الأربعاء ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم لمى نور الدين محمد

إني لأرى «ذيولا» قد أينعت..

(إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها...)
الحجاج بن يوسف الثقفي

عندما تقرأ تاريخ المنطقة العربية فإنك لن تدهش من سطوة أصحاب النفوذ و السلطة، و لا من سياسة حد السيف( لا) لأنك متمرس في أفلام (الأكشن) و الرعب بل لسبب يختلف قليلا..

إنك يا عزيزي تعيش الفلم (الواقع) ذاته، فأصحاب النفوذ ازدادوا، سرقوا و انتشروا، و سياسة حد السيف تركت مكانها للبوط العسكري ليكممك و يقفل فمك، سواء كان البوط محتلا لأرضك أو حاكما لها.

ليس هناك من داع للدهشة، و أنت تتمنى أن تعيش في زمن الحجاج أو غيره من الأبطال النموذج الذين (لم) تحرق أقوالهم كما أحرقت كتب – ابن رشد –.

ليس هناك من داع للعجب، و أنت تشهد واقع حضارة غربيّة من على أنقاض (حضارات) مستباحة.

 اليوم العالمي لمناهضة التعذيب..

 أجل، اليوم السادس و العشرون من حزيران (يونيو)...

 (و ده عطلة رسمية؟!).. (مافيش وظيفة ..حأقدر أشتغل على التكسي؟!).

 لا يا ( راجل)، هو يوم معنوي .

 معنوي .. أنا (عاوز أوكل العيال).

هذه الجمل التي نقلها لي صديقي المصري على لسان زوج أخته الذي يسكن المنطقة العربيّة، و الذي كغالبية السكان لم يسمع بأيام لا داع لها في تاريخ يعيد ذاته.

بالفعل نحن لا نحتاج إلى يوم كهذا.. لا تدهشوا و لا تنعتوني بعدوة الحريّة.

نحن لا نستطيع المشاركة في يوم يناهض جميع أيامنا، لأننا لن نستطيع رفض طقوس و تقاليد أدمناها و ألفناها.

التعذيب يلف حياتنا من لحظة تفكيرنا، إلى عملنا، و حتى إلى أسرة نومنا:

 لن نقدر أن نطوّر دولنا لأننا لا نستطيع أن نتكلم، و لأننا لا نستيطع أن نكتب.. الرقابة في كل مكان، و القائمون عليها لم يحدث أن كانوا من المثقفين.

 لن نجرؤ على المساس برب العمل الأحمق الأخرق الذي ربما كان يحصد الأصفار على نفس مقعدنا الدراسي..مقعدنا الذي خلف العاهات في أعيننا و في ظهورنا ..لنكتشف و بعد فوات الأوان أن ما أنفقنا عمرنا نتعلمه في الكتب كان أنصاف أكاذيب و أثلاث مضيعة للوقت.. الوقت الذي لا قيمة له في منطقتنا التي تحترم الغني و تبجلّه بغض النظر عن وطنيته أو خيره.

 لن تستطيع أنت يا أخي أن تتزوج من فتاة أحلام لا تحقق شروطك الدينيّة، و لن تقبل هي ببطل يعيش على الفتات..

لن تستطيعي أنت يا أختي أن تمارسي حقك الطبيعي في اختيار شريك للحياة، فالشروط التي تتحكم بحياتك أكثر تعقيدا، أما إن كنت من المتزوجات التعيسات فلا تطلبي عدلا من قانون ذكوري، و لا من مجتمع يفترض المطلقة عارا.

نحن لا نحتاج إلى يوم لنناهض التعذيب، لأنّ مقدساتنا هي نفسها التي استغلها من قام بتدميرنا.. فنحن نكره بعضنا، نكره اختلافنا، نقتل من لا يتفق معنا، نتحزب في عشرات الطوائف و السخافات الأخرى.. الجميع يدوس على معتقدات الجميع، ثم نطلب من العالم احترام معتقداتنا!

نحن يجب أن نخجل من طلب تبجيل لكرامة تنقصنا، يجب أن نسأل نفسنا أولا:

لماذا نكفّر جارا دينه يختلف، لماذا نبغض زميلا من طائفة الأخرى، لماذا تركنا صديقا ذي توجه سياسي آخر، لماذا نكره الناجحين و نلوّث سمعتهم، لماذا نكذب، لماذا لا نتطوّر، و الأهم :

لماذا صرنا ذيولا؟!

لماذا صرنا ذيولا؟!

نحن لا نحتاج إلى يوم لنناهض التعذيب، نحن نحتاج إلى مصحة نفسيّة لإعادة تأهيلنا علّنا نفتح عقولنا الموصدة على التاريخ بأكاذيبه و ترهاته..نحتاج إلى يوم نقف فيه مع أصحاب العقول الذين دفعوا حيواتهم ثمنا لفكر دسناه و نحن نبحث عن لقمة ذليلة هي من حقنا و من قوت أطفالنا.

أيّها الحجاج إنني أغبطك، بل و أحسدك أيضا على رؤيتك للرؤوس، فما عاد فينا رأس غير المكسور.

جميعنا( ذيول) حقيقيّة للحضارة المدنيّة العلمانيّة، نتبعها و نتبع ما تنعم علينا به، و نسبّها ..أجل نسبّها ..لأننا نكره الناجحين، و لأنها موجودة و بقوة في زمن تبخرنا، و تلاشينا.

و إنني أيّها البطل النموذج أقول:

(إني لأرى "ذيولا" قد أينعت وحان قطافها...)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى