الأحد ٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم أحمد سوكارنو عبد الحافظ

أهمية الفرد فى المجتمع

تختلف الثقافات حول أهمية الفرد فى مجالات الحياة المختلفة. وفى هذا المقال سوف نتطرق لهذا الأمر فى مجالين، أولهما المجال الرياضى والآخر مجال الصراع الدولى وسوف نحاول أن نتعرف على ذلك الجسر الذى يلتقى عليه هذان المجالان. لا نبالغ إذا قلنا إن مجتمعاتنا العربية والإسلامية—مقارنة بالمجتمع الغربى والأمريكى—لا تهتم كثيرا بالألعاب الفردية. وحتى البطولات الدولية فى هذه النوعية من الألعاب والتى تنظمها بعض الدول العربية قلما تجد بطلا عربيا يشارك فى فعالياتها أو جمهورا يحرص على مشاهدة مبارياتها. أما فى مجال الصراع الدولى فقد نندهش إذا قامت الحروب دفاعا عن بضعة جنود أو تجيشت الجيوش لنصرة جندى أو مواطن تعرض للاختطاف هنا أو هناك. وفى ظنى فإن اهتمام المجتمعات بالألعاب الفردية وعدم ترددها فى نصرة فرد من أفرادها يعكس أهمية هذا الفرد فى المجتمع. أما الاختلاف حول أهمية الفرد فيتوقف على النظرية الفلسفية التى تتبناها المجتمعات: نظرية الفرد أو نظرية الجماعة.

من المعروف أن هناك نوعين من الألعاب الرياضية: الألعاب الفردية كالتنس والاسكواش والملاكمة والجمباز والألعاب الجماعية ككرة القدم والسلة والطائرة واليد. من المسلم به أن انتشار هذه الألعاب الرياضية يختلف من مجتمع إلى آخر. فالألعاب الفردية التى تنجذب إليها الجماهير فى المجتمعات الغربية لا تجد نفس الإقبال والاهتمام فى المجتمعات العربية والإسلامية. قد تسعى دولة مثل قطر أو الإمارات العربية لإنفاق ملايين الدولارات لتنظيم بطولة دولية فى التنس تنافس بها بطولات الجراند سلام كويمبلدون (بريطانيا) أو رولان جاروس (فرنسا) حيث يشارك فيها أبطال وعمالقة اللعبة من أمثال ندال وفيدرار ويانكوفيتش وفينوس وسرينا وليامز. المثير للدهشة أن الدول العربية بما فيها قطر والأمارات لم تنجح حتى الآن فى تقديم لاعب واحد يشارك––مجرد يشارك—فى هذه البطولات التى تنظمها. وعلى النقيض من ذلك فإننا نلاحظ أن الألعاب الجماعية فى بلادنا لها أبطالها ومشجعيها وجماهيرها العريضة.

وقبل أن يتساءل القارئ لماذا تهتم الشعوب والدول المتقدمة بالألعاب الفردية بينما نحن لا نعيرها اهتماما فلعله من المفيد أن ننتقل إلى مجال آخر وهو الصراع الدولى حيث يتجلى أهمية الفرد لدى بعض المجتمعات دون غيرها. لسنا فى حاجة إلى بذل الكثير من الجهد لتقديم الدليل على هذا الطرح. لقد بدأت الحرب الإسرائيلية على لبنان فى يونيو 2006م عندما هاجمت قوات حزب الله دوريتين إسرائيليتين على الحدود الإسرائيلية حيث قتل اثنان من أفرادها واختطف اثنان ولم تنجح المحاولات العسكرية فى إنقاذ الجنديين. لقد كان هذا كافيا لتدمير لبنان وفرض حصار جوى وبحرى عليها. وكذلك لاحظنا فى حرب غزة التى استمرت حوالى 23 يوما أن إسرائيل لم تتردد فى الكشف عن أهدافها ومنها إطلاق سراح جيلاد شاليط الذى كانت حماس قد أسرته من على الحدود الإسرائيلية فى 25 يونيو 2006م. ويتجلى أهمية الفرد حيا أو ميتا فى صفقات تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل حيث تم تبادل الأحياء بالموتى. ففى 17 يوليو 2008م أطلقت إسرائيل سراح خمسة سجناء من مقاتلى حزب الله مقابل جثث اثنين من جنود إسرائيل اللذين تم اختطافهما فى عام 2006م. وما يؤكد أهمية الفرد فى إسرائيل هو استعدادها لإطلاق سراح ألف فلسطينى محتجز فى سجون إسرائيل مقابل الجندى المختطف جيلاد شاليط أو— كما أعلن مؤخرا— الربط بين إطلاق سراح الجندى وفتح معبر رفح. أما ثقافتنا فهى لا تولى اهتماما بالفرد ولا تلتفت لأمنه وأمانه وهذا يتجلى فى مقولة إسماعيل هنية: "لو مات ودمرت كل غزة لن نستسلم".

لا شك أن الاهتمام بالألعاب الفردية يعكس أهمية الفرد فى المجتمع ويفسر لنا ما يحدث فى الصراعات الدولية التى تنشب لنصرة فرد من أفراد المجتمع. قد يكون الوقت مناسبا للحديث عن النظريات المختلفة التى تتبناها المجتمعات. إن المجتمعات الغربية تتبنى نظرية الفرد التى ترى أن الدولة تتولى رعاية وحماية حرية الفرد والتأكيد على أن يفعل الفرد ما يشاء طالما لا يتعارض ذلك مع حرية الآخرين. ويرى العالم الانثربولوجى رونالد سكولون أن التجربة الأمريكية قد أوضحت لنا أن الفرد هو أساس المجتمع. من الواضح أن هذا المناخ هو الذى أتاح ويتيح للفرد فى المجتمعات الغربية فرصة إحراز انجازات عظيمة والتوصل إلى اختراعات مهمة لعبت وتلعب دورا فى رقى وتقدم البشرية. أما المجتمعات العربية والإسلامية التى يستمد فيها الفرد أهميته من الجماعة أو القبيلة التى ينتمى إليها فإنها تقوم على نظرية الجماعة التى تؤكد أن الدولة لا تترك الحرية للفرد لتحقيق أهدافه الشخصية بل تحرص على أن يقوم الفرد بتقديم الخدمات للمجتمع


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى