الأحد ١٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم جميل السلحوت

(خلود) رواية فيها رائحة القدس

عن منشورات دار القدس للطباعة والنشر صدرت في الأيام الأخيرة من العام 2009 رواية (خلود) للكاتب المقدسي سمير الجندي، تقع الرواية التي يحمل غلافها لوحة للفنان المقدسي طالب الدويك، وتصميم ومونتاج الأستاذ شريف سمحان في 186 صفحة من الحجم الصغير.

سمير الجندي كاتب مقدسي مولود في حارة الشرف في القدس القديمة عام 1958 وسبق أن صدرت له مجموعة قصصية (الطوفان) عام 2006 و(نبضات) مجموعة نصوص أدبية عام 2007.

ورواية (خلود)هي باكورة انتاجه الروائي وهي خليط من الرواية والحكاية، والمذكرات الشخصية، والتأريخ لمرحلة معاشة، اختلط فيها الواقع بالخيال، ومن يعرف الكاتب عن قرب، فإنه لا يحتاج الي كثير من الذكاء، حتي يتيقن من أن الكاتب قد روي لنا جزءاً من حياته الشخصية،ومعروف منذ القدم أن أيّ كاتب يستوحي شيئاً من سيرته وتجربته في كتاباته، إلا أن سمير الجندي في هذه الرواية قد سخّر كثيراً من سيرته الذاتية في نسج خيوط عمله هذا.

كما أن ولادته وحياته في القدس القديمة، قد جعلت منه شاهداً علي وقوع هذه المدينة تحت الاحتلال الاسرائيلي في حرب حزيران 1967 العدوانية.(كان بيتنا في حوش الشاي في حارة الشرف) ص17 .. (كنا داخل الملجأ النتن الذي تفوح منه رائحة كريهة تقتل كل مشاعر الأمان والجمال والحياة ... فإذا صوت يعلو منادياً عبر مكبرات الصوت:على جميع الرجال والشباب الخروج من المنازل والتجمع في الساحة فوراً) ص16(وقف الجندي الذي يحمل بيده مكبر الصوت وقال:نحن جيش الدفاع الاسرائيلي نحذركم .. نأمركم بترك منازلكم خلال ساعات والا سوف نهدمها علي رؤوس من فيها) ص17.

ومعروف أن المحتلين هدموا حارتي الشرف والمغاربة وحيّ النمامرة، المحاذية لحائط البراق-الحائط الغربي للمسجد الأقصى قبل أن يخمد هدير مدافع وأزيز رصاص تلك الحرب، وشردوا مواطنيها،وبنوا حيّاً استيطانياً يهودياً مكانها. ومع أن أهالي الحارة غادروها تحت تهديد السلاح، وانتقلوا إلى أماكن أخرى في المدينة أو خارج أسوارها، وحتى منهم من نزح إلى الأردن إلا أن والدة الراوي –حكيم– وبالتأكيد هو المؤلف نفسه، لم تستجب لارادة زوجها في النزوح إلى عمان (قالت له: لن نترك هذه المدينة أنا وأبنائي، هنا ولدنا وهنا نموت) ص12 فهل هذا هو قدر الفلسطينيين أن تتكرر المأساة مع كل جيل جديد؟ فقد جاء علي لسان الوالدة:(هاي هي قصتنا تتكرر يا بني، أخذت تعيد شريط ذكرياتها، رجعت الي طفولتها عندما تركت بيتها مع من بقي علي قيد الحياة من أبناء أسرتها في قرية زكريا، وبعد أن جاءهم خبر استشهاد والدها في معركة سكة الحديد في يافا عام 1939 علي يد الانجليزي المحتل).

ويخرج مواطنو حارة الشرف من بيوتهم إلى سوق العطارين .. فخان الزيت .. فعقبة المفتي. وقد جاء في الرواية وصف لبعض أبواب القدس، وبعض أحواشها، وأسواقها، لكن الراوي ما لبث أن ابتعد ليعود إلى حياته الشخصية، وكيف انقطع عن الدراسة عاماً اشتغل فيه بائع (علكة) ليحصل علي ما يسد رمق العيش، وليعود الي المدرسة ثانية، مواصلا عمله،(تعودت علي توزيع وقتي بين العمل والدراسة، أصبحت لا أستطيع الاستغناء عن أحدهما بالآخر،برمجت حياتي علي هذا المنوال، كنت تاجراً،ودليلاً سياحياً، ونادلاً في فندق) وينهي مرحلة الدراسة الثانوية، ويلتحق بالجامعة الأردنية في عمان، ويعمل أيضاً نادلاً في فندق، ويتعرف هناك علي خلود، التي قضي معها ليلة حمراء في الفندق الذي يعمل فيه، ولينقطع عنها بعد أن فصله صاحب العمل في اليوم التالي.

ويعود إلى القدس بعد انهاء المرحلة الجامعية الأولي، ويسجن لمدة عام، ويتزوج من ابنة عمته، ويعمل مدرساً، وتأتي الرواية على جنازة الزعيم جمال عبد الناصر الرمزية التي جابت القدس، كما يمر على قراءات الراوي لأبيه الكفيف وعلى رحلته إلى تايلند.

غير أن الذي استحوذ على الجزء الأكبر من الرواية هو علاقة الراوي (حكيم) بحبيبته (خلود)، فبعد أن التقاها تلك الليلة في فندق الوردة الحمراء في عمان، انقطعت أخبارها عنه لمدة خمسة عشر عاماً، الي أن التقاها ثانية وبالصدفة في القدس، وكلاهما كان قد تزوج وأنجب، غير أن خلود لم تكن موفقه في زواجها،فيجري اتفاق بينها وبين حكيم علي أن تنفصل عن زوجها كي يتزوجها، وانفصلت عن زوجها لكنه لم يتزوجها، وبقيت رافضة وساطات وضغوطات أخيها المغترب في أمريكا للعودة الي طليقها.

كما يتطرق الي مرض ابن خاله الذي هو من جيله بورم في الدماغ، وكيف ساعده للتخلص من هذا المرض بعملية جراحية في مستشفي هداسا الاسرائيلي.

وفي كل المراحل فإن هموم القدس رافقت الراوي يقول: (هم يغيرون أسماء الشوارع، صار الواد (حاجاي) والمصرارة (نفئيم) والشيخ جراح( هار هاتسوفيم) وحارة الشرف (حارة اليهود) والقدس وكل القدس صار اسمها (أورشليم) ص187. ومع ذلك فانه يؤمن بحتمية النصر(نحن وهذا التراب امتزجنا امتزاجاً عضوياً وهو موجود اذا أنا الانسان موجود،وهو مسلوب اذا أنا الانسان مسلوب الارادة والمكان) ص 187.

وختاماً فإننا نشتم في هذه الرواية رائحة القدس، هذه المدينة التي تستحق آلاف الروايات، فكل حجر وكل بناء وكل زقاق، وكل سوق يحمل في طياته روايات لم تكتب بعد.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى