الأحد ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم مصطفى أدمين

الإرْهابُ الآخر...

كانت التهمةُ تتبعُها أينما حلّت وارتحلتْ. بل كانت لصيقةً بها كما يلتصقُ الجلدُ باللحم. وبحكم أنّ عيْنايَّ كانتا – على الدوام – ملتصقتين بما تحملُه من (إرهاب)؛ كنتُ أنا الآخر مُتّهما... مَنْ تحملُ قنبلةً مؤقّتَة لا بُدَّ أن تكون محطَّ أنظار البوليس؛ ومن ينظر إلى قُنبُلتِها بإعجاب، لابُدَّ أن يكون مشكوكاً في أمره.
الخطورة كلُّها من (الإعجاب).

قلتُ لها ذات(نضالٍ) ونحنُ في فندق (أفود) بأكادير:

 قد تنفجِرُ قُنبُلتُك فيصير حالُنا كمثل حال فندق (آسْني) بمرّاكش.

فردّتْ:

 أتذكّر هذا الحدث الرّهيب؛ ولا أريد أن أتذكَّره... أنا أذّخِرُ قنبُلتي... أنتَ وحدَك من أنوي تفجيرَه.
فتملّكتني رهبةٌ لذيذة...أنا لا أريدُ أن أَموتَ من (الإرهاب الآخر)!

قد سبق أن عِشتُ أحداثَ 16 ماي بالدار البيضاء؛ ليلة َ اشتعلتِ السماءُ بنيران التفجير، وأمطرتْ أشلاءَ أبناء الوطن.

وشاهدتُ الأحداث الدموية التي عاشتها قطارات مدريد إسبانيا. وقبلها أحداث 11 شتنبر التي غيّرت سياسة العالم الأمريكي تُجاهَ الإسلام والمسلمين.

الإرهابُ العسكري أو السياسي أو العقائدي لا تاريخ له، ولن يكون له تاريخ؛ وحتى إن كان له تاريخ، فلا أحد يحِبُّ أن يطّلِع عليه؛ لأنّه حقير ودون الإنسانية... أمّا (الإرهاب الآخر) فهو مدمّر ومع ذلك فيه شيءٌ من الإنسانية، وله خاصِّيتان رائعتان:القابلية للتدوين والقابلية للإمتاع.

في فندق (أفود) هناك القتال على أشدّه وتقتيلٌ من نوع ٍ آخر:الأنثى تقتل الأنثى والأُنثيان تقتلان الذكر.

دخلتْ فاطمة الزهراء كاشفةً عن حزامِها الناسف من دون حرج ولا خوف. وجلستْ لَصْقي. ومنطقتْني بذراعها الغارق في البياض. هل خفتُ من أن ينفجرَ حِزامُها وينسِفَني؟ لم أخف... بل خفتُ... لا! لم أخف... بل تمنّيتُ ألاّ ينفجِرَ الحزامُ لكيْ لا أموتَ ميتةً غبيّة في نثار اللحم واللذّة الموبوءة... لكَيْ لا يتدنَّسَ (البياضُ).

ثمَّ دلفتْ مديحة برمّانتين ناريَتيْن على صدرها الصغير، وبرسوم نباتية على ظهر يديْها بالحِنّاء؛ وقبّلتْ رأسي، وجلستْ لصقي، ثمَّ سحبتْ صمّام أمان القنبلتين...

كُنّا في ثالثِ ليلةٍ من ليالي عيد (التضحية) سنة ألفٍ وكذا مئة من سنين (الهجر)، والحُبُّ المُزيّفُ فيّاضٌ، والقتلُ الرحيمُ مُباحٌ، وكلٌّ من (مُناضلات) الشعب تمنطقتْ بسلاح، على الرغم من أن الوقتَ (إسلام).

قبل يومين، قتلتُ... ولمّا أخبرتُ (سُعادَةَ التفجير) بما فعلتُ؛ أشهرتْ في وجهي هذا السؤال:
 أ تقتُل كائناً بريئاً بدل أنْ تقتُلَ من هُمْ أحقّ بالقتل؟

كانت تُشيرُ إلى من اغتصبواْ طفولتَها، براءَتَها، أنوثتَها وزجّوا بها في خلايا التنظيمات النسوية السرِّية، وجعلوا منها امرأة تقتل الرجال والنساء من أجل أن تعيش.

ففاجأتنا ذاتُ الرُّمّانتين بقولِها:

 الجرائم التي يرتكبُها الرجال في حقِّنا كبيرة ولا حصر لها عبر التاريخ؛ ولا بُدَّ من أن يدفعواْ الثمن.
فتجرّأتُ على سألِها:

 هل تعتقدين بأنّ الرجلَ عدوّ المرأة؟

فردّت من دون تردُّد:

 نعم.

ولمّا قلتُ لها بأنّ (الرجل) هو والِدُها... قاطعتني:

 إنّ أوّل من يستحقّ القتل هو بالذات والدي لعنه الله... السكّيرُ المخمور على الدّوام...
 أنا أفهم (قلتُ لها) بالله عليك أن تُرجعي صمّام الأمان إلى رُمّانتيْك وإلاّ ذهبْناُ مع الريح.
في الإرهاب العسكري والسياسي والعقائدي أحداثٌ وقتلى بعدد؛ ولكن في (الإرهاب الآخر) أحداثٌ دامية يومية وقتلى بعدد لا يُحَدّ.

يرى الناسُ الإرهابَ في طائرة، في قطار، في قطاع، في رسم وضيع لنبيٍّ عزيز، في سجن من سجون أبو غريب، في جرّافة صهيونية تقتلعُ شجرة زيتون، في مذبحة مدينة العيون المغربية، في منع الدول الإسلامية من تملُّك السلاح النووي، في اغتيال العقول العربية والإسلامية من طرف أعداء العروبة والإسلام... إرهاب... إرهاب... إرهابات في كلِّ بقاع العالم.

صحيحٌ أنّ أعظم وأجْبن إرهاب هو إرهاب الدّولة، ولا إرهابَ أفضع من إرهاب إسرائيل ضدَّ الدولة الفلسطينية وشعبِها؛ ومع ذلك، هنالك (إرهابٌ آخر)؛ الإرهابُ اليومي ما بين الوصْلات الإشهارية الجنسية، والأغاني الشبقية، ودُمى المتاجر النسوية، والدُّمى الحيّة القابعة في خمّارتٍ من قبيل (أفود) و(بار العجزة)، والأجساد الدائرية المبعثرة على شاطئ أكادير، وهلم جرّا للأرداف الكورنيشية...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى