الأحد ٦ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم يوسف الصيداوي

إتقان الكتابة بالعربية - قسم ٤

27- الفَتْرة

جاء في (المعجم الوسيط): «فَتَر يفْتُر فُتُوراً: لانَ بعد شدة، أو سَكَنَ بعد حِدَّةٍ ونشاط.» وفي التنْزيل العزيز: يُسبِّحون الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرُون. أي لا يَضعُفون عن مداومة التسبيح.

وجاء في (الوسيط) أيضاً: «الفترة: الضعف والانكسار. والفترة: المدة تقع بين زمنين أو نَبِيَّيْن.» وفي التنْزيل العزيز: ]يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيِّنُ لكم على فَتْرةٍ من الرُّسُل. أي انقطاع من الرسل.

وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة: «فَتْرة: مُضِيُّ مدةٍ بين رسولين.»

وجاء في (أساس البلاغة /فتر) للزمخشري: «أجِد في نفسي فَتْرةً وفُتُوراً إذا سَكَن عن حِدّته ولانَ بعد شدته. وتقول: فلانٌ عَلَتْهُ كَبْرَه، وعَرَتْهُ فَتْرَه» أي: ضَعْف.

وفي (الوسيط): «فترةُ الحُمّى: زمن سكونها بين نوبتين.»

فالفترة إذن مُدةٌ تتميز بالفتور وانقطاع الجِد أو النشاط فيها. وكل حال للسكون أو الانقطاع تتوسط بين حالين من الحِدَّة أو الجِدّ أو الاجتهاد فهي فترة، طالت أم قَصُرَت. وكل حال من الشدة أعقبتها حال من الضعف أو اللين فقد آلت إلى فترة.

ومن الخطأ حسبان الفترة زماناً كأيّ زمانٍ من الأزمنة‍!

 قال ابن مسعود: «كونوا جُدَدَ القلوب.» وشرح هذا القول الإمام ابن قُدامة فقال: «كِناية عن عدم الفترة في العبادة.» ونقل ابن قُدامة قول بعضهم: «كنتُ إذا اعتَرتْني فترةٌ في العبادة، نظرتُ إلى وجه محمد بن واسع وإلى اجتهاده.»

 وقال الشيخ علي الطنطاوي: «… كان الشابان يتحادثان وهما يمشيان … وتكون فترةٌ يصمتان فيها فلا يُسمع إلا وَقْعُ أقدامهما.»

 وقال مصطفى صادق الرافعي في (كتاب المساكين /146): «ثم لتعلمنَّ أنه إن كانت للقَدَرِ فَتْرةٌ عن رجلٍ من الناس، فقيراً أوغنياً أو بين ذلك، فما هي غَفْلةٌ ولا مَعْجِزَة، ولعلّ الرجل إنما يُمدُّ له في الغيّ مدّاً طويلاً…»

 ولنا أن نقول: كانت السنوات ما بين الحربين العالميتين فترةً للمتحاربين.

 وكان عقد الثلاثينيات المنصرم فترةً للاقتصاد العالمي، أصابه فيها رُكود.

 أمضى فلانٌ على شاطئ البحر فترةً استراح فيها من عناء العمل.

 تتضمن السنةُ الإنتاجية في معظم الشركات فترةً مخصصة لاستجمام العاملين.

 توقفت السفينة في المرفأ فترةً للتزود بالوقود والأغذية الطازجة.

وقد شاع استعمال (الفترة)، في غير ما وُضعت له، شيوعاً واسعاً؛ فيقولون، مثلاً:

1 - سيُعقد المؤتمر / يستقبل المعرض زوّاره / تجري مقابلة المرشحين… في الفترة من 1-5 /6/1999.

أقول: سيعقد المؤتمر، إلخ… في المدة من 1-5 /6/1999.

2 - يجب مراقبة ذلك في فترة إزهار النبات…

أقول: مراقبة ذلك في طَوْر إزهار النبات. [من معاني الطور: التارة، أي: المدة والحين].

3 - لا تسطع النجوم إلا لفترة محدودة.

أقول: لا تسطع النجوم إلاَّ حِقْبة / برهة / مدة محدودة (تكون خلالها في حالة ثَوَرَان لا فتور!).

4 - الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن فترات وجودها تأتي من تفاعلات اندماج نوى الهدروجين.

أقول: الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن أوقات / أطوار / مراحل وجودها…

5 - والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل بشكل (كذا) كثيف إلى نجوم في فترة قصيرة.

أقول: والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل متكاثفاً بشدة إلى نجوم في مدةٍ / زمنٍ قصير.

6 - على الطلاب بذل الجهد أثناء فترة الدراسة (!) وإيلاء الفترات التدريبية عناية خاصة.

أقول: على الطلاب بذل الجهد أثناء الدراسة / مدة الدراسة، وإيلاء الأوقات التدريبية / أوقات التدريب عناية خاصة.

7 - حدث من فترة أن اكتشف أحد الباحثين…

أقول: لا معنى لـِ (حدث من فترة/ أو من مدة …) لأن مجرد استعمال الفعل الماضي يعني أن الحدث جرى قبل زمن التكلم. فإذا أراد المتكلم / الكاتب مزيداً من التحديد، وجب عليه تعيين الزمن المنصرم بعد الحدث (حدث قبل 3 أيام مثلاً…) أو إضافة كلمة مُعبِّرة: جرى قديماً / حديثاً / قريباً / قبل أيام قليلة / قبل مدة قصيرة، إلخ…

8 - زارني منذ فترة قصيرة...

أقول: زارني قبل مدة قصيرة... زارني حديثاً / قريباً…

9 - يجب العناية بذلك في فترة الشباب على الأقل!

أقول: أتتميز مرحلة الشباب بالفتور أم بالحيوية والنشاط؟! [الشباب مرحلة من العمر تلي الطفولة وتسبق الرجولة. والشُّبّان والشَّوابُّ (الشابّات) هم الذين يعيشون مرحلة الشباب]. ويُجمع الشابّ على شباب أيضاً.

ولعل من المفيد أن أُورِد شيئاً مما جاء في مقال الدكتور البدراوي زهران (مجلة مجمع القاهرة، العدد 72 لعام 1993):

«... بل لهذا وُجدت للأوقات كلمات مختلفة على حَسَبِ الطول والقِصَر في المدة:

فالمدة شاملة لجميع المقادير من امتداد الزمن، وتنطوي فيها اللحظة أو اللمحة للوقت القصير، والبرهة والرَّدَح للوقت الطويل، والفترة للمدة المعترضة بين وقتين، والحين للزمن المقصود المعيَّن، والعهد للزمن المعهود المقترن بمناسباته، والزمن للدلالة على جنس الوقت كيفما كان، والدهر للمدة المحيطة بجميع الأزمنة والعهود والأحيان.»

أقول: جاء في (المعجم الوسيط): «البُرهة: المدة من الزمان.» (لم يَصِفْها بالطول!) وجاء في المعجم الكبير (الذي أصدره مجمع القاهرة): «البَرْهة: المدة الطويلة من الزمان، أو هي أعمّ. البُرْهة: البَرْهة. يقال: أقمتُ عنده بُرهةً من الدهر.»

وجاء في (الوسيط): «الهُنَيْهة: القليل من الزمان. يقال: أقام هنيهةً.»

وجاء فيه أيضاً: «الحِقْبة من الدهر: المدة لا وقت لها. أو السنة. (ج) حِقَبٌ وحُقُوبٌ.

وجاء فيه أيضاً: «الحُقْبُ والحُقُبُ: المدة الطويلة من الدهر (80 سنة أو أكثر). (ج) حِقاب / أحقاب.»

وجاء فيه أيضاً: «المَرْحلة: المسافة يقطعها المسافر في نحو يوم، أو ما بين المنْزِلَيْن.»

وتستعمل المرحلة الآن بمعنى (قَدْرٍ محدَّد من الشيء) وعلى الخصوص (قدْرٍ من الزمان).

يقال: مرحلة الطفولة، مرحلة الشباب، مرحلة الرجولة، مرحلة الكهولة، مرحلة الشيخوخة…

ويقال: مرحلة الدراسة الابتدائية / الإعدادية / الثانوية/ الجامعية…

وجاء في معجم (متن اللغة): «السَّبَّة من الدهر: كالبرهة والحقبة، وهي السَّنْبة.»

وجاء في (الوسيط): «الأَوانُ: الحِيْنُ. يقال: جاء أوانُ البرد. والجمع آوِنَة.»


28- حَذْف الجارّ - النصبُ

حذفت العرب حرف الجر في مواضع، بعضها قياسيّ، وبعضها سماعيّ.

 فمن القياسي: حذف الجار قبل (أنّ) و(أنْ).

يقال على الصواب: لا شكّ أنك عالم؛ ولا بد أنك ذاهب، ولا محالة أنك آت. وأصل الكلام لو قيل على المَصدر: لا شك في علمِك، ولا بد من ذهابك، ولا محالة من إتيانك. ولك أن تقول: لا شك في أنك عالم؛ ولا بد من أنك ذاهب... وفي التنْزيل العزيز: لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النارَ. أي: لا جرم من أن لهم النار.

تقول: أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنّ محمداً رسول الله.

أي: أشهد بأنْ لا إله إلاَّ الله، وبأنّ محمداً رسول الله.

وفي التنْزيل العزيز: فلا جُناح عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهما، أي: ... في أنْ يَطَّوَّف...

وفيه أيضاً: وعجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم، أي: عجبوا لـِ / من أنْ جاءهم…

وتقول: أنا راغبٌ أنْ ألقاك، وطامع أن تُحسِن إلى زيد، وحريص أنْ أصِلك. أي: أنا راغبٌ في أن ألقاك، وطامع في أنْ تُحسِن إلى زيد، وحريص على أنْ أصلك.

ولكن لا يُحذف الجارّ إذا جُعل المصدر مكان (أنْ). تقول: أنا راغبٌ في لقائك، وطامعٌ في إحسانك إليه، وحريصٌ على صِلَتِك.

ومن القياسي: النصبُ على الظرفية الزمانية:

إذْ ينصب ظرف الزمان مطلقاً، سواءٌ أكان مُبْهماً أم مختصاً، نحو:

سِرْتُ حيناً / مدةً، ونِمْتُ ليلةً، على شرط أن يتضمن معنى (في)!

قدِمتُ من سفري ليلاً (في الليل). جاءني صباحاً، ظهراً، مساءً (في الصباح، في الظهر، في المساء…).

ومن القياسي: سقوط الجارّ - الذي تتعدى به الأفعال اللازمة - في ظروف المكان المُبهَمة (وتُعرف بكونها صالحة لكل بقعة)، مثل: مكان، ناحية، جهة، جانب، فوق، تحت، يمين، شمال، أمام، خلف، أسفل…

تقول: مررتُ أمامَ قصر العدل، فتنصب (أمام) على الظرفية لأنها من الظروف المبهمة.

ومن السماعي: «نَزْعُ الخافِض» مع ظروف مكان مختصة.

والأصل الذي قرره جمهور النحاة هو دخول الجارّ على الظروف المختصة (غير المبهمة). تقول: مررتُ بدار فلان، فتُدخل الجار (بـ) على (الدار) لأنها ظرف مختص.

وقد شذّت مواضع نُزع فيها الخافض (أي حُذِف الجارّ) مع ظروف مختصة، نحو: دَخَلَ الدارَ أو المسجدَ أو السوقَ. ونَزَلَ البلدَ، وسكنَ الشامَ… فقالوا إن النصب هنا على إسقاط الجارّ اتساعاً [لأن هذه المواضع هي ظروف مكان مختصة، والأصل فيها الجرّ] وإنها سماع فلا يقاس عليها! من ذلك قول جرير:

تَمرُّون الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامكم عليَّ إذن حرامُ

فنصب (الديار) وليس ظرفاً مبهماً، فهو منصوب إذن على نزع الخافض اتساعاً، لأنه على نية الجر. وأصله: تمرّون بالديار أو على الديار.

وقولُ ساعِدة:

لَدْنٌ يهزُّ الكفَّ يعسِل متنُه فيه، كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ

فنصب (الطريق)، وهو ظرف مختص (غير مبهم). [عَسَلَ الثعلبُ: سار في سرعة واضطراب].

وهناك أسماءٌ مُعْرَبة، عُدِل بها إلى الظرفية فنُصبت. من ذلك:

 الخَلَلُ: وهو الفرجة بين الشيئين. هذا هو الأصل. وقد عُدِل بهذا الاسم المفرد إلى الظرفية. فقال نصر بن سيّار: (أرى خَلَلَ الرماد وميضَ نار). وقد جُمع الخلل على (خِلال). ونُصب في الآية: فجاسوا خلالَ الديار.

 طَيّ وثِنْي: فقد جاءا ظرفين أيضاً: أنفذْتُ دَرْجَ كتابي، وطَيَّ كتابي، وثِنْيَ كتابي.

ولكن يقال أيضاً (على الأصل)، أنفذته في درجِ كتابي، وفي طيِّه، وفي ثِنْيِه.

 واستُعملت (أثناء) جمع (ثِني) استعمال الاسم. ولكنها جاءت ظرفاً في قول الشاعر الجاهلي عمر بن ماجد:

‌ينام عن التقوى ويوقظه الخَنا فيخبِط أثناءَ الظلام فُسُول

وجاءت أيضاً في كلام بعض الأئمة:

قال الرضيّ في (شرح الكافية): فموضعها أثناءَ الكلام…

وقال ابن خلدون في (مقدمته): ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناءَ ذلك.

وقال ابن الدباغ في (نَفْح الطيب): وللنسيم أثناءَ ذلك المنظر الوسيم تراسُلُ مشي.

 الضِّمْنُ: باطنُ الشيءِ وداخله. وجاء في (لسان العرب/ضمن): وأنفذْتُه ضمنَ كتابي أي: في طَيِّه.

 الوَفْقُ: وَفقُ الشيءِ: ما لاءَمه. يقال: كنتُ عنده وَفْقَ طَلَعتِ الشمس: أي حينَ طلعت أو ساعةَ طلعت.

ويقال: أُنفقَ المالُ على وَفْقِ المصلحة / وَفْقَ المصلحة.

 الحَسَبُ: حسَبُ الشيءِ: قدْرُه وعدده. يقال: الأجرُ على حَسَبِ / بحَسَبِ / حَسَبَ العمل.

ملاحظة: للاستزادة انظر (مسالك القول في النقد اللغوي) لمؤلفه الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي. علماً بأن معظم مادة هذه الفقرة مقتبس من هذا الكتاب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى