السبت ١ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم لطفي خلف

خرابُ الشّعر

هل نخَرَ سوسُ الخراب في عظام الشعر العربي موقعا أكبر الخسائر في صرح هيكله العظيم - عفوا - الذي كان عظيما حين كان الشعر ديوان العرب الأول ؟ أم أن أحاسيس الناس وأمزجتهم وقرون الاستشعار لديهم لم تعد تصلح لاستقبال الشعر والتفاعل معه بانسجام وجذل وارتياح وطيب خاطر ؟

الشعر مرآة الشعور ،الشعر حمامة الفرح السابحة في سماء أحلام الشاعر، فهو يكتبه بماء الورد ويشكله من فسيفساء الروح وعطر التفاؤل حتى لو كان المعنى الذي نستلهمه من القصيدة يقطر يأسا وحزنا وقلقا وغربة وضياعا ،

فكيف لنا أن نكذب الشاعر ونقطع أنفاسه بجرة قلم ؟ كيف لنا أن نخمد نار الشعر الملتهبة والخارجة من أتون وجدانه وأعماق مشاعره ؟ كيف لنا أن نقتل الشاعر ؟

لماذا الشعر على وجه الخصوصية والتحديد ؟ لماذا يتغير إلى هذا الحد الكبير في فترة قصيرة من الزمن ؟ لماذا يموت فيه عنصر المفاجأة والدهشة ؟ ولماذا تضيع سماته بعدما أفلت له العنان في أن يجول ويصول في مروج النثر الفسيحة دون رادع متين من وزن أو موسيقى ؟ لماذا تتهاوى فيه الجماليات والصور والحس والأصالة والإيقاع ومذاق المعنى ؟ لماذا لا زال يسمى شعرا بعد فقدانه كافة مقوماته ومزاياه اللازمة في بناء "مداميك " صرح بنيانه ؟ !

من المسئول الأول والأخير عما يجري على الساحات الأدبية ؟ أم أن زمام الأمور قد فلتت من بين أيدينا جميعا ، الشاعر والمتلقي والأكاديمي والمثقف والطالب وحتى الإداري في المؤسسة التعليمية على طول الوطن العربي من غربه إلى شرقه ؟

ثياب الشعر تبدو رثة جدا هذه الأيام مهما رممنا فيها من أجزاء ومفاصل رئيسية وهامة ، لأن من يصطادون في المياه العكرة كثيرون ولا يريدون للحال أن يهدأ ولا للأوضاع أن تتحسن ، ولا يريدون لأحد جدير بالمعالجة ولو مؤقتا أو نسبيا أن يظهر على الساحة ، لأن تشخيص وجه الشعر الحقيقي معناه أن نحدد مقوماته وأسسه وقوانينه وميزاته ، لتهميش ما دون ذلك لاحقا وإلقائه في سلة اللامبالاة ودثر المتشاعرين ومن يسمون أنفسهم شعراءً وإقصائهم بعيدا عن ميادين الشعر .

كثيرون إذا من يريدون لسفينة الشعر أن تبقى تائهة في محيط صاخب الأمواج بلا شكل ولا مضمون ولا معنى ، وكثيرون أيضا من يروجون لتغيير قطبي البوصلة
الرسمية للشعر ليظلوا يتصدرون صفحات المجلات والصحف الإلكترونية أو الورقية في غياب الرقابة النقدية المنهجية وغير المنهجية .

لكن ما يعزينا قليلا ويخفف من ضخامة وهول الحدث أن هناك فئة قليلة لا زالت تتعلق بشجرة الشعر الحقيقي ،حيث تسقى بماء الأصالة ،و تتغذى بسماد الحداثة ، وتحتفظ بكل المزايا والصفات الرئيسية والرسمية للشعر!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى