الأربعاء ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٩
بقلم عبد الله المتقي

حــوار مع الشاعرة التونسية أسماء الشرقي

الشعر فضاء منفتح لا تحكمه حدود أو أبواب، فهو كون رحب يعيشنا قبل أن نعيشه

على هامش ملتقى الشعر الدولي توزر في نسخته الأخيرة، كان اللقاء مع الشعراء والشواعر من كثير من دول العالم، وبسبب القصيدة والجريد منبت الشعر والشعراء، انتفت الحدود الجمركية، قرأنا الشعر، تبادلنا أحلام القصيدة والوطن، واسترقنا السمع للموسيقى، ورأينا عنق الجمل وواحة نفطة، وبمناسبة، بهجات الشعر والشعراء، كان هذا اللقاء، مع التشكيلية والشاعرة التونسية أسماء الشرقي هذه الدردشة حول أبواب قصيدتها المفححة:

من أي باب أتيت القصيدة وما شكل فخاخك؟

اعلم أنّ الأبواب في حرفي متعددة المنافذ، مادمت أرى العالم لعبة مكعّبات تتشكل وتعيد تشكلها حسب زاوية الرؤيا..وأنا كأسماء، احاول جاهدة أن اقبض على تلك الانزلاقات وأؤثث بها قصيدتي..ومن هنا تترآى لي ولك ولكل قارئ فخاخ استفزازية تولد داخل لب النص الشعري من حيث هي فكرة متنامية وموضوع قاطع للحدّ الحسّي.

2 – القصيدة جنون معقلن كما يرى الشاعر المغربي عبد الله راجع،بالمناسبة، كيف تربن قصيدتك؟

الشعر فضاء منفتح لا تحكمه حدود أو أبواب، فهو كون رحب يعيشنا قبل أن نعيشه ويتشكل في دواخلنا كما البذرة في أديم الأرض. أمّا القصيدة فهي النَّفَسُ المُنفلت من نظام العقل وهي زِلزال وارتداد باطني، يُحدث رجّة الإبداع من الخفايا الصّامتة في عمق الشاعر.هي عشق وتماهي وهي في النهاية خيار ممتع ومرهق، نزيف نختار انهماره ونصبر على حفره المتواصل في أرواحنا، دون تحديد فارق لساعة خلقه أو تمظهره.

3- قصائدك المفخّخة بسيطة وعميقة كأفلام شارلي شابلن..ما تعليقك؟

راقني كثيرا هذا التشبيه الدّقيق.. حيث أنك وطأت به جوهر قصيدي، نحن نجابه أزمة قارئ وحساسيّة نص مقروء،وهذا يتأكّد من خلال نوعية المادة المكتوبة وكيفية قراءة النخبة والعامة لها. لذا ارتأيت ان انتقِيَ من الحروف أرهفها على السامع وأكثرها قدرة على اختراق عمقه..كأنّ تعلّم طفلا ملولا درسا او حكمة بمشاهد مصورة وقصص مشوّقة..هي تلك القصيدة تحكي الواقع وتروي ارهاصات الشاعر من خلال صور شعريّة ساحرة ولغة سلسلة نابعة من خرير المعنى وليس من صلف الحرف.

4 – أبوابك أربعة..وطن،روح، عشق وريح فأي من الأبواب بنيت فيه خيمتك الشعرية وكان أكثر استكشافا؟

لكل خيمة أوتاد وأنا اخترت تلك المحاور أوتادا لقصيدتي..فالوطن همّ والرّوح سفر لا متناهي في اقاصي ذاتي..امّا العشق فهو العطش اللامشروط والرّيح سبيلي يمطرني حينا ويلفحني بهجير الحياة أحيانا أخرى...غير أنّي الان ألتمس في اعماقي الغائرة نارا حارقة
تشدّني بقوة الى الوله الالهي وجمال الكون الفسيح المخضب بطين الخلق..هي تجربة في اولى خطواتها لكنها تحملني بعيدا دون استئذان..

5- من أي دارة شعر أتيت بهذا العنوان المعلق في سقف ديوانك"أبواب مفخخة"؟

كما تعلم أنّ العنوان هو عتبة النّص وشفرة الدخول الى ثناياه..لذا اخترت مجاز التفخيخ حتى اضمن لقارئ نصوصي دخول الأبواب وهو يتعقّب مقافل الكلمات والصور الشعرية المحفوفة بالألغام اللغوية والمعنوية.وأرجو ان أكون قد وفقت الى حدّ ما في ذلك.

6 – في بابك الأوّل، وطنك شهادة واستشهاد..ما الحكاية؟

انت تعرف ان منذ ما أسمّيه بالانتفاضة التونسيّة وما يسمونه"بالربيع العربي"وشعوبنا تدفع ثمن كلّ هذه التغيرات"الجيوسياسيّة"دما نازفا يسقي أرض تونس من أرواح أبنائها
وليت ذلك كان ضريبة عادلة لتحرير وطن وشعب من استعمار ظالم او عدو غاشم وانما هذا كان نتيجة خلل ايديولوجي وسوء تقدير حضاري فكري لمفهوم الحرية والديمقراطية..
ونحن الان رغم ما نعيشه من انفتاح ظاهر للحقوق وتعدد صارخ للأصوات السياسيّة ووجهات النظر..نذوي تحت وجع الفقد للجندي المناضل المقتول في أعالي الجبال...للراعي الأعزل المذبوح بين التلال..وللشباب والنّساء والأطفال المغمورين بعباب بحر المتوسط هروبا من الفقر والبطالة والخصاصة..هكذا أرى وطني من زاوية مختلفة عن البقيّة.

7- بابك الثاني وله الرّوح، فأي روح تتماهين وتتوحدين بها حدّ الغمام الماطر؟

"حق الهوى أنّ الهوى سبب الهوى..ولولا الهوى في القلب ما وُجِدَ الهوى"
اسمح لي أن أجيبك عن سؤالك بهذا القول لمولانا محي الدين بن العربي ولك عنان التأويل.

8- بابك الثالث عاشق متيم، فأي قدح غواك وأنت تركبين أوداج القصيدة؟

هو القدح الذي لا يمتلئ والخمر الذي لا يُسكر...العشق هو محراب الشاعر والهيام هو الطواف اللامشروط بكلّ المعشوق..اما عنّي فعشقي لا يرتبط جزافا بالذات المادية وإنما هو نهل القلب من معين القلوب وارتقاب الروح لتسابيح الارواح الهائمة في مدار الابداع.

9- بابك الأخير رياح بأوجه متعددة،فأي هذه الرياح لبستها أسماء الشرقي واحتست معها فناجين من مجاز؟

الريح ملك مسخر من الله ليسوق الرزق للبشر..كما انه يعرّي الخفايا وينكّل به من مرق عن السبيل..وهو في كل تجليّاته العقائدية و الأسطورية...رمز من رموز الحياة والبعث والفناء..رأيته في بابي ذاك كل هذا وتمنيته صبا يهب الارض سر الخصوبة ولوطني كل الفرح.

10 - ما الذي حصل وأنت تعبرين هذه الأبواب الملغومة،وأين باب خروجك ومااسمه؟

كلما عبرت بابا تركت شيئا من كلّي هناك غير انّي مازلت أجوب تلك الأبواب وأضفت لهم بابا خامسا..وهو باب قوس قزح الذي يزيّن سماء قصيدتي بأبجديات اللون الملهم والمتخم بالأسرار.

11- أنت شاعرة ملسوعة بالاستعارات والمجازات، وفنّانة تشكيلية مولعة بالتشكيل والالوان..فأين نجدك؟

أنا فعلا بين ال هنا والهناك..بين لغة الريشة وشفرة الحرف ولا أرى أيّ فجوة بينهما بقدر ماهما تشكيل واحد لنفس ابداعي متنامي يتسامى بالنفس الى مصاف الاختلاف..

كلاهما يستعير ويستوحي..ويمدّد خطى دلالاته وتأويلاته..الشعر بعلم البديع والاستعارة والمجاز، والتشكيل بالريشة واللون والصور الانطباعية والسريالية..الفنان هو مزيج بين هذا وذاك مادامت هناك طينة للخلق الخلاّق.

كلمتك الأخيرة...

تحيتي الخالصة لكلّ القرّاء من الألف إلى الياء دون الاعتراف بالحدود الجغرافية والتأشيرات الجمركية بيننا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى