الثلاثاء ٢١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم لطفي زغلول

الأسرى الفلسطينيون.. إلى متى؟

لا بد لنا أن ننطلق من تعريف مفهوم الأسير كما هو في القوانين والاعراف الدولية. للأسير تعريف واحد ينطبق على كل من ألقي القبض عليه من قبل الخصوم والأعداء سواء كان ذلك في غمرة القتال، أو الاستعداد له، أو الاغارة عليه في عقر داره،فهو عندئذ يكون أسير حرب. وفي العصر الحديث أقرت الانسانية والشرعية الدولية (اتفاقيات جنيف) بشأن أسس معاملة الأسير وبقية الاجراءات التي ينبغي على الآسرين أن يطبقوها عليه بحذافيرها، بما فيها حتمية منحه حق الحرية بالافراج عنه، والعودة الى وطنه وأهله مهما طالت مدة أسره.

وثمة فرق كبير بين الأسير والسجين. فالسجين هو شخص آخر يطلق عليه (سجين الحق العام) أي كل من ارتكب مخالفة قانونية أو جنحة أو جريمة أيا كانت وأمره يعود الى قوانين بلاده. وهناك السجناء السياسيون أو الموقوفون السياسيون جراء معارضة أو ممارسة سياسية أو اختلاف في الرأي. وفي العالم الثالث يكثر هذا الشكل من السجناء على خلفية انعدام الديموقراطية وغياب منظومة حقوق الانسان.

والأسير لا يحاكم ولا يحكم عليه بالسجن الا اذا ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه ارتكب جرائم حرب، أو جرائم ضد الانسانية، فساعتئذ تتولى أمره محاكم دولية خاصة بهذا النوع من المحاكمات وهي المخولة في البت في أمره. والأسير لا يعامل معاملة السجناء العاديين ولا يحشر معهم في سجونهم.

وانطلاقا من هذه المقدمة القانونية المبسطة جدا نعرج على قضية اسرانا الفلسطينيين في المعتقلات الاسرائيلية. فمنذ العام 1948 هناك حرب دائرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين عبر اساليب قتال مختلفة ومتنوعة. وجراء هذه الحرب وقع عدد كبير من القتلى والجرحى والأسرى من كلا الطرفين.

فيما يخص القتلى والجرحى، فثمة نسبة تعلو أحيانا وتنخفض أحيانا اخرى، وقد كانت على مدار كل الحروب الفلسطينية الاسرائيلية لصالح اسرائيل كونها لها جيشها المنظم الحائز على كل اشكال السلاح والقادر على استخدام كافة تقنيات الحروب. وأعداد القتلى والجرحى الفلسطينيين أضعاف أمثالهم من الاسرائيليين، وهذا ينفي عنهم تهم (القتل والاجرام) التي تصر اسرائيل على الصاقها بكثير من الأسرى الفلسطينيين.

وهذا الحديث ينطبق على الأسرى، فالملاحظ انه على مدار هذه الحروب كان جل الأسرى أيضا هم من الفلسطينيين لذات السبب الذي أشرنا اليه آنفا. وكانت هناك حالات محدودة ومعدودة لوقوع أسرى اسرائيليين في أيدي الفلسطينيين.

ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس دولة اسرائيل في العام 1948 حتى أيامنا الحالية قد انتهجت سياسة ثابتة تجاه الأسرى الفلسطينيين تتمثل في عدم اعتبارهم أسرى حرب، ودأبت على معاملتهم على أنهم (قتلة، مخربون، ارهابيون، ملطخة ايديهم بالدماء أو خارجون على القانون، أو خطرون، أو أعضاء في تنظيمات معادية).

وهكذا فان كل من وقع في يدها أو ألقت القبض عليه زجته في غياهب سجونها بعد أن قدمته الى محاكمهاالأمنية وأصدرت عليه أحكاما تتراوح مددها ما بين شهور الى سنين طوال وانتهاء بعشرات المؤبدات. وهناك في سجونها ومعتقلاتها فئة اخرى من الاسرى الفلسطينيين تطلق عليهم مسمى (الموقوفين اداريا) وهم لا يحاكمون وانما يمكن تجديد مدة موقوفيتهم وهي في الغالب ستة أشهر قابلة للتجديد التلقائي.

والحكومات الاسرائيلية دأبت على تصنيف الأسرى الفلسطينيين. فهناك فئة تقول عنها ان ايديها (ملطخة بالدم)، واخرى تقول عنها انها منتمية لهذا التنظيم أو ذاك، وثالثة تقول انها لن (تتوب) فيما لو تم الافراج عنها وستعود الى ارتكاب ما ارتكبته. ورابعة لا (تبدي ندما على ما اقترفته) وهذه الفئات في مجموعها ومن منظور اسرائيلي لا يمكن أن تدخل في أية تسوية لاطلاق سراحها.

وفي ذا ت السياق، وعلى خلفية هذا المنظور الاسرائيلي في تعاملها مع الاسرى الفلسطينيين فان ظروف اعتقالهم تظل احدى القضايا الانسانية اللافتة للنظر، والاكثر تأثيرا في الشارع الفلسطيني. فهي لا تخضع لاتفاقيات جنيف بأي شكل من الاشكال. وبناء عليه فلم يعد وصف احوال هؤلاء الأسرى ضربا من التخيل أو التخمين.

فالأسرى يعيشون في معتقلات نائية محاطة بالاسلاك احدى أهم سماتها الاكتظاظ الشديد وانقطاعها عن العالم الخارجي. وأما الظروف الحياتية فهي سيئة للغاية وتنعدم فيها أبسط الشروط لايواء البشر علاوة على عوامل العزلة، وانقطاع الاتصال بالأهل، كون الزيارات تخضع هي الاخرى لمعايير خاصة فرضتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة. وهذا يفسر الاضرابات المتلاحقة عن الطعام التي يقوم بها الأسرى بين الفينة والاخرى احتجاجا على هذه الظروف اللاانسانية.

ان الحكومة الاسرائيلية الحالية شأن سابقاتها وفي هذه المرحلة بالذات تضع العراقيل امام اغلاق ملف الاسرى الفلسطينيين. فهي من ناحية تضع اشتراطات ومعايير مرفوضة فلسطينيا. وهي من ناحية خرى تحاول أن تصور أن هناك ضغوطات عليها من قبل وزراء هم جزء من الائتلاف الحكومي، أو أن هناك رفضا من قبل الشارع الاسرائيلي، أو من يسميهم اعلامها (عائلات ضحايا الارهاب الفلسطيني) متناسية ومتجاهلة آلاف العائلات الفلسطينية الثكلى جراء ممارسات الاحتلال الاسرائيلي. وأيا كان الأمر فهذا شأن اسرائيلي داخلي يفترض أن تتم تسويته اذا كانت هناك رغبة جادة وصادقة في السلام.

ان موضوع الأسرى الفلسطينيين بالغ الأهمية، وهو جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية التي يطالب كل فلسطيني ويصر أن يوجد لها حل شامل وعادل، وهذا الحل لا يمكن أن يكتمل الا باغلاق ملف الأسرى الذي هو واحد من منظومة الثوابت الفلسطينية. فالفلسطينيون صغيرهم قبل كبيرهم لا يتصورون سلاما يحل في المنطقة دون آخر أسير يتحرر من المعتقلات الاسرائيلية. ومؤخرا سمعت أصوات اسرائيلية تنادي بالافراج عن كل الأسرى الفلسطينيين (لأنه بدونهم لا يكون سلام).

كلمة أخيرة، انهم أسرى فلسطينيون ، وليسوا سجناء عاديين. وليس لهم أية صفة اخرى سوى أنهم أسرى نضالات الشعب الفلسطيني. انهم لم يقاوموا الاحتلال والاغتصاب الا باسم فلسطين وباسم شعبها وهو حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والوضعية. ولا فرق بين أسير وأسير فكلهم أبناء فلسطين.

وأما المواصفات والمعايير والمسميات الاسرائيلية فهي تخص اسرائيل وحدها، وهي لا تتقاطع بأي شكل من الاشكال مع المواصفات والمعايير الخاصة بالعملية السلمية التي لا يضمن لها النجاح الا على أرضية نظيفة من الاضغان والاحقاد والمواقف التعصبية. والفلسطينيون أخيرا لا آخرا ليسوا مهزومين حتى يقبلوا بشروط الآخرين واملاءآتهم ومعاييرهم. ويظل السلام الحقيقي كفتي ميزان متعادلتين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى