الاثنين ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠٢٣
بقلم ميمد شعلان

الثورة السيبرانية والحرب المعلوماتية

انتشر بين أواسط المجتمع الغربي نمطًا مخيفًا يستهدف قطع أواصل المجتمع وسيادة أراضيها وهيبتها وكرامتها؛ فيما تعرف بـ(آلة الغرب)، وهو أسلوب غاشم لهجوم نشط للقراصنة، وهو نوع من الهجمات السيبرانية التي يقوم بها القراصنة بمحاولة نشطة ومباشرة لاختراق أنظمة أو شبكات أو تطبيقات معينة بهدف الوصول إلى معلومات حساسة أو تعطيل الخدمات أو القيام بأنشطة ضارة أخرى.

يعتمد الهجوم النشط على استخدام أدوات وتقنيات متقدمة لاختراق الأنظمة المستهدفة واستغلال الثغرات الأمنية الموجودة فيها. يشمل ذلك تقنيات مثل الاختراق المتقدم، والتصيد الاحتيالي (Phishing)، والتسلل الهدف (Targeted Infiltration)، واستغلال البرامج الضارة (Malware Exploitation)، وغيرها. عند تنفيذ الهجوم النشط، يقوم المهاجمون بتحليل الهدف المستهدف وجمع المعلومات المتاحة عن النظام المستهدف ونقاط الضعف المحتملة. بناءً على ذلك، يستخدمون أدوات مثل البرامج الضارة المخصصة، وأدوات الاختراق، وتقنيات التصيد الاجتماعي، والاستغلال الضعيف في النظام لاختراق الهدف. الهجوم النشط للقراصنة يمكن أن يتسبب في تسريب البيانات الحساسة، وتعطيل الخدمات الحكومية أو الأعمال التجارية، وسرقة المعلومات المالية، وتعطيل البنية التحتية للشبكات. لذلك، فإن التعامل مع الهجمات النشطة يتطلب استراتيجيات قوية للكشف عنها والوقاية منها واحتوائها بسرعة وفعالية.

تهديدات السيبرانية تشكل مخاطر جدية وتؤثر على الأفراد والشركات والمؤسسات على نطاق واسع. إليك بعض المخاطر الشائعة للتهديدات السيبرانية:

سرقة المعلومات الشخصية: يمكن للمتسللين سرقة المعلومات الشخصية مثل الأسماء، والعناوين، وأرقام الضمان الاجتماعي، ومعلومات الحسابات المصرفية. يمكن استخدام هذه المعلومات في عمليات احتيال هوية وسرقة الأموال.

اختراق الأنظمة والشبكات: قراصنة الكمبيوتر يستهدفون الأنظمة والشبكات للوصول غير المشروع إلى البيانات الحساسة والمعلومات التجارية. يمكن لهذا أن يتسبب في تسريب البيانات، وتعطيل الخدمات، والتأثير على سمعة المؤسسة المستهدفة.

هجمات الفدية (Ransomware): يتم تشفير بيانات الضحايا ويطلب منهم دفع فدية لاستعادة الوصول إليها. هذا النوع من الهجمات قد يتسبب في فقدان البيانات المهمة أو دفع مبالغ كبيرة كفدية.

التجسس الصناعي: قد تستهدف الدول والمؤسسات الاقتصادية أعمال التجسس السيبراني لسرقة المعلومات التجارية والتكنولوجيا والأسرار الصناعية، مما يؤدي إلى خسائر مالية هائلة وتقدم تنافسي للمنظمات الأخرى.

الهجمات على البنية التحتية الحيوية: قد تتعرض البنية التحتية الحيوية مثل الشبكات الكهربائية والنقل والاتصالات إلى هجمات سيبرانية، مما يؤدي إلى تعطيل الخدمات الحيوية وتأثير كبير على الحياة اليومية للأفراد.

هذه مجرد بعض أمثلة على مخاطر التهديدات السيبرانية، ويجب أن ندرك أنها قائمة واسعة ومتنوعة. من المهم تبني ممارسات الأمان السيبراني الجيدة والتوعية المستمرة لحماية أنفسنا وأنظمتنا من هذه المخاطر.

الفرق بين الهجوم والتهديد

التهديد (Threat): يشير إلى القدرة المحتملة لحدوث حدث غير مرغوب فيه أو هجوم. يتعلق التهديد بالعوامل أو الكيانات التي يمكن أن تستغل الثغرات والضعف في النظام للتسبب في الأضرار. على سبيل المثال، قد يكون التهديد هو وجود مجموعة قراصنة تستهدف شبكة معينة.

الهجوم (Attack): يشير إلى عملية فعلية لاستغلال الثغرات أو الضعف في النظام بهدف الاختراق أو التسبب في الأضرار. يعد الهجوم نشاطًا فعليًا يتم من خلاله استغلال التهديدات المحتملة وتنفيذها. يمكن أن يكون الهجوم عبارة عن تشفير البيانات أو تعطيل الخدمات أو الوصول غير المصرح به

التحديات التي تواجه الحكومات التكنولوجية في التعامل مع التهديدات الأمنية

بعد الهجوم على أوكرانيا في عام 2017، شهدت الهجمات الإلكترونية تطورًا ملحوظًا في عدة جوانب، فلاحظنا زيادة في استخدام التقنيات المتقدمة في الهجمات الإلكترونية. فمن بين هذه التقنيات تقنيات التصيد الاجتماعي المتقدمة، والاستغلال الضعيف، واستخدام البرامج الضارة المتطورة مثل الديدليت (Dridex) ونوتباد++ (NotPetya).، وقد زادت الهجمات الموجهة المستهدفة لأهداف محددة، بما في ذلك الهجمات على البنى التحتية الحيوية والحكومية والشركات.

يهدف المهاجمون إلى التسلل إلى الأنظمة الهدف وسرقة المعلومات الحساسة أو تعطيل الخدمات الحيوية. وجدنا أيضًا زيادة في التعاون بين المجموعات القرصنة والهاكرز المختلفة. يتشاركون المعلومات والأدوات والتقنيات لزيادة قدراتهم وفعاليتهم في تنفيذ الهجمات؛ ومعها ازداد استخدام الهجمات الهجينة التي تجمع بين عدة أساليب وأدوات مختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام هجوم البريد الاحتيالي (Phishing) للوصول إلى بيانات تسجيل الدخول، ومن ثم استخدام الاستغلال الضعيف لاختراق الأنظمة، واستخدام برامج ضارة لتعطيل الخدمات. ليس ذلك وحسب، بل وشهدنا زيادة في الهجمات الإلكترونية الدولية حيث تشن الحكومات هجمات سيبرانية ضد بعضها البعض. قد تستهدف هذه الهجمات الهيئات الحكومية والبنى التحتية الحيوية والشبكات العسكرية والأعمال التجارية. يحدث تطور الهجمات الإلكترونية نتيجة لتقدم التكنولوجيا وتطور القدرات السيبرانية للمهاجمين. كما يؤثر العوامل الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية في طبيعة وتوجه الهجمات الإلكترونية. تتطلب مكافحة هذه الهجمات تعاونًا دوليًا وتعزيز قدرات الأمان التكنولوجي والدفاع السيبراني للحكومات والشركات والمؤسسات.

في حقيقة الأمر، تواجه الحكومات التكنولوجية العديد من التحديات في التعامل مع التهديدات الأمنية؛ فتتطور التهديدات السيبرانية بشكل سريع ومستمر، حيث يعمل المهاجمون على تطوير أساليب وأدوات جديدة لاختراق الأنظمة وسرقة البيانات أو التسبب في أضرار جسيمة. يجب على الحكومات التكنولوجية التكيف مع هذه التهديدات المتغيرة والتحسين المستمر لقدرات الأمان والدفاع السيبراني.

نجد أن الحكومات التكنولوجية تتعامل مع كم هائل من البيانات الحساسة والمهمة، مثل بيانات المواطنين والمعلومات الحكومية؛ وبالتالي يجب على الحكومات حماية هذه البيانات بشكل فعال من التسرب والوصول غير المصرح به، وضمان سلامتها وخصوصيتها، ومن خلال ما تتعرض له الحكومات التكنولوجية لهجمات إلكترونية متقدمة من قبل مجموعات قراصنة محترفة وحكومات أخرى. تشمل هذه الهجمات هجمات الاختراق والتجسس والقرصنة المالية؛ فإنها تكون على دراية بأحدث التهديدات وتكنولوجيات الهجوم وتوفير إستراتيجيات فعالة للكشف عنها واحتوائها ومعالجتها، وذلك عن طريق فرق متخصصة وماهرة في مجال الأمن التكنولوجي للتعامل مع التهديدات الأمنية. ومع ذلك، يواجه العالم نقصًا في الموارد البشرية الماهرة في مجال أمن المعلومات والسيبرانية.

تلك هي بعض التحديات التي تواجه الحكومات التكنولوجية في التعامل مع التهديدات الأمنية، والتي تحاول اليوم بناء جسور في استثمار في تدريب وتطوير الموارد البشرية لتعزيز قدراتها في مجال الأمن التكنولوجي، وكذا في تبني استراتيجيات شاملة لتعزيز الأمن التكنولوجي ومواجهة هذه التحديات بفعالية.

القيود التي يفرضها قانون الحرب على الهجمات السيبرانية

قانون الحرب، المعروف أيضًا باسم القانون الدولي الإنساني، ينطبق على النزاعات المسلحة وينظم سلوك الدول والمجموعات المتحاربة أثناء النزاع. على الرغم من أنه لم يتم تطوير قانون محدد ينظم بشكل كامل الهجمات السيبرانية، إلا أن بعض المبادئ والقيود التي تنطبق على الهجمات العسكرية التقليدية يمكن أن تُطبق أيضًا على الهجمات السيبرانية.

وفيما يلي بعض القيود التي يفرضها قانون الحرب على الهجمات السيبرانية:

تمييز: يجب أن يتم التمييز بين الأهداف العسكرية القانونية والأهداف المدنية غير المشروعة. يجب عدم استهداف البنية التحتية المدنية والأفراد المدنيين بصورة عمدية أو غير متناسبة.

التوازن والتناسب: يجب أن تكون أي هجمة سيبرانية متناسبة مع الهدف المستهدف والضرر المحتمل الناتج عنها. يجب تجنب استخدام القوة الزائدة التي تتسبب في أضرار غير متناسبة بالمقارنة مع الهدف المرجو تحقيقه.

الحياد والاستخدام الشرعي للتقنية: يجب أن يتم استخدام التقنية السيبرانية بطرق شرعية وفقًا للأغراض العسكرية المشروعة. يجب أن تتوافق الهجمات السيبرانية مع القوانين والقوانين الوطنية والدولية المعمول بها.

الحماية البشرية: يجب حماية الأشخاص المدنيين والسكان المدنيين من الأضرار غير الضرورية أو المعاناة الزائدة نتيجة الهجمات السيبرانية.

مع تزايد التهديدات السيبرانية، هناك جهود دولية متزايدة لتطوير مبادئ وقواعد تنظم الهجمات السيبرانية في سياق القانون الدولي الإنساني. العديد من الدول والمنظمات تعمل على تعزيز التعاون وتحديد القواعد والمبادئ القانونية للحد من الأضرار الناجمة عن الهجمات السيبرانية والحفاظ على الاستقرار والأمن السيبراني العالمي.

مواجهة قراصنة الذكاء الاصطناعي

يمكننا مواجهة قراصنة الذكاء الاصطناعي. على الرغم من أن التهديدات الناجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية يمكن أن تكون متقدمة ومعقدة، إلا أنه يتوجب علينا اتخاذ إجراءات للتصدي لهذه التهديدات.

الجهود الأمنية يجب أن تركز على عدة جوانب:

التعرف والكشف: يجب استخدام تقنيات التحليل الضوئي والتعلم الآلي للكشف عن أنماط وسلوكيات قراصنة الذكاء الاصطناعي المشتبه بها. هذا يشمل رصد التحركات غير الطبيعية وتحليل السلوك والمعرفة المسبقة بالتهديدات المحتملة.

تعزيز الأمان السيبراني: يجب أن نعمل على تعزيز الأمان السيبراني بواسطة تبني تقنيات وأدوات الأمان الحديثة، وتحديث أنظمة الحاية، وإعداد السياسات والإجراءات الأمنية القوية.

التوعية والتدريب: يجب تعزيز التوعية حول التهديدات السيبرانية وأهمية السلوك الآمن عبر توفير التدريب والتثقيف للموظفين والمستخدمين في مجال الأمان السيبراني.

التعاون والتبادل: يجب تعزيز التعاون والتبادل بين القطاعين العام والخاص، وكذلك بين الجهات الأمنية المختلفة، لمشاركة المعلومات والخبرات وتعزيز القدرة على التصدي للتهديدات السيبرانية.

البحث والتطوير: يجب استمرار البحث والتطوير في مجال الأمان السيبراني وتطوير تقنيات جديدة للكشف عن هجمات الذكاء الاصطناعي ومكافحتها.

باختصار، بتوجيه الجهود الصحيحة واتخاذ التدابير اللازمة، يمكننا مواجهة تهديدات قراصنة الذكاء الاصطناعي وحماية أنظمتنا وبياناتنا الحيوية. يمكننا القول إن التقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني قد يؤدي إلى ظهور تطورات جديدة في مجال الهجمات الرقمية. فعلى الرغم من أن الجهود الهندسية والتكنولوجية تسعى دائمًا لتعزيز الأمن الرقمي والتصدي للتهديدات، إلا أنه يجب أخذ الاحتمالات في الاعتبار. من الجدير بالذكر أنه مع تطور التكنولوجيا، يزداد تعقيد الهجمات الرقمية وتنوعها، ولذلك ينبغي أن تستمر جهود البحث والتطوير في مجال الأمن السيبراني للحفاظ على خطواتنا قدر الإمكان أمام التهديدات المحتملة. يجب أيضًا أن نضع نظمًا فعالة للكشف عن الهجمات والاستجابة لها بسرعة وفعالية.

إذاً، في المستقبل القريب، قد يكون هناك تطورات في مجال الهجمات الرقمية والأدوات التي يستخدمها القراصنة، ولذلك يجب البقاء دائمًا في حالة تأهب واتخاذ التدابير الضرورية للحماية من التهديدات السيبرانية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى