الأربعاء ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

الإنسان والزمن

دراسة للدكتور حسين الصديق

دراسة جميلة نابعة من وعي وفهم وإدراك حقيقيين ، مؤلفة من ثلاثين صفحة ، ألقاها بين يدي الدكتور حسين الصديق ، الأستاذ في جامعة حلب / كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، بعد أن جعلنا حديث جمعنا إلى التطرق لسؤال قديم جديد ، وهو : هل الإنسان مخيّر أم مسيّر ؟ وهل هو حر أم مقيد ؟

وقد أكد لي الدكتور حينها أنني سأعي جيداً مايقوله في دراسته تلك والتي كانت بعنوان ( الإنسان والزمن ... دراسة في العلاقة بين المطلق والمقيد ) وهي دراسة ليست فلسفية ولا دينية ولا اجتماعية ، وإنما هي دراسة إنسانية محضة ، نابعة من علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ، ومن علاقته بذاته وبالذات الإلهية ، وبالكون والمخلوقات والوجود .

وعلى الرغم من أن بعض جمل تلك الدراسة تحتاج إلى قراءتها مرة ثانية ؛ لربطها بالجمل السابقة لها ، فإنني أدركت جيداً ما أتت به الدراسة ، وسررت جداً جداً بتفاصيلها ، وبتعريف الزمن وعلاقته بالوجود الإنساني ، وبتفريق الدكتور الباحث بين ثلاثة أنواع من الزمن : الأول الزمن الطبيعي / الرياضي ، والثاني الزمن الحيوي ، والثالث الزمن الإنساني ، وعلاقة هذا الأخير بالزمن المطلق والزمن المقيد ، وعلاقة الزمنين بعضهما ببعض – أي المطلق والمقيد – وقيمة الإنسان فيهما ، ولعل مقطعاً كتبه الدكتور الصديق في هذه الدراسة تستطيع أن تبين مدى هذه العلاقة ، إذ قال :

( إن قيمة الإنسان في الزمن المقيد لايمكن على الإطلاق أن تستمد من هذا الزمن ، لأنه هو ذاته لاقيمة له بذاته ، وإنما يستمد قيمته من زمن آخر ، ولن يكون من الممكن إعطاء الوجود الإنساني قيمة جوهرية إن استبعدنا من وجوده البعد الغيبي مصدر القيمة المطلقة لوجوده ، وعلى هذا ، فإن قيمة الوجود الإنساني الحقة على مستوى الفرد كما على مستوى الجماعة مستمدة من النظام الزمني المطلق ، ولا يعد الإنسان شيئاً إذا ماقيس بالزمن المقيد ، على حين أنه ، بالقياس إلى النظام الزمني المطلق ، عظيم وخالد ، بل هو أعظم من الكون الخاضع للنظام الزمني المقيد الزائل ، ولعل عظمته هذه إنما تظهر لنا في حقيقتها غير متناهية ؛ لأنها نابعة من النظام المطلق الذي يحمله في داخله بالقوة من جهة النفخة الإلهية والإشهاد والاستخلاف والعبودية ، وهو ليس بحاجة إلى اكتسابها ، وإنما هو بحاجة فقط إلى اكتشافها ومعرفتها ، وعلى ذلك فإن الله واجب الوجود بذاته ، على حين أن الإنسان من بين كل المخلوقات الممكنة الوجود ، واجب الوجود بغيره ، وذلك لاستمداده معنى وجوده الحق من الله ) .

إن قراءة تلك الدراسة تبين لنا المعنى الحقيقي لوجود الإنسان على وجه الأرض ، والوظيفة المناطة به ، هذا بالإضافة إلى أنها تبين أيضاً بكثير من التحليل والشرح معنى الزمن المقيد ، والزمن المطلق ، وإحساس الإنسان بكل منهما ، لأنهما متقاطعان في حياته ؛ لتقاطع العرض ( الجسد ) بالجوهر ( الذات ) ، ولارتباط الجسد بالزمن المقيد ، وارتباط الذات بالزمن المطلق ، والسعي من خلالهما إلى الوصول إلى فهم ووعي هذا التقاطع للوصول إلى أسمى درجات الرقي ، وقد أشار الدكتور في الدراسة إلى هذا بالقول :

( ولعل أسمى درجات الرقي التي يمكن أن يكافأ عليها الإنسان في حياته الدنيا هي إدراكه لحظة التقاطع بين الزمنين وعيشها ، إذ إن هذا الإدراك مواز لإدراك من نوع آخر ، هو إدراك التقاطع بين الذات / الجوهر ، والعرض / الجسد ، بل هو هو ، فالعلاقة بينهما علاقة وجود ، لاينفصل فيها الأول عن الثاني ، ولعل جمال هذا الإدراك إنما يتجسد في الواقع ، عندما يجعل حياة صاحبه مليئة بالسعادة والفرح والسكينة ، فيصبح هو مشكاة تفيض بالنور والخير على من حوله ، فيستدفئون به ، ويستنيرون بنوره ، ويغسلون قروحهم ببلسمه ، فيكون رسولاً خليفة على الحقيقة ) .

ومن خلال تلك الدراسة توقفت عند جملة رائعة جداً ومعناها عظيم جداً ، وهي :
( فكم سيكون الإنسان عظيماً في تعامله مع الآخر ، ومع نفسه ، أولاً إذا رأى الإنسان في وجوده ، كما في الآخر ، مجلى لله عز وجل في الظاهر والباطن ) .

إذ ستقودنا هذه الجملة إلى الرجوع إلى ذواتنا ، والتفكير كثيراً بعلاقة الإنسان مع أخيه الإنسان ، وبواجب النظر إليه من خلال مايشترك به معه ، كما أن هذه الجملة ستقودنا أيضاً إلى فهم الكثير من الأمور والقضايا والمسائل الشائكة ، التي فيما إذا تفكّر بها الإنسان الذي هو ضمن جماعة اسمها الأمة ، لوصل إلى ماهو جميل ورائع ألا وهو السلام ، ليس السلام الداخلي وحسب ، وإنما السلام العالمي الذي يجمع الأمم كافة .

دراسة قيّمة تفيض فكراً وعلماً وإبحاراً في وجود الإنسان ، وفي طبيعة هذا الوجود ، ولكم نحن بحاجة إلى مثل هذه الدراسات التي تعود بالخير إلى الإنسان ؛ لأنها تبحث في كل ماهو سائد على وجه هذه الأرض ، وماهو فائض خارجها ، حتى ليتمكن الإنسان من الوصول إلى المعرفة الحقة التي لابد من أن يضع سبلها أمامه ؛ ليسير فيها ؛ وليحقق وجوده ووظيفته التي خلق من أجلها .

دراسة للدكتور حسين الصديق

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى