العراق خلال مرحلة جافة سابفة لأن ذلك يعني وبكل بساطة زمنيا ما بين 130 و110 ألف سنة أي في الفترة التي ما يزال فيها انسان النيندرتال حيا يرزق في العراق ومناطق أخرى من العالم. في النهاية يمكن القول ان رأس الخليج كان متواجدا جنوب موقعه الحالي عند بداية التحول من الفترة الرطيبة الأخيرة الى الجافة أي بحدود مايقارب ال16000 سنة ولكن تطور وظهور السومريين كثقافة تستند على بيئة نهرية بحرية ومستنقعات وتدجين الجاموس يعود لفترة لما بعد ذلك أثناء أشتداد الجفاف وظهور الحاجة للجوء الى هذه الملاذات بالنسبة للحيوان والأنسان. ونستطيع القول بأن جنوب العراق الحالي, أوقليلا للجنوب أوللشمال, كان الوطن الأول والأخير للسومريين والتي انتهت هيمنتهم بهيمنة الأكديين اللذين جاؤا من بعدهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى