الاثنين ١٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم مصطفى أدمين

الفتوى الكارية ٢

حرب الطرق ظاهرة حقيقية مرعبة، ويعتبر المغرب من البلدان السباقة إلى حوادث السير في العالم. وبالرغم من إحداث مدونة السير، وتشديد العقوبات والغرامات على المخالفين لقانون السير، ما زال مجرمو الطرق يقتلون المواطنين الأبرياء. وبالأمس، تسبب سائق حافلة «كارْ» في مقتل ثمانية وأربعين مواطناً، وقد قال شاهد عيان بأن هذا المجرم كان يقود بسرعة جنونية ولمّا طلب منه أحد الركاب تخفيض السرعة ردّ عليه بالقول:«ليس لي من فرصة للرزق إلا مناسبة العيد»؛ فانقلبت الحافلة في مهوى سحيق، وجرفت معها أرواح الناس.

طبعا تمّ تناول هذه المجزرة الجماعية من طرف جميع وسائل الإعلام، وتدخّل المواطنون بالقول «اللهم إن هذا منكر» ولكن المؤسسة الدينية لزمت الصمت، باستثناء الشيخ القردوح الذي بادر بجرأته المعهودة إلى إصدار فتواه في هذه الكارثة يقول القردوح:[لا طريق إلا طريق الله، وهي معبّدة من عنده وليس فيها أيّ اعوجاج. أرضيتها من الإيمان، وطلاؤها من الإحسان، وكل من مات خارجها لقي حتفه في الآخرة قبل الدنيا، ولا علاج له من الجروح والكسور سوى التوبة. ولا سائق يقود سوى إنسان طاهر ورع يضع في يده سبحة وفي قلبه الخشوعَ وبجانبه كفن يتذكر به أن الفناء هو المآل، وأنّ الدنيا دار غرور، وحتى إن مات (لسبب من الأسباب) لقي ربّه بقلب مسرور.

وأمّا الذين ماتوا على يده بسبب الإهمال ونزوة المال، فهم في عداد الشهداء، ونصيبهم من الجنة أوفر، ولا يحق لهم طلب أي تعويض من الفانين، ولا لذويهم المطالبة بالتحقيق ومحاكمة من يعتبرونهم من المسؤولين لأن التحقيق لله والحكم لله والتعويض من عنده. أيها الناس؛ لا تقسوا على الناس! ولا تحتكموا إلى شرع العبد ما دام هنالك شرع الله! وصلـّوا عند حدوث الكوارث يصرفها عنكم، ولا تشيروا بالأصابع إلى أولي الأمر منكم، فاستشهاد بضع عشرات من الناس أهون من الفتنة، ولا تنسوا أن الله وعد بأن يملأ الجنة بعباده الصالحين والناس الذين ماتوا في حادثة الـ«كارْ» منهم إن شاء الله. أيها الشهداء؛ أطفالكم سيصيرون من الملائكة، وزوجاتكم سيصرن من الحور، وأنتم ستسكنون الجنة وسيكون لكم ما تحبون، فلا تحزنوا ولا تتركوا أهاليكم يلقون بأنفسهم إلى التهلكة، وكفى المؤمنين شر القتال.

أقول قولي هذا وأدعو لوزير حرب الطرقات بـ«الغفران» وعلى رئيس الحكومة «عفا الله عمّا سلف» بـ«الذاكرة» وللشعب المغربي قاطبة بـ«الصبر والنسيان» مع إيماني الصادق بأنّ «المؤمن مُصاب». وللشيطان اللعين الذي يتسبب في حوادث السير أقول:«والله لن تستطيعَ جعلَ المغاربة يسارعون إلى الفتنة» فنحن قومٌ إذا ما تسبّبَ وزيرٌ في قتل أبرياء؛ في مخيّم للأطفال أو في دار شباب أو على طريق عوجاء أو في مستشفى أو في مدرسة أو في معمل لصنع الأرائك الإسفنجية أو في حرق سوق للأثواب أو الأخشاب...

نقول للشيطان، والله لن تجعلَ منّا حطباً لجهنّمِك التي ستأكلك أنتَ وبني جلدتِك. أيّها الناس، اعلموا بأن الله «يعفو ويهمل»... أجل؛ ما في كلامي تناقض أو كُفر: الله يعفو على ما سلف من المجرمين في الدار الدنيا لعلّهم يتوبون إليه، ويهملهم ـ إذا لم يتوبوا ـ في صف الانتظار يوم القيامة وأنتم تعلمون كم هي مرعبة أهوال صف الانتظار؛ فاصبروا وترحّموا على أمواتكم، ولا تدعوا الشيطان يجرّكم إلى الهلاك].


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى