أقرب نقطة لالتقاط إشارة الإنترنت

أرسلت له صديقته مشروعًا تسويقيًا لتصميم كامل البانرات والأغلفة لمنصات التواصل الاجتماعي لمتجر كبير يبيع "الميلك شيك" في إحدى دول الخليج. في غزة، بدأ العمل من لابتوب في مخيم جباليا ليتمكن من كسب مائة دولار تساعده على شراء أي شيء ينقذ به نفسه من الجوع والبرد، وكذلك أسرته، بعد أن نكست الحرب حاله وهُدم منزله واستشهد أخوته الخمسة ولم يتبقى أحد من عائلة القواسمي الا هو.

بدأ العمل على التصميم، شعار المشروع: "ميلك شيك، السعادة بين يديك". عقله المتوقف من شدة الجوع بدأ يهلوس، فتح من هاتفه وهو يعمل مقطع فيديو قديم لأبو عبيدة

*1 " عام على عملية الكمونادوز في العصر الحديث والتى استهدفت فرقة عسكرية معادية مجرمة معززة بكل منظومات القتال والا ستخبارات عملية هزت الهدو الصهيوني وغيرت وجه المنطقة والتي ضربناها فيها العدو ضربة استبقاية هائلة، بعدما وصل تخطيطه لضربة كبرى للمقاومة في عزة بكافة فصائلها مراحلها النهائية، وبعد أن وصل عدوانه على الأقصي مرحلة خطيرة غير مسبوقة وبعدما تغول العدو في الاستيطان والتهويد والعدوان على الاسرى وانتهاك كل المحرمات والحصار المطبق على غزة بعد كل هذا كان القرار بتنفيذ الهجوم الاستراتجي التاريخي ضد فرقة غزة وحاميتها العسكرية وطوقها الاستيطاني المقيت الذى يجثم على قلوب اهلنا ويحاصرنا ويرتكب ضدنتا منذ عشرات السنين كل الجرائم التى عرفتها الامم "

فأخرج تصميمات مبهرة. لم يُرد أن يتأخر عن وقت تسليم المشروع. في الخيمة، كانت ابنتاه الاثنتان تبكيان؛ إذ إن الاحتلال أحرق خيمات كثيرة وسط المخيم قبل أسبوع، فاحترقت الناس على الهواء مباشرة أمام أعين العالم الديوث. صلى غسان المغرب وطلب العون من الله، متضرعًا أن تنتهي الحرب وأن يعود إلى منزله جنوب قطاع غزة أو إلى أي مكان آخر.

كانت صديقته التي أرسلت له العمل زميلته في دورة تصميم قبل سنة، وقد خرجت من القطاع للعمل في إحدى دول الخليج. أرسلت له دعوة للحاق بها، لكنه رفض أن يترك غزة، حاول أن ينضم للمقاومة لكن المتسابقين للانضمام لهم كُثر ولم يأتي عليه الدور البعد، هو يعلم أن المقاومة هي الكرامة وقمة ارادة الانسان ألا يسلم أن يحيا، أن يقاوم البارود اما بالقلم او بالسلاح، أنب ضميره بانه حتى غير صالح كافي للانضمام للمقاومة، كان يحضر كل دروس احمد ياسين منذ صغره فالان شارف على الاربعين، تمنى لو ارتدى ثوب العزة والمقاومة وسلم على ابو عبيدة يد بيد وصافحه وقبَل يديه.

هل يندم الآن على تنفيذ وصية أبيه وأجداده بألا يترك غزة؟ وماذا يفيد الندم الآن والبكاء على الأطلال؟ ربتت زوجته على كتفه وطمأنته بأن فرج الله قريب، ووعدته بأنه لو استُشهد هو أو هي أو كلاهما، أن يعدها بألا يختار أحدًا غيرها في الجنة. احتضنها في ثبات، ثم أكمل تصميمه الأخير: "ميلك شيك يأخذك إلى عالم آخر من السعادة، تصميم اخر ميلك شيلك انسى كل هموم الدنيا واضفر بذاتك ، تصميم أخر "لاتترث بحزن الأخرين كن أناني في سعادتك" رأي التصاميم بعد مانتهي منها وضحك خلسة".

بدأت الأمطار تنهمر، وسمع همهمات من الخارج. ذهب ليرى ورفع طرف الخيمة فوجد أفراد مخيم جباليا بالتحرك من الخيم قبل أن تغرق، وذهبوا للاختباء في المدرسة، التي من الممكن أن يقذفها ألة الموت الخسيسة في أى وقت مثلما فعلت من قبل، امنية أهل جباليا الأن ميتة بلا ألم بعدما فقدوا الكثير منهم ورأوا جثثهم تتفحم، كل ماتمنه أن تبقى جثتهم محفوظة وبلا ألم وقت الموت، وعندما يدفنوا فى الارض المباركة ستزهر رفاتهم بألف مقاتل جديد حتى تتحرر الأرض من دنس أولاد المعسكرات وشرذمة العالم

طلب من زوجته أن تختبئ مع الأولاد، بينما سيذهب هو إلى أقرب نقطة إنترنت حتى يرسل التصاميم قبل موعد تسليم المشروع، فالغزاوي اذا وعد أوفى ومن ضلوع المعاناة يُولد أعز الرجال وأصدقهم.

وهو يتجه إلى مكان التقاط الإنترنت، كان يدعو الله: "اللهم خفف من حدة المطر كي لا تغرق الخيام. يا رب، أنهِ الحرب، يا رب، أنقذ أسرتي". "اللهم ابقى من نسل القواصمة فردا يبطش بكل الصهاينة، اللهم اخذي من خذلنا وعاون من عاونا " اللهم أجمعني بكل قادتنا ف في الجنة، اللهم اني ان كنت رفُضت من المقاومة فهذا كل سبيلى ان اتحمل هولات الحرب وأحاول الحفاظ على أسرتي فلكنا مجاهدون في درب العزة والأنفة بصره وبعدها كان يسمع بسماعات في أذنه على هاتفه وهو يتحرك خطاب أبو عبيدة الأول

2 * "بعد سنوات من التخطيط والتدبير وبعد ان بلغ الطغيان الصهيوني منتهاه فى تدنيس الاقصي المبارك والعدوان عليه وعلى شعبنا في كل مكان لقد هذا العدو ان باغلاق المسجد الاقصي فى وجه اهلنا واطلاق قطعان المتسوطنين وعتات المجرمين من الجماعات الدينية المتطرفة ليشعلوا الحرب الدينية وينهش مسرانا ويسب نبينا وينتهك قداسة ثالث الحرمين ، ظنوا انهم سيفلتون بجميرمتهم من العقاب وظنوا انه انهم استفرد بشعبنا ومقاومينا في الضفة الغربية في جنين ونابلس وطول كريم واريحا ورام الله والخليل فثتلوا المئات من أبناء شعبنا في العامين الاخرين واصابوا الالاف وظنوا انهم بالتضييق على اهلنا فى فلسطين المحتلة عام ثامنية واربعين وتغذيتهم للجريمة وللقتل الجماعي للأبرياء سير دون حساب وظنوا انه بحصارهم غزة وخنقها والتضييق عليها وقتلها ببطء قد أمنوا العقوبة هذه الجرائم وغيرها الكثير التي تغافل العالم عنها وتجاهلتها الأمم المتحدة رغم صرخات المظلومين والانتهاك الكبير للمقدسات والرموز واستفزاز مليارين من المسلمين فكان طوفان الأقصى رد على عدوان قد بدأ الاحتلال به ودفاعا عن مقدستنا في وجه أبشع احتلال عرفته البشرية منذ قرون ياأبناء شعبنا وأمتنا لن نخوض في تفاصيل المعارك على الأرض فان بياتنا وبلاغتنا المتتالية منذ بدء المعركة والصورة الحية التى نقلها وينقلها مجاهدونا فهي شاهدة وتتحدث عن نفسها "

انقطع المطر بعد دقائق. وبينما يسير، بدأ شريط حياته يمر أمام عينيه. لم يعلم لماذا، ميلاده، مشاركته في الانتفاضة الشعبية الأولى، بيانها وجملة الشيخ ياسين الشهيرة "أنا الغريق فما خوفي من البلل"، كل المشاهد بدأت تدور أمام عينيه، وبعدها رأى السماء تنفتح ومن وراءها الجنان واخوته وأولادهم مبتسمين ابتسامة السلام، كان طيف سريع وانطفأ سريعا من مد بصره
هرول أسرع كأنه يهرب من الذكريات يرفع اللاب توب للأعلى لا اشارة، وجد نقطة عالية

فصعد نحو كثيب رملي لالتقاط الإنترنت. بدأت الإشارة بالظهور، فحمد لله كأنه يحارب من اجل عائلته "بعصا السنوات"
وسمع صوتًا أشبه بصوت روبوت ورأى مسيرة صغيرة تحلق فوقه تذكر المغوار وهو يرمي العصا وذلك المشهد الخالد، ابتسم نحو المسيرة فعاد طيف اخوته واولادهم، رمي المسيرة بحجارة التقطتها من الأرض اطلقت رصاص على صدره فهوى اللاب توب مفتوح على زر ارسال التصاميم.

*1 جزء من خطاب أبو عبيدة في الذكرى الاولى على طوفان الاقصي بعد سنة في 7 اكتوبر 2024

2. *1 جزء من خطاب أبو عبيدة الأول بعد طوفان الاقصي بعد سنة في 7 اكتوبر 2023