الخميس ٤ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤
بقلم سليم الحاج قاسم

أنشــودة لأورفــيوس

من هنا،
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا...
رفاتك مصيدة للمدارِ الذي يتمظهرُ
بين شعاعينِ،
ينسى خريطة زلّاته جانبَ الشّمعدانِ...
و يوحي إليك وصيّته المُلهَمهْ...
لم تكن صنما في المضيقِ، و لا خالقا
يتهيأ للملحمهْ...
كنت أشبه بالشاخصين أمام مصائرهم،
يقطعون الزّمان ذهابا إيابَــا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.
يتراءى إليّ...
كأني أشقّ جموح يديكَ و أرسمُهُ
مثلما سرتَ نحوي تخاطبني...
مثلما كان صوتك عندي أكلّمُــهُ
و أسائل نجماته:
هل تكون القضيّةُ فيك جماع مصادفةٍ
و صباحا أناخ على الدربِ تنّوره؟
لم نكن نقصد الضّوء
في هذه الخفقة الواعدهْ...
لم نكن نرتئي الحبّ،
لا المستحيل،
إذا انثال وقع الغبارِ
ليختزل الكون في دمعة واحدهْ...
كنت أرشدُ عنّي الجوارح قبل الخلود
إلى الموت ...
و أسأل عنّي الرّياحَ:
متى قلّدتني مواريثها الشاردهْ؟
و أسائل عنّي مكامن جرحي...
فأخرج من ولهي بغياهب
من ورق مخمليّ...
و أرجع من مزقِ الاِشتياق مُصابا...
ليَ السهم مدّ رسوم المحار يرتّـبها،
و يبعثرني...
فماذا غنمتُ؟
و ماذا خسرتُ و قد أورد العشبُ لي
حصّتينِ،
و أعطانِــيَ الطيرُ
من فضلِ هذا النّزولِ
منابَــــا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.
في الوقيعة لغزٌ يشفُّ...
و أنسجة من رفات الوريد و كفُّ،
صبغتَ لباسك بالأحمر المتدرّج
حتّى
كأنّ دماء الولادةِ
عرسٌ يُزفُّ،
لهذا الوصال سوائلُ في شهقة الوارثين
لأنقاضهم شهوةٌ
مرة تستفيض على فجرهِا المترامي انزياحا،
و أخرى تعفّ...
على هذه الأغنياتِ نجسّ فتوحاتنا
نجمع الدمع من ورق العنب المتقلّبِ
في طرفهِ،
و نقولُ:
لغزوتنا صخب، جذوةـ
أنهر و سيولُ،
كأنشودة في الزوايا يدق لها الآن
طبلٌ و دُفُّ...
نجادل، نستنتج اللّفظ في حقلهِ،
نستشفُّ...
و نلقى ملخّص رحلتنا عتمةُ و ضبابا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.
محشرٌ و عماءُ...
و أنت تشعّ على هذه العتباتِ،
فتذري مراسمَك الرّيحُ من وجعٍ
و يضمّك في مفرشِ الكهفِ
زهرٌ و مــاءُ...
تخيّل إذا حاد نجمك نور الصّباحِ
بساطَتَه، ضوءَه المستكينَ الذي يتغزّل
بالشرفاتِ، و شعرِ البنات قبيل الذّهاب إلى شمسهنّ
و أحلامهنّ،
تخيّل هنا ما تشاءُ...
ندوبَ المكان إذا جمّلت أفقها،
ثمرًا يتهيكلُ في عُهدةِ الكونِ،
حيث يــــبــيـنُ الحصارُ على ثوبهِ
و يشفّ الرّداءُ...
أتُراك أضعتَ على العشبِ آثار خطوكَ
حتّى امّحوتَ...
و غصّتْ إليك السّماءُ؟
تراك تنوّع أهواءك المشرعات إلى قطعٍ
تتوزّع فيها مفاصل أيّامنا،
و تشير مرارا:
أيّامنا زبدٌ / و مرايا الوجودِ قِباءُ ...
أيّامنا امرأةٌ شدّها المطر المتشظّي
ينازعها في براءةِ طفلٍ تكاد الحديقة
تمنحه عبق التين...
و تُسدلُ في فجواتِ الرّداءِ حجابَـــا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.
أتصوّر أنّي ملاكٌ يخوض غمار
تعاويذه...
أحمل النظرات التي حطّت الآن قربي
إلى ساحةٍ ليس فيها سوى الغيمِ
و الزّرقـة العــارمهْ...
أتصوّر أنّي أميرٌ يشقّ المدى
في اتّجاهِ أميرتهِ النّائمهْ...
جاثما قرب أشرعتي، أتردّد بين سجالٍ
و آخر،
جثمانُ حوتٍ يُطافُ بهِ بيننا،
نترامى عليهِ
مثل أحفورةٍ في الرّخامِ
ستبدأ مثل النهاية موتا و جنسا،
أتشرب قهوة حبّي بمفردك الآن ؟
قلتُ لموج يمرّ بقربي خجولا،
سمعت الهواء يخاطب رغوته:
أشرقي في مفازة أغطيتي،
مزّقيها إلى سفرٍ
لا قرار لهُ،
و لتكوني دليلا لما أرتجي...
و لتكوني لهذا الضّياعِ جوابَــا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.
فيك أوجاعُ رَحلك تمشي،
لـتؤنسَ وقتك في ضمّةِ الريح حين تنامُ
على دفء أسرارها...
قد وجدت لوجهك ألف قناعٍ
و لكن:
متى اختارك الحزن كي تتجوّل في ركنهِ ؟
من لِـــيـفْـتِكَ بالمُدنِ النّائياتِ التي قدّها البحرُ
مـن قُــــبـُلٍ؟
قل لإشعاعِ شمسٍ يرافق عينيكَ:
لا تخُنّي، أنا ناسكٌ...
قاصدٌ مصدر العشقِ...
علّي ألوّن هذا الحريق قليلا،
و أفتح للرّاهباتِ إلى الماء بابَــا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.
و اختلفنا على ملمسِ الحجر الأقحوانيِّ،
حمرةُ هذا المكانِ تشيرُ إلى حيث تعلو
جذورك في الرَّبعِ...
هل قلتَ أنّك تعرفُ معنى البقاءِ
كقطعةِ جُبنٍ مقسّمةٍ!
لا مكوث و لا سفرٌ؟
هل شهدت مقامرةً بين صوت الفضاء
و أجنحةِ النّسرِ في عيدها؟
رجلٌ يتبع امرأة نحو منحرها:
تهبطينَ؟
لك الزّنجبيل المعلّق يهدي معادنهُ،
و يطوف على جيدكِ المستقيم
يعدّ لزينته محفلا
و يضمّ إلى أرضك الجزُرَ المارقهْ!
لم تكوني صديقة جمري،
تجيئين حافية في الحريقِ / تمرّين في اللحظةِ الفارقهْ!
قد تؤرّخ عصفورةٌ ملتقى الريحِ
و النّارِ في محفلٍ واحدٍ ...
غير أنّ الصحارى عطاشٌ
و ظلّ الشجيراتِ صار شحيحا،
و حتّى البحار
تكشّفتِ الآنَ بئرا مهدّمةً
و يبابَـــا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.
فاضتِ النّارُ - وجهٌ تكوّن في غفلةٍ
من شظايا اللّهبْ...
لم تقل أورِديـسُ بأنّ الهويّةَ سيفٌ
يوازي متون الرّسائلِ
قالت بأنك غيمتها حين تمطرُ
قالت بأنّك إرهاصها المرتقبْ...
لم يعد للكلامِ على الغيمِ جدوى...
و أنت تجوسُ خلال الدّيارِ...
تحوّل نار الوجود إلى بَردٍ
و تبدّل هذا الحضورَ غيابَــا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.
خرج السفرُ المرّ من وقتهِ...
و انفصلنا إلى جمرتينِ...
سأرفعُ في ساعدي علَمًا قد يدلّك عنّي
و قد أكتب اسمكَ في دفتر الذكرياتِ،
و قد أكتبُ الذّكر ذكرى لقلبٍ يُغنّي...
و أسأل في العهدِ خطوي
و قد مال في دربهِ:
باردٌ أيّها الخطوُ، ترشق أخطاءنا
بين رملٍ و ماءٍ،
و إنسٍ و جنِّ...
أقول: تدانت على الفجرِ كلّ الجفونِ
و نامت / و أفردتِ الأمنياتُ لتاريخنا
قصّة تتجدّد في قصّةٍ... / و عذابا يضمّ عذابَــا...
نتوهُ / نموتُ / يُمزّقنا المُنتهى/
و نقولُ لأنفُسنا:
حسبُنا أن نضيف لهذا الوجودِ
فتوحاتِ فجرٍ،
و ملحمةً،
و كِتابَـــا...
فقط من هنا...
تُهرقُ الأرضَ يا أورْفِــــيـوسُ انسيابَــا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى