الثلاثاء ١٥ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم عادل الأسطة

صورة اليهود في رواية الانتفاضة

آخر الحصون المنهارة نموذجا

ما الصورة التي أبرزها أدباء الانتفاضة لليهود في نصوصهم؟ وهل اختلفت هذه عن تلك التي أبرزوها لهم في مرحلة (أوسلو) والسنوات الممتدة ما بين 1994 و2000، سنوات الهدوء والاستقرار، إلى حد ما، والمفاوضات، والرغبة الصادقة أو غير الصادقة، في التوصل إلى حل سلمي؟

مرة تناولت صورة اليهود في رواية السلم، إذا جاز التعبير، وكتبت تحت عنوان: "أدب السلم.. أدب الخيبة"، وعالجت روايات عديدة أبرزها "وادي الحوارث" لتوفيق فياض، و"بقايا" لأحمد حرب، و"نهر يستحم في البحيرة" ليحيى يخلف، و"مقامات العشاق والتجار" لأحمد رفيق عوض. ورأيت، من خلال معالجتها، المفارقة المذهلة، فالصورة التي أبرزت لليهود في هذه النصوص كانت سلبية. كأن (أوسلو) وما تبعها، حتى العام 2000، لم تغير الكثير، ولم تغير إلى ما هو إيجابي. ولا أدري إن كنت مخطئا حين نعتُ كتابي بـ"أدب المقاومة.. من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات" (1998).

وستنفجر الانتفاضة. ستبعث من جديد، وستتخذ شكلا واحدا يقترب من الحرب، وستعود المواجهة ما بين الفلسطيني والإسرائيلي. وربما اقتصر لقاء أبناء الضفة والقطاع، مع اليهود، على العسكر منهم. لم يعد كثير من اليهود الإسرائيليين يتجولون في مدن الضفة، وغدت ثمة طرق لهؤلاء وأخرى لهؤلاء، وحلت الحرب محل السلم، إن كان السلم قد حل أصلا.

وإذا كانت نصوص الأدب التي أنجزت ما بين 1967 و2000، أبرزت النماذج العسكرية الإسرائيلية أكثر مما أبرزت نماذج بشرية يهودية، ما يعني أن المرء لا يعدم العثور على نماذج يهودية غير عسكرية، فإن كثيرا من النصوص المنجزة ما بعد 28/9/2000، تكاد تبرز صورة واحدة هي صورة العسكري.

سيكتب وليد الهودلي "ستائر العتمة"، وسيكتب أنور حامد "حجارة الألم"، وستكتب سحر خليفة "ربيع حار" وستكتب سهاد عبد الهادي "ذاكرة زيتونة" وستكتب عفاف خلف "لغة الماء" وسيكتب شعراء وقصاصون قصائد وقصصا، وسنلحظ فيها على الأغلب اليهودي العسكري. في "حالة حصار" يوجه درويش قصائده إلى قاتل، وفي مجموعتيه "أسرار الدوري" و"دروب جميلة" سيكتب أكرم هنية عن العسكر على الحواجز... وهلم جرا.

في العام 2005 صدرت عن دار (أوغاريت) في رام الله رواية عنوانها "آخر الحصون المنهارة". كان وليد أبو بكر أرسلها إليّ لأبدي رأيي فيها، دون أن أعرف اسم مؤلفها، وخمنت أنه من غزة، وسأفاجأ بأنه من الضفة، وأنه المحامي مشهور البطران.

يعود الزمن الروائي في الرواية إلى نهاية العام 1987 وبداية العام 1988، ما يعني أن الزمن الروائي لا يتطابق والزمن الكتابي. وهذا يعني أننا سنقرأ عن يهود آخرين غير العسكر، وهذا يعني أن الرواية تختلف عن الروايات التي كتبت في فترة انتفاضة الأقصى. الروايات التي تطابق فيها الزمنان: الكتابي والروائي، وهذا هو حال الروايات الخمسة المذكورة سابقا.

فما هي فكرة الرواية؟ وما هي صورة اليهود فيها؟ يهدي مشهور البطران روايته: "إليه ذي الياقة الزرقاء، في شموخه العظيم، ارفع رأسك أكثر، ثمة نجوم في السماء" ويعود الضمير في "إليه" إلى بشار المحمودي، الشاب الفلسطيني الذي تجبره الظروف ليغدو عاملا في إسرائيل. إنه من ذوي الياقات الزرق. كان والد بشار عاملا في إسرائيل، لكنه توفي في حادث عمل، ولم تكف النقود أسرته، ما جعل ابنه بشاراً مجبرا على العمل، بخاصة أنه لم يحصل على منحة من الجامعة تعفيه من الأقساط، وسيجد نفسه، مثل آلاف العمال الفلسطينيين، في سوق العمل الإسرائيلي، وسيكون حظه عاثرا، إذ لم تكد تمر أشهر ثلاثة ونيف على عمله في مزرعة في عسقلان، حتى يقتل ابنة صاحب العمل، عن غير قصد أو رغبة، وسيحاكم ويزج به في السجن، ليقضي ثلاثين عاما. سيلقي ساعته في المرحاض لينسى الزمن، ولا أدري إن كان ثمة نجوم في السماء، كما ذهب الكاتب في إهدائه. ثمة شموخ، لا غبار على ذلك. ثمة رأس مرفوع، لا شك في ذلك. وأما النجوم فستغطيها وتحجبها السنوات الثلاثون.

يعمل بشار المحمودي في مزرعة نسيم جباي، اليهودي العربي القادم من ليبيا، وتتكون أسرته من سارة زوجته وابنه دوف وابنته دوريت، والأخيرة خلافا لأخيها دوف، تكره العرب وتحقد عليهم. وهي، مثل أخيها، تخدم في الجندية. على أن دوف لا يرغب في الحرب، وفي الاحتلال، ولا يمانع من إقامة علاقة ودية مع بشار، وهكذا يزوره في كوخه الذي استصلحه، ويلعب معه الشطرنج، وينتصر عليه، ولكن (دوف) يهرب من واقعه، واقع العسكر، بتدخين الحشيش. وسيحاول أن يمنع أخته من إهانة بشار، بعد أن لاحظ أنها تبالغ في كرهها للعرب.

وليست (دوريت) العنصرية الوحيدة. هناك صاحبها (نوعام شالومي) الذي يتفنن في عدائه ويبرز عنصريته بوضوح سافر. بل إن نسيم جاباي وزوجته سارة ما كانا يحبان العرب، غير أنهما كانا مضطرين إلى أيد عاملة ماهرة بسعر زهيد، وهذا ما يتحقق من وراء بشار، وما لا يتحقق من وراء الأيدي العاملة اليهودية التي تطلب أجرة عالية ومرتفعة. ويحدث ما يحبب نسيم وزوجته ببشار. فذات يوم يمرض نسيم، ولا يجد من ينقذه سوى بشار الذي خبر التمريض، ويقوده من ثم إلى المشفى، وينقذ بذلك حياته. على أن هذا الحدث سيقود إلى حدث آخر، إذ سيعاني نسيم من ضعف جنسي، وستعاني سارة ذات الجسد الفوار، ما يجعل بشارا مطلبها، هي ابنة الأربعين عاما أو يزيد قليلا، وهكذا تبدأ علاقة غرام ملتهبة بين بشار وسارة، ما يغير من موقف الأخيرة منه، فبعد أن كانت لا ترغب فيه، غدت تتطلع إليه، وستؤدي هذه العلاقة إلى ما يودي ببشار ويجعله يرتكب الجريمة التي ستقوده إلى السجن.

ذات نهار تكون سارة وبشار في السيارة ويمارسان الحب، وتلتفت البنت (دوريت)، وهي مع صديقها (نوعام) إلى أمها وبشار، وستحدث مشادة بين دوريت وأمها، وتحاول الأخيرة إقناع الأولى، بأن ليس في الأمر ما يريب، وتسكت البنت، ولكنها ذات ليلة، بعد أن أوصلها (نوعام) إلى منزلها، لا تذهب إلى بيتها وغرفتها، بل تذهب إلى كوخ بشار، وتهدده بالمسدس، وتطلب منه أن يمارس معها، ما كان يمارسه مع السيدة، مع أمها. تطلب منه أن يتعرى، وتغتصبه، ويجد نفسه، وقد أنهكت، لأنها كانت دخنت الحشيش، يشد بيديه عليها، وبدلا من إنقاذها، تفقد حياتها، وتموت، فيدفنها في مطمورة، حتى يكتشف الأمر ويقاد إلى السجن. وسيبدي بشار رأيه في العائلة حين يقول:

"بعد كل هذا الاختبار أدركت أين كنت أقف بالضبط: نسيم يريدني ثورا في مزارعه، وسارة تريدني فحلا في فراشها، ودوريت ترفضني بكليتي، ودوف أيضا لا يخلو من نزوات، فهو لم يكن يتقبلني بدرجة كافية إلا وهو مأسور بسلطان الحشيش، والبقية الباقية من الناس يريدون أن أطأطيء رأسي ساعة يمرون من أمامي، وأنا أريد أن أكون نفسي، بشار المحمودي بلا زيادة ولا نقصان". (ص152).

وإذا كانت الفقرة السابقة أبرزت النماذج اليهودية الرئيسة في الرواية، فإن هناك نماذج أخرى، أشرت إلى بعضها مثل (نوعام شالومي)، ولم أشر إلى بعضها الآخر. تطالعنا شخصيات رجال التحقيق، وهي نماذج برزت في الروايات الفلسطينية بكثرة، غير أن النموذج الأبرز من النماذج الأخرى هي شخصية (شولاميت غرايسفنج).

تذهب (شولاميت) إلى أسرة نسيم جاباي بعد أن فقد ابنته، لكي تقف إلى جانبها، فهي دارسة لعلم الاجتماع، وتحاول مساعدة الأم والأب والتخفيف من أثر الحدث عليهما. لكنها في الواقع تكون محققة، وهكذا تتسلل إلى غرفة/ كوخ بشار وتحادثه وتشرب معه القهوة، وتلاحظ تصرفاته، وتتقرب منه، ومن خلال سؤال وجواب، وملاحظة الكوخ تكتشف علبة دخان (دوريت)، ما يعني أنها كانت ليلة الجريمة هناك، معه، في كوخه، وهكذا ستتوجه أصابع الاتهام إليه، هو الذي يطلب منه ألا يغادر المنطقة. وسيقاد إلى السجن، كما أسلفت.

في شخصية (شولاميت) تبرز من جديد صورة المرأة اليهودية التي تسخر ذكاءها لخدمة شعبها، وهي صورة طالما تكررت في الرواية الفلسطينية من قبل، وإن كان الروائيون العرب والفلسطينيون أبرزوا صورة مغايرة أحيانا لهذه الصورة، وهو ما يلحظه المرء في رواية ناصر الدين النشاشيبي، فالمرأة اليهودية هناك مختلفة. المرأة في رواية النشاشيبي "حبات البرتقال" تتعاطف مع الفلسطيني سابا، وتكره الصهيونية وتحتقرها، وهكذا ترفض أن توظف نفسها لخدمة أهداف الحركة الصهيونية. إنها تتبع ما يقوله لها قلبها، لا ما تطلبه منها الحركة الصهيونية.وهكذا نعثر في رواية البطران على نماذج يهودية مختلفة، نماذج نسوية ونماذج ذكورية.

تختلف (سارة) عن ابنتها (دوريت) وتختلف هاتان عن (شولاميت) والحال نفسه نجده في النماذج الذكورية. وربما كان للموضوع بقية.

آخر الحصون المنهارة نموذجا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى